الإمام الأكبر: يجب الاعتراف بأننا نعيش أزمة يدفع ثمنها المسلمون ولا حل إلا بالاتحاد
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
قال الدكتور أحــمَد الطَّـيِّــب شَـيْخ الأزهــر، إنَّ موضوعَ «التقريب» - بين السنة والشيعة- شغلَ أذهان علماء الأُمَّة رَدحًا من الدَّهْرِ، وحرصوا على دوام التذكير به في مجتمعات المسلمين، وترسيخِه في عقولِهم واستحضاره، بل استصحابِه في وجدانِهم ومَشاعرِهم كُلَّما همَّتْ دَواعي الفُرقةِ والشِّقاق أنْ تُطِلَّ برأسِها القبيح، وتعبَثَ بوَحْدَتِهم فتُفْسِدَ عليهِم أمرَ استقرارِهم وأمنِهم.
وأكد شيخ الأزهر، أنه رغم كلِّ ذلك لا يَزالُ موضوعُ: «التَّقريب» مفتوحًا كأنَّه لم يَمْسَسْهُ قلمٌ من قَبل، وسبب ذلكم -في غالب الظَّن- أنَّ الأبحاثَ التي تَصَدَّتْ لموضوعِ «التَّقريب» إنَّما تصدَّت له في إطارٍ جَدَليٍّ بَحْت، لم تَبْرحْه إلى كيفيَّةِ النزول إلى الأرضِ وتطبيقه على واقعِ المُجتمعات المُسلِمة.
وأشار شَـيْخ الأزهــر، خلال كلمته - بمُؤتمر الحوار الإســلامي الإســلامي، بعنوان: أُمَّــة واحِـــدة.. ومَصيـــر مُــشْتَــرَك 1446هـ -2025م، «بالمَنـــامَة – البَحْـــــرين»- إلى أنَّ دارَ التَّقــــــريـــــــب -وحدها- بالقاهرة، أَصْدَرَتْ، تحتَ إشرافِ الأزْهَر الشَّريف مُمَثَّلًا في عُلمائِه، مِن أساتذة الأزهر، وَمِن مَراجِع الشِّيعة الإماميَّة، أَصْدَرَتْ مجلَّة: «رسالة الإسلام» في تسعةِ مجلَّداتٍ تَخَطَّتْ صفحاتُها حاجزَ الأربعة آلاف صفحة، وغَطَّتْ مساحةً من الزمن بلغتْ ثماني سنوات من عام 1949م حتى عام 1957م، دعْ عنكَ عشرات الأبحاث والكُتُب والرسائل الجامعيَّة التي دارت عليها المطابع، واهتمَّت بتوزيعِها دورُ النَّشْرِ في مصرَ والعِراق وإيران ولُبنان، بل وجامعاتُ الغرب الأوروبي بمُختلفِ لُغاتِها وتوجُّهاتِها..
وأكد الإمام الأكبر على أهمية الاعترافِ بأنَّنا نعيشُ في أزمةٍ حقيقيَّةٍ يدفعُ المسلمون ثمنها غاليًا حيثما كانوا وأينما وُجِدوا، لافتا إلى أنَّه لا سبيلَ لمُواجَهةِ التَّحَدِّيات المُعاصرة والأزماتِ المتلاحقة، إلَّا باتِّحادٍ إسلاميٍّ تفتحُ قنواتِ الاتِّصال بين كلِّ مُكوِّنات الأُمَّة الإسلاميَّة، دون إقصاءٍ لأيِّ طرفٍ من الأطراف، مع احترام شؤون الدولِ وحدودِها وسيادتِها وأراضيها.
وعبر شيخ الأزهر عن ثقته في أنْ يخرجَ هذا المؤتمر المُبارك بخطةٍ جادَّةٍ قابلةٍ للتطبيقِ «من أجلِ إقرارِ الوحدة والتَّفاهُم والتَّعارُف بين كل مدارسِ الفِكر الإسلامي، ومن أجلِ حوارٍ دائمٍ تُنبَذُ فيه أسباب الفُرقة والفتنة والنِّزاع العِرقي والطَّائفي على وجْهِ الخُصوص، ويُركَّز فيه على نقاطِ الاتِّفاق والتَّلاقي، وأنْ يُنصَّ في قراراتِه على القاعدةِ الذهبيَّة التي تقول: «نتعاون فيما اتَّفقنا فيه، ويَعْذُرُ بعضُنا بعضًا فيما نختلفُ فيه"، كما يُنَصُّ فيه على وقفِ خطاباتِ الكراهيةِ المتبادلة، وأساليبِ التَّفسيقِ والتَّبديع والتَّكفير، وضرورةِ تجاوز الصِّراعات التاريخيَّة والمعاصرة بكلِّ إشكالاتِها ورواسبها السَّيْئة، وأنْ يَلتقيَ الجميعُ بقلوبٍ سليمةٍ وأيدٍ ممدودةٍ للجلوسِ، ورغبةٍ حقيقيَّةٍ في تجاوزِ صفحةِ الماضي وتعزيز الشَّأن الإسلامي، وأنْ يَحْذَرَ المسلمون دُعاةَ الفِتنَة والوقوعَ في شَرَكِ العَبَثِ باستقرارِ الأوطان، واستغلالِ المذهبيَّة في التدخُّل في الشؤونِ الدَّاخليَّة للدول، وشَقِّ الصُّفوف بين مُواطني الدولة الواحدة لزعزعةِ استقرارِها الأمنيِّ والسياسيِّ والمجتمعي، فكلُّ أولئكم جرائمُ بشعةٌ يُنكرُها الإسلام، وتأباها الأخلاقُ الإنسانيَّة والأعرافُ الدوليَّة.
وطالب شيخ الأزهر أن نأخذ من تجارب غيرنا من المُعاصرين ما يَشحذُ عزائمنا في تحقيقِ «اتِّحادٍ» إسلاميٍّ تعاونيٍّ يُدافعُ عن حقوقِ هذهـ الأمَّة، ويَدْفَعُ عن شُعُوبِها الظُّلمَ والغَطْرَسةَ والطُّغيان.. لافتا إلى أن أوروبا بدُوَلِها السَّبع والعِشرين لم تجدْ لها وسيلةً تُدافعُ بها عن شُعُوبِها وتُعزِّزُ سلامَها واستقرارَها، وتحفظُ كيانَها وشخصيتَها من الانسحاقِ والذَّوبان، وتُحقِّقُ في ظِلِّه نموَّها الاقتصادي، وتحمي بها ديموقراطيَّةَ أبنائها، غيرَ اتِّحادِها وائتلافها، وذلك رُغم تعدُّدِ أجناسِها، واختلافِ أعراقها، ولُغاتها التي تَجاوَز عددُها أربعًا وعشرين لُغةً، ورُغم تعدُّد مُعتقداتٍ دينيَّةٍ ومذهبيَّةٍ لا تَلْتَقي إلَّا في أقلِّ القليل من العقائدِ والشَّعائر والتقاليد.. فإذا كان غيرُ المسلمين قد استطاعوا -رُغم كثرةِ العوائق- أنْ يُحقِّقوا «اتِّحادًا» يَتدرَّعونَ بِهِ في معاركهم السياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ والثقافيَّة، أفيِعْجِز المسلمون -اليوم- عن تحقيقِ «اتِّحادٍ» تقتضيه ضروراتُ حياتهم وبقائهم ثابتي الأقدامِ في مَهَبِّ الرِّيحِ العاتية والعواصفِ المُدَمِّرَة، اتِّحادٍ يَنْبَني على مُشتركاتٍ ودعائم لم تتوفَّر لغيرِهم من الأُمَمِ من الجُغرافيا والتَّاريخ والجِنْسِ واللُّغةِ والدِّين والتُّراثِ والثقافةِ والمَصير المُشتَرك.
واستدل شيخ الأزهر على حاجة الأمة للوحدة، بما تواجهه القضية الفلسطينية من مخاطر، فقد بلغتْ المؤامرة ضِدَّ أبنائها، بل ضِدَّ الأُمَّة كلها حَدَّ السَّعْي في تهجيرِ أبنائها في غزَّة من ديارِهم، والاستيلاء على أرضِهم، لافتا إلى أنه من لُطْفِ الله تعالى في ذلك أن دفع أمَّتَيْنا: العربيَّة والإسلاميَّة -شُعُوبًا وقيادات-، إلى مَوقفٍ موحَّدٍ ومُشرِّف، يَرفُض هذا الظُّلم البَيِّن، والعُدوانَ على أهلِ أرضٍ مُباركة، وعلى سيادة دول مسلمة مجاورة، وهو موقفٌ مُشجِّع يعيد الأمل في وحدةِ الصَّف الإسلامي.
وقدم شيخ الأزهر اقتراحا لعلماء الأمة المجتمعين في مؤتمر الحوار الإسلامي بالبحرين، مشيرا إلى أنه من بابِ الضَّروراتِ لا من بابِ التَّحسينات، وهو: أنْ يَتمكَّنَ عُلماءُ الأُمَّةِ الأكابرُ الممثِّلون للمَذاهبِ المختلفة، والمجتمِعون في هذا المؤتمر، من وضعِ «ميثاق» أو «دستورٍ» يمكن أن نُسَمِّيَه: «دستورَ أهل القِبْلَة»، أو: «الأخوة الإسلامية» يَتصَدَّرُهـ الحديثُ الصحيح: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَاكم الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ؛ فَلَا تخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ»، لافتا إلى أن الإمام الشيخ أبو زهرة قد سبق إلى هذا المقترح، وعَدَّد أصولًا لهذا الدستور وحَدَّدها، مطالبا الحضور بدراسة هذا المقترح والبِناء عَلَيْه.
وعبر شيخ الأزهر عن شكره إلى المَلِك: حمد بن عيسى آل خليفة، مَلِكِ مَمْلِكة البَحْرين لتفضُّلِه برعايةِ هذا المؤتمر الجليل الحاشد، في هذهـ الظُّرُوف التي تَقِفُ فيها أُمَّةُ الإسلام على مُفتَرَقِ طُرُقٍ، وفي مهَبِّ ريحٍ عَمياءَ عاتية.. تكادُ تعصِفُ بحضارةِ خمسةَ عشرَ قرنًا من الزمان وتقتلعها من الجذور.. مُقدِّرًا لجلالتِه ولرجَالِه -مِنْ حَوْلِه- هذا «الاهتمام» بأمْرِ أُمَّتَيْنا: العَرَبيَّةِ والإسلاميَّة، وهذا «النَّبـَه» الذَّكي لتدارُك ما يُمْكِن تداركُه من أجلِ إنقاذِ هذه «الأُمَّة» مِمَّا يُتربَّصُ بها ويُعَدُّ لها من موجباتِ الهَلاكِ والدَّمارِ والفَناء، ومن أخطارٍ عَرفْنا قوادمَها، واصْطَلينا بنيرانِها، ولا نَدْري -بَعْدُ- علامَ تنطوي خَوافيها وخَواتيمُها..
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: شيخ الأزهر السنة الشيعة المسلمون الإمام الأكبر المزيد لافتا إلى أن شیخ الأزهر التی ت
إقرأ أيضاً:
اتفاق أوروبي لمراجعة لوائح الأدوية الخاصة بالاتحاد
توصلت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق أولي لمراجعة لوائح الأدوية الخاصة بالاتحاد، السارية منذ عقدين بعد عامين من المفاوضات بين المجلس الأوروبي وأصحاب المصلحة.
وقالت صوفي لوده وزيرة الصحة الدنماركية، التي تتولى بلادها الرئاسة الدورية لمدة ستة أشهر، إن الاتفاقية تؤكد التزام الاتحاد الأوروبي بالابتكار وضمان حصول المرضى الأوروبيين على الأدوية التي يحتاجونها.
وبموجب الاتفاقية، سيكون لدى الشركات فترة حماية بيانات مستقرة مدتها ثماني سنوات لن يتمكن خلالها المنافسون من الاعتماد على بيانات الشركة المصنعة للدواء الأصلي، وقد تمنح بعد ذلك ثلاث سنوات من الحماية السوقية، وخلالها ستتمكن الشركات العامة من الوصول إلى البيانات لكنها لن تتمكن من تسويقها.
وسيتم تقسيم حماية السوق إلى ثلاث فترات كل منها سنة واحدة، وكل منها مرتبط بمعايير محددة: من بينها، سنة إضافية إذا تم إطلاق المنتج خلال 90 يوماً من الموافقة عليه.
كما دعم مشرعو الاتحاد الأوروبي سندات حصرية قابلة للتحويل للشركات التي تطور مضادات حيوية ذات أولوية ويمنح السند سنة إضافية من الحماية التجارية للمنتج حسب اختيار الشركة، رغم أنه لا يمكن استخدامه للأدوية التي تجاوز مبيعاتها السنوية 490 مليون يورو خلال السنوات الأربع السابقة.
ووافق المشرعون المشاركون (المجلس/الحكومات والبرلمان) على السماح لمصنعي الأدوية الجنيسة بالمشاركة في المناقصات العامة للاتحاد الأوروبي قبل انتهاء صلاحية براءة اختراع الشركة المصنعة للدواء، مما وسع الخطوات التي يمكن أن تتخذها الأدوية الجنيسة قبل دخول السوق الأوروبية.
الاتفاقية المؤقتة، التي لا تزال تتطلب موافقة رسمية من عواصم الاتحاد الأوروبي – المجلس – والبرلمان الأوروبي، تقدم أيضا متطلبا إلزاميا لمدة ستة أشهر للنقص المتوقع، مما يعكس الدروس المستفادة من جائحة كوفيد-19.
من ناحية أخرى، تقلل الحزمة التشريعية من 210 إلى 180 يوما لفترة إصدار الوكالة الأوروبية للأدوية لإصدار آراء علمية في إجراءات ترخيص التسويق.
بمجرد نشرها في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي، ستدخل معظم التشريعات حيز التنفيذ خلال حوالي 24 شهرًا.
المصدر: وام