خطابات الكراهية التي لا تنتهي
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
صالح البلوشي
لو ألقيت نظرة بسيطة وسريعة على منصات التواصل الاجتماعي وخاصة منصة "إكس"، ستجد كمًّا هائلًا جدًا من خطابات الكراهية صادرة عن شخصيات مختلفة من مثقفين وإعلاميين وفنانين وسياسيين وممن يسمون أنفسهم بـ"المشاهير" وغيرهم، إلى درجة أنك تستغرب كيف يعيش هؤلاء الناس في هذه الأجواء السلبية، وهل يتعاملون مع الناس في حياتهم الخاصة بهذا الخطاب؟
قبل عدة سنوات اطلعت على سلسلة مقالات كتبها المفكر البحريني الدكتور نادر كاظم في صحيفة "الوسط البحرينية" (توقفت لاحقًا) عن الكراهية، ثم صدر له بعد ذلك كتاب بعنوان "كراهيات مُنفلتة.
الكتاب يُعالج خطابات الكراهية وتفكيكها وأسبابها وتاريخها وتكتيكاتها وعولمة الكراهيات وغيرها، وقد تطرق الكاتب أيضا إلى خطابات الكراهية عند بعض علماء الدين.
يقول كاظم في كتابه إن "البشرية أحرزت تقدما مذهلا على مستويات عديدة، إلا أنها لا تزال عاجزة عن التقدم بخطى ملموسة على صعيد التعامل مع هذه النوازع العدوانية التي يبدو أنها أعمق تجذرًا مما توهم بعض الحداثيين ودعاة التحديث".
ولا شك أن الدكتور نادر كاظم -وبحكم عمله الأكاديمي واطلاعه الواسع- قد اطلع على كثير مما كتبه كثيرون من دعاة التحديث في العالم العربي تجاه القضايا السياسية؛ إذ تحولوا من علمانيين وحداثيين يدعون إلى الدولة المدنية الحديثة التي تؤمن بالمواطنة، إلى مُردِّدين لكتابات طائفية قديمة كانوا ينتقدونها سابقًا في كُتُبِهم.
وأذكر حوارًا قبل سنوات قليلة دار بيني وبين أحد اليسارين السوريين على منصة "إكس" عندما انتقدته بسبب منشور طائفي كتبه على المنصة، فكان رده أن الطرف الآخر هو طائفي، فأجبته بأننا تعلمنا منك أن نواجه خطابات الطائفية والكراهية بلغة علمية منهجية وليس بأخرى طائفية، وإلّا فما الفرق بينك وبين الطائفيين؟!
يرى الدكتور نادر كاظم أنه مع تقدم وسائل المواصلات الحديثة والتواصل الاجتماعي وزوال عزلة الجماعات فإن خطابات الكراهية لم تنته "بل ما تزال الكراهيات المنفلتة إلى اليوم قادرة على الاستفزاز والجرح والإيذاء، بل إنها ازدادت قدرة على ذلك مع زوال عزلة الجماعات (القوميات والأديان والطوائف) واهتزاز فضاءاتها الخصوصية المغلقة، وتقدم الاتصالات بحيث صارت أخبار الكراهيات وحوادثها تنتقل بسرعة فائقة".
لقد استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي نقل خطابات الكراهية من الفضاء الخاص إلى الفضاء العام، وما كان يقال في المساجد والمجالس الخاصة والكتب التي يتداولها فئة خاصة، أصبح اليوم بفضل الفضاء الإلكتروني ينتقل إلى جميع دول العالم بضغطة زر، ويستطيع أي شخص بغض النظر عن مستواه الثقافي والمعرفي والأكاديمي أن يفتي في قضايا تاريخية معقدة ويحسمها في أقل من 10 دقائق بعد أن كان العلماء يتداولون النقاش فيها في مصنفات ضخمة طوال قرون ولم يتم حسمها حتى اليوم.
وفي ختام كتابه، يرُد الكاتب على مقولة للفيلسوف سبينوزا بأن "الكراهية تزداد إذا قوبلت بالكراهية، لكنها تزول إذا قوبلت بالحب"، ويضيف: "إننا بحاجة إلى أخلاق المعاملة بالتي هي أحسن" كما أنه يرى أن ذلك قد يكون شاقا وليس بمقدور الكثيرين من البشر إلّا أنه ضروري من أجل الاحترام المتبادل.
ومن وجهة نظري، فإنَّ هذا الكتاب يُعد من الكتب المُهمة التي تتصدى لخطابات الكراهية بلُغة علمية ومنهجية، وهو إسهام ثقافي مُميَّز لتفكيك الكراهية في المجتمعات والتوعية بمخاطرها وأثرها على الأمم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تكوين الخطاب السردي العربي.. إصدار جديد لهيئة الكتاب يربط بين الأدب والتحول الاجتماعي
أصدرت وزارة الثقافة المصرية، ممثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، كتابًا جديدًا بعنوان "تكوين الخطاب السردي العربي: دراسة في علم اجتماع الأدب العربي الحديث"، من تأليف الدكتور صبري حافظ، وترجمة الدكتورة يمنى صابر، وذلك في إطار حرص الهيئة على تقديم دراسات نوعية تعزز فهم التحولات الأدبية في سياقاتها الثقافية والاجتماعية.
يعد الكتاب دراسة رائدة تربط بين الأدب العربي الحديث والتحولات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها المنطقة منذ بدايات النهضة. ويبدأ العمل بمقدمة علمية تضع الأساس النظري، مستعرضة مفاهيم رئيسية مثل "رؤية العالم" و"الخطاب" و"المجال الخطابي"، إلى جانب استعراض المناهج النقدية السائدة في الدراسات العربية والغربية حول الأجناس السردية الحديثة.
ينقسم الكتاب إلى عدة فصول تتناول عملية نشأة وتطور الخطاب السردي العربي، وتبحث في العوامل التاريخية والاجتماعية التي شكلته. ويركز الفصلان الأول والثاني على التحول الثقافي الذي بدأ منذ القرن الثامن عشر، وعلى علاقة هذا التحول بظهور جمهور قارئ جديد وتكوين حساسية قومية ساهمت في خلق أشكال سردية جديدة.
أما الفصل الثالث، فيتتبع المحاولات الأولى لتأسيس هذا الخطاب، متوقفًا عند أعمال عبد الله النديم، ثم يستعرض محاولات لاحقة في مختلف البلدان العربية، مسلطًا الضوء على إحياء شكل "المقامة" وعلى محاولات القطيعة مع الماضي الرومانسي. وينتهي الفصل بإعادة اكتشاف دور شخصيتين مهمشتين في هذا السياق هما مصطفى عبد الرازق وخليل بيدس.
ويتناول الفصل الرابع علاقة الخطاب السردي الوليد بالهوية القومية من خلال تتبع أعمال عدد من الكتّاب، بينما يُفرد الفصل الخامس لدراسة أعمال محمود تيمور، ويخصص الفصل السادس لـ"المدرسة الحديثة" وعلى رأسها محمود طاهر لاشين، الذي يُعد أحد أبرز ممثلي النضج الفني في القصة القصيرة العربية، خاصة في قصته "حديث القرية" التي تم تخصيص تحليل نصي معمق لها في الفصل الأخير.
ويؤكد الدكتور صبري حافظ في خاتمة الكتاب أن التحليل النقدي التفصيلي لنصوص بعينها هو الوسيلة الأصدق لإثبات صحة الفرضيات النظرية في تاريخ الأدب. كما يبرز التأثير الواضح للأدب الروسي على محمود طاهر لاشين، مما دفع المؤلف للاستعانة بإسهامات نقاد روس في تحليله النقدي.
ويختتم المؤلف الكتاب بشكر عدد من الأكاديميين المصريين والأجانب الذين ساهموا في مراجعة أجزاء من هذه الدراسة، مشددًا على أن الآراء والمواقف الواردة فيه تعبر عن وجهة نظره الخاصة.
بهذا الإصدار، تقدم الهيئة المصرية العامة للكتاب إضافة معرفية نوعية، تُثري المكتبة العربية في مجال علم اجتماع الأدب، وتفتح آفاقًا جديدة لفهم الخطاب السردي بوصفه مرآة لتحولات العالم العربي الحديث.