غليون لـ عربي21: الثورات المضادة في عالمنا العربي فشلت وهذا الدليل
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
رأى أستاذ علم الاجتماع بجامعة السوربون الكاتب والمفكر السوري الدكتور برهان غليون، أن الثورات المضادة التي قال بأن الأنظمة العربية الرسمية قادتها بالتحالف مع الغرب لإخماد ثورات الشعوب العربية من أجل الحرية والكرامة قد فشلت في تحقيق أهدافها، وأن معركة الحريات السياسية ستظل هي جوهر المرحلة المقبلة من حياة الشعوب العربية.
ودعا غليون في تصريحات خاصة لـ "عربي21"، المثقفين والكتاب ورموز النخب العربية إلى عدم اليأس والإحباط، والبقاء في مقدمة المدافعين عن حقوق الشعوب العربية التي انطلقت على أساسها ثورات الربيع العربي.
وقال: "مررنا بتجربة قاسية خلال العقد الماضي من عمر ثورات الربيع العربي، عقد تآمرت فيه الأنظمة والغرب ضد ثورات التحرر العربية، ثورات الديمقراطية والإنسانية.. بعد 10 سنوات من المقاومة الشرسة لهذه الأنظمة يمكن القول من دون تردد إن مقاومة هذه النظم الاستبدادية لشعوبها قد فشلت، والدليل على ذلك عودة الشعوب إلى الساحة مطالبة بحقوقها التي دافعت من أجلها منذ اليوم الأول ودفعت لأجلها أثمانا غالية، ولم تنجز أي هدف منها، وعلى رأسها حقوقها ومصالحها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية".
وأضاف: "رأيي أن معركة الحرية السياسية ستظل في جوهر معركة التقدم مثلها مثل حرية الرأي والاعتقاد على الرغم من أنها تلقت ضربة كبيرة من طرف الأنظمة الاستبدادية، وهي الآن ستنضج وستكون مضمون المرحلة المقبلة من الصراع".
وأشار غليون إلى أن من دلالئل فشل الثورات المضادة هو ظهور نتائج دحر ثورات الشعوب في انهيار اقتصادي وسياسي غير مسبوقين وتهديد وحدة الدول العربية وسوريا هي المثال الأبرز على ذلك".
وقال: "الآن لا بد للمثقفين أن يأخذوا دورا أكبر وليس اليأس والانسحاب.. الشعوب لم تنسحب من الميدان حتى الآن وهي بعد العذاب والتضحيات تعود إلى الساحة من جديد، وهذا مفهوم تماما، لأنه لو أنجزت الثورة أهدافها ما كانت هناك حاجة لاستمرارها.. وطالما أنها لم تنجز أهدافها فهي ستستمر بأشكال مختلفة".
ورفض غليون الحديث عن دولة عميقة في العالم العربي، وقال: "ليس هناك دولة عميقة في عالمنا العربي، الدولة العميقة تقال عن دول ديمقراطية عريقة فيها أجهزة أمنية تحكم من وراء الستار، أما في دولنا فلا توجد دولة عميقة.. إنما هناك دولة أمنية قمعية.. والذي يقود القرار هي الأجهزة الأمنية والعسكرية وتغطي حالها بأوليغارشية رأسمالية".
وأضاف: "المميز بعد كل المعارك التي خاضتها شعوبنا العربية من أجل الحرية، هو فشل الثورة المضادة وليس نجاحها، ولذلك بإمكان الشعوب أن تعود للساحة وتطالب بحقوقها، على قاعدة أنه لا يمكن لأي نظام أن يستمر دون أن يؤمن مصالح شعبه، وحقه في أن يكون صاحب قرار.. وباختصار معركة شعوبنا ستظل قائمة حتى إعادة بناء السلطة على أسس شرعية ديمقراطية"، وفق تعبيره.
وبعد أكثر من عقد من الزمن من الموجة الأولى للربيع العربي التي انطلقت من تونس أواخر 2010 للمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، لازالت مطالب الإصلاح الاقتصادي والسياسي تتصدر لائحة المطالب العربية.
وعلى الرغم من الضربات الموجعة التي تلقتها الشعوب العربية، ولا تزال، فإن أسئلة التنمية والشفافية والعدالة والاجتماعية والحريات السياسية، لا تزال تشكل محور اهتمام غالبية الدول العربية في ظل تحولات سياسية تعرفها المنطقة والعالم، بعد جائحة كورونا وما خلفته من آثاتر إنسانية واقتصادية مدمرة، ثم اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من تداعيات سياسية تنذر بخارطة جديدة للعالم.
ومع أن الربيع العربي الذي انطلق من تونس 2010، ثم مر بمصر وليبيا واليمن وسوريا، تعرض لـ"تعثر"، وأجبر الكثير من رموزه وأنصاره على المنفى واللجوء والسجن، علاوة على نشوب مواجهات مسلحة في ثلاثة منها (ليبيا واليمن وسوريا)، فإن الأهم من نتائجه هو التراجع الاقتصادي في جميع هذه الدول، ومحاولات لإجراء إصلاحات اقتصادية توصف بأنها "أليمة ولكن ضرورية"، كما الحال بمصر، والأخطر من ذلك هو سؤال السيادة والوحدة والمصير.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات الثورات العربية تصريحات تصريحات العرب سياسة مآلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعوب العربیة
إقرأ أيضاً:
المقاومة بين ضغط العدو وصمت القريب
أحمد الفقيه العجيلي
تبدو المفارقة في المشهد العربي اليوم لافتة: فبعض الأنظمة تبدو أكثر تشددًا تجاه حركات المقاومة مما هي عليه القوى الكبرى نفسها. ولا يرتبط الأمر بخلاف سياسي محدود؛ بل بتراكم تاريخي وتعقيدات تتداخل فيها هواجس الأمن الداخلي، وتحولات الإقليم، ومحاولات إعادة بناء الأولويات بعيدًا عن القضية الفلسطينية.
حركات المقاومة- وفي مقدمتها حماس- تمثل نموذجًا حساسًا لدى عدد من الأنظمة. فهي قوى شعبية تمتلك خطابًا مؤثرًا، وحضورًا ميدانيًا متماسكًا، وقدرة على الاستمرار رغم الظروف القاسية.
هذا النموذج يُثير مخاوف متوارثة من انتقال "عدوى القوة الشعبية" إلى الداخل، كما حدث حين ألهبت ثورات الخمسينيات مشاعر الشعوب العربية، أو عندما فجّرت انتفاضة 1987 موجة تعاطف وضغط شعبي هزّت المنطقة بأكملها. لذلك تصبح هذه الحركات هدفًا مزدوجًا: تُحارَب من الاحتلال لأنه يراها خصمًا مباشرًا، وتتحفظ عليها بعض الأنظمة لأنها تمثل نمطًا لا ترغب في رؤيته يتكرر.
الأحداث الأخيرة كشفت هذه المعادلة بوضوح؛ فبعد طرح "خطة ترامب"، التي تكشف عن ثغرة قاتلة: غياب الضمانات الحقيقية لوقف الخروقات الإسرائيلية. هذه الخطة لم تُبنَ على أساس موازين قوى متكافئة أو حقوق ثابتة؛ بل اعتمدت في جوهرها على أجندة أمريكية- إسرائيلية تهدف إلى تصفية المقاومة ونزع سلاحها أولًا، دون إلزام الاحتلال بضوابط ردع فعالة لوقف الاستيطان أو الاغتيالات أو التعدي على المقدسات.
وبالتالي تجعل تركيزها كله على مطالبة المقاومة بالتنازل، دون وضع آليات عقابية لإلزام الطرف الإسرائيلي.
والأدهى، أن دور الوسطاء العرب والدوليين يظل في الغالب ضعيفًا وغير فعّال عند وقوع الخروقات الإسرائيلية الكبرى؛ فبدلًا من ممارسة ضغط حقيقي لفرض عقوبة على العدو، تقتصر ردود فعلهم غالبًا على بيانات حذرة أو متابعة للمشهد، ما يضعهم في موقع "المراقب" بدلًا من "الضامن الفعّال". هذا الضعف في آليات الضمان يرسخ الانطباع بأن أي تسوية تُطرح، هي بالأساس إطار قابل للتلاعب من قبل الاحتلال، يتيح له استخدام الوقت لصالحه للمزيد من القضم والتمدد.
التاريخ القريب يدل على أن أي تسوية لا تنطلق من الإرادة الفلسطينية تتحول إلى إطار قابل للتلاعب. حدث ذلك في كامب ديفيد، وفي أوسلو، ويتكرر اليوم مع خطة ترامب. فالاحتلال يملك القدرة على إعادة تفسير البنود واستخدام الوقت لصالحه، بينما تكتفي الأطراف العربية المعنية بمتابعة المشهد أكثر مما تُسهم في تشكيله.
ويبقى السؤال: هل يمكن لمثل هذه الخطط أن تنجح؟ التجربة تشير إلى أن نجاحها يتطلب قبولًا فلسطينيًا واسعًا، وهو ما لم يتحقق، خصوصًا أن الخطة بُنيت على منطق أحادي يجعل "الحل" أقرب إلى إعادة ترتيب الاحتلال بلغة سياسية ناعمة. وهكذا تبقى المقاومة- رغم اختلاف تقييم أدائها- الطرف الوحيد الذي يتحرك على قاعدة الفعل لا البيانات.
بحسب ما أتابعه من قراءات وتحليلات، فإن فرص نجاح أي خطة لا تُلزم الاحتلال بقواعد واضحة وتضمن الحد الأدنى من الحقوق، ستظل ضعيفة. فالخطة التي تستند على الضغط على المقاومة دون ردع الاحتلال، تشبه محاولة بناء بيتٍ على أرض رخوة؛ أول هبّة ريح تكشف هشاشته.
ولعل العدو يدرك- قبل غيره- أن كسر حماس ليس سهلًا؛ فالمقاومة التي صمدت تحت الحصار، وتحت النار، وتحت كل حملات التشويه، ليست مجرد تنظيم؛ إنها حالة وعي تشكّلت عبر عقود من الجراح والأمل. وهذا ما يجعل بعض الأنظمة أكثر حذرًا… وربما أكثر عداءً.
في الجوهر، الموقف المتشدد تجاه المقاومة لا يرتبط بقيم سياسية بقدر ما يرتبط برغبة عدد من الأنظمة في طيّ صفحة الصراع، أو على الأقل تحييده عن حساباتها الجديدة. لكن وجود مقاومة فاعلة يعيد تذكير الجميع بأن الملف لم يُغلق، وأن أي ترتيب لا يأخذ حقوق الفلسطينيين بجدية لن يعيش طويلًا.
لهذا تبدو المفارقة مفهومة: تُنتقد المقاومة لأنها ترفض التكيف مع المعادلات الجديدة، ولأن استمرارها يربك خطاب “الاستقرار بأي ثمن”. أما الاحتلال، فاعتاد أن يجد من يخفف عنه عبء الانتقاد، حتى وهو يمضي في خروقاته يومًا بعد يوم.
ولذلك، كلما اشتد الهجوم على حماس… ازددتُ يقينًا أن ما يؤلم خصومها ليس فعلها، بل ثباتها.
وما يزعجهم ليس قوتها، بل قدرتها على النجاة. وما يخيفهم ليس خطابها؛ بل الأمل الذي تبقيه حيًا في قلوب الناس.
هذه الصورة ليست تحليلًا سياسيًا بقدر ما هي قراءة واقعية لمشهد يتكرر عبر العقود: حين يتراجع الصوت الرسمي، تظل القوى الشعبية- مهما اختلفت التقديرات حولها- هي الكف التي تمنع سقوط القضية بالكامل.
في النهاية.. يظل الثابت أن من يحمل البندقية ومن يرفض الانحناء هو الأكثر استهدافًا. أما من يفاوض بلا أوراق قوة، أو يساير الرياح حيثما هبّت، فلن يكون موضع قلق لأي أحد.