أنس الشريف.. شاهد وشهيد
تاريخ النشر: 11th, August 2025 GMT
الاحتلال المُجرم يواصل اغتيال الصحفيين في غزة لإسكات صوت الحقيقة
◄ أنس الشريف كان لسان غزة وعينها.. وصوت الحقيقة وسلاحها
◄ صحفيو غزة تمسكوا بسلاح الحقيقة لهزيمة الرواية الإسرائيلية الكاذبة
◄ الاحتلال تعمد اغتيال الصحفيين قبل بدء جريمة جديدة باجتياح مدينة غزة
◄ إدانات دولية لجرائم الاحتلال ضد الصحفيين
◄ الشريف: أوصيكم بفلسطين درة تاج المُسلمين
◄ أنس في وصيته: لا تنسوا غزة وسامحوني إن قصرت
الرؤية- عبدالله الشافعي
في مقطع شهير وبعين باكية، قال طفل فلسطيني يُسارع الخطى لعله يحظى بأي شيء من المساعدات التي يتم إنزالها جوا على قطاع غزة: "ذلونا يا أنس الشريف"، لتلخص هذه العبارة علاقة أهل القطاع المُحاصر بأنس الشريف الذي اغتالته إسرائيل المجرمة وحكومة بنيامين نتنياهو المطلوب للعدالة الدولية.
لم يكن أنس الشريف الذي استشهد في ساعة متأخرة من مساء الأحد العاشر من أغسطس 2025 مجرد صحفي أو مراسل إخباري، بل كان عين غزة التي يرى العالم بها جرائم الاحتلال، ولسانها الذي تتحدث به لتحكي جانباً من المآسي التي يتغافل عنها العالم.
كان أنس الشريف صوت غزة وسلاحها، ولذلك حرض عليه المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي منذ بداية العدوان، لأن الشريف هزمهم بعدسته وبصوته وعرىّ قادتهم أمام شعوب العالم الحر الذين انتفضوا في العواصم والمدن رفضا للعدوان ودعما لغزة.
واستهدف القصف الإسرائيلي خيمة للصحفيين في مدينة غزة، ليستشهد ويصاب عدد كبير منهم، تزامنًا مع موافقة الكابينت الإسرائيلي على قرار السيطرة على قطاع، وسط إدانات دولية لهذا القرار.
ويقول محللون إن إسرائيل اختارت هذا التوقيت لاغتيال أكبر عدد من الصحفيين، تمهيدا لاجتياح مدينة غزة، وذلك بعد ساعات قليلة من مؤتمر نتنياهو الذي ادّعى فيه أن مدينة غزة هي آخر معاقل المقاومة الفلسطينية.
وكما اعتادت إسرائيل على الكذب المفضوح، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية خبر اغتيال أنس الشريف، مدعية أنه كان قائد كتيبة في حماس لكنه يتخفى في زي صحفي، وهي روايات تحاول إسرائيل ترويجها للتغطية على جرائمها ضد الفلسطينيين بمختلف طوائفهم وفئاتهم.
في رسالته الأخيرة التي نُشرت على حسابه الرسمي بعد استشهاده، وكان كتبها في أبريل الماضي، أوصى الشريف بفلسطين "درة تاجِ المسلمين، ونبض قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم"، كما أوصى برعاية أمه وأولاده وزوجته التي حرم منهم لأكثر من 650 يومًا لتغطية الإبادة في شمال القطاع.
وقال أنس في وصيته: "يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة "المجدل" لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ".
وأضاف: "عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يومًا عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، عسى أن يكون الله شاهدًا على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكنًا ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف"..
وتابع قائلا: "أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين، ونبضَ قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم، أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام، فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران، أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسورًا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة، وأُوصيكم بأهلي خيرًا، أوصيكم بقُرّة عيني، ابنتي الحبيبة شام، التي لم تسعفني الأيّام لأراها تكبر كما كنتُ أحلم، وأوصيكم بابني الغالي صلاح، الذي تمنيت أن أكون له عونًا ورفيق دربٍ حتى يشتدّ عوده، فيحمل عني الهمّ، ويُكمل الرسالة، أوصيكم بوالدتي الحبيبة، التي ببركة دعائها وصلتُ لما وصلت إليه، وكانت دعواتها حصني، ونورها طريقي، وأدعو الله أن يُربط على قلبها، ويجزيها عنّي خير الجزاء، وأوصيكم كذلك برفيقة العمر، زوجتي الحبيبة أم صلاح بيان، التي فرّقتنا الحرب لأيامٍ وشهورٍ طويلة، لكنها بقيت على العهد، ثابتة كجذع زيتونة لا ينحني، صابرة محتسبة، حملت الأمانة في غيابي بكلّ قوّة وإيمان.. أوصيكم أن تلتفوا حولهم، وأن تكونوا لهم سندًا بعد الله عز وجل".
واختتم وصيته: "إن متُّ، فإنني أموت ثابتًا على المبدأ، وأُشهد الله أني راضٍ بقضائه، مؤمنٌ بلقائه، ومتيقّن أن ما عند الله خيرٌ وأبقى.. اللهم تقبّلني في الشهداء، واغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر، واجعل دمي نورًا يُضيء درب الحرية لشعبي وأهلي.. سامحوني إن قصّرت، وادعوا لي بالرحمة، فإني مضيتُ على العهد، ولم أُغيّر ولم أُبدّل.. لا تنسوا غزة… ولا تنسوني من صالح دعائكم بالمغفرة والقبول".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مقررة أممية: إسرائيل تحاول قتل الحقيقة وأنس الشريف كان صحفيا شجاعا
قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية الرأي والتعبير إيرين خان إن الجيش الإسرائيلي يسعى إلى "قتل الحقيقة" بإسكات كل صوت يروي ما يجري في قطاع غزة، مؤكدة أن مراسل الجزيرة أنس الشريف كان "صحفيا شجاعا" واصل عمله رغم التهديد المباشر لحياته.
وأعربت خان، في حديثها للجزيرة، عن حزن عميق لاستشهاد الشريف وزميله مراسل الجزيرة محمد قريقع، مؤكدة أن الصحفيين في قطاع غزة يدفعون حياتهم ثمنا لإبقاء العالم على اطلاع على الفظائع التي يرتكبها الاحتلال، مضيفة أن تحذيراتها السابقة لم تردع الجيش الإسرائيلي عن المضي في استهدافه المباشر للصحفيين، "فهم لا يعرفون الشرف"، على حد وصفها.
وجاءت تصريحات المسؤولة الأممية عقب قصف إسرائيلي استهدف خيمة صحفيين ملاصقة لمجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، مما أسفر عن استشهاد الزميلين أنس الشريف ومحمد قريقع والمصورين إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل، في واحدة من أبشع الهجمات على الصحافة منذ بدء الحرب على القطاع قبل 22 شهرا.
ورأت خان أن هذه الجريمة جزء من سياسة ممنهجة لإسكات أي شاهد على ما يجري، معتبرة أن الاحتلال يعتقد أنه قادر على طمس الرواية الفلسطينية، لكنه "لن يتمكن من قتل الحقيقة".
وأضافت أن الصحفيين في غزة يدفعون حياتهم ثمنا لنقل الوقائع، وأن إسرائيل تريد "إسكات أي صوت وأي عين تشهد على الفظائع" التي يرتكبها جيشها، مشددة على أن العالم بحاجة إلى رفع وتيرة الإدانة والتحرك الفوري.
وقالت إن استمرار الإفلات من العقاب وعدم محاسبة قادة الاحتلال على قتل عشرات الآلاف من الغزيين، ومن بينهم عشرات الصحفيين، يشجع إسرائيل على المضي في مسلسل الاغتيالات، داعية إلى فرض مزيد من الضغوط والعقوبات على تل أبيب.
وأضافت أن حرب غزة سجّلت العدد الأكبر من الصحفيين الشهداء منذ أن بدأت الأمم المتحدة بتوثيق الانتهاكات بحق الإعلاميين، مؤكدة أن على المحكمة الجنائية الدولية التحرك، وعلى الدول الغربية الحليفة لإسرائيل أن تثبت التزامها بحرية الصحافة عبر خطوات عملية.
عملية برية واسعةوربطت المقررة الأممية بين استهداف الزميلين والإعلان عن عملية برية واسعة لاحتلال مدينة غزة والقطاع الأوسط، معتبرة أن هذه السياسة تهدف إلى منع العالم من الاطلاع على ما يجري على الأرض.
إعلانوكشفت المقررة الأممية أنها تواصلت شخصيا مع الشريف بعد بيانها التحذيري من تهديدات الاحتلال، وقال لها إنه سيواصل نقل الحقيقة رغم علمه بخطورة وضعه، واصفة إياه بـ"الرجل الشجاع للغاية".
وأكدت أن اغتيال الصحفيين لن يوقف تدفق الأخبار من غزة، وأن الأصوات الحرة ستواصل فضح المجازر التي يتعرض لها المدنيون، داعية المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف الحرب وضمان وصول المساعدات الإنسانية وحماية الإعلاميين.
ورأت خان أن استمرار الإفلات من العقاب يشجع إسرائيل على مواصلة الاغتيالات، معتبرة أن وقف هذه الجرائم يتطلب فرض ضغوط أشد وعقوبات دولية على تل أبيب، إلى جانب تحرك المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة المسؤولين.
وأشارت إلى أن عدد الصحفيين الذين قتلوا في قطاع غزة منذ بدء الحرب يفوق أي نزاع آخر وثقته الأمم المتحدة، مؤكدة ضرورة تحرك الدول الغربية الحليفة لإسرائيل إن كانت جادة في الدفاع عن حرية الصحافة وإلا فقدت مصداقيتها.
وشبهت خان سلوك إسرائيل بـ"الوحش المحاصر" الذي يهاجم كل من يحاول فضح ممارساته، مشيرة إلى أن جيش الاحتلال تعمّد قتل الشريف رغم معرفته بأن العالم يتابع قضيته، مما يستدعي خطوات عاجلة لمحاسبته.
وختمت بالتأكيد على ضرورة السماح للإعلام الدولي بدخول غزة لأن الصحافة المحلية لا يمكن أن تتحمل هذه المخاطر وحدها، داعية إلى تحرك عالمي لوقف "مجازر الصحفيين" وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين المحاصرين.