قبل قرنين ونصف تقريباً قرر الجنرال البروسي كلاوزفيتر مبدأً مهماً في العلوم العسكرية، وهي أن الحرب أداة من أدوات السياسة، وامتداد لها، وإلا فإن الحرب في هذه الحالة ستكون ضرباً من ضروب قطاع الطرق، لا تختلف عن عقلية العصابات.
ومنذ اليوم الأول لحرب غزة كانت مطالبة من أطلق عملية طوفان الأقصى: الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ووقف عاصفة التطبيع الصهيوني مع بعض البلدان العربية، وفي ثنايا العملية كان الهدف الاستراتيجي إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث العالمية، بحيث أن أي تطبيع أو مصالحة دون التنازل للشعب الفلسطيني، والاعتراف بحقوقه سيكون مآله الفشل.
وعلى الرغم من التوحش الصهيوني العسكري المدعوم غربياً طوال خمسة عشر شهرا من الحرب الهمجية الصهيونية المدعومة غربياً على أهلنا في غزة، إلا أن الصمود الذي أبدته المقاومة الفلسطينية أذهل الجميع، في الوقت الذي انهارت ساحات أخرى مثل ساحة حزب الله في غضون أيام.
لا شك فإن التضحيات جسام، وهي قريبة من التضحيات التي قدمها الشعب السوري على مدار 13 عاماً، وكان الكثير يلومون الشعب السوري على القيام بثورة غير محسوبة حسب تعبير البعض، وكأن الثورات من صنيع جهات محددة تتحمل مسؤوليتها، وليست انتفاضة شعب بكامله، لم يعد يطيق صبراً، وما كشفته باستيلات سوريا، ومصانع كبتاغونها تحكي بعض جذور الغضب الشعبي، وإن كان الغضب أكبر من هذين السببين مرده إلى قهر عمره نصف قرن، لم تَسلم شريحة ولا بيت سوري من ظلمه وقهره.
مقاومة الاحتلالات عبارة عن سلسلة فقرات من مشهد طويل يورثه الآباء للأولاد، والأجداد للأحفاد، ولذلك كان رفع المقاومة الفلسطينية مطلب تحرير السجناء قد تحقق بعد 15 شهراً يوم رضخ الاحتلال للاتفاقية الأخيرة، ونزل من شجرة غروره وكبريائه، ومعه تحقق وقف أشكال التطبيع الصهيوني مع بعض الدول العربية، إذ غدا من المستحيل على الدولة العبرية أن تعود قريباً على الاقل إلى سابق عهدها في الاتفاقيات الإبراهيمية التي روجت لها طويلاً وواسعاً، بعد هذه البحور من الدماء التي تجاوزت الخمسين ألف شهيد غزي، وبالتالي فإن الخسارة المعنوية التي لحقت الكيان الصهيوني داخلياً، بتأخره طوال هذه الفترة في عملية تبادل أسراه التي كان بإمكانه عقدها منذ أشهر، فيُنقذ بذلك عدداً من أسراه الذين قتلوا بفعل قصفه، خلال هذه الفترة، ستُلقي بظلالها الكئيبة على الشارع العبري، وتُحمل حكومة نتنياهو المسؤولية في قتلهم.
على صعيد العالم الغربي ظهر بشكل واضح تحول المزاج فيه ضد الدولة العبرية، وقد تجلى ذلك في المظاهرات التي اجتاحت العواصم الغربية، ووصلت إلى مخازن الفكر والرأي، في الجامعات الغربية العريقة، الأمر الذي سيُعيد التفكير بالعقلية العبرية في طريقة التعاطي مع الجامعات الغربية، والشارع الغربي بشكل عام.
وبالمناسبة الصفقة التي وافق عليها نتنياهو أخيراً، هي نفس الصفقة التي عُرضت عليه ووافقت عليها المعارضة في 24 مايو/ أيار الماضي، ومع هذا رفضها، فتأخره طوال هذا الوقت يعني باختصار أنه رضخ لشروط كان يكابر على رفضها، بعد أن رأى إصرار المقاومة وثباتها في الميدان، على الرغم من الخسائر التي مُنيت بها المقاومة على صعيد رحيل قادتها، أو جنودها، ولكنها الحرب.
بلا شك فإن الدولة العبرية فشلت في تدمير قدرات حماس كاملاً، وفشلت معه في رغبتها ورغبة بعض حلفائها بترحيل قادة المقاومة إلى خارج فلسطين كما فعلت في بيروت 1982، وتمنته خلال الحرب على غزة، ومعها تمنيات كثير من خلفائها، لكن بقيت حماس في داخل غزة تتبختر بالأمس بمقاتليها وأسلحتها، لتقول للغزيين ولكل العالم أنها لا تزال في الميدان، وما فعلته إنما هو جولة من جولات المقاومة، والحرب عبارة عن سلسلة معارك وليست معركة واحدة.
نعم فشلت إسرائيل في البقاء في غزة، والآن ستضطر الدولة العبرية للانسحاب من كل غزة بما فيها محور نتساريم وفيلادلفيا، بعد أن فشلت في البقاء في الشمال التي كانت تخطط للبقاء فيه، مع تهجير أهله.
اللافت والمؤسف أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومحوره، يتصرف وكأن شيئاً لا يعنيه، فعوضاً عن تحرك الرئيس الفلسطيني في هذه الأوقات باتجاه عواصم العالم لحشد العالم ضد الهولوكوست الفلسطيني، كان ينتظر أن يقتسم الضحية وهو الشعب الفلسطيني.
الشرق القطرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال المقاومة حماس حماس غزة الاحتلال المقاومة مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولة العبریة
إقرأ أيضاً:
ماسك يُطلق «فاين» من جديد.. هل تبدأ معركة جديدة مع تيك توك؟
أعلن إيلون ماسك، عن خطط لإعادة إطلاق منصة “فاين” الشهيرة، التي توقفت عن العمل منذ تسع سنوات، من خلال منصته “إكس” (Twitter سابقاً)، في خطوة قد تعيد إثارة المنافسة في سوق الفيديوهات القصيرة الذي تهيمن عليه حالياً “تيك توك”.
وفي منشور على “إكس”، كشف ماسك أن النسخة الجديدة من “فاين” ستدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنتاج المحتوى، ما قد يغير قواعد اللعبة في عالم صناعة الفيديوهات القصيرة.
هذه الخطوة لاقت تفاعلاً واسعاً من المستخدمين الذين عبروا عن تفاؤلهم بأن الدمج بين الذكاء الاصطناعي ومقاطع الفيديو القصيرة قد يشكل مستقبل المحتوى الرقمي.
هذا وأُطلقت “فاين” في 2012 وحققت نجاحاً سريعاً بين المستخدمين بفضل إمكانية مشاركة مقاطع فيديو قصيرة لا تتجاوز 6 ثوانٍ، ما جعلها منصة رائدة في نوع المحتوى هذا، استحوذت عليها تويتر في 2013 مقابل 30 مليون دولار، لكنها أُغلقت في 2017 بسبب مشاكل مالية وصراعات متعلقة بتعويضات المبدعين.
المستخدمون والمحللون يرون في إعادة إطلاق “فاين” محاولة من ماسك لتحدي هيمنة “تيك توك” على الفيديوهات القصيرة، وربما تؤدي إلى تحول في كيفية صناعة وتأثير المؤثرين التقليديين، مع إدخال محتوى أكثر إنتاجية آلية وابتكاراً عبر الذكاء الاصطناعي.
وكان ماسك قد طرح فكرة إعادة “فاين” عدة مرات منذ استحواذه على تويتر في 2022، حيث أجري استطلاع رأي في أكتوبر 2022 عبر منصة “إكس” أظهر دعم 69% من المشاركين لفكرة عودة التطبيق.