الخروج إلى البئر.. مسلسل سوري يتناول أهوال سجن صيدنايا
تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT
منذ أن قدم السيناريست السوري سامر رضوان مسلسله الأول "لعنة الطين" (من بطولة: مكسيم خليل، وكاريس بشار، وفارس الحلو، وسمر سامي، وخالد تاجا، وإخراج أحمد إبراهيم أحمد)، جرّب مبارزة الرقابة الحديدية التي كانت تفرض على الأعمال السورية قبل سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
لكن النتيجة كانت مخيبة بعدما سجلت تدخلات "فاضحة" في كل تفاصيل السيناريو، ومع ذلك حاول النص تعرية بعض أشكال الفساد في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي أيام حكم حافظ الأسد، علما أنه لو توفرت للعمل ظروف إنتاجية ورقابية أفضل لحقق قفزة نوعية للدراما السورية.
بعد ذلك أثارت ثلاثية "الولادة من الخاصرة" (إخراج رشا شربتجي وسيف السبيعي) جدلا واسعا وحصدت جماهيرية عريضة، مع استشراف موفق للحدث السياسي اللاهب الذي رافق الثورة السورية.
ليكتمل عِقد النجاح مع تجربة "دقيقة صمت" (إخراج شوقي الماجري، بطولة: عابد فهد، وخالد القيش، وفادي صبيح) التي تبعتها زوبعة إعلامية عاصفة، بعدما أطلّ كاتب النص أثناء عرض العمل على إحدى المحطات اللبنانية وقال بما معناه إن "النظام السوري خُدع وقرر إجازة المسلسل وسمح بتصويره في سوريا ليُفاجأ بالنتائج؟!"، فأتت التعليمات الصريحة لنجوم العمل بالظهور الإعلامي وتصحيح الموقف، ثم صدر قرار بالحجز الاحتياطي على أموال منتج العمل هلال أرناؤوط بحجة أنه لم يحصل على إجازة تصدير لمسلسله، وعادة ما كانت تمنح مثل هذه الإجازات بعد المرحلة النهائية من الرقابة على النسخة المصورة من أي مسلسل تلفزيوني.
إعلانأما آخر ما حرر على يد سامر رضوان فكان مغامرة خطيرة غير محسوبة النتائج، عندما قرر بحماسة تناول عائلة الأسد وهي لا تزال على رأس السلطة، بمسلسل تلفزيوني ثلاثيني هو "ابتسم أيها الجنرال" (إخراج عروة محمد وبطولة: مكسيم خليل، وريم علي، وعبد الحكيم قطيفان، وغطفان غنوم، وسوسن أرشيد وآخرون). ورغم العوامل السلبية التي أثرت على جودة العمل، مثل غياب نجوم الدراما السوريين عنه، والاستعانة بممثلين يفتقدون للخبرة، إضافة إلى تصويره خارج سوريا، فإن المسلسل حقق نسب مشاهدة عالية واكتسب جماهيرية حتى في الداخل السوري.
يومها وخوفا من ردود أفعال أمنية، أطلق عليه الجمهور في الشام لقب "هداك المسلسل" على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى إن مجموعة من النجوم السوريين الذين التقوا الرئيس المخلوع بشار الأسد في آخر لقاء له معهم أكدوا أنه أتى على ذكر "ابتسم أيها الجنرال" بالتحديد!
امتد النجاح الجماهيري إلى أداء مكسيم خليل الذي جسد شخصية الأسد بلغة إسقاطية، بينما مزجت الحكاية بين شخصيتي بشار وشقيقه ماهر، وتاريخ والدهما حافظ وعمّهما رفعت، في صراع على الحكم مستوحى من أحداث الثمانينيات.
مشاهد خليل انتشرت انتشارا واسعا، وتصدرت قائمة "الترندات" على مواقع التواصل الاجتماعي بالتزامن مع سقوط النظام السوري، وتسابقت بعض المحطات لإعادة عرض هذا المسلسل.
وكان رضوان قد صرّح قبل فترة بأن عمله القادم سيكون عن سجن صيدنايا والاستعصاءين الشهيرين اللذين حدثا في المعتقل السيئ الذكر، وأديا إلى أحداث خطيرة أجبرت النظام آنذاك على محاصرة السجن وضربه بقبضة من حديد.
تلك الأحداث التي تسرب جزء منها إلى العلن، إضافة إلى شهادات عديدة، ومذكرات سجناء سابقين، وبعض الوثائق المهمة، ربما تكون قد لعبت دورا جوهريا في صوغ حكاية "الخروج إلى البئر" وهو اسم العمل الذي سيلعب بطولته جمال سليمان وتنتجه شركة "ميتا فورا" ويفترض أن يصوّر في سوريا في الأشهر القليلة القادمة ويعرض خارج موسم رمضان.
يفضّل سامر رضوان، في حديثه مع "الجزيرة نت"، عدم إيضاح تفاصيل كاملة عن العمل وبنيته الدرامية إلى "حين الوصول إلى المرحلة النهائية في التحضير بالتوافق مع الجهة الإنتاجية"، ويؤكد أنه "حتى الآن لم يتم الاعتماد النهائي على المخرج الذي سيتولى إدارة المسلسل".
من جهته، يقول سليمان للجزيرة نت حول ما إذا كان العمل سيعاد كتابته للانسجام مع الحدث التاريخي الكبير وإسقاط النظام السوري وتحرير السجن بأن "ما تتم محاكاته من أحداث كانت قد جرت في السجن في مرحلة زمنية لا تصل إلى عام 2024، أي عندما تم تحرير السجناء والإطاحة بهذا المعتقل الخطير. إنما يوثق بصيغة درامية معاناة بعض السجناء خلف القضبان والظروف الطاحنة التي دفعت هؤلاء السجناء إلى تنفيذ استعصاء سنة 2007 علما بأن الكاتب اشتغل على النص عاما كاملا وانتهى من كتابته قبيل سقوط النظام ببضعة أشهر، أما الأحداث الأخيرة والانتهاكات التي كانت تجري في السجون ولحظة تحرير تلك المعتقلات فهي مواد درامية دسمة لا بد أن صنّاع الدراما سيتصدّون لها في أعمال أخرى".
إعلانعلى أي حال، تحاول الدراما عكس جزء من الواقع، وتبقى على ارتفاع شبر منه، سواء بالتصعيد الحكائي، والجرعات التشويقية، والشروط الفنية، لكن ما حدث في سوريا منذ اندلاع الثورة سبق الدراما بأشواط، بذريعة الحدث الميداني والسياسي، والثورة التي تحوّلت إلى صراع دموي.
وربما أصبح توقيت تصوير المسلسل يشي ببعض الحرج لصناعه، لأن ما تابعه العالم من صور وفيديوهات توثيقية لواقع السجن يضع الحكاية في مأزق، إذ لا يمكن تضمين كل تلك الحالات الصادمة في النص الذي انتهى صاحبه من كتابته قبيل شهور، لكنها ربما ستساعده في إنجاز أجزاء متلاحقة للعمل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
المرصد يتناول أبشع فصول حرب الإبادة ضد نساء غزة وأطفالها
وعرضت الحلقة فيلما وثائقيا بعنوان "نساء وأطفال غزة.. استهداف بالقتل والتجويع"، رسم فيه ملامح الإبادة الجماعية التي تطال الأضعف في المجتمع الغزّي: النساء والأطفال، إذ لا ينجو الجنين في بطن أمه، ولا الطفل في حضن أبيه، ولا الرغيف من طوابير الجوع.
ومنذ اللحظات الأولى للفيلم، تصطدم المشاعر بمشهد يد صغيرة تمسك بقضبان صدئة، وامرأة تتوسل قطعة خبز لابنها، في حين تصف أخرى كيف ينام طفلها على وعد كاذب بـ"قطعة خبز" صباحا.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4الإعلام الحكومي بغزة يحذر من كارثة صحية تهدد حياة عشرات آلاف الرضعlist 2 of 4التجويع يواصل الفتك بسكان غزة ومنظمات دولية تحذر من "مسرحية المساعدات"list 3 of 4ناشطون يطلقون حملة شعبية لوقف تجويع غزة ورفع الحصار عنهاlist 4 of 4المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: المجاعة مستمرة وتزداد توحشاend of listوتقول سهير سويلم من ميناء غزة: "ابني ما بيرضى ينام إلا بوعدي.. بس يصحى يقول لي وين الخبزة؟"، ولم تعد الخبزة وجبة، بل صارت حلما أكبر من طفولة محاصرة بالجوع.
وفي مشاهد تتابع كوابيس النزوح والقصف، تحكي هبة كيف كانت تجري حاملة جنينها وسط الجثث المتناثرة على الأسفلت، تتنقل بين بيوت تُقصف واحدا تلو الآخر، وحينما اشتد القصف، جاءها المخاض المفجع لا الولادة: "فقدت الجنين. فقدت إخوتي وأخواتي".
وتتابع هبة: "عائلات كاملة انمحت.. 4 إخوة، و4 أخوات، وأعمامي، وولاد خالي.. طلعوا بموجب نداء إخلاء إسرائيلي وقالوا هذا شارع آمن.. فتم قصفهم. الجنين وُجد طالعا من بطن أمه، محروقا. أي ذنب لهؤلاء؟".
استهداف وتفكيك متعمدوتسرد مها الحسيني، مديرة الإعلام في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بلهجة هادئة لا تخفف من فداحة ما يُقال: "كان هناك نمط استهداف لمجتمعات بأكملها.. أُبيدت عائلات كاملة، ما يحدث هو تفكيك متعمد للبنية الاجتماعية، وهذا يُعد جريمة إبادة جماعية".
وضمن شهادات الفيلم، يروي كمال براوي مجريات "يوم فزعه الأكبر"، حين فقد زوجته وأطفاله ووالدته في لحظة واحدة، ويُخرج من هاتفه صور طفلته رهف التي كانت تقول له: "أنا بدي أطعمك من يدي يا بابا".
ويُغمض عينيه ويتذكر آخر مرة رآهم فيها أحياء: "كلهم لابسين أواعي جديدة. صحيت على الغبرة والقصف، ابني تحته الركام.. الباقي راحوا. استشهدت أمي، مرتي، وابني الصغير عمره 7 شهور".
إعلانوبين جنبات الخيام، تحكي فداء صالحة عن وجعها كأم جديدة نجت بجسدها لا بروحها: "أنا والدة قيصري.. ما في تخت، ما في دواء، لا في سرير للبيبي، ولا لنفسي. أنت فقط هنا لتُطعم وتُهرب وتُخفي الأطفال من الموت. تنسى أنك موجود أصلا".
أشكال مختلفة من القهروفي خان يونس، يتخذ القهر شكلا جديدا، حيث تندفع عشرات النساء خلف خبر عن مساعدات أميركية قادمة، بينما لم تحجب صرخاتهن صوت القنابل ولا رصاص القناصة.
تقول وفاء عيد: "أجوا علينا بجيبات ودبابات وكواد كابتر.. فلفل، غاز، قنابل! مشهد رعب حقيقي!"، في حين تشير أم محمود القصير إلى فوضى الطحين والعدس: "رموا علينا فلفلا.. بعدين طخوا علينا. النسوان انصابت، وما حدا رحمهم".
وفي قلب هذه الفوضى، تتبدى مشاهد مؤلمة كأنها جزء من فيلم خيال علمي، فهناك طفل ينظر من نافذة محطمة، وآخر يشرب من وعاء فارغ، وأمه تبكي إلى جواره.
ولأن الحرب ليست فقط ما يحدث بالقنابل، بل أيضا بما يُمنع عن الناس من خبز ودواء وكرامة، فإن الوثائقي يكشف جريمة التجويع كأداة قذرة من أدوات الإبادة، فالنساء يركضن خلف فتات الطحين، ويُقمعن بالقوة، والأطفال يتوسلون قطرة ماء، ولا يجدون سوى الدخان والرماد.
وفي نهاية الفيلم، تعود مها الحسيني لتختصر كل تلك المشاهد في توصيف قانوني موجع: "هذا استهداف ممنهج للنساء والأطفال، ينطبق عليه تعريف الإبادة الجماعية وفق اتفاقية 1948، حين يُرتكب فعل بهدف إهلاك جماعة قومية أو إثنية، كليا أو جزئيا، عبر القتل، أو خلق ظروف معيشية تؤدي إلى هلاكها".
28/7/2025-|آخر تحديث: 20:56 (توقيت مكة)