ليبيا – تقرير: المصالحة الوطنية بين الخداع السياسي والعدالة الانتقالية وفق رؤية فيصل الشريف

المصالحة الوطنية: مفردة بلا معنى؟
اعتبر المحلل السياسي فيصل الشريف أن مصطلح “المصالحة” لم يعد يحتفظ بمعناه الحقيقي في السياق الليبي، بل بات وسيلة لتهوين المسؤولية عن الملفات الجوهرية التي تهم مستقبل البلاد. في تصريحات أدلى بها خلال مداخلة عبر برنامج “حوارية الليلة” الذي يُذاع على قناة “ليبيا الأحرار” من تركيا، وتابعته صحيفة المرصد، ندد الشريف باستخدام المفاهيم الفارغة والمثيرة للضحك لإشغال عقول الليبيين، مشيراً إلى أن المصالحة الوطنية ليست سوى تطبيق من تطبيقات العدالة الانتقالية؛ أي أنها محاولة لتضليل الرأي العام عن طريق الحديث الفارغ وإهدار الوقت بدلاً من التركيز على قضايا جوهرية حسب زعمه.

العدالة الانتقالية كأساس للمصالحة الحقيقية
أكد الشريف على أن ما تحتاجه ليبيا ليست مصالحة اجتماعية أو سياسية بمفهومها التقليدي، بل أمران رئيسيان يحسمانهما: إجراء استفتاء على الدستور وإعطاء الشعب حقه، وتحقيق العدالة الانتقالية التي تضمن محاسبة الجناة وإنصاف الضحايا. وانتقد الشريف محاولات التزييف والتلاعب بمشروعي الدستور والعدالة الانتقالية، حيث يتم تعديلهما وفق مقاسات معينة تهدف إلى إفلات الجناة من المساءلة. وأضاف: “لماذا نسقط مشروعات الدستور والعدالة الانتقالية، ونفصل قوانين الانتخابات بما يناسب شخصية معينة ؟” مؤكدًا أن هذه المحاولات ما هي إلا وسائل لتطويل مدة الجمود السياسي وإبقاء الشعب الليبي تحت حالة من الخداع الدائم حسب تعبيره.

خلط المفاهيم ومحاولة استدراج الرأي العام
أشار الشريف إلى أن النقاش الدائر حول إطلاق سراح “المساجين والسجناء السياسيين” ما هو إلا خلط للمفاهيم، حيث أن المعتقلين جنائيون ارتكبوا جرائم، ومسؤولية القضاء هي التي تفصل في مصيرهم. كما أبدى رفضه للمساس بأي شخصية تُحتسب على أي توجه طالما كانت متورطة في إراقة دماء الليبيين ونهب مواردهم. وانتقد الشريف استخدام بعض المفاهيم الرنانة مثل “قصة الأحزاب” و”تقرير لجنة الخبراء” دون تقديم أدلة واضحة عن التجاوزات في تهريب النفط وغيرها من الملفات الجوهرية التي يجب أن يخضع لها الجميع للمحاسبة.

دعوة للمحاسبة والشفافية
دعا الشريف إلى ضرورة استغلال الجهات الرقابية، بما في ذلك النيابة العامة، للتحقيق في كافة الملفات العالقة التي تتعلق بمسؤوليات الحكومات السابقة والحالية، وخاصة في ظل محاولات محو الحقيقة والتستر على الانتهاكات التي حدثت في حق الليبيين. وأكد أن استمرار الفساد وتهريب الأموال والسلطة سيظل عقبة أمام تحقيق مصالحة وطنية حقيقية وإنهاء الأزمة التي تعصف بالبلاد. كما شدد على أن العدالة الانتقالية يجب أن تكون الضامن الأساسي، بحيث يُحاسب كل من ارتكب جرائم ضد الشعب الليبي، دون تسامح أو حصانة.

ختاماً، رؤية واضحة لمستقبل ليبيا
اختتم فيصل الشريف تصريحاته بالتأكيد على أن الطريق إلى مصالحة وطنية حقيقية يمر بإجراء إصلاحات جذرية ترتكز على استفتاء شعبي على الدستور وتنفيذ العدالة الانتقالية بشكل نزيه وشفاف، بحيث لا تبقى ملفات الانتقام والفساد دون حساب. وأكد أن كل دم ليبي أُريق يجب أن يُثبَت على ورق العدالة، وأن تحقيق ذلك لا يأتي إلا من خلال إرادة سياسية حقيقية لا تُقهَر.

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: العدالة الانتقالیة

إقرأ أيضاً:

مؤتمر “حلّ الدولتين”.. خدعة سياسية لتصفية المقاومة وتجميل وجه الاحتلال

يمانيون | تقرير تحليلي
في ظل تصاعد المجازر الصهيونية في غزة، وبينما تغرق الأرض الفلسطينية في الدم والركام، عاد المجتمع الدولي ليطرح مجددًا ما يسمى “مشروع حلّ الدولتين”، عبر مؤتمر دولي يُراد له أن يُعيد خلط الأوراق، ويوجه البوصلة نحو مسار سياسي منحرف يخدم الاحتلال أكثر مما يدعم الحقوق الفلسطينية.

تبدو صيغة المؤتمر مملوءة بألوان دبلوماسية “جميلة” في الفضاء الإعلامي، لكنها لا تخفي قبح جوهرها. فالمبادرة ليست جديدة، بل هي مبادرة قديمة متعفنة أُعيد طلاؤها مجددًا بعد أن بقيت لعقود على الورق دون تنفيذ، تُستخدم كلما اشتدت المقاومة وتصدع وجه الكيان المحتل تحت ضربات الصواريخ أو صمود أبطال الأرض المحاصرة.

المطلوب من المؤتمر: نزع السلاح وتفكيك غزة
من أبرز بنود هذا المسار الذي يُراد فرضه سياسيًا، ما تسعى إليه القوى الغربية والأنظمة العربية المتماهية، وهو إنهاء سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وتسليم إدارة القطاع بالكامل، بما فيه من مؤسسات ومقدرات وأسلحة، للسلطة الفلسطينية الخاضعة للتنسيق الأمني مع الاحتلال.

ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل يُطرح بوضوح في الكواليس ما هو أخطر: نزع سلاح المقاومة بالكامل، وتجريد الشعب الفلسطيني من آخر أدوات الدفاع عن نفسه، وشيطنة كل من يحمل السلاح ضد الاحتلال الصهيوني. وهي المطالب التي يروج لها القادة الصهاينة في تصريحاتهم، وتجد صدًى لها في باريس ولندن وواشنطن والرياض والقاهرة.

فرنسا وبريطانيا.. شراكة معلنة في جريمة الإبادة
الدول الأوروبية الكبرى لم تتزحزح خطوة واحدة عن دعمها المباشر وغير المباشر للعدو الصهيوني. لندن لم توقف تصدير الأسلحة، وباريس كذلك. بل تستمر الدول الغربية على اختلافها في توفير الدعم السياسي والعسكري، وتكتفي بتصريحات “قلقة” لا تعني شيئًا، سوى محاولة يائسة لحماية نفسها من اتهامات جرائم الحرب، عبر الادّعاء بأنها تُحذر وتُدين لفظيًا.

إن ما يجري في غزة ليس مجرد عدوان عسكري، بل حرب إبادة ممنهجة تشترك فيها أطراف دولية بالصمت أو بالمشاركة الفعلية، تحت غطاء من الشرعية الكاذبة التي توفرها المؤتمرات الدولية، والتي لا تخرج عن كونها مظلّة لشرعنة الاحتلال ومساعدته على تحقيق ما عجز عن فرضه عسكريًا.

المقاومة “إرهابًا”.. والدفاع “خروجًا عن القانون”
لم يكن غريبًا أن يُعاد تصنيف حركات المقاومة في المؤتمرات الغربية بأنها “إرهابية”، فذلك جزء من الحرب النفسية والسياسية التي تهدف إلى نزع الشرعية الأخلاقية والدينية والوطنية عن كل من يقف في وجه الاحتلال.. بل إن بعض العواصم الأوروبية والعربية تطرح “حلولًا” تشمل تفكيك فصائل المقاومة، وتسفير من تبقى من مقاتليها إلى أي بقعة يُختار لهم النفي إليها.

وهكذا يُراد أن تُعزل المقاومة، وتُفكك، وتُجرد من سلاحها، ليُسلَّم القطاع بكل جراحه ومقدراته إلى مسار سياسي عقيم، عجز عن إنقاذ الضفة من التهويد، وعن حماية القدس من الاقتحامات، وعن وقف الاستيطان الذي يلتهم الأرض.

النتيجة: مؤتمر ضد المقاومة وليس ضد الاحتلال
ما يُطلق عليه “مؤتمر دولي لحل الدولتين” ليس في الحقيقة سوى مؤتمر ضد المقاومة، يُنظم تحت عناوين مضلّلة مثل “السلام” و”إنهاء المعاناة”، بينما يُمرر في كواليسه أخطر الأجندات: القضاء على المقاومة، شرعنة الاحتلال، تحويل الجلاد إلى ضحية، والضحية إلى متمرّد إرهابي.

رغم الحضور الكبير والتصريحات المتكررة والدعوات الخجولة لوقف إطلاق النار، إلا أن المؤتمر خالٍ من المواقف العملية، ولا يقدّم شيئًا جوهريًا يمكنه وقف المجازر أو إنقاذ الأطفال الذين يموتون جوعًا وقهرًا تحت الحصار والركام.

العالم يتعرّى.. والاختبار يكشف زيف المواقف
لقد شكّل هذا المؤتمر اختبارًا فاضحًا لمواقف العالم “المتحضّر”، فكشف زيف الخطاب الأوروبي والإنساني. العالم الذي يكتفي بإحصاء الجثث وإرسال المساعدات المشروطة، دون اتخاذ موقف حقيقي ضد الاحتلال، ليس سوى شريكٍ في الجريمة.

وما لم تتحول هذه المؤتمرات إلى أدوات فعلية لمحاسبة العدو، ووقف شحنات الأسلحة، وملاحقة مجرمي الحرب، فإنها ستظل جزءًا من المشهد الدموي، وستسجَّل في ذاكرة التاريخ كأداة سياسية لشرعنة الإبادة، لا لإنقاذ الضحايا.

مقالات مشابهة

  • هدنة مؤقتة خدعة دائمة: لا بديل عن إنهاء الحرب
  • مؤتمر “حلّ الدولتين”.. خدعة سياسية لتصفية المقاومة وتجميل وجه الاحتلال
  • طاهر الخولي: الدستور يُقر بقانون الإيجار القديم ضمنيا إذا لم يُصدره الرئيس خلال 30 يومًا
  • الأعلى للدولة يثمّن اعتراف البعثة بانتخاب رئاسته الجديدة، ويتعهد بإنهاء المرحلة الانتقالية
  • كاتب إيطالي: لماذا محادثات روسيا وأوكرانيا ليست مفاوضات حقيقية؟
  • الشبلي لـ«عين ليبيا»: انتخاب تكالة «مسرحية سياسية» وخارطة الطريق الشعبية هي الحل الوحيد
  • المادة 123 من الدستور تحسم الموعد النهائي لتطبيق الإيجار القديم
  • باحث: درجات الثانوية ليست شرطًا للنجاح.. الشغف هو الطريق
  • باحث: الثانوية العامة ليست نهاية الطريق ويجب تغيير النظرة التقليدية
  • شقيقة زعيم كوريا الشمالية: ليس لدينا مصلحة في المصالحة مع بيونج يانج