هل يدمر ترامب السلام في الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT
شهد الأسبوعان الأولان للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المكتب البيضاوي الكثير من اللحظات المذهلة. ومع ذلك، كان اقتراحه في 4 فبراير (فبراير) القاضي بـ"الاستيلاء" على غزة استثنائياً.
اقتراح غير عملي وغير أخلاقي استنزف صدقية الولايات المتحدة
وكتبت مجلة "إيكونوميست" البريطانية أن ترامب جمع بين الأفكار المشؤومة ــ مثل التطهير العرقي واللامبالاة القاتلة حيال حقوق الفلسطينيين ــ مع الارتجال غير التقليدي في شأن واحدة من أكثر القضايا استعصاءً على الحل.
وفي يناير (كانون الثاني) ساعد ترامب في تحقيق وقف إطلاق النار المؤقت في غزة، وهو الأمر الذي استعصى على إدارة الرئيس السابق جو بايدن لمدة عام. ومن الممكن أن يؤدي تدخله الأخير إلى هز المنطقة، حيث تكمن المخاوف من أن ذلك سيشجع المتشددين ويمنع حلفاء أمريكا من دعم جهود تعزيز الاستقرار.
ضغط على نتانياهووأوضح ترامب خطته بعد اجتماع في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. وكان الدبلوماسيون يتوقعون أن يضغط ترامب على نتانياهو المتردد للمضي نحو المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة، والتي بموجبها سيتم إعادة جميع الرهائن، ويتوقف القتال وتخرج القوات الإسرائيلية من القطاع.
إجماع فرنسي: خطة ترامب بشأن غزة "تطهير عرقي" و"جريمة حرب" - موقع 24على غرار الموقف الرسمي للإليزيه والحكومة الفرنسية وأبرز السياسيين والمحللين، شدّدت الصحف الفرنسية من كافة التوجّهات والتيارات، على أنّ التهجير القسري للسكان الفلسطينيين في غزة، جريمة حرب وجريمة مُحتملة ضدّ الإنسانية، واصفة إيّاها بأنّها تطهير عرقي.وبدلاً من ذلك، اقترح ترامب حض مليوني شخص من سكان غزة على مغادرة القطاع إلى الأردن أو مصر أو أي مكان آخر. وقال إن القوات الأمريكية قد يكون لها دور في ذلك، وأوضح الرئيس الأمريكي أنه بعد عمليات الترحيل، ستقوم أمريكا بإعادة بناء غزة ليصير القطاع "ريفييرا الشرق الأوسط"، وعند هذه النقطة قد يعود بعض الفلسطينيين.
وأشار ضمناً إلى أنه في مقابل الرخاء، يتعين على الفلسطينيين نسيان حرمانهم التاريخي والتخلي عن أحلامهم في إقامة دولة.
مشاكل في الخطةوتقول المجلة "لا يحتاج الأمر إلى حائز على جائزة نوبل للسلام لاكتشاف مشاكل خطة ترامب، فمن الناحية الأخلاقية، هي دعوة للغزو والتطهير العرقي، دون النظر إلى حق الفلسطينيين في تقرير المصير أو الحكم الذاتي".
كواليس صادمة.. كيف وُلد مقترح ترامب للسيطرة على غزة؟ - موقع 24عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء عن اقتراحه بأن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على غزة، صدم حتى كبار أعضاء إدارته وحكومته، وفقاً لتقرير في صحيفة "نيويورك تايمز".ومن خلال اقتراحه، يدعم ترامب النظرة العالمية القائمة على أن القوة هي الحق، من الناحية العملية، هذه بداية غير مشجعة، مشيرة إلى أن الناخبين الأمريكيين لا يرغبون في إرسال المزيد من القوات إلى الشرق الأوسط. كما أن سجل أمريكا في بناء الأمم هناك ضعيف، كما أشار ترامب نفسه في وقت سابق.
وستواجه الدول العربية التي يُطلب منها استضافة الغزيين المشردين صعوبات كبيرة في التعامل مع هذا التدفق. ولا عجب أن مسؤولي ترامب بدأوا في التراجع عن خطته في اليوم التالي، مؤكدين أنه لم يعد الحديث عن استخدام القوات الأمريكية، وأن التهجير سيكون موقتاً.
"حفرة جهنم"وتتابع المجلة "مع ذلك، فإن تشخيص ترامب يحتوي أيضاً على أجزاء من الحقيقة، فهو محق في أن غزة باتت "حفرة جهنم" بسبب الحرب التي مزقتها. وأن هذا الوضع لن يتغير ".
كما أن حماس تسيطر على غزة، بينما السلطة الفلسطينية تتدهور في الضفة الغربية، والعالم يكتفي بالكلام عن حل الدولتين. وقال ترامب: "لا يمكنك الاستمرار في ارتكاب الخطأ نفسه مراراً وتكراراً".
فورين بوليسي: خطة ترامب لتطهير غزة جنون محض - موقع 24لفت الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك إلى أن أحد الامتيازات الخاصة برئيس الولايات المتحدة هو وجوب أخذ تصريحاته على محمل الجد، بغض النظر عن مدى جموحها.وتؤكد المجلة أن ترامب محق في أن هناك حاجة إلى مزيد من التفكير الخلاق لمنح شباب غزة فرصة أفضل.
وتضيف أن التراجع عن الصيغة القديمة المتمثلة في وكالة الأمم المتحدة المعطلة التي تعمل على إدامة وضع اللاجئين في غزة، والتظاهر بالتحضير لعودة السلطة الفلسطينية، لا يعدو كونه إعادة خلق الظروف التي سمحت لحماس بالازدهار.
الطريق إلى السلامثم هناك الطريق الضيق للسلام، الذي يتطلب تحولاً في القيادة أو إقالة قيادة حماس في غزة، مع تشكيل قوة أمنية بقيادة العرب والسلطة الفلسطينية لاستعادة النظام، وفي ذات الوقت، يمكن للمحادثات حول الدولتين أن تفتح المجال للتحالفات والمساومات الإقليمية التي يحلم بها ترامب.
وتختم المجلة "يحتاج الشرق الأوسط بشدة إلى تفكير جديد، لكن من خلال طرح اقتراح غير عملي وغير أخلاقي، استنزف ترامب صدقية الولايات المتحدة. وقد ينتهي به الأمر إلى إثارة الاضطرابات وتمكين المتطرفين. وتزعم حماس الآن أن أمريكا لا تهتم بسكان غزة. وبوسع اليمين المتشدد في إسرائيل أن يتمسك بحلمه المتمثل في طرد الفلسطينيين من غزة وبناء المستوطنات هناك".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام المجتمع اتفاق غزة سقوط الأسد إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الفلسطينيين ترامب وقف إطلاق النار المؤقت في غزة نتانياهو غزة ترامب اتفاق غزة غزة وإسرائيل فلسطين نتانياهو الولایات المتحدة الشرق الأوسط خطة ترامب على غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
الشرق الأوسط بين المطرقة والسندان: حين تُمسك واشنطن وتل أبيب بخيوط اللعبة
#سواليف
#الشرق_الأوسط بين #المطرقة و #السندان: حين تُمسك #واشنطن و #تل_أبيب بخيوط اللعبة
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
تعيش منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر مراحلها تعقيدًا، حيث تتقاطع فيها خطوط النار مع التحالفات الدولية، وتتشابك الأجندات الإقليمية مع صراعات النفوذ. لكن رغم تعدد الفاعلين الظاهريين، يظل المشهد محكومًا بثنائية واضحة: الولايات المتحدة ترسم الخطوط الكبرى، وإسرائيل تنفذها على الأرض. أما بقية الأطراف، من العواصم العربية إلى العواصم الأوروبية، فدورها لا يتعدى التفاعل الهامشي مع نتائج سياسات لا يملكون التأثير الحقيقي فيها.
مقالات ذات صلةفي قلب هذا الواقع المأزوم، تتصدر غزة المشهد مجددًا كرمز للمعاناة المستمرة. القصف الإسرائيلي المتواصل يحصد أرواح الأبرياء، ويدمر المنازل والبنى التحتية، وسط كارثة إنسانية غير مسبوقة. المستشفيات انهارت، والمساعدات لا تدخل إلا بشق الأنفس، والمجتمع الدولي يراقب بصمت. وحتى الوساطات الإقليمية، مثل جهود مصر وقطر، رغم جديتها، تبدو عاجزة أمام تعنت إسرائيلي مدعوم سياسيًا وعسكريًا من واشنطن.
الولايات المتحدة، التي تُفترض بها مسؤولية كقوة كبرى، لا تقوم بدور الوسيط النزيه. بل تواصل تقديم مقترحات “سلام” تفصّلها وفق المصلحة الإسرائيلية، متجاهلة الحقوق الفلسطينية الأساسية، وعلى رأسها إنهاء الاحتلال ورفع الحصار. لا عجب إذًا أن ترفض الفصائل الفلسطينية هذه المبادرات، التي تهدف إلى تهدئة مرحلية دون معالجة الأسباب الجذرية للصراع.
ولا تختلف الصورة كثيرًا في لبنان، حيث الجنوب ما يزال ساحة مستباحة للغارات الإسرائيلية المتكررة. الدولة اللبنانية تعاني من ضعف مؤسسي وغياب إرادة موحدة، فيما سلاح حزب الله يظل محط جدل داخلي وإقليمي. ومع استمرار إسرائيل في تجاوز الخطوط الحمراء دون مساءلة، تتحول الأراضي اللبنانية إلى منطقة توتر دائمة، في ظل عجز دولي واضح عن فرض أي قواعد اشتباك عادلة.
أما الملف الإيراني، فهو بدوره يعكس ذات المعادلة المختلّة. طهران رفضت مؤخرًا مقترحًا نوويًا أمريكيًا وصفته بـ”غير القابل للتطبيق”، معتبرة أنه يكرس منطق الضغوط لا التفاهم. ومع تعثر المفاوضات وغياب الثقة، تتسع الهوة بين واشنطن وطهران، ويزداد التوتر على أكثر من جبهة، بما ينذر بانفجار إقليمي قد يتجاوز حدوده الجغرافية.
في ظل هذا المشهد، تبدو الساحة العربية في أسوأ حالاتها من حيث التنسيق والتأثير. لا جامعة عربية فاعلة، ولا تكتل إقليمي قادر على تشكيل موقف موحد. البعض غارق في أزماته الداخلية، والبعض الآخر يدير ظهره للقضية الفلسطينية في مقابل مكاسب تطبيعية آنية. هذه الانقسامات منحت إسرائيل فرصة ذهبية لتوسيع مشروعها الاستيطاني وفرض وقائع جديدة، دون أن تواجه ضغطًا حقيقيًا من أي طرف عربي.
اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يقود الحكومة اليوم، لم يعد يخفي نواياه. هناك إيمان عميق داخل المؤسسة الحاكمة في تل أبيب بأن استخدام القوة وحده كفيل بتحقيق “الأمن”، وأن المجتمع الدولي لن يتجاوز بيانات القلق المعتادة. وهذا ما تؤكده ردود الفعل الباهتة على المجازر في غزة، التي لم تُقابل حتى الآن بأي تحرك فعلي من مجلس الأمن أو المؤسسات الحقوقية.
الأخطر من كل ذلك هو تطبيع التوحش. حين تُمارس القوة بلا محاسبة، ويُكافأ المعتدي بدلاً من رَدعِه، تتحول المجازر إلى مشهد يومي، وتتحول المبادئ إلى شعارات خاوية. وفي هذا السياق، لم تعد العدالة جزءًا من المعادلة السياسية، بل مجرد تفصيل لا يغيّر شيئًا في حسابات الربح والخسارة الجيوسياسية.
إن الأزمة في الشرق الأوسط ليست أزمة عابرة، ولا يمكن حلّها عبر تسويات شكلية. طالما أن مفاتيح الحل لا تزال محتكرة من قبل من يرفض أصلًا الاعتراف بجوهر المأساة، فإن كل حديث عن السلام يظل أقرب إلى الوهم. المطلوب ليس إدارة الأزمة، بل كسر المعادلة التي جعلت من الاحتلال واقعًا طبيعيًا، ومن الضحية متهمًا.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في أدوات الضغط، وتفعيل الأدوار العربية والدولية، لا بالصوت فقط، بل بالفعل. فسلام بلا عدالة ليس سلامًا، بل استراحة مؤقتة تسبق انفجارًا أكبر.