الحكومة في مخاضها الأخير وسلام يُفكّك العقدة القواتية؟
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
كتبت سابين عويس في" النهار": ما لم يلبّ الرئيس المكلف نواف سلام مطالب الأحزاب المسيحية التي تقودها "القوات اللبنانية" تحت شعار وحدة المعايير، فإن حكومته لن ترى النور قريباً، وسيستمر رئيسها بتلقي الاعتراضات، على نحو يعوق أي مساعٍ للتقدم في مسار التأليف، ويقوّض مناخ الثقة والزخم المنطلقين منذ جلسة انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً.
يزيد الأمور غموضاً وتعقيداً اعتصام الرئيس المكلف بالصمت، واكتفاؤه ببيانات مقتضبة جداً يصدرها مكتبه الإعلامي، وفيها تكرار نفيه لكل التسريبات عن التشكيلة الوزارية، مع التزامه الكامل المعايير التي وضعها وتوافق عليها مع رئيس الجمهورية.
لا تقنع هذه التأكيدات القوى المسيحية والسنية، وتشكل "القوات اللبنانية" رأس حربة المسيحيين بالتوازي مع تكتل "الاعتدال الوطني" على المقلب السني، وسط تساؤل عما سيكون عليه موقف سلام من تلك الاعتراضات، بعدما ضاقت أمامه الخيارات وهوامش المناورة وحُصِرت في خيارين لا ثالث لهما، بما أن خيار الاعتذار ليس مطروحاً البتة. فإما أن يعتمد مبدأ وحدة المعايير ويتجه إلى توزير حزبيين على غرار ما فعل مع ثنائي "حزب الله"- "أمل"، ويمنح حزب "القوات" حقيبة سيادية هي الخارجية، على قاعدة عدالة التمثيل، باعتباره يمثل أكبر كتلة نيابية. ودون هذا الخيار معوقات جمة تكمن في الضغوط العربية والدولية الواسعة ضد تمثيل "حزب الله" في الحكومة أساساً، ما يعني أن أي حكومة سلامية ستضم ممثلين للحزب ستواجه بتراجع الدعم الخارجي، الأمر الذي سيقوض أي فرصة متاحة
أما الخيار الثاني، فهو أن ينفذ ما التزمه على صعيد المعايير الحكومية، فيقلب الطاولة على كل الاعتراضات والتسريبات، وهي ليست من عدم، ويعود إلى مبادىء حكومته وخطاب العهد ومطالب المجتمع العربي والدولي، فيتجه إلى قصر بعبدا وفي جعبته تشكيلة اختصاصيين.
في المعلومات المتوافرة لـ"النهار" أن سلام لن يذهب إلى الخيار الثاني، وذلك بناء على مجموعة معطيات ستسهم في تسهيل مسار التأليف، أولها دخول رئيس الجمهورية على خط التأليف من خلال منح الرئيس المكلف جرعة دعم عبر تأكيده أنه على تشاور وتوافق مستمرين معه، وصولاً إلى صيغة حكومية تعتمد المعايير والمبادئ المتفق عليها، ما يشي بأن الرئيس، حرصاً منه على الحفاظ على الزخم المحلي والخارجي، سيعمل ما في وسعه لتأمين انطلاقة عهده بالأجواء الإيجابية عينها التي سادت عند الانتخاب والتكليف، وتراجعت عند اصطدام الرئيس المكلف بالواقعية السياسية لمسار التأليف.
ثاني المعطيات يكمن في نجاح الرئيس المكلف في احتواء أي معارضة أميركية أو عربية على تمثيل "حزب الله" في الحكومة، عبر سيره بمرشحين يحظون بعدم ممانعة أميركية، إما لكونهم يحملون الجنسية الأميركية وإما لأنهم حصّلوا تعليمهم في الجامعة الأميركية أو يعملون فيها أو في مستشفاها.
أما ثالث المعطيات وربما الأهم في المرحلة الراهنة من التأليف، فملامح الحلحلة التي بدأت تظهر على سير المفاوضات، إذ علمت "النهار" أن ثمة توجها نحو منح حزب "القوات اللبنانية" حقيبة الخارجية إلى جانب ثلاث حقائب أخرى. وإذا صحت هذه المعطيات، فإن بوادر المخاض تكون قد أصبحت قريبة جداً.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الرئیس المکلف
إقرأ أيضاً:
مشهد الوداع الأخير.. صوت شهداء الجزيرة خفت لكن التغطية مستمرة
غزة- اعتاد أنس الشريف مرافقة سيارات الإسعاف في مهامها لتوثيق اللحظات الأولى لجرائم الاحتلال في قصف المنازل على رؤوس ساكنيها، لكن فجأة تبدَّل المشهد وجاءت اللحظة التي حمل فيها المسعفون جثمان أنس في طريقهم لمواراته الثرى.
أما محمد قريقع فكان يجوب مشافي غزة بعد فقدانه والدته المسنة المريضة، عقب اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مجمع الشفاء الطبي في فبراير/شباط من العام الماضي، إلا أنه بعد شهور قليلة دُفن بالقرب منها.
وعلى أعتاب مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة تغيَّرت الأحوال في ثوان معدودة مساء الأحد، عندما انفجر صاروخ أطلقته مُسيَّرة إسرائيلية في الخيمة المخصصة لطاقم صحفيي قناة الجزيرة أدت لاستشهاد مراسليها أنس الشريف ومحمد قريقع ومصوريها إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة ومحمد نوفل.
حامل الأمانة
لم يغادر الصحفيون طوال ساعات الليل ثلاجات الموتى، حيث سُجّيت أجساد الشهداء داخلها، في حين بدت الصدمة ظاهرة وبقوة على وجوه من رافقوهم على مدار 22 شهرا من التغطية المتواصلة.
وتداخل المشهد ما بين الحزن والقهر الذي عم ذوي الشهداء وأصدقائهم، وبين الفخر بالرسالة الإعلامية التي قدمها الصحفيون الشهداء رغم كل التهديد والوعيد الذي تعرَّضوا له.
كاد مراسل قناة الجزيرة مباشر، الصحفي محمد شاهين، أن يسقط أرضا وهو يودع زملائه، ويردد "التغطية مستمرة والصورة لن تغيب كما كان يقول أنس، ورسالته ستبقى حاضرة في الميدان طالما بقيت الحرب متواصلة على غزة".
في حين انشغل زملاء وأصدقاء الشهداء بترتيب مراسم جنازة تليق بهم بمشاركة العشرات من الصحفيين، والكثير من محبيهم الذين طالما تابعوهم عبر الشاشة، وبكوا بحرقة على رحيلهم.
فجأة علا صوت شاب غلبته الدموع وهو يودع أنس الشريف داخل مقبرة الشيخ رضوان بمدينة غزة قائلا "أنس بطل، حمل الأمانة حتى آخر لحظة، إسرائيل اغتالته لأنه فضح المجاعة، أنس طعمانا (أطعمنا) واستشهد"، في إشارة إلى أثر الرسائل الإعلامية التي بثها عن التجويع ودفعت العالم للضغط على الاحتلال لإدخال المساعدات إلى غزة.
كان أنس قريبا من الناس، ينقل صرخات الأطفال والنساء، ويرصد تفاصيل الإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين، ويُوثِّق فظائع المقابر الجماعية التي دفن فيها الجيش الإسرائيلي الجثث كي يطمس جرائمه، وكثيرا ما علا صوته في مواجهة التجويع، وقاد تشييع زملائه في قناة الجزيرة إسماعيل الغول ورامي الريفي الذين اغتالتهم طائرات الاحتلال المسيرة قبل عام، وقال حينها "لن تتوقف التغطية".
إعلانعقب تلك الجريمة استكمل محمد قريقع طريق إسماعيل الغول، وخرج برسالته الأولى على الهواء مباشرة يعلن مواصلة التغطية التي سبقه إليها، لكن اليوم غاب أنس ومحمد معا، وتركا خلفهما من يكمل المسيرة.
"راح أنس والشباب" يقول شقيق أنس الأكبر محمود الشريف، وهو يستقبل التعازي بعد انتهاء مراسم الدفن، بينما أغمى على شقيقه أحمد الذي لم يستوعب غيابه، وكذلك انهار أخوه محمد وهو يتلقى التعازي.
يستذكر رفقاء أنس همَّته الكبيرة وجهوده الميدانية، التي فاقت جسده النحيل بأضعاف كثيرة، وكيف تغلَّب كثيرا على المرض والإرهاق وأصرّ على مواصلة التغطية المباشرة رغم تكرار تهديد الاحتلال له.
قبل يومين فقط من استشهاده، قال أنس الشريف لزملائه الصحفيين "اللي بستشهد برتاح"، وكأنه كان يشعر بقرب اللحظة التي ينفذ فيها جيش الاحتلال تهديداته بتغييبه عن المشهد، وهو يعلم أن وقع تغطيته الصحفية فضحت جرائم الاحتلال وزيف أكاذيبه، وجعلهم في مواجهة الصورة البشعة التي خلَّفتها الحرب في غزة.
"آن لأنس أن يستريح، فقد تعب كثيرا" يقول زملاؤه الذين غمرت الدموع وجوههم المرهقة، وهم يتساءلون "على مين الدور؟" إذ يشعر الصحفيون في غزة أنهم جميعا على بنك الأهداف الإسرائيلية بعدما استشهد 238 صحفيا منذ بداية العدوان على القطاع قبل 22 شهرا.
انهال التراب على قبور شهداء الجزيرة بعدما استكملوا مسيرتهم، وغاب صوتهم، لكن صداه لا يزال يتردد في غزة.