لجريدة عمان:
2025-06-02@04:24:08 GMT

أفريقيا وبناء الشراكات

تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT

ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

تخيل هذا المشهد: قارة منهكة بسبب قرون من العنف والاستغلال، تقف الآن موحدة للمطالبة بالعدالة. هذا الأسبوع، يفتتح الاتحاد الإفريقي قمته السنوية بإعلان تاريخي جريء، وهو أن َّعام 2025 سيكون عام العدالة للأفارقة وللأشخاص المنحدرين من أصل إفريقي من خلال المطالبة بالتعويضات. هذه هي المرة الأولى في تاريخه التي يضع فيها الاتحاد الإفريقي قضية التعويضات في صدارة جدول أعماله.

قد يتساءل البعض: هل هذا هو الوقت المناسب حقًا؟ القوى الاستعمارية السابقة لم تُظهر سوى القليل من الاهتمام بمعالجة أخطاء الماضي، بل إن قادة عالميين مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعملون بنشاط على تفكيك المؤسسات الدولية. ولكن ربما يكون هذا هو الوقت المناسب تمامًا لإفريقيا للمطالبة بالمحاسبة، وللديمقراطيات الأوروبية لتقديم استجابة حقيقة. في الوقت الذي يتغير فيه ميزان القوى العالمي، يصبح نداء إفريقيا للعدالة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

بالطبع، المطالبة بالتعويضات ليست جديدة، ففي عام 1993، دعا الاتحاد الإفريقي المجتمع الدولي إلى الاعتراف «بدَيـْنٍ أخلاقيٍّ فريد وغير مسبوق... دَيـْنِ التعويض للأفارقة باعتبارهم الشعب الأكثر إذلالًا واستغلالًا خلال القرون الأربعة الأخيرة من التاريخ الحديث». وعلى الرغم من هذا النداء القوي، كان الرد عبارة عن صمتٍ شبه تام.

المقاومة لدعوات التعويضات ليست جديدة أيضًا. أتذكر حديثًا في باريس العام الماضي مع مسؤول تنفيذي في إحدى المنظمات الدولية الكبرى للتنمية، الذي سألني: «هل يأخذ أي رئيس دولة مطالب التعويضات على محمل الجد؟» كان هذا التساؤل يعكس بشكل مثالي النظرة المتعالية التي تتبناها أوروبا منذ زمن طويل تجاه مطالب أفريقيا بالعدالة. حتى بعد الاحتجاجات العالمية التي اندلعت عقب مقتل جورج فلويد في أمريكا عام 2020، لم تقدم الدول الأوروبية سوى بيانات الشجب والندم، وفي بعض الحالات، عبارات اعتذار رسمية. ولكن بمجرد أن تحولت النقاشات إلى التعويضات الفعلية، تم إغلاقها بسرعة.

ومع ذلك، قامت روسيا والصين بتسليط الضوء على قضية المحاسبة الاستعمارية، بما في ذلك في الأمم المتحدة، مستخدمتين إياها كوسيلة لتحدي النفوذ الأوروبي في أفريقيا.

من الضروري الاعتراف بأن معاناة أفريقيا من الظلم وعدم المساواة خلال حقبة العبودية والاستعمار ليست مجرد فصل مؤسف من الماضي، بل إن تأثير قرون من القمع لا يزال واضحًا في العديد من الدول الإفريقية اليوم. فقد أدت تجارة العبيد عبر المحيط الأطلسي إلى اقتلاع ما بين 15 إلى 20 مليون إفريقي من أوطانهم، مخلفة وراءها حالة من عدم الاستقرار المزمن والنزاعات والتنمية المؤسسية والاجتماعية والاقتصادية المتعثرة، وتُشير بعض الدراسات الاقتصادية إلى أنه لولا تجارة العبيد، لكان مستوى التنمية في أفريقيا اليوم مماثلًا لما هو عليه الحال في أمريكا اللاتينية أو آسيا.

هناك من يدّعون أن الأفارقة لا يستحقون التعويضات لأن أجدادهم شاركوا في تجارة العبيد، لكن التاريخ يحكي قصة مغايرة. في كثير من الأحيان، كان الأوروبيون هم من بادروا بالعبودية من خلال الغارات العنيفة، حيث كانوا يختطفون الناس بالقوة. وحتى عندما تورط بعض الزعماء المحليين، كان العديد منهم تحت الضغط أو الإكراه، وحتى الممالك التي تعاونت بشكل كامل لم تسلم في النهاية. أما الاستعمار الذي تلا ذلك، فقد كان وحشيًا ومدمرًا. فقد شهدت التقسيمات الاستعمارية لأفريقيا قيام القوى الأوروبية بترسيم الحدود بشكل تعسفي، متجاهلةً الجغرافيا العرقية للمنطقة. ولا تزال هذه الحدود المصطنعة تشعل النزاعات التي أعاقت التنمية الاقتصادية للمجتمعات الأفريقية.

وعندما يجادل البعض بأن الأوروبيين اليوم لا ينبغي أن يُحاسبوا على جرائم الماضي، فإنهم يتجاهلون حقيقة أن الهياكل الاستعمارية التي ترسخ عدم المساواة لا تزال قائمة. خذ على سبيل المثال الفرنك الأفريقي، وهو نظام نقدي استعماري مصمم لخدمة فرنسا، ولا يزال يعوق اقتصادات الدول الأفريقية التي تستخدمه. وينطبق الأمر ذاته على القوانين التي تحكم المؤسسات المالية الدولية، والتي وُضعت خلال الحقبة الاستعمارية ولم يعاد النظر فيها بشكل جدي منذ ذلك الحين. ففي صندوق النقد الدولي، على سبيل المثال، فإن صوت الشخص البريطاني يعادل 23 ضعف صوت الشخص النيجيري.

ومع بدء قمة الاتحاد الأفريقي، يبرز سؤال ملح وهو: هل ستستمع أوروبا أخيرًا؟ قد يكون عودة ترامب دافعًا لأوروبا لإعادة النظر في موقفها المتجاهل. فإفريقيا، التي تمتلك 30% من الاحتياطيات العالمية من المعادن الحيوية، يمكن أن تصبح لاعبًا رئيسيًا في التحالفات العالمية الجديدة.

تحت قيادة ترامب، قد تصبح أوروبا أكثر ضعفًا، حيث إنّ تهديداته بفرض تعريفات جمركية كبيرة ومحاولاته لشراء جزيرة جرينلاند تُشكل تحديًا لاقتصاد أوروبا وسلامتها الإقليمية.

في هذا النظام العالمي الجديد، من مصلحة الديمقراطيات الأوروبية، تلك التي لا تزال تطالب باحترام الحقوق الأساسية وسيادة القانون، أن تعزز شراكاتها الأخرى على مستوى العالم. ومع إفريقيا، ينبغي أن تكون نقطة الانطلاق هي معالجة مطالب العدالة والتعويضات عن الجرائم الاستعمارية والعبودية.

لذلك، وفي إجابة عن سؤال ذلك المسؤول في مجال التنمية: نعم، مطالب التعويضات جادة للغاية. والمسألة لا تتعلق فقط بالأخلاق، بل إن بقاء أوروبا نفسها قد يكون على المحك في ظل الفوضى التي يثيرها ترامب في النظام العالمي.

ليليان أوموبيي المُؤَسِّسةُ المُشارِكـَة والمديرة التنفيذية لـمختبر المستقبل الأفريقي

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ابن فرحان: لدى سوريا الكثير من الفرص، والشعب السوري قادر على الإبداع والإنجاز وبناء وطنه، ونحن معه في ذلك

2025-05-31mohamadسابق ابن فرحان: مساهمتنا في رفع العقوبات هي تأكيد على وقوف الأخ إلى جانب أخيه، وسنستمر في ذلك دعماً لسوريا الجديدة وشعبها انظر ايضاًابن فرحان: مساهمتنا في رفع العقوبات هي تأكيد على وقوف الأخ إلى جانب أخيه، وسنستمر في ذلك دعماً لسوريا الجديدة وشعبها

آخر الأخبار 2025-05-31ابن فرحان: لدى سوريا الكثير من الفرص، والشعب السوري قادر على الإبداع والإنجاز وبناء وطنه، ونحن معه في ذلك 2025-05-31ابن فرحان: مساهمتنا في رفع العقوبات هي تأكيد على وقوف الأخ إلى جانب أخيه، وسنستمر في ذلك دعماً لسوريا الجديدة وشعبها 2025-05-31ابن فرحان: رفع العقوبات سيسهم في دفع عجلة الاقتصاد، وسينعكس إيجاباً على الشعب السوري وتحسين معيشته 2025-05-31وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان: استعرضنا فرص تعزيز التعاون الثنائي بما يعكس التعاون الأخوي، ونتطلع لتعزيز الشراكة بين البلدين 2025-05-31الوزير الشيباني: هوية سوريا الجديدة وطن يعود إلى مكانه الطبيعي بين أشقائه العرب وأصدقائه 2025-05-31الوزير الشيباني: إعادة إعمار سوريا لن تفرض من الخارج، بل من قبل الشعب السوري، ونرحب بكل مساهمة في هذا المجال 2025-05-31الوزير الشيباني: خيارنا في سوريا السيادة الاقتصادية، وقوة شراكتنا مع السعودية تكمن في المصالح المشتركة 2025-05-31الوزير الشيباني: رفع العقوبات هو بداية، واتخذنا خطوات جادة لتوفير الخدمات للمواطنين، ووقعنا اتفاقية منذ يومين مع شركات دولية لتأمين الغاز اللازم لتوليد الطاقة الكهربائية 2025-05-31مراسل سانا: بدء المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في قصر تشرين بدمشق 2025-05-31الرئيس الشرع يستقبل وفداً سعودياً رفيع المستوى

صور من سورية منوعات تأثير القهوة على الصحة يعتمد على جيناتك 2025-05-29 هاتف “أونر400 برو” يحول الصور الثابتة إلى فيديوهات 2025-05-29فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • مناقشة طلبَي إحاطة بشأن استغلال أراضي مستشفى الناس وبناء كلية طب
  • لبنان ومصر يبحثان توسيع الشراكات الاقتصادية وتعزيز مناخ الاستثمار
  • حسان :لا معنى ولا مستقبل للتحديث دون تعليم متطور
  • هزة أرضية وألسنة نار وعنف مفاجئ.. أبرز الأحداث العالمية التي تصدرت العناوين اليوم!
  • ملف المخدرات في السودان يُعد من أخطر الملفات التي واجهت البلاد
  • ابن فرحان: لدى سوريا الكثير من الفرص، والشعب السوري قادر على الإبداع والإنجاز وبناء وطنه، ونحن معه في ذلك
  • وزير الإعلام الدكتور حمزة المصطفى يؤكد خلال لقائه وفداً من أبناء الجالية السورية في استراليا أهمية تعزيز التواصل بين الجهات الحكومية والجاليات السورية في المهجر، للاستفادة من خبراتهم في مختلف المجالات ولا سيما المجال الإعلامي، بهدف دعم جهود وزارة الإعلام
  • تحرير 153 مخالفة للمحال التي لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق
  • اليوم.. بيراميدز يختتم استعداداته لمواجهة صن داونز في نهائي دوري أبطال أفريقيا
  • العباني: لا حكومة مستقرة دون نزع سلاح الميليشيات وبناء جيش موحد