عندما نقول: الله أكـبر، فنحن نقولها للمسجد والميدان، للقلب كما لزناد البندقية. ونقولها للنصر كما نقولها للشهادة، وإذ نقولها تسليمًا له بالوحدانيّة والعلوّ والقوة والعزة والجبروت المطلق؛
فنحن نقولها لرفض ادعاءات ما عداه، نفهمها طاقةً لرفض كلّ ما هو شيطانيٌّ وإن خُيّل للخوارين بأنّ أفاعيه تسعى!
نقولها فنعرف أمريكا، وندرك أنها بقوة الله «قشّة»!
نقولها لا لاستهلاكها في صلواتنا والزوايا، أو لنرفعها عبر مكبرات الصوت، فيما قلوبنا منها أمام الطاغوت خاوية!
نقولها للحرب قبل السّلمِ، لحراب العدو قبل محراب الصّلاة.
نقولها لأمننا القومي، ولحفظ كرامتنا نقولها، وللدفاع عن المظلومين نقولها، ولنصرة المستضعفين نقولها، ولنحفظ إنسانيتنا نقولها؛
ولكيلا نتحول أمام ترامب إلى محض أبقارٍ حلوب!
ولكيلا يرانا الأغيار محض شعوبٍ مغلوبة، وزعاماتٍ مركوبة، وثرواتٍ منهوبة، وأمّةٍ لفرط رخاوتها.. منكوبة!
ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فإنّ آية إيمانه- لو تعلمون- كرامة.
لأن الله ما جعل لامرئٍ من قلبين في جوفه، وما جعل له من خوفين في قلبه.
لهذا فلا يمكنك أن تقرب «هذه الشجرة» وتبقى في الجنة، في نفس الوقت!
ومنذ البدء، فلم يكن في الأمر للانتهازيين متّسع، ولا للنفعيين وليجة.
إمّا مع الخليل إبراهيم أو إلى جوار النمرود، مع فرعون أو من أشياع موسى! مع نوحٍ- من قبل- أو من المُغرَقين!
لا مكان للبهلوانيين وقردة السيرك في هذه المعركة. ولا يمكنك بالتأكيد إرضاء كلّ الأطراف.
«إن الله لا يغفر أن يُشرك به»
وإلا فقد عرض على النبي- صلوات الله عليه وعلى آله- ملك العربِ في مكّة، مقابل «بعض التنازلات».
الله أعلى وأجلّ من أن تُمارس معه «حركات الفهلوة»!
إن الله يعلم السّر وأخفى!
ودين الله أشرف وأطهر من أن تنصره بالخسّة، أو يأمرك بالوضاعة، أو يدعوك إلى خفر الذّمام!
وما دمت تركع لربّ البيت الأبيض، فلا داعي لأن تسجد لربّ البيت الحرام!
—
فلا تخادع نفسك إذن، إنه لا متّسعٌ في الحقيقة للمخاتلة، يا كل مسلم، يا كلّ عربي!
وعندما تقول بأنّ ترامب «ليس جادًّا»، فأنت تقول- في الحقيقة- بأنك «لست مستعدًّا» لمواجهته، أو: لا تريد مواجهته؛ أو: تتصور منذ البدء أنها مواجهةٌ خاسرة.
أي: تعلن منذ البدء استسلامك.
هذا من أبجديات السياسة، وبالتأكيد: ما يقوم به الخوارون لا يُدعى سياسة. إنه خنوع، مذلّة، ركوع، إذعان، أو عبودية. لكنه ليس سياسة.
السياسة لا تعني أن تكون رخوًا، معدوم الكرامة والشرف.
وحينما يقول رئيس أمريكا بأنه سيحتل غزة، فعليك أن تعدّ العدّة لمواجهة فرضيّة أنه «لا يمزح»، ويقولها جادًّا.
ولتردّ عليه مبدئيًّا بردٍّ يفقأ عينيه، ويفصح عن قوة!
حتى الحسناء في خدرها مأمورةٌ «بالشحطة»، (فلا تخضعن بالقول)، يا كلّ دولةٍ عربيّة.
«مُش حلو قدّام العالم»!
فلتتعلموا من رئيس كولومبيا فنون الرّد!
فلتحاولوا الاستفادة من تقنيات الذكاء الصناعي.
أخبروه عن الوضع الذي تمرون به،
وسوف يكتب عنكم خطابًا يتناسب مع مقتضيات السياسة،
ويحافظ في نفس الوقت- وبالحد الأدنى- على كرامة الخطاب الرّسميّ العربي!
وللحصول على خطابٍ شديد اللهجة،
فلا تخبروه بأنّكم عرب.
لكيلا تفسدوا على الذكاء الصناعي فطرته،
فقط: أخبروه بأنكم بشر،
ولو على سبيل «الفرض جدلًا»، ما دمتم تتأهبون لعقد قمة عربية جديدة في القاهرة!
وأعرف تمامًا أنكم لا تملكون كرامة، ولا تحبّذون امتلاكها، وتفرّون منها فراركم من الأسد.
لكنكم تحتاجونها الآن، ليس للدفاع عن غزة، لأنها بالحقّ أقوى.
لكن للحفاظ على عروشكم! ترامب أحمق، ولا يقرأ التاريخ.
لكن- وللحفاظ على عروشكم- فلتقرأوا تاريخ شعوب المنطقة.
لتعرفوا أنه- في أوضاعٍ مشابهةٍ للتي تمرون بها الآن- لم تسقط الأمة.
لكنها- فحسب- أسقطت الأذلاء من حساباتها، ومن أول السطر بدأت بكتابة تاريخٍ جديد! يا أيها الحكام العرب،
والأذلاء منهم على وجه التحديد!
وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله.
يبقى لنا حديث.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
أول احتفال لليمنيين في عيد جمعة رجب بجامع “الجند”
يمانيون| تقرير| محسن علي
تعد “المساجد” التاريخية والأثرية في اليمن, من أوائل المساجد التي شيدت على التقوى في صدارة الإسلام-بعيدا عن مساجد ضرار- وبأمر مباشر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسست في عدة مناطق متخلفة لا تزال شواهدها قائمة وإلى اليوم يجسد فيها الشعب اليمني انتماءه الأصيل للإسلام والرسالة المحمدية ويجدد فيها هويته اليمانية والإيمانية, وقد أولى الرسول محمد ,”اليمن” مكانة خاصة وابتعث إليها العديد من الرسل لدعوة أهل اليمن للدخول في الإسلام, على طليعتهم الإمام علي بن أبي طالب, ومعاذ بن جبل, عليهما السلام, فلبوا الدعوة ودخلوا طوعا وأفواجا, فأكرمهم بأفضل الأوسمة حيث قال “الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان”, ومن تلك المعالم التاريخية والأثرية جامع “الجند” في محافظة تعز, الذي أشرق منه نور الهداية وأقيم فيه أول احتفال بعيد جمعة رجب.
مخلاف الجَنَدْ
تنسب منطقة “الجند ” في التاريخ إلى جند بن شهرات أحد بطون قبيلة المعافر، إذ كانت اليمن مقسمة حينذاك إلى ثلاثة مخاليف هي الجَنَدْ وحضرموت وصنعاء، وكانت تعد أحد المناطق الشهيرة, ليبقى اليوم مسجد “الجند” بمكانته التاريخية والأثرية أحد المعالم الدينية العريقة والصامدة في هذه المنطقة, كأحد المدارس الدينية والمآثر التاريخية التي يزخر بها اليمن , رغم الاستهداف الثقافي الخطير الذي غيب الدور الحقيقي للمساجد وبنيت من أجله, باعتبارها كانت المدرسة والمحكمة والميدان الجهادي والتثقيفي والتعبوي للأمة الإسلامية , لتتحول في ذاكرة الشعوب الإسلامية على مدى القرون المتعاقبة إلى مجرد أماكن تؤدى فيها الطقوس العبادية والدينية لا أقل ولا أكثر.
عظمة المرسل وولاء الرسول
يقع الجامع المعروف شعبيا بمسجد الصحابي الجليل معاذ بن جبل, في القسم الشمالي الشرقي من مدينة الجند الواقعة على بعد 22 كم شمال شرق بمدينة تعز، يتجاوز عمره أكثر من 1435 سنة, ويعود تأسيسه إلى عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عام 6 هـ واكتمل بناؤه في العام الـ10 من الهجرة.
ويعد الجامع من أقدم مساجد اليمن وأكثرها شهرة وقدسية ، ومرد شهرته ومكانته تعود إلى عدة أسباب وهي : أن أول من وضع حجر أساسه وبناه هو الصحابي الجليل معاذ بن جبل الذي كلفه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بالذهاب إلى اليمن ليكون والياً عليها وليدعو أهلها إلى الإسلام, وليعلمهم أمور الدين ويقضي بينهم وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
كما ورد في كتب السيرة بأمر من الرسول صلى الله عليه وآله سلم ، إذ أمر معاذاً بأن يبني المسجد في الجند بين السكاسك والسكون قائلاً له :”يا معاذ انطلق حتى تأتي الجند فحيثما بركت هذه الناقة، فأذن وصل وابتن مسجداً ” وقد أقام المسجد حيث بركت ناقته.
في مرمى الاستهداف
تحدثت كتب التاريخ عن تعرض المسجد للعديد من حملات الهدم, وأنه تم إعادة بنائه عدة مرات, ففي القرن الرابع للهجرة تم إعادة بنائه على يد الحسين بن سلامة, فيما قام الحاكم الصليحي المفضل بن أبي بركات بأعمال إنشائية بالجامع, وتعرض للهدم في عام 558 هـ، ثم أعيد بناؤه مرة أخرى في عام 575 هـ على يد الحاكم الأيوبي سيف الدين أتابك سنقر, .
تحفة فنية وتصميم فريد
يعد الشكل الهندسي والمعماري تحفة فنية غنية بالزخارف المنحوتة والمخرمة والمجمعة, ويتميز الجامع بتصميمه الفريد، حيث يتكون من صحن مكشوف (الفناء) تحيط به أربعة أروقة، أعمقها رواق القبلة, ويضم الأوسط المكشوف والذي وضع فيه عمود مربع، ارتفاعه متران، ويستخدم كمزولة لتحديد أوقات الصلاة، وتحيط به أبنية مظللة من الجهات الأربع تشرف على الصحن من ثلاث جهات، هي الشرقية، والجنوبية، والغربية، أما الجهة الشمالية ففيها قبلة المسجد ومحرابه للصلاة وتضم منبرا خشبيا قديما يعود إلى نهاية القرن السادس من الهجرة، وهي الأكثر عمقاً، وتُطلّ المظلات على الصحن بأقواس عالية متجاورة، أضفت على المنظر هالة البناء الإسلامي العريق، كما يعلو الجزء الجنوبي الغربي من زاويته مئذنة رائعة الجمال, تتكون من جزء سفلي اسطواني يعلوه شكل مثمن، ومن فوقه شكل مسدس، وتنتهي بقبة جميلة,
ويشير محمد بن عبد الرحمن علوي إلى قيم الجامع والتجديدات التي توالت عليه عبر التاريخ، وأهمها ما قام به وزير السيدة بنت أحمد الأفضل ابن أبي البركات سنة (480هـ – 1087م) كما أوصلت الماء من جبل التعكر الذي يبعد 60 كم، ومن وادي السودان القريب من مدينة القاعدة عبر ساقية عرفت بساقية الجند، يتخللها أفلاج عجيبة وعقود يقارب ارتفاعها 600 ذراعاً، واستمرت تزود الجامع بالمياه حتى أواخر ستينات القرن الماضي وآثارها لا تزال باقية إلى الآن.
عيد جمعة رجب ..أصالة وهوية
يعد جامع الجند من المواقع الدينية المهمة في محافظة تعز، ويحظى باهتمام كبير من قبل المصلين والزوار, ويشتهر بإقامة الصلاة فيه في أول جمعة من شهر رجب في كل عام، احتفالًا بأول جمعة أقيمت في اليمن في هذا الشهر الكريم المعروفة في الوسط الشعبي بـ “عيد جمعة رجب”, الذي دخل فيه اليمنيين طوعا إلى الإسلام, كما يمثل بالنسبة للشعب اليمني أحد المحطات التاريخية والمناسبات الدينية العظيمة التي يولونها اهتمام خاص, بل ويعتدونه أحد الأعياد التي يرتدون فيها الملابس الجديدة’ والقيام بصلة الأرحام, احتفاء بهذه المناسبة, لما له من دلالات ورمزية لها أثرها العميق في وجدانهم وحياتهم المعتادة تربطهم بالإسلام ودخولهم في دين الله.
مساجد أسست على التقوى
إلى جانبه توجد العديد من المساجد المماثلة التي بنيت بنفس التصميم الهندسي المعماري ولها قدسيتها ومكانتها التاريخية لدى الشعب اليمني وارتباطها الوثيق بعمق التاريخي الاسلامي والهوية اليمنية الايمانية، ومن أكثرها شهرة: الجامع الكبير بصنعاء، ومسجد الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليهما السلام في مدينة صعدة، وكذلك الجامع الكبير في مدينة زبيد جنوب غرب محافظة الحديدة، وجامع المحضار في مدينة تريم بمحافظة حضرموت، لا يقتصر دورها على تأدية الطقوس العبادية والدينية بداخلها وحسب، إنما كانت ولا تزال مدارس عملاقة عامرة بالعلماء وطلاب العلم، ومآذن صادحة بالحق وقلاع حصينة شامخة للجهاد والمجاهدين.
صيانة المعالم ضمن أولويات القيادة
ورغم ما تعرضت له العديد من المعالم الأثرية والتاريخية في اليمن من إهمال وتجاهل من قبل كافة الأنظمة المتعاقبة للحكم في اليمن, أدى إلى اندثار أجزاء كبيرة منها, وكانت في دائرة مرمى الاستهداف إثر العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن التي طالت الغارات الجوية العديد منها على مدى 10 سنوات, غير أن القيادة الثورية والسياسية أولت اهتماما خاصة في الحفاظ على هذه المعالم ذات الطابع التاريخي ومنها مسجد “الجند” , حيث شهد منذ مطلع العام 2024م عملية ترميم وصيانة واسعة للجامع وملحقاته الشرقية بتمويل من مكتب الهيئة العامة للاوقاف في محافظة تعز وباشراف ميداني مباشر من مكتب الهيئة العامة للاثار في المحافظة.
معايير للترميم
تركزت اعمال الترميم المنفذة التي بدأت اوائل جمادى الاولى من العام 24م وفق المعايير والشروط المعمول بها في ترميم وصيانة المعالم الاثرية والتاريخية في استكمال اعمال اظهار المعالم الاثرية لساحة الجامع الشرقية ممثلة في السواقي والمناهل ومدافن الحبوب و جدران بعض المنشآت المرتبطة بالجامع.
بالإضافة إلى اعادة تأهيل السواقي والبرك الصغيرة المرتبطة بالمطاهير والمواضي في الطرف الجنوبي من الساحة الشرقية بتكسيتها بمادة القضاض التقليدية، وكذا اعمال التنظيف وازالة الردميات المتراكمة داخل الحمام البخاري (الذي يعود الى الدولة الرسولية) وعن شبكة قنوات تصريف المياه الخاصة به.
وفي سياق ازالة التشوهات والاستحداثات العشوائية لعناصر الجامع المعمارية واستبدالها باستخدام مواد البناء التقليدية الاصيلة قامت الفرق المختصة في ازالة الطبقات الاسمنتية عن واجهات اعمدة وعقود الجزء الشمالي من الرواق الشرقي المطل على صحن الجامع وتقوية الاعمدة ومعالجة وفلس الاجزاء التالفة منه واعادة تكستيتها بمادة القضاض التقليدية, باعتبارها تاريخ وحضارة اليمن واليمنيين.
الخاتمة
للمساجد الاثرية والتاريخية في قلوب أهل اليمن مكانة خاصة لا يغيرها الزمان ولا المكان، فهي لهم محور التقاء يمتن الروابط الدينية والاخوية مهما تعددت الرؤى وتنوعت الأفكار ومنابر جهادية يعلو فيها صوت الحق الذي لابد منه.
#المعالم_الإسلامية_في_اليمن#جامع_الجند#عيد_جمعة_رجب