فضل التعاون بين الناس وكيفية عمله.. دار الإفتاء توضح
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول: كيف حث الشرع الشريف على التعاون بين الناس وبيان فضل ذلك؟
وأجابت دار الإفتاء على السؤال، بأنه قد اقتضَت حكمةُ الباري سبحانه وتعالى أن تقُوم حياةُ بني الإنسان على الاجتماع والتعاون فيما بينهم، فالإنسان وَحدَه لا يقدر على تلبية كلِّ حاجاته دون الاحتياج إلى غيره؛ حيث يفتقر دائمًا إلى غيره في مَأكله، ومَشربه، ومَسكنه، ومَلبسه، وسائر شؤونه، وهذا هو معنى كونِ الإنسان مدنيًّا بطبعِه.
كما أشار النبي إلى هذا المعنى بقوله: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وزاد الإمام البخاري: «وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ».
وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» أخرجه الشيخان من حديث النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما.
قال الإمام المناوي في "فيض القدير" (6/ 252، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [وفيه: تفضيل الاجتماع على الانفراد، ومدح الاتصال على الانفصال، فإن البنيان إذا تفاصَل بَطل، وإذا اتصَل ثَبت الانتفاع به بكلِّ ما يراد منه] اهـ.
وقال الراغب الأصفهاني في "الذريعة إلى مكارم الشريعة" (ص: 265، ط. دار السلام): [اعلم أنه لما صَعُبَ على كلِّ أحدٍ أن يُحَصِّلَ لنفْسه أدنى ما يحتاج إليه إلَّا بمعاونةِ غيرِه له -فإنَّ لقمةَ الطعامِ لو عَدَدْنَا تعب تحصيلها من حين الزرع إلى حين الطحن والخبز وصناع آلاتها لصعب حصره- احتاج الناسُ أنْ يجتمعوا فِرْقَةً فِرْقَةً، متظاهِرِين متعاوِنِين، ولهذا قيل: الإنسانُ مدنيٌّ بالطبع، أي: أنه لا يمكن التَّفَرُّدُ عن الجماعة بِعَيْشِهِ، بل يَفْتَقِرُ بعضهم إلى بعض في مصالح الدين والدنيا] اهـ.
وقال الإمام عَضُدُ الدين الْإِيجِيُّ في "المواقف" (3/ 336-337، ط. دار الجيل): [وإنما كان التعاون ضروريًّا لهذا النوع مِن حيث إنه لا يَسْتَقِلُّ واحدٌ منهم بما يحتاج إليه في معاشه مِن مَأكله، ومَشربه، ومَلبسه، دون مشاركةٍ مِن أبناء جِنسه في:
المعاملات: وهو أنْ يعمل كلُّ واحدٍ لآخَر مثلَ ما يَعمَلُه الآخَر له.
والمعاوضات: وهي أن يعطي كلُّ واحدٍ صاحبَه مِن عمله بإزاء ما يؤخَذ منه مِن عمله، ألَا ترى أنه لو انفرد إنسانٌ وَحدَه لم يتيسر أو لم تَحسُن معيشتُه؟ بل لا بد له مِن أن يكون معه آخَرون مِن بني نوعه؛ حتى يَخْبِزَ هذا لذلك، ويَطْحَنَ ذاك لهذا، ويَزْرَعَ لهما ثالثٌ، وهكذا، فإذا اجتَمَعوا على هذا الوَجْهِ صار أمرُهم مَكْفِيًّا، ولذلك قيل: الإنسانُ مدنيٌّ بالطبع، فإنَّ الـتَّمَدُّنَ هو هذا الاجتماع] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء الشرع التعاون الشريعة المعاملات
إقرأ أيضاً:
حكم التوسعة على الأهل يوم عاشوراء.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم التوسعة على الأهل والعيال في يوم عاشوراء؟ حيث إن البعض يدَّعي أنها هذه التوسعة لا أصل لها ولا تصح، وأنها ليست سنَّةً بحال، وأن جميع الأحاديث الواردة فيها لا تصح؟
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: إن التوسعة على الأهل والعيال في يوم عاشوراء سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والسلف الصالح من بعده، ونص على الأخذ بها فقهاء مذاهب أهل السنة الأربعة المتبوعة من غير خلاف، وجرى عليها عمل جماهير الأمة في مختلف الأعصار والأمصار، فلا التفات إلى قول منكرها.
التوسعة على الأهل يوم عاشوراء
وأوضحت عبر موقعها الرسمى أن التوسعة على الأهل والعيال يوم عاشوراء سنَّةٌ نبوية جليلة؛ قوَّاها كبار الحُفَّاظ، وأخذ بها فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم الفقهية، وجرت عليها عادة جماهير الأمة عبر الأمصار والأعصار، وقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حديث جماعة من الصحابة؛ منهم: جابر بن عبد الله، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، رضي الله عنهم.
وأمثل هذه الطرق وأقواها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:
فأخرج الحافظ أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" (3/ 330-331، ط. دار الكتب العلمية) من طريق شعبة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ». قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "جَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ"، وقال أبو الزبير مِثْلَهُ، وقال شعبة مِثْلَهُ.
قال الحافظ أبو الحسن بن القطَّان في "فضائل عرفة" (ق16): [إسناد هذا الحديث حسن] اهـ.
وقال الحافظ العراقي في "جزء التوسعة": [وهو على شرط مسلم] اهـ.
وقد ورد الأثر بهذه السُّنَّة عن الصحابيين الجليلين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وعن محمد بن المنتشر (وكان مِن أفاضل أهل الكوفة في زمانه؛ كما قال ابن عُيَيْنَةَ)، وابنه إبراهيم، وأبي الزبير، وشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد، وسفيان بن عُيَيْنَةَ.
فأخرج الدار قطني في "الأفراد"، وابن عبد البر في "الاستذكار" (3/ 331) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "مَن وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائرَ سَنَتِه".
قال يحيى بن سعيد: "جرَّبنا ذلك فوجدناه حقًّا".
قال الحافظان العراقي والسخاوي في "المقاصد الحسنة": سنده جيد.
وقال سفيان بن عُيَيْنَةَ: "فجرَّبنا ذلك نحوًا مِن خمسين سنة فلم نَرَ إلا سَعةً".
وسُنَّة التوسعة قوَّاها جمعٌ من الأئمة والحفّاظ؛ كالإمام عبد الملك بن حبيب من المالكية، والحافظ البيهقي، وأبي موسى المديني، وأبي الفضل بن ناصر، والعراقي، وابن حجر في "الأمالي"، والسخاوي، والسيوطي، وغيرهم، ومن ضعَّف منهم أسانيد أحاديثها أو بعضها فقد قوَّاها بمجموعها؛ كما صنع الحافظ البيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 333، ط. مكتبة الرشد) حيث يقول: [هذه الأسانيدُ وإن كانت ضعيفةً فهي إذا ضُمَّ بعضُها إلى بعض أخذَتْ قوةً، واللهُ أعلم] اهـ.
وروى الحافظ أبو موسى المديني هذا الحديث في "فضائل الأيام والشهور" ثم قال: حديث حسن؛ كما نقله الحافظ ابن الملقِّن في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (13/ 542، ط. دار الفلاح).
وقال الحافظ السيوطي في "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" (ص: 186، ط. جامعة الملك سعود) ردًّا على من ادَّعَى عدم ثبوت الحديث: [كلَّا، بل هو ثابت صحيح] اهـ.
وقد صنف جماعةٌ من الأئمة الحفَّاظ في جمع طرق أحاديثها وتقويتها والرد على من أنكرها؛ كما صنع الحافظ أبو الفضل العراقي [ت806هـ] في رسالة "التَّوْسِعَةِ على العيال"، والإمام السيوطي [ت911هـ] في رسالته "فضل التوسعة في يوم عاشوراء"، والحافظ أحمد بن الصديق الغماري [ت1380هـ] في كتابه "هدية الصغرا، بتصحيح حديث التَّوْسِعَةِ على العيال يوم عاشورا".
نصوص المذاهب الفقهية في التوسعة على الأهل يوم عاشوراء
اتفقت المذاهب الأربعة بلا خلاف على استحباب التوسعة على الأهل في يوم عاشوراء.
قال الحافظ العيني الحنفي في "نخب الأفكار" (8/ 388، ط. وزارة الأوقاف القطرية): [وبالجملة هو يوم عظيم معلوم القدر عند الأنبياء عليهم السلام، والنفقة فيه مخلوفة. ثم روى حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 419، ط. دار الفكر): [نعم، حديث التَّوْسِعَةِ ثابتٌ صحيحٌ كما قال الحافظ السيوطي في "الدرر"] اهـ.
وقال الإمام ابن العربي المالكي في "المسالك في شرح موطأ مالك" (4/ 205-206، ط. دار الغرب الإسلامي): [وأمَّا النَّفَقَةُ فيه والتَّوسعة فمخلوفَةٌ باتِّفَاقٍ إذا أُرِيدَ بها وجه الله تعالى، وأنَّه يخلف الله بالدِّرْهَمِ عشرًا] اهـ.
ثم ذكر الأبيات التي نظمها الإمام الفقيه عبد الملك بن حبيب المالكي [ت238هـ] في حث أمير الأندلس عبد الرحمن بن الحكم بن هشام على التوسعة يوم عاشوراء:
لا تَنْسَ لا ينسكَ الرحمنُ عاشورا ... واذكره لا زِلتَ في الأخيار مذكورا
قالَ الرَّســــــــــولُ صـــلاة الله تشمله ... قولًا وجدنا عليه الحـــــــــقَّ والنــــــــــورا
من بات في ليل عاشوراء ذا سعةٍ ... يكنْ بعيشتهِ في الحــــــول محبـــــــــــــــورا
فارغــــــــــــب فديتك فيما فيه رغَّبنا ... خيرُ الورى كلِّـــــهم حيًّا ومقبـــــــــــــورا
قال الحافظ السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (2/ 96، ط. دار الكتب العلمية) بعد أن ساق هذه الأبيات: [وهذا من الإمامِ الجليلِ دليلٌ على صحةِ الحديث] اهـ.
وقال العلامة الصاوي المالكي في "حاشيته على الشرح الصغير" (1/ 691، ط. دار المعارف): [ويندبُ في عاشوراء التَّوْسِعَة على الأهلِ والأقاربِ] اهـ.
وقال العلامة سليمان الجمل الشافعي في "حاشيته على فتح الوهاب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (2/ 347، ط. دار الفكر): [ويستحبُّ فيه التَّوْسِعَةُ على العيال والأقارب، والتصدقُ على الفقراءِ والمساكين من غير تكَلُّفٍ، فإن لم يجد شيئًا فليوسع خلقه ويكفَّ عن ظلمه] اهـ.
وقال العلامة برهان الدين بن مفلح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" (3/ 49، ط. دار الكتب العلمية): [فائدة: ينبغي فيه التوسعة على العيال، سأل ابن منصور أحمد عنه قال: "نعم"] اهـ.
وأكدت بناءً على ذلك أن التوسعة على العيال سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعن السلف الصالح، وقد نص على الأخذ بها فقهاء مذاهب أهل السنة الأربعة المتبوعة من غير خلاف، وجرى عليها عمل جماهير الأمة في مختلف الأعصار والأمصار، فلا التفات إلى قول منكرها.