بوابة الوفد:
2025-05-28@18:35:27 GMT

حكايات من قلب غزة

تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT

مديرة مدرسة الشجاعية الثانوية: فقدنا منازلنا في الحرب وسنبنيها من جديدسكان غزة: شكرًا لمصر على عدم تنفيذ مخطط التهجير

آن لغزة أن تستريح.. بعدما لوّح حديث الهدنة بالأفق كفصل جديد في مُجلّد الألم، على أرضٍ اختلط فيها غبار الركام بدماء الشهداء، وبين أنقاض بيوتٍ كانت يومًا مأوى للأحبة، والآن تحكي صمتًا أشدّ وقعًا من الكلام، وفي سماءٍ لم تعرف سوى دخان القذائف، وفي ظلال أيامٍ أثقلتها أوجاع الحصار والدمار.

. فقد وقف شعبها منهكًا بين أملٍ لا يجرؤ على التصديق، وخوفٍ من سلامٍ هش لا يحمل سوى خيبة جديدة في بُقعةٍ أبيّة لا تُستقبل الهُدن كوعودٍ بالسلام، بل كتوقفٍ مؤقت عن نزيفٍ لا ينقطع ودماء تُراق على مرأى ومسمع من العالمِ أجمع، وجثث متناثرة كفُتات وجبة دسمة على مائدة افترشها الجوعى.. آن لغزة أن تهدأ من صراخ الجرحى وأنين الثكالى وبكاء اليتامى ونوح الطيور المحاصرة وهي تموت علانية بلا رحمة أو شفقة.. آن لغزة أن تُوقف آلة حصد الضحايا الذين لا ذنبَ لهم سوى أنهم تشبّثوا بوطنٍ وُلدوا وعاشوا فيهِ.

استمعت "محررة الوفد" إلى أصواتٍ اختبرتها المآسي، حملت وجع وطنٍ جريح، عبّرت عن نبض شعبٍ يعيش بين الحصار والموت، ولا يزال ينتظر، بقلوبٍ متعبة، عدالةً غابت عن أرضه طويلًا.. ومع بدء تطبيق الهدنة عاد الأمل في غدٍ أفضل يُداعب مخيلاتهم، فرحين بحلم العودة.

حكايات أهل غزة من رماد الحرب إلى شمس الإعمار

هذا الملف يسرد حكايات أهل غزة من رماد الحرب إلى شمس الإعمار وينقل معاناة البداية وآمال المستقبل ليكون شاهدًا على قصص صمود وإصرار في وجه التدمير والتحديات.

"ستظل غزة معجزة في الصبر ومعجزة في الأمل ومعجزة في العودة إلى الحياة من جديد".. بكلمات تنم عن إرادة فولاذية وعزيمة لا تُقهر أعربت أمل عايد البطنيجي، مديرة مدرسة الشجاعية الثانوية، والتي تقيم بمنطقة دير البلح، عن سعادتها باتفاق الهدنة قائلة: «استقبلنا خبر الهدنة بقلوب مليئة بالفرح والسعادة والأمل، بعد أن عشنا معاناة قاسية وطويلة استمرت أكثر من عام وثلاثة أشهر من الحرب والدمار، وسعدنا بعودة أسرانا الأبطال، كانت الأيام ثقيلة، والشهور مرهقة، لكننا رغم ذلك لم نفقد الأمل في أن يأتي يوم ينقلب فيه الحال وتتحقق رغباتنا في السلام والاستقرار. اليوم، ونحن نرى أن الهدنة قد تحققت، نأمل أن تكون بداية لعهد جديد من الاستقرار الحقيقي والدائم، وأن تفتح أمامنا أبواب الأمل لبناء ما تهدم واستعادة ما فقدناه».

أمل عايد البطنيجي

بصوتٍ مبحوحٍ نالَ منه ألمٌ جمٌّ استكلمت صاحبة الـ57 ربيعًا حديثها لـ"الوفد" قائلة: «الحرب أفقدتني أخي وأقاربي وأصدقائي وأعز الجيران، فقدت بيتي وكل ما أملك، ورغم كل هذا الألم، أحتسب ما فقدته عند الله، وأعلم أن شهداءنا أحياء عند ربهم يرزقون.. فكل ما مررنا به كان أكثر من مجرد فقدان، بل كان عبارة عن ألم عميق يعصف بالروح. نحاول أن ننسى ونتصالح مع الواقع، لأن ما مضى لا يمكن استرجاعه، وكل ما تبقى هو المحاولة للبقاء واقفين رغم كل شيء. بعد كل هذه التضحيات، وبصعوبة بالغة، نبدأ في الاستعداد لما هو قادم، فلا أحد يستطيع تخيل حجم الدمار والخراب الذي سنعود إليه. العودة إلى غزة ستكون بمثابة العودة إلى نقطة الصفر، بل تحت الصفر، فالوضع يتطلب قوة وصبر، بل يحتاج إلى ما يفوق القدرة على الاحتمال، ويبقى في قلوبنا أمل كبير بأن البيوت والأملاك التي تهدمت ستُعاد، وأن الأجر الذي ننتظره عند الله هو أعظم مما نتصور».

أفصحت "البطنيجي" عن معاناة أهل غزة في الحرب قائلة: «لقد انقلبت حياتنا رأسًا على عقب بعد السابع من أكتوبر، حين تحولت أيامنا التي كانت هادئة ومليئة بالأمان إلى كابوس مرير لا ينتهي. اضطررنا لترك بيوتنا وأرضنا، وشرعنا في رحلة نزوح شاقة نحو الجنوب، حيث عاشرنا ظروفًا قاسية تكاد لا تُحتمل، فقد فقدنا أبسط مقومات الحياة، لا ماء، ولا كهرباء ولا غاز، حياة بدائية بكل معنى الكلمة، وكان الإجرام قد بلغ أقصى درجاته حين قطعوا عنّا حتى مصادر المياه التي هي حقنا الطبيعي. أما الأوضاع الأمنية، فقد كانت في غاية القسوة، إذ كانت أصوات القصف تتردد في كل مكان، وتحاصرنا من كل حدب وصوب. ومع كل هذه التحديات، نجونا من هذه الحرب اللعينة بأعجوبة؛ لا يمكن تلخيص ما عانيناه في سطور، فكل لحظة مرت علينا كانت تحمل في طياتها المزيد من الألم والمصاعب. ربما تكشف صفحاتنا بعضًا من معاناتنا التي عشناها طوال هذه الفترة، لكن الكلمات تبقى عاجزة عن نقل الصورة الكاملة لما عايشناه. ومع ذلك، وبرغم كل ما عانيناه، لا يمكن إنكار أن هناك شعورًا بالارتياح قد بدأ يلوح في الأفق بعد الهدنة، على الرغم من الحذر والترقب الدائمين اللذين لا يفارقانا. فالأمل، وإن كان هشًا، بدأ يعود شيئًا فشيء، لكن الجراح التي تركتها هذه الحرب ما زالت تؤلمنا».

وأضافت: «واجهنا الكثير من التحديات، أصعبها وجودنا في الجنوب بعيدًا عن بيوتنا وأرضنا، حيث لا نزال نعيش في ظروف قاسية ومؤلمة. ومع الإعلان عن الهدنة، أصبح لدينا أمل ضئيل في العودة بعد أسبوع من سريانها، ولكن يبقى الأمل في أن تكون هذه العودة آمنة، رغم التحديات الكبيرة التي قد تواجهنا. وأبرزها توفير وسائل النقل التي تساعدنا في العودة، فنحن نعلم أن هناك صعوبة كبيرة في تأمينها في ظل هذه الظروف الصعبة. والأصعب من ذلك هو أن العودة ستكون إلى بيوت مدمرة، وإلى شوارع محطمة، حتى المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية أصبحت خرابًا، ما يجعلنا ندرك أن مشوارنا في إعادة بناء حياتنا سيكون طويلًا وشاقًا».

واستطردت: «ستكون الهدنة خطوة مهمة نحو أماننا واستقرارنا، سنُحاول استعادة حياتنا الطبيعية، والبدء من جديد في السعي لكسب الرزق والعودة إلى العمل. لكن في ظل الوضع الراهن، تبقى لنا احتياجات كبيرة وعاجلة للغاية، ولا يمكن التغلب عليها أو تلبية متطلباتها دون دعم ومساندة حقيقية من الأطراف الدولية الداعمة. إن إعادة الإعمار أصبحت أمرًا لا بد منه، وهي ضرورة ملحة وعاجلة بالنظر إلى حجم الدمار الهائل والشامل الذي لحق بالبنية التحتية والمنازل والاقتصاد. نأمل أن يكون هذا المشروع إعادة إعمار شاملة وعاجلة، ليس فقط من حيث الموارد المالية واللوجستية، بل من حيث الثقة في قدرة المجتمع الدولي على الوفاء بوعوده. نحن نواجه أوضاعًا صعبة للغاية، تفوق القدرة على التحمل، ولا تحتمل المزيد من التأجيل أو الانتظار. لذا، نعلق أملنا على الله أولًا ثم على دعم العالم بأسره لإعادة بناء ما تهدم، وتخفيف معاناة الناس الذين لا يزالون يُصارعون في انتظار فجر جديد».

أمل عايد مع حفيديها

وواصلت: «من بواطن المحن تُولد المنح، حيث إنني رُزقت بأول حفيدين في هذه الحرب، فتُوِّجت حياتنا بقدوم حفيدتي من جهة ابني وحفيدي من جهة ابنتي. ورغم كل الظروف الصعبة، يبقى لدينا أمل بالله. حفيدي، الذي عمره الآن عشرة أشهر، لم يرَ والده بعد، لأن والده لا يزال في غزة، ولم يجتمع به بعد. ولكننا نثق أن الله سيجمع شملنا قريبًا، بإذنه ورعايته. أما حفيدتي، فهي الآن في عامها الأول وشهرها الثاني، وقد كانت ثمرة من ثمرات الحرب، رمزًا للأمل والحياة في ظل الصعاب.. فكان يوم ولادتها مغامرة حرب، ففي منتصف الليل، وبينما كانت أصوات القصف والضرب تملأ الأجواء، اضطررنا للخروج بأمها في وقت لا يرحم، وكانت المستشفى في منطقة النصيرات وسط قطاع غزة، ونحن في حالة من العجز التام عن الحصول على أي وسيلة اتصال. كان كل شيء محاطًا بالظلام والضباب، ولا ندري كيف سنتمكن من الوصول. لم يكن هناك إسعاف ولا وسيلة نقل، وكان الخوف يعترينا في كل لحظة. ومع كل هذه الصعوبات سلمنا ووصلنا إلى بر الأمان بألطاف الله ورعايته، ومرت تلك اللحظات التي كانت أقرب إلى المعجزة، تاركة في قلوبنا ذكرى لا يمكن أن تُنسى، تذكرنا دائمًا برحمات الله التي تحيط بنا في أشد اللحظات قسوة».

وعن دور المؤسسات الإنسانية والإغاثية خلال فترة التصعيد أشارت إلى أنها لعبت دورًا محوريًا في تقديم الدعم للناس، ساعية بكل جهد لتوفير احتياجاتهم الضرورية في ظل تلك الظروف القاسية. ورغم كل ما بذلته هذه المؤسسات من جهود، إلا أن خدماتها لم تكن بمستوى المعاناة الكبيرة التي كان يواجهها الناس، حيث كانت الأوضاع بالغة الصعوبة، وتضاعفت التحديات بسبب غياب الأمن في بعض المناطق، مما جعل من المستحيل إيصال المساعدات بسلام، سواء بسبب حصار الاحتلال أو بسبب تفشي ظاهرة اللصوصية التي ظهرت بقوة في هذه الحرب. تلك الظاهرة التي استغلت غياب رجال الشرطة وتعرضهم للقصف، مما زاد من صعوبة الوضع وأدى إلى إعاقة عمليات الإغاثة والإمداد، ليصبح الأمل في النجاة شبه معدوم».

وواصلت: « مستقبل غزة هو بين يدي أبنائها الأبطال، الذين سيصنعون لها مجدًا في السّلم كما صنعوه في الحرب. غزة التي لم تهن يومًا في مواجهة التحديات، ولن تهون مهما كانت الظروف أو المحن، ستظل شامخة صامدة، عصية على الانكسار.. إيماننا وثباتنا في مواجهة الصعاب كان وما زال ركيزتنا في الصمود. وسنمضي قدمًا نحو الحياة، متحدين كل محاولات الإضعاف، لنصنع للأجيال القادمة مستقبلًا يستحق الحياة؛ مستقبلًا مشرقًا يعكس صبرنا وقوتنا، ويُؤكد أن غزة ستظل دائمًا في طليعة من يسعى للحرية والكرامة».

اختتمت "أمل" حديثها: «بكل حب وإخلاص، نًثمن جهود الرئيس عبدالفتاح السيسي، في دعم قضيتنا وحفظ حقنا الثابت في أرضنا ومقدساتنا، فقد كانت المفاوضات في غاية الصعوبة، واستدعت جهدًا كبيرًا من قيادات مصر العظيمة، الذين تحملوا مسؤولية الوساطة ببراعة وحكمة. ونأمل أن يستمروا في المتابعة ومواصلة الضغط لضمان أن يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.. ونوجه رسالتنا إلى شعب مصر العظيم الذي تعاطف معنا بشكل لا يوصف، نشكركم من أعماق قلوبنا على وقفتكم إلى جانبنا في هذه الأوقات العصيبة، ونرجوا أن تواصلوا دعم صمودنا وتضحياتنا في مواجهة الاحتلال. نناشدكم ألّا تنخدعوا بمحاولات الالتفاف على حقوقنا أو التهاون في قضيتنا العادلة، لأن دماء شهدائنا وآلام جرحانا، ومعاناة شعبنا، يجب أن تبقى في ذاكرة كلّ من يسعى إلى العدل والحرية. أنتم الأخ الأكبر لنا والأقرب إلينا، الجار الذي لطالما وقف معنا.. فلسطين ليست قضية شعبنا وحده، بل هي قضية كل عربي حر، ودماء الشهداء التي روت الأرض هي أمانة في أعناقنا جميعًا، ولن نسمح بأن تهدر هذه التضحيات تحت أي ظرف».

هدنة حقيقية

بينما قالت هبة حمدان، أحد سكان قطاع غزة، والتي تبلغ من العمر 37 عامًا: «نأمل بصدق أن تكون هذه الهدنة، حقيقية وفعّالة على أرض الواقع، بحيث لا تُخترق ولا يتعرض أي من بنودها للتلاعب أو التراجع. فقد عشنا تجارب مريرة مع اتفاقات سابقة، حيث تم الإعلان عن هدنة لفترة قصيرة، وفي بعض الأحيان، بعد مرور أسبوع فقط، تم اختراقها من جديد، ما ألحق بنا مزيدًا من المعاناة. فكلما أعلنا عن هدنة، كان الهدوء يخيم لفترة قصيرة، ثم يعقبه تصعيد يستهدف المدنيين في غزة، ليبقى الأمل هشًا والوعود بلا قيمة. لذلك، ندعو الله في كل لحظة أن يكون وقف إطلاق النار دائمًا، وليس جزئيًا أو مؤقتًا، وأن تكون هذه الهدنة ملزمة لجميع الأطراف، بحيث لا نشهد بعد اليوم أي اختراق أو تراجع يعيدنا إلى دائرة العنف. معاناتنا كبيرة، ولا نريد أن يتكرر ما حدث في الماضي، نريد حلاً حقيقيًا يوقف نزيف الدماء ويمنحنا الفرصة للعيش بسلام بعيدًا عن أي تهديد، ونعلق آمالنا على أن تكون هذه اللحظات محطة للسلام الدائم، وأن تُسهم في وضع حدٍ لمعاناتنا التي طال أمدها».

وتابعت: «لا أحد يستطيع تخيل حجم المعاناة التي يعيشها الناس هنا، فالمعاناة لا تتوقف عند مجرد فقدان الأمان، بل تتعداها إلى أسس الحياة اليومية. حمامات غير موجودة، ومياه شرب نظيفة غائبة تمامًا، وحتى الصرف الصحي أصبح في الشوارع، في مشهد لا يمكن تصوره في القرن الواحد والعشرين. الكثير من الناس يعيشون في خيام بالية في ظروف غير إنسانية، ولا تكاد تجد غذاءً كافيًا لتلبية حاجاتهم الأساسية، فقد ضربت المجاعة غزة من شمالها إلى جنوبها. الوضع يتطلب تدخلًا عاجلًا، مثل إدخال المعدات الثقيلة لرفع الركام عن الطرقات لكي يتمكنوا من الوصول إلى جثامين الشهداء الذين لا يزالون تحت الأنقاض. معسكر جباليا، مثل العديد من المناطق الأخرى، يعاني من دمار هائل، حيث الشهداء مدفونون في الشوارع، في الأسواق، وفي ساحات المستشفيات والمدارس. لكم أن تتخيلوا المدة الطويلة التي تحتاجها فرق الإنقاذ لنقل رفات الشهداء من هذه الأماكن العامة إلى مثواهم الأخير.. فالناس هنا يعيشون في جحيم لا يمكن تحمله».

وأكلمت: «في حال استمرّت الهدنة، ستوفر نطاقًا من الأمان لم يكن موجودًا في ظل القتال المستمر، مما سيسمح للناس بالتحرك بحرية وأمان. فالأمان، الذي نعتبره اليوم من أكبر النعم، هو شيء لا يدرك قيمته إلا من فقده. أن تستيقظ يومًا وأنت تشعر بالأمان، أن تتحرك في الشوارع دون خوف، أن تقضي حاجاتك اليومية دون قلق، وأن ترى أهلك وأحباءك وأنت مطمئن على حياتهم، كل هذا لا يقدر بثمن، ستمنحنا الهُدنة فرصة لاستعادة بعض من إنسانيتنا المفقودة في ظل الحرب، فنتمكن أخيرًا من دفن أبنائنا وأحبائنا الذين قضوا في هذا الصراع بطريقة لائقة، دون الحاجة إلى الخوف من القصف أو الموت المفاجئ. ستتيح لنا الهدنة أيضًا أن نتنفس قليلًا، وأن نعيش لحظات حزننا بطريقة أكثر إنسانية، فنستطيع التواجد مع جيراننا وأصدقائنا لنواسي بعضنا بعضًا.. الهدنة هنا ليست مجرد وقف لإطلاق النار، بل هي فرصة حقيقية لاستعادة جزء من الأمل والحياة».

وأنهت: «نأمل أن تكون الهدنة فرصة يتنبه فيها الجميع إلى ضرورة التحرك الفوري لتقديم الدعم والمساعدة لشعب فلسطين في هذه اللحظات العصيبة. فالعالم الآن أمام اختبار حقيقي، والفرصة سانحة لتوصيل المساعدات الطارئة إلى أهل غزة، بدءًا من فرق الأطباء المختصين الذين يحتاجهم المصابون في مختلف المجالات الطبية، مرورًا بإدخال المعدات الثقيلة التي يحتاجها الدفاع المدني لرفع الأنقاض وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. كما أن هناك حاجة ماسة لتوفير البركسات والخيام بشكل عاجل لإيواء الناس الذين فقدوا منازلهم، إلى جانب المواد التموينية الأساسية ومواد النظافة الحيوية.. هذه مسؤولية تقع على عاتق العالم العربي والإسلامي بأسره، لأن هذه البقعة الجغرافية التي طالما دافعت عن شرف الأمة، تستحق منا جميعًا وقفة حقيقية لرد الجميل وتقديم الدعم في وقتها الأكثر حاجة. فالكلمات وحدها لن تكون كافية لتخفيف الألم، ولكن العمل الجاد والمستمر هو ما سيبعث في نفوس أهل غزة الأمل ويعطيهم القوة للوقوف من جديد».

عهد جديد

تبادلت محررة الوفد أطراف الحديث مع الصحفي سائد أبو محسن، عضو نقابة الصحفيين الفلسطنيين، حيث قال: «صباح الأحد هو بداية عهد جديد، خالٍ من المجازر والدمار والتطهير العرقي، فقد آن لشمس الحرية أن تُشرق دون ويلات الاحتلال، بعد مرور ٤٦٨ يومًا من الألم والحزن والفقد والدمار.. إنه قرار صائب تحقق بفضل مفاوضين مخلصين ومثابرين، ونحن نرفع أكف الدعاء إلى الله أن يفتح لنا بابًا جديدًا من الأمل والاستقرار».

سائد أبو محسن

بحديث عن الفقدان ينخَرُ في سُويداء قلب مكلوم أضاف "سائد": «فقدت معظم أصدقائي وأحبتي، وأبناء عائلتي وأنسبائي، في هذه المحنة العصيبة التي مرت بنا. ولكنني أسأل الله العلي القدير أن تكون المرحلة القادمة مرحلة خيرٍ وبركةٍ لغزة، مرحلة إعمار وعودة الأمل. مرحلة تعم فيها بشائر الأمل والتعافي وتلتئم فيها شمل العائلات التي فرقتها الحرب وتزدهر الأرض من جديد، حيث إننا – حتى اللحظة - نعيش بكرامة وعزة دون خيام، ونسعد بحياة مستقرة ومزدهرة على أرضنا الطاهرة، وعلى أنقاض بيوتنا التي كانت يومًا ملاذًا لنا وشاهدًا على صمودنا، ولكنها اليوم أملٌ ننتظر إعادة بنائه».

سائد أبو محسن

وفي ختام حديثه قال الصحفي سائد أبو محسن: «نوجه كل كلمات الشكر والحب والامتنان للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على وقفته الجريئة والشجاعة في التصدي لمحاولات تهجير الشعب الفلسطيني إلى سيناء، ودعمه المتواصل واللامحدود لفلسطين وشعبها، ليس فقط خلال أيام الحرب، بل وقبلها أيضًا. لقد كانت مصر دائمًا، وستظل، الحاضن الأول للحق الفلسطيني، والمساند الأمين في أحلك الظروف. مصر وفلسطين هما يد واحدة، جسد واحد وروح واحدة، بإذن الله. تحيا مصر، رئيسًا وحكومة وشعبًا، على مواقفها الشجاعة والمبدئية في الوقوف إلى جانب الحق».

طوق نجاة 

"الهدنة أتت كطوق نجاة للمكلومين".. بهذه الكلمات بدأ الفلسطيني "خالد خليل"، 32 عامًا، من معسكر جباليا تل الزعتر، حديثه لـ"الوفد" قائلًا: "منحتنا الهُدنة فُرصة للراحة بعد معاناة استمرت طويلًا، وبعثت في نفوسنا شيئًا من الأمل في غدٍ أفضل. ونحن على يقين بأنها ستكون بداية لمرحلة من الاستقرار، بفضل الجهود المخلصة التي بذلتها الدول الصديقة والشقيقة مثل قطر ومصر، التي لم تدخر جهدًا في دعم قضيتنا والعمل على ضمان تحقيق الأمان والهدوء في منطقتنا. إن دعمهم المستمر وسعيهم نحو تعزيز التفاهم بين الأطراف المعنية يعطينا الأمل في أن تكون هذه اللحظة بداية لإعادة بناء ما تم تدميره، وأن نعيش في أمن واستقرار، بعيدًا عن ويلات الحروب وآلامها».

الفلسطيني خالد خليل وأولاده من قلب غزة

وواصل: «تنتظرنا تحديات كبيرة في ظل غلاء الأسعار وقلة البضائع المتوفرة في الأسواق، ولكننا نأمل أن تُساهم المساعدات القادمة من دولة مصر في تحسين الوضع قليلًا، فالحرب التي استمرت طويلًا ضغطت على الجميع وأثرت على حياتنا بشكل كبير، حيث أدت إلى تفشي العديد من المشاكل الأسرية والاجتماعية بين الأصدقاء والأهل، حيث أصبح الناس يعانون من التوتر والضغط النفسي الشديد بسبب الظروف المعيشية الصعبة. والحقيقة أن الهدنة جاءت متأخرة جدًا، فنحن نعاني ونموت منذ أكثر من عام، قضيناه تحت وطأة القصف والدمار، في ظل غياب أي بصيص أمل للحل. ومع ذلك، ورغم كل المعاناة، نأمل أن تكون الهدنة تكون بداية لاستقرار طال انتظاره.. ولكننا نعيش الآن حالة من الترقب الحذر، فخوفنا من عودة العدوان يبقى قائمًا، فلا يمكننا الوثوق بعدوٍ لا يُؤتمن».

واستكمل: «أن الأضرار المادية التي خلفتها الحرب كانت ضخمة للغاية، فالوضع أصبح أشبه بكارثة اقتصادية شاملة، فلا توجد مصادر دخل كافية، وبالتالي لا يوجد أي أمل في جمع المال لإعادة بناء البيوت التي دُمرت بفعل العدوان. خسرتُ مصدر رزقي الذي كان يعيل أسرتي، كما خسرتُ منزلي بالكامل، الذي كان يمثل الأمان والملاذ لعائلتي. مع كل هذه الخسائر، أصبحت الأولوية بالنسبة لي هي النجاة بحياتي وحياة أولادي، إذ أصبحنا نعيش في ظروف صعبة للغاية، يسودها الخوف من المستقبل والقلق من المجهول. لكننا في الوقت ذاته نحتفظ بالأمل أن يكون في المستقبل فرصة للبدء من جديد».

وأضاف: «بارك الله في الأشقاء في مصر وقطر، فقد كانت جهودهم المخلصة هي التي أسهمت في تحقيق هذه الهدنة، وما كانت لتتم لولا دعمهم الكبير والمستمر. ولولا تضامنهم ووقوفهم بجانبنا، لما توقف القتل والدمار الذي عانينا منه طيلة فترة الحرب. إنهم كانوا السند الذي احتجنا إليه، فبفضلهم تحقق بعض الأمل في وقت كانت فيه الإنسانية قد غابت، واستطاعت جهودهم أن تضع حدًا لتلك المعاناة. فمساندتهم لهذه القضية كانت حاسمة، وكان لهم دورٌ محوري في إيقاف آلة الحرب، ونأمل أن يسهم الاتفاق في حماية المدنيين وتحقيق الأمان، فنحن نثق أن مصر، بصفتها الجهة الضامنة للاتفاق، ستظل دائمًا الحامي لشعبنا، وستعمل على ضمان عدم تكرار العدوان والجرائم بحق الأبرياء. هذا الاتفاق يعد فرصة حقيقية لبناء مستقبل يسوده السلام والكرامة،  نحلم بعيشٍ آمن ومستقر بعيدًا عن صراع لا نهاية له».

الشاب الفلسطيني خالد خليل

"سيتم إعمار غزة بجهود مصرية"..  بهذه الكلمات اختتم الشاب الثلاثيني حديثه قائلًا: «ستظل جهود مصر هي القوة الدافعة لإعادة إعمار غزة، حيث ستنطلق من أرض مصر الحبيبة إشراقة الأمل، لتبني من جديد ما دمرته يد العدوان. مصر، بتعاونها المستمر والمخلص، ستكون دائمًا حاضرة لإعادة بناء غزة وتوفير بيئة آمنة ومستقرة لأهلها، لتعود إلى مجدها من جديد.. كلمة حق يجب أن تقال، لولا موقف الرئيس عبدالفتاح السيسي الصامد والحازم منذ بداية الحرب على غزة، لما كانت الأرض الفلسطينية قد بقيت، ولما كانت غزة قد صمدت.. كل الشكر والتقدير موصول للحكومة المصرية والشعب المصري الصادق، ولرئيس مصر البطل، الذي أثبت في هذه المحنة أنه الحامي والمدافع عن القضية الفلسطينية، ومنع محاولات تهجير شعبنا أو التفريط في حقوقه.

تحديات

 من جانبها قالت الشابة الفلسطينية لجين الرخاوي لـ"الوفد": «لقد مررنا بأحداث شديدة التأثير على مدار عام وثلاثة أشهر، فقدنا فيها أحباءً تركوا في قلوبنا فراغًا لا يُسد أبدًا.. والآن جاءت الهدنة ولا يمكن للكلمات أن تعبر عن مقدار الألم الذي عايشناه. كم روحًا فقدنا، كم أحبة رحلوا ولم يعودوا، وكم من الأيام مرّت علينا وكأنها سنوات طويلة، في ظل قسوة الفقد والحرمان. كم من قلوب تحطمت لرحيل أغلى الناس، وكم من أحلام تمزقت وتبددت بسبب حربٍ سلبت منا الكثير؛ سلبت أرواحًا وأعمارًا، وحياةً ومستقبلًا.. الحقيقة أننا لم نصدق الهدنة بسهولة بسبب محاولات التفاوض الكثيرة التي فشلت كل مرة، وجاءت لتُجدد فينا الأمل المخذول. لكن رغم كل هذا فإن إيماننا بالله لا يتزعزع، ويقيننا بأنه سيعوضنا عن كل ما عانيناه من صبر وألم، ويمنحنا جبرًا واستقرارًا بعد مشقة طويلة وتعب لا يوصف».

وأضافت: «إبان الحرب كل لحظة مررنا بها كانت بمثابة تحدٍ بحد ذاته؛ وما تحملناه من أعباء ومسؤوليات كان فوق طاقتنا.. ورغم أننا نشعر ببعض الراحة مع تنفيذ الهدنة، إلا أننا ما زلنا نواجه تحديات عصيبة يومًا بعد يوم، ولا يمكن حصرها بالكلمات، ولا يزال صمودنا يختبر في كل مرحلة جديدة. لكننا مستمرون، رغم كل الصعاب، في مسيرتنا نحو استعادة الأمن والاستقرار».

واختتمت لجين حديثها بكلماتٍ أفاضت ألمًا وأفاقت المدامعٌ وانهملت لها العيون قائلة: «قلوبنا مفجوعة من فقدان الأحبة، من فقدان المنازل التي كانت يومًا ملاذًا للسكينة، ومن فقدان العائلات التي تمزقت جراء الحرب، فكل لحظة تمر تزيد من شعورنا بالعجز أمام هذا الوجع الذي يعم الأرجاء، ولا نعلم إلى أين سنذهب أو كيف سنواجه غدًا في ظل هذا الظرف الذي لا يحتمل».

8 شهداء

"قصفوا البيت على رؤوسنا، وبينما كُنّا نحاول النجاة، سقط منا ثمانية شهداء".. بهذه الكلمات المفعمة بالحزن والأسى بدأ الدكتور منذر إسماعيل العامودي، 46 عامًا، من سكان شمال غزة، حديثه للوفد قائلًا: "إن الهدنة قرار تاريخي سيظل خالدًا في ذاكرة الأجيال، إذ جاء لحقن الدماء وحفظ الأعراض، وحفظ الأرض والإنسان. صحيح أننا فقدنا الكثير من الأرواح البريئة، وتهدمت البيوت، وتعرضت الممتلكات للدمار، لكننا ما زلنا نحمل في قلوبنا حب الوطن، الذي ظل لنا رغم كل المحن. لقد كان القرار بمثابة صفعة لكل المخططات الصهيونية الرامية إلى تهجيرنا وطردنا، ولبناء مستوطنات على أنقاض مدننا وقُرانا. فقد أفسد كل محاولات العدو لفرض أمر واقع جديد على أرضنا. إنه القرار الذي انتظره الشعب الفلسطيني والمسلمون في كل مكان طويلًا، وكان وقت تنفيذه قد حان. والحكمة الإلهية شاءت أن تكون ليلة الأحد بداية عمر جديد، فقد نِمناها من عِشائها، دون قلق أوخوف أو فزع».

د. منذر إسماعيل العامودي وأولاده في غزة

وتابع بانتفاضة: «عن أي معاناة أتكلم؟ الجوع قد وصل بنا إلى حدود لم نكن نتخيلها، حيث أصبحنا نعيش على الأعلاف التي كانت تُقدم للدواب، بينما مضينا ليالٍ طويلة ونحن نواجه جوعًا قاتلًا، دون طعام يُسكت الجوع ويُنعش الجسد. أما الخوف، فقد كان يطوقنا من كل جانب، محاصرين في بيوتنا ومنازلنا، حيث سقط من حولنا الشهداء والمصابون، ودماء الأبرياء سالت بغزارة لتسقي الأرض التي احتضنت آلامنا. قتل الأبرياء كان يوميًا، رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا، سقطوا ظلمًا وقهرًا على يد طغاة لا يعرفون للرحمة سبيلًا.. والفقر كان رفيقنا الدائم، فقد ضاعت أعمالنا ومصادر رزقنا، حتى أصبحنا نمد يدينا في وقت شهدنا فيه ارتفاعًا جنونيًا للأسعار. أما المأوى، فقد دُمرت البيوت فوق رؤوس ساكنيها، فاضطررنا للنزوح إلى الخيام بعد أن كنا نعيش في بيوتنا الآمنة،  أما فالمطر فأصبح اليوم كابوسًا يطاردنا. فقد تحولت الأمطار التي كانت تروي الأرض إلى أداة تعذيب، تغرق خيامنا وتبلل أجسادنا الضعيفة، والبرد بات مضاجعنا ويقرص أبداننا بشكل قاسٍ، فالخيام التي كنا نأمل أن تحمينا من قسوة الحياة أصبحت عاجزة عن توفير الحماية في وجه هذا الطقس الصعب. فما الذي تستطيع الخيمة أن تفعله أمام قوة الطبيعة؟ وكيف تحمي أرواحنا من برد لا يُحتمل، ومطر لا يرحم؟».

وكشف "منذر" عن أصعب المواقف التي تعرّض لها قائلًا: «تعرضنا لقصف شرس ومروع دمر كل ما نملك، فبيتنا الواقع في حي الشيخ رضوان بغزة على حدود جباليا لم يُستثنَ من هذا التدمير، وكذلك بيت جيراننا الذي لحق به الدمار. لم تسلم أماكننا المقدسة، فقد طال القصف مسجدنا أيضًا، لتظل الشوارع والمنازل والقلوب مليئة بالخراب والمأساة. كانت القذائف تتساقط علينا عشوائيًا، غير مبالية بحياة الأبرياء أو منازلهم.. ففي تلك الأوقات العصيبة، توفيت والدتي أمام أعيننا، بعد أن أصابتها جلطة قلبية، ولكن لم يكن هناك من سبيل لإنقاذها. عجزنا عن الوصول إلى المستشفى بسبب الحصار المفروض علينا وقلة الإمكانات، وتزايدت معاناتنا بغياب الرعاية الصحية حيث كانت الأوضاع هناك أشبه بالجحيم، ولم يكن أمامنا سوى العجز والألم أمام هذا الفقد الكبير».

د. منذر إسماعيل العامودي

"كل التحية والتقدير لشعب مصر العظيم إخوتنا في النسب والدين والذين كانوا خير سندٍ لنا فى أصعب أوقاتنا".. بهذه الكلمات اختتم "منذر" حديثه قائلًا: «جزيل الشكر لشعب مصر ورئيسه على موقفهم الثابت والرافض للتهجير، الذي أعلنوه بكل حزم منذ اليوم الأول، مؤكدين أنهم لا يقبلون أبدًا بتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه. فكانوا خير سندٍ لنا في أصعب أوقاتنا.. ونثمّن جهودهم الكبيرة في إدارة مفاوضات الهدنة حتى حققوا النجاح، ورسموا بيدهم طريق الأمل في أحلك الظروف، ونحن على ثقة تامة بأن مصر العظيمة ستظل تسير على درب المسؤولية بكل جدارة، لتكون عونًا وسندًا لنا في كافة المراحل القادمة.. وفي النهاية، تظل جميع الأثمان رخيصة في سبيل الحفاظ على أوطاننا ومقدساتنا، ونحن على استعداد لبذل الغالي والنفيس من أجل حماية أرضنا وعرضنا، مهما كانت التضحيات جسيمة. نأمل أن تكون أولى خطوات إعادة البناء هي رفع الأذان في سماء غزة، وفتح أبواب المساجد التي طالما كانت معقلًا للعبادة والصمود، والعمل على إعادة بنائها ولو من الجريد، فالمساجد هي سر قوتنا ومنبع عزيمتنا، ومنها تنطلق قوافل الرجال الذين لا يهابون التحديات».

نماذج مشرفة 

"أمل وهبة ولجين وخالد وسائد ومنذر".. نماذج مشرفة من شعب غزة الذين ترقّبوا هلال الهُدنة كـ عطشى طاردهم سراب الماء في صحراء الألم، تشبّثوا بأمل الحياة كتشبث قلب محتضر بآخر نبضاته فانتظروا الفجر بعد ليلٍ لا يرحم سرق من العيون مدامعها ومن القلوب سكينتها.. لتكون الحقيقة قائمة وهي أن أبناء غزة أبطال صنعوا المجد من قلب المعاناة، ورسموا على جدران الزمن قصة مقاومة لن يطويها النسيان، فنقشوا التاريخ بدمائهم الزكية على جبين الأرض، وكتبوا فصوله بصبرٍ يُعانق المستحيل، فكانت أرواحهم مشاعل لا تنطفئ، وصاروا رمزًا لصرخة الأرض التي لا تُسكت.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: غزة حكايات من قلب غزة حكايات غزة أرض الصمود قلب غزة فلسطين سكان غزة الهدنة هدنة غزة حديث الهدنة أوجاع الحصار محررة الوفد الوفد أهل غزة شمس الإعمار اتفاق الهدنة دير البلح السيسي مصر وفلسطين مصر عهد جديد بهذه الکلمات نأمل أن تکون لإعادة بناء أن تکون هذه إعادة بناء العودة إلى التی کانت فی قلوبنا هذه الحرب بعید ا عن نأمل أن ت التی کان الأمل فی الذین لا من جدید فقد کان لا یمکن أهل غزة کل لحظة نعیش فی فی وقت فی هذه ظروف ا قائل ا طویل ا رغم کل دائم ا کل هذه أمل فی

إقرأ أيضاً:

الهيكل البنائي في حكايات فهرس الملوك

مدخل

يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء. إنّ أحوالَ المُلك غير مستقرّة، والمشيئة الربانية قادرةٌ على تبديلها؛ بتوفير أسباب متوافقة مع سنن الحياة؛ فالملك الظالم الجاهل أدنى لزوال ملكه من ملك حكيم عادل؛ لأن العدل أساس الملك، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا. ولنا في العصر الحديث نماذج لا تبدأ بهتلر ولن تنتهي ببشار.

وفي سبري لحكايات «فهرس الملوك» عملت على رصد صورة الحاكم والمحكومين التي لها أثر كبير في تحوّل أحوالهم؛ فالتحوّل هو الركيزة الأساس للهيكل البنائي للحكايات.

الغلاف الأول

1. صورة الغلاف مستمدة من ورق اللعب (الكوتشينه)، إنها صورة الباش (الشايب) مع بعض التفاصيل المضافة كالسيف في يده اليسرى (اليد اليسرى ترمز للشر)، تجتمع في ورقة «الباش» رموز اللعبة: الهاس، الكلفس، الديمن، والسبيت في دلالة أن هذا «الباش» ما هو إلا رمز للملك المستحوذ على الشعب بكل أطيافه (يمكن كذلك قراءة هيمنته على سلطات الدولة: التشريع، القضاء، التنفيذ، الرقابة/الإعلام).

وإذا كان السيف المسلول في يده اليسرى إشارة للبطش والطغيان؛ فإننا نجد خيطا متصلا بذلك المعنى في الحكاية الأخيرة (ملكة القلوب) التي تستخدم جنود الورق لتنفيذ أحكام الموت «اقطعوا رأسه»، أو «اقطعوا رؤوسهم»، تلك الأوامر الموجهة إلى جنود ورقة اللعب مشددة بالحبر الأسود الغليظ، إظهارا للجبروت المتمثل في القتل العشوائي، لحظة وجع أو غضب.

ولئن كان النص الأخير يسرد حكاية ملكة القلوب وهي أنثى إلّا أنه ينتهي بتسلط ابنها، وانقلابه عليها: «اقطعوا رأسها» ليظهر التواشج بين صورة الملك الذكوري في الحكايات وصورته الرمزية في غلاف الكتاب.

صحيح أن «الباش» حاكمٌ على معظم أرقام اللعب، وعلى صورتي «الغلام» و«الميمة» إلا أنّ «الجوكر» لديه هيمنة على كلّ الأوراق. «الجوكر» في لعبة الحياة هو ما لا يملك الإنسان السيطرة المطلقة عليه مثل: قوى الطبيعة، والمرض، والزمن، والموت.

وعلاوة على ذلك؛ فهناك ورقة أخرى تتغلب على «الباش»، وهي وإن بدت أصغر الأرقام إلّا أنها ورقة قادرة على الإطاحة به، إنه «الخال» رقم واحد، وذلك الشعب إذا توحّد.

2. رغم أن نصوص المجموعة سردية وقصيرة نسبيا غير أنّها لم تُصنف في غلاف الكتاب «قصصا قصيرة». إنّ لغتها، ومناخاتها المكانية والزمانية، وطبيعة أحداثها، ونمط شخصياتها أقرب إلى ملامح الحكايات القديمة؛ فلغتها بسيطة، وتركيبها الفني غير معقّد.

تظهر رواسب الحكاية القديمة (كان يا ما كان) في مفتتح كثير من النصوص، ستة منها يبدأ بالفعل الناسخ كان ومشتقاته مثلا:

- كانت البلاد في هرج ومرج... (نفايات الشعب)

- كان يبدو للجميع أن ملك بلاد الذهب... (وريثة العرش)

- كان الجمع على يقين أنّ المرأة... (ليلة سقوط شهريار)

كذلك يظهر نفس الحكاية القديمة في مطلع نص (تمثال الملك): في زمن غابر...، (الكرسي): عاشت بلاد العروش...، (ملكة القلوب): يُقال: إنّ ملكة القلوب...

ولا تقتصر لغة الحكاية القديمة على المطالع ولكنها مضمّنة كذلك في حوارات الشخصيات: «أيها الملك الميمون» وفي سرد الراوي: «وأثرت في أحوال البلاد والعباد».

بتلك اللغة، تأخذ الحكايات القارئ إلى زمن غابر، وأحداث بعيدة عن معطيات الواقع، راسمة صورا نمطية للشخصيات، وأماكن مألوفة في الحكايات القديمة.

لكنّ غرابة الموضوع، ولا منطقية الأحداث (فقير يصاب بالنقرس، سكير يصبح ملكا، ملك يرتدي خردة، مرايا ممنوعة في مملكة، شعب يتظاهر بالخرس...) تلك الغرائبية واللامنطقية تخلق حيوية في السرد تتجاوز الحكاية القديمة بما تستثمره من بعض أدوات السرد المعاصر كتوظيف السارد المشارك في (الملك المزيف)، (نهاية شعب لا يسمع)، وكوضع نهايات غير مباشرة كما في نصي (تمثال الملك)، و(لوحة الملك الفحمية).

تكتسب الحكايات ثوبها الحديث من خلال إسقاط حال الشعب في الماضي على الحاضر؛ فما عاشه الأسلاف من جوع وقهر وتهجير يحدث الآن في بعض البلدان. إنّ مغازي تلك الأمثولات ماثلةٌ في واقعنا، وأسباب التوتر بين الحاكم والمحكوم باقيةٌ ليومنا. وحاجات الإنسان ورغباته ومشاعره وقيمه لا تتغير حسب الزمن.

إنّ التدافع بين منظومة السلطة ومنظومة الشعب سنة من سنن الحياة، وهذه الحكايات تحاول تفنيد ممارسات الحاضر من خلال تفكيك الماضي المتخيّل؛ بفضح الغش في اللعبة السياسية (إثارة الإشاعات، وتزوير التاريخ)، وكشف الأوراق التي تعمل لصالحها: كالبوّاق/الإعلام، الخاطّ/الكاتب المأجور، السياف/أداة القمع، وغيرها من الأوراق الرخيصة.

أخيرا يظهر أثر الحكاية القديمة في استجلاب موضوعات وعناصر من حكايات موروثة وعالمية: ملكة القلوب (أليس في بلاد العجائب)، ليلة سقوط شهريار (ألف ليلة وليلة)، نفايات الشعب (ثياب الإمبراطور العجيبة)، وريثة العرش (الملك والملح وبناته الثلاث).

التحوّل الضدي

يقوم الهيكل البنائي لمجمل الحكايات على صناعة التحوّل الضدي سواء للشخصيات أو للموجودات أو للأحداث أو للأفكار، ويبرز التحوّل من خلال التفاعل بين منظومة السلطة ومنظومة الشعب، وقد أسس لذلك التحوّل/الصيرورة المقطع الشعري للشاعر الكردي لطيف هملت في التصدير الأول:

«أمر الملك باعتقال البحر

فصار البحر غيما

أمر الملك باعتقال الغيم

فصار الغيم مطرا...

الملك أمر باعتقال الفيضان

فالتهمه السيل بأسنانه الحادّة».

وتحدث التحولات بواسطة محفزات، وهي عوامل تدفع إلى تغيير واقع الشخصية أو الحدث إلى مآلات ضدّية عن طريق توتر الأحداث وتجاذباتها، وانحراف خط السرد. إذن يتأسس الهيكل البنائي للحكايات على (بؤرة تحوّل) من خلال إقامة علاقات ضدّية تبرز التباين بين منظومة السلطة ومنظومة الشعب، والتفاعل بينهما مثال ذلك: يتحوّل الجائع النحيل إلى مترهل مريض بالنقرس، تحفزه الرغبة في الحياة، والابتعاد عن الفقر، بينما يتحول الملك صاحب الموائد العامرة إلى مصاب بسوء التغذية، ومحفزه الرهبة من الموت مسموما.

وسنضرب لاحقا أمثلة مفصلة لأبرز التحولات: من الصلابة إلى التهشيم، من القبح إلى الجمال، من الوعي إلى التجهيل، من العزّة إلى الذل، من الحقيقة إلى الزيف، من المادي إلى المعنوي، من الخفاء إلى الظهور... كما سنعرض تحليلا موضوعيا للحكايات من خلال التحولات واستنباط محفز لكل تحوّل، وقد يحدث التحوّل الضدي تبادليا بين المنظومتين كما في «ذواق الملك»، و«الملك المزيف» أو في إحدى المنظومتين، وهو في معظم الحكايات.

نخلص إلى أنّ التحوّل الضدي يتألف من ثلاثة عناصر (الحال– المحفز– المآل)، ويمكن رصد هذه العناصر في كلّ حكاية مشفوعة بقرائن نصيّة تدلل على التحوّلات ومحفزاتها.

منظومة السلطة

تتشكّل منظومة السلطة في الحكايات من الأسرة الملكية (الزوجة، البنات، الأم، الأخ، الزوج، الابن) وهي أسرة نووية محدودة لا يظهر اتصالها بعائلتها، ولعلّ في ذلك مقصدا إلى التفرد في الحكم، وإقصاء المنافسين ممن «يحكيون مؤامراتهم في قصره» ص9.

ويدخل في منظومة السلطة أيضا: الوزراء، المستشارون، البوّاق، الخاطّ، الناطق الرسمي، السيّاف، حاملو لواء الملك، مدونو التاريخ... كلّهم يعملون لصالح الملك، كأدوات لتحقيق أهدافه (قمع الشعب، تجهيله، نهب ثرواته).

ترسم الحكايات صورة نمطية للملك، تختزل رؤية الكاتبة للسلطة، فهو:

طاغية، مغرور، طائش، غارق في الملذات «عرف ملك المدينة الكبيرة بأنه عاشق لذاته، مفرط في تقديس نفسه، ويسعى إلى تضخيم خصاله في المحافل»، «إلى جانب حبه الشديد لنفسه، كان معروفا أيضا بجبروته وبطشه، ومشهور بنزواته التي لا يُحمد عقباها» ص55. والملك مزوّر للواقع (لوحة الملك الفحميّة)، مشوّه للتاريخ (حكاية حاملو لواء الملك مثلا)، مروّج للإشاعات الكاذبة كما في (جحافل الشيطان)، خائف من الاغتيال (ذواق الملك، الملك الزائف)، ساذج يسهل خداعه (نفايات الشعب).

إنّ تلك الصفات ما هي إلّا تنميط لصورة السلطة بغرض نقد الفكرة وعرض أثرها على المجتمع الذي تستفحل فيه، وتهيمن عليه.

منظومة الشعب

تتألف منظومة الشعب في الحكايات من مجموعات عامّة: الشعب، الناس، الجماهير، الحشود، العباد، أهل القرية، نساء، رجال، أطفال... أو مجموعات خاصة: الكتبة، حاملو اللواء، مدونو التاريخ، فرقة من المسلحين... لكنّ المشارك الرئيس في الأحداث فردٌ منهم يتّصل بمنظومة السلطة كالذواق، والرسام المحتال، والخياط المحتال، والسكّير، والمتحدث الوحيد وغيرهم.

ورغم أنّ أولئك الأفراد يمثلون حال الجماعة، ويعكسون صورة الشعب إلّا أنّ منهم من يساند منظومة السلطة إمّا رغبة كالخاط (الكاتب المأجور) أو رهبة كمدوني التاريخ (الكاتب المقهور)، ومنهم أعوان من عامّة الناس كالعطار، وإمام المسجد وحتى الداية: «عيّن في السوق عطارا حذقا يبخ الناس كلاما جميلا، ويمجد ملك البلاد، وعين في المسجد إماما جديدا، يخطب في الرجال أوقات الصلاة، ويدرس الأطفال في الكتاتيب قصائد المديح، وطلب من الداية أن تطوف على البيوت، ليس في أوقات الولادات فحسب، بل في كل حين، وتنشر بين النساء شائعات القصر، وتحث على تسمية أطفالهن بأسماء تتوافق وسياسة البلاط» ص22.

إنّ أبرز صور الشعب في الحكايات:

1. جائع: «ومع مرور الأيام تفاقمت أعباء الحكم، وازداد الجياع في الخارج» ص11، «مطالبين بوضع حدّ للمجاعة» ص19، «المجاعة اجتاحت البلاد وأهلكت العباد» ص52.

2. خاضع: «قمن يتهافتن عليه مسحا وتلميعا... انتهى بهنّ المطاف للتبرك به، وتقديم النذور، بينما أخذ الرجال ينحنون أمامه...» ص14 تمثال الملك، «امتثلوا خاضعين لأوامره، وغادروا... وهم يحنون رؤوسهم للملك» ص56 مدونو التاريخ.

لإن زخرت الحكايات بإشارات إلى هيئة الخضوع؛ فهي مكرّسة بوضوح في نصي «لعنة المرايا» و«نهاية شعب لا يسمع».

3. هارب: بسبب البطش والجوع يلجأ الشعب إلى الهروب والفرار «أضحى كثير من الشعب ضاجّا ومحتاجا، وفرّ كثيرون منهم إلى الممالك المجاورة» ص56 مدونو التاريخ، «فارق كثير منهم الحياة بينما فرّ آخرون إلى ديار بعيدة جدّا» ص62 الكرسي.

تظهر صور نادرة للشعب منها إيجابي، محتج مثلا «أعيدوا لنا خردتنا»، ومنها سلبي، جاهل مثلا: «ما معنى طاغية؟» لكن أبرز صوره: جائع خاضع هارب.

ملك أم كتابة؟

اللعبة السياسية في الحكايات ليست معقدّة كالشطرنج؛ إذ لا تكترث بالحسابات الداخلية والخارجية، ولا تقوم الأحداث على استراتيجية أو تكتيك، وتغيب فيها التضحيات الموقفية، إنما هي لعبة للحظ فيها النصيب الأكبر، أليس الذواق والسكير والخياط والخاط والناطق الرسمي والرسام وغيرهم؛ أليسوا محظوظين إذ يلجون إلى دائرة المُلك بكلّ سلاسة؟

لعبة الورق إذن أنسب في التعبير عن اللعبة السياسية التي قواعدها بسيطة، ونمط شخصياتها محدد.

إنّ منظومة السلطة ومنظومة الشعب وجهان لعملة واحدة، كلاهما ضدّ الآخر، ولا مجال للتفهم أوالإصلاح أوالموضوعية. وإذا كانت صورة الملك في العملة المعدنية تدلّ على السلطة؛ فإن رسم الكتابة يشير إلى المثقف الذي يمثّل الشعب. سيظهر وجه المثقف في الحكايات في موقف الكتبة ومدونو التاريخ والمتحدث الوحيد وفي شخصية شهر زاد (في حكاية ليلة سقوط شهريار يحدث التحوّل الضدي من المتخيل إلى الواقعي إذ تنبعث شخصيات حكاياتها لتتجسد في الواقع) كما يظهر في موقف الأميرة/وريثة العرش حين تقنع أباها الملك أنّ ما هو معنوي (الحكايات) أهم مما هو مادي (الجواهر، والطعام)، وتلك الحكاية هدنة سردية في سيرة الصراع بين الملك والكاتب. ذلك الصراع بدأ منذ التصدير الثاني للكتاب ص7 بالمحاورة الملغزة التي دارت بين الملك والشاعر، وانتهت بطرد الشاعر، لتؤسس للتوتر بين المثقف والسلطة في الحكايات.

نماذج للتحوّل الضدّي

حكاية ذواق الملك: من الجوع إلى المرض بالشبع/ من الشبع إلى الموت بالجوع

يحدث التحوّل الضدي تبادليا بين عنصرين أحدهما من منظومة الشعب (الفقير الذواق) والآخر من منظومة السلطة (الملك المرتاب)

حال الذوّاق: فقير جائع «لم أفكر في ميتة مختلفة عمّا ألفه مئات الفقراء أمثالي»، «كان همّي أن أشبع قبل أن أشهد نهايتي»، «لعلي أنقذها وأطفالي من شبح الجوع»

محفز التحوّل: النهم: «قد ينتهي أمري الليلة لكن سأموت شبعان» «أزدرد ما تصل إليه يداي»، «كنت ألتهم دون خوف... آكل بشراهة».

حال الملك: شبعان مبذّر «طواقم متعددة في بلاط المطبخ الملكي، يعدّون أطعمة مختلفة»، «ليتذوقوا الأطعمة كلها، بأن تؤخذ لقمة من كل قدر، قبل أن يختار الملك طعاما»، «الطعام الملكي وفير، وما يتبقى يُرمى».

محفّز التحوّل: الارتياب «إن للملك خصوما يحيكون مؤامراتهم في قصره»، «تكالبت شكوك الملك خصوصا بعد موت أحد الذواقين».

جمل التحوّل: «أزداد تخمة بينما الملك يزداد نحافة»، «صار جسمي مترهلا من الشحوم، وبدا الملك كخيط رفيع».

مآل الذواق: «عدت مريضا بالنقرس».

مآل الملك: «قضى الملك نحبه بسبب سوء التغذية».

حكاية تمثال الملك: من الصلابة إلى التهشيم

حال التمثال: صلب بارز، «أصدر أتباعه أمرا بنحت تمثال لمليكهم ووضعه في مكان بارز في القرية»، «وضع التمثال على كومة حجرية وسط القرية حتى يراه الرائح والغادي».

المحفز: إهمال متطلبات الناس «لم يقدّم البلاط الملكي لتلك القرية خدمات سوى ذلك التمثال، ويا لها من خدمة!»

المآل: «وقبل أن يغادروا حطموا تمثال الملك بمساعدة شباب القرية».

حكاية لوحة الملك الفحمية: من القبح إلى الجمال

حال الملك: القبح، «على نقيض ملك البحار الذي اتسم بالقبح، وملامحه الدميمة».

المحفز: حيلة الرسام، «تعمدت أن أرسمك رسمة تجريدية، لا تظهر التفاصيل...».

جملة التحوّل: «هدأت ثورة الملك، متأملا ذوبان الثآليل في سواد الفحم».

المآل: الجمال، «وقبل وفاة الملك شاع أنه أكثر ملوك التاريخ وسامة فوق سطح الأرض».

حكاية حاملو لواء الملك:

من التعليم والثورة إلى التجهيل والطاعة

حال المجتمع: متعلّم، ثائر «حكمه يتزامن في زمن الكتاتيب، وظهور الكتبة، وكان مضطرا لمسايرتهم، حتى لا يوصم بالجهل في مقابل الممالك الأخرى المتحضرة»، «أن يأذن بفتح كتاتيب لتعليم الناس القراءة والكتابة، وتدوين المخطوطات العلمية منها والطبية والثقافية، وتخصيص سوق لهذه المخطوطات لعرضها وبيعها، وهذا من شأنه أن يشغل الناس بمتابعة العلوم»، «ووقوفهم أمام قصر الملك مطالبين بوضع حد للمجاعة المتفشية».

المحفز: الحفاظ على العرش «الكتبة حرّضوا الناس على الثورة والإطاحة بعرش الملك، بدعوى أن الملك لا يقوم بدوره، وهو ممثل لإرادة الشعب، وموجود لخدمتهم ورعاية مصالحهم»، «أنتمي لمنهج غايته هداية الشعوب، ووأد الفتن التي تهدد عروشكم، عبر آراء نصوغها بأسلوب يقنع البسطاء المعدمين بأهمية طاعة الملك، وتقديم الولاء له».

جملة التحوّل: «يدرس الأطفال في الكتاتيب قصائد المديح».

المآل: جاهل، طائع، «فلا الناس ثارت، ولا تجرأ أحد الكتبة على التلاعب بعقول الناس، فقد أصبح كل أولئك الناس البسطاء حاملي لواء الملك».

نفايات الشعب: من العزّة والكبرياء إلى الذّلة والسخرية

حال الملك: متباه، «الزي الذي سينافس به الملوك الآخرين... لكنه لم يقتنع بها، فهو يبحث عن شيء مختلف يميّزه عن بقية الملوك القادمين من الممالك الأخرى»، «وحين دنا من البسطاء متباهيا بطلته».

المحفّز: الزي الغريب «يا له من زي لا مثيل له، إنه يعبر عن انتمائي لشعبي، هذا ما أريده حقا، شيء يميّزني ويظهر حب شعبي لي أمام الملوك الآخرين».

جمل التحوّل: «استنكروا سلوك ملك هذه البلاد قائلين: الملك يلبس خردة شعبه، يا له من ملك! انظروا إلى شعبه، هؤلاء البسطاء، حتى خردتهم سلبت منهم، يا له من ملك جشع»، «وأصوات البسطاء تهتف: أعيدوا لنا خردتنا».

المآل: منتهك، «الملك يقف مذعورا في داخل كائن ينهار رويدا رويدا، فقد كانت الأيدي الممتدة تنتشل ما كان ملكا لها».

الغلاف الأخير

تنتهي علاقتنا بالكتاب في غلافه الأخير الذي يبرز في نصه دور الصغار في تحوّل المجتمع، وهو وإن كان تحوّلا سلبيا من حالة السماع إلى حالة الصمم أو التظاهر به إلا أنها وسيلة من وسائل المراوغة هروبا من الواقع، وابتكارا للغة وحدهم من يصنعون قواعدها.

أولئك الأطفال هم مستقبل البلاد، فهم لم ينحنوا لتمثال الملك، ولم يلمعوه، ولم ينشدوا له أغان تبجّل مكانته، بل هم يشعرون بالدهشة لما يقوم به الكبار حيال التمثال الذي لا يرون فيه سوى ملامح متحجرة.

خميس قلم شاعر عماني

مقالات مشابهة

  • السيد القائد عبدالملك: الله قدَّم لعباده الهداية الكاملة.. التي إن اتَّبعوها كانت النتيجة فلاحهم
  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • سوريا.. رئيس منظمة الإنقاذ يكشف لـCNN كيف تختلف المناطق التي كانت تحت سيطرة الأسد عن مناطق المعارضة وكيف ستزدهر البلاد؟
  • الحرب تعيد الخربة إلى أصلها: هل كانت مزرعة عدس؟
  • الهيكل البنائي في حكايات فهرس الملوك
  • من إسرائيل وحماس والولايات المتحدة.. رسائل متضاربة عن الهدنة
  • الرئيس الشرع: نلتقي اليوم على ثرى حلب الشهباء هذه المدينة التي ما انحنت لريح ولا خضعت لعاصفة بل كانت القلعة وكانت الجدار وكانت الشاهد على الصمود
  • المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية
  • لماذا سكتت الأبواق، التي كانت تعارض المقاومة الشعبية فى نوفمبر 2023م
  • على غير المتوقع، هزيمة الصالحة كانت قاصمة الظهر للمليشيا