أمام منضدة صغيرة تعلوها علب من الدواء وقوارير مياه، يجلس عبد الجبار مشوش، أسطورة نادي الترجي ونجم منتخب تونس السابق ينفث دخان سيجارته ويمسك بيد مرتعشة صحيفة يطالع فيها بعض أخبار الرياضة.

تبدو أيام النجم السابق لكرة القدم في تونس خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي متشابهة، إذ يعيش منذ سنوات داخل شقة قديمة في حي المنار القريب من العاصمة تونس برفقة زوجته.

لكن اللاعب الذي صنع أمجاد الترجي التونسي بين عامي 1962 و1972، وخاض أكثر من 200 مباراة مع الفريق الأحمر والأصفر، أضحى في وضع اجتماعي وصحي صعب نتيجة حالة الفقر والخصاصة التي يعيشها بعد عقود من اعتزال كرة القدم.

نداء استغاثة لصانع أمجاد الترجي

وأثارت الحالة الاجتماعية المتردية التي يعيشها عبد الجبار مشوش (79 عاما) موجة من التعاطف في أوساط كرة القدم في تونس، لكنها أثارت من جديد الجدل حول الأوضاع المعيشية المزرية التي ينتهي إليها مصير الكثير من الرياضيين بعد الاعتزال.

ويجد عدد كبير من لاعبي كرة القدم في تونس، أنفسهم إزاء وضع اجتماعي غامض ووسط حالة من الخصاصة لا سيما أولئك الذين ابتعدوا نهائيا عن اللعبة ولم يطرقوا مجالات أخرى مثل التدريب أو تولي مناصب إدارية في الأندية.

إعلان

ومنذ سنوات، ابتعد عبد الجبار مشوش، عن كرة القدم بعد أن خاض مسيرة تدريبية وجيزة حتى 2006، لكنه لم يكن يعلم أن حياته ستنقلب رأسا على عقب وأن يصبح مهددا بالعيش في الشارع بعد أن عجز عن دفع رسوم الشقة التي يقطن بها.

يقول مشوش للجزيرة نت إن "حياة الرياضيين قصيرة ومشوار الشهرة والنجومية وجيز وهو ما يستوجب التفكير في ضمان حياة لائقة بعد الاعتزال".

جمعية قدماء لاعبي الترجي التونسي زارت عبد الجبار مشوش منذ عامين (مواقع التواصل)

ينفث عبد الجبار مشوش دخان سيجارته ويروي قصة التحول العميق في حياته الاجتماعية قائلا: "بدأت مسيرتي الكروية في بداية الستينيات من القرن الماضي، كنت أصغر لاعبي الترجي في تلك الفترة، لم يدر بخلدي يوما أن أفكر فيما أعيشه الآن، لقد كنت ألعب الكرة لأجل إسعاد جماهير فريقي، كنا نتقاضى منحة عن الفوز قدرها 5 دنانير (1.5 دولار تقريبا) في المباراة الواحدة".

ويضيف " كان والدي من مؤسسي النادي الأفريقي ورغم ذلك حملني أحد المسؤولين المقربين من الترجي إلى هذا الفريق لأبدأ مشوارا كرويا أسهمت فيه في تتويج الترجي بالألقاب، وعند اعتزالي خضت تجارب تدريبية في فئات الشبان ونذرت حياتي لكرة القدم لكني أعيش الآن وضعا اجتماعيا قاسيا".

ويقول اللاعب السابق لمنتخب تونس "لم أفكر في العمل بعد اعتزال الكرة، كان رئيس نادي الترجي، الراحل محمد الزواوي يقول لي العب كرة القدم وستضمن مستقبلك من خلالها، لكنني استفقت على وضع معيشي صعب ولم أجد أي سند سوى رئيس اتحاد كرة القدم في تونس سابقا وديع الجريء الذي أجر لي هذه الشقة البسيطة لأقطن فيها ولكن بعد دخوله السجن أصبحت مهددا بمغادرتها لعجزي عن دفع رسوم كرائها".

أحرز عبد الجبار مشوش 7 أهداف للترجي في شباك النادي الأفريقي كثاني أفضل هداف في المباراة التي توصف بأنها أقوى مواجهة كروية في البلاد.

عبد الجبار مشوش (يسار) كان أحد صناع أمجاد الترجي التونسي (مواقع التواصل الاجتماعي)

لم أكسب سوى أرقام دوّنها التاريخ

ووجه عبد الجبار مشوش نداء للقائمين على الترجي بمساعدة كل اللاعبين السابقين.

إعلان

وأضاف: "لم يبخل علي رئيس الترجي الحالي حمدي المدب بالمساعدة من ماله الخاص، ولكن لم أتلق أي دعم من مسؤولين آخرين في فريقي، ندائي للمسؤولين بالوقوف سندا للاعبين السابقين الذين يعيش عدد كبير منهم الخصاصة لقد أمضيت أكثر من 5 عقود داخل النادي وخرجت دون أن أكسب شيئا سوى تلك الإنجازات التي احتفظ بها التاريخ".

واعترف أسطورة الترجي السابق، الذي يحتل المركز الثالث في ترتيب هدافي الترجي في تاريخ الدوري برصيد 66 هدفا، أنه لا يزال متابعا وفيا لناديه حتى في ظل الأوضاع الصحية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها.

توجد في تونس بعض الجمعيات الداعمة للاعبي كرة القدم وللرياضيين الذين يعيشون أوضاعا معيشية منهكة، على غرار جمعية قدماء لاعبي المنتخب التونسي التي تأسست منذ أكثر من 10 سنوات وتهدف لدعم اللاعبين السابقين ممن ليس لهم دخل قار.

يقول رئيس الجمعية، مختار ذويب، وهو أحد نجوم منتخب تونس في كأس العالم 1978 للجزيرة نت "نحن على بينة من الأوضاع الصعبة التي يعيشها عدد من اللاعبين السابقين ولم نتردد في تقديم العون لهم، عبد الجبار مشوش واحد من أساطير الكرة التونسية ويستحق حياة كريمة في مثل هذه السن".

ونجحت جمعية قدماء لاعبي تونس في مساعدة كثير من النجوم السابقين الذين استحالت حياتهم إلى الفقر والمرض والعجز، وأسهمت في توفير العلاج لبعضهم.

كما توجد جمعيات أخرى لقدماء لاعبي الأندية مثل الترجي والأفريقي والنجم الساحلي وغيرها من الفرق التي تقوم بحركات اجتماعية وأنشطة خيرية لصالح لاعبيها السابقين.

وكشف المختار ذويب أن "جمعية قدماء لاعبي منتخب تونس ستعقد جمعيتها العمومية يوم 22 فبراير/شباط الجاري وعلى ضوئها ستتشكل هيئة جديدة تتولى دارسة ملفات عديد النجوم السابقين ممن يتهددهم الفقر والخصاصة وتحاصرهم الأمراض".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الترجی التونسی التی یعیشها

إقرأ أيضاً:

العراق يواجه الفقر المائي رغم الزيادة التركية الطارئة

بغداد – يسعى العراق جاهدا لتعزيز إمداداته المائية لتجاوز الأزمة الخانقة التي ضربت أغلب المحافظات العراقية، خصوصا محافظة البصرة. ويُعدّ التعاون مع تركيا في هذا الإطار خطوة محورية تجلت مؤخرا في موافقة الرئيس رجب طيب أردوغان على زيادة حصة العراق المائية بمقدار 420 مترا مكعبا في الثانية.

ورغم وصف بعض المراقبين هذه الخطوة بأنها إيجابية ومهمة في معالجة شح المياه الذي يواجهه العراق، فإن آخرين قللوا من أهميتها، مشيرين إلى أن الزيادة تمثل حلا مؤقتا لا يعالج جذور المشكلة المائية المزمنة.

 

من دول الجوار

أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال عن تفاصيل آلية التعامل مع الزيادة في الحصص المائية التي تلقاها العراق من تركيا، مؤكدا أن هذه الزيادة ستُستخدم لتعويض النقص في التخزين المائي وتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين والقطاعات الحيوية.

وقال شمال، للجزيرة نت، إن العراق يتلقى أكثر من 70% من وارداته المائية من دول الجوار، حيث تأتي 50% من تركيا، و15% من إيران، و5% من سوريا.

مشيرا إلى أن البلاد عانت مؤخرا من انخفاض كبير في الإيرادات المائية بسبب قلة الأمطار في المنطقة، بالإضافة إلى تأثير مشاريع السدود الكبرى التي نفذتها دول الجوار، خاصة تركيا، مما أضر بشكل كبير بحصة العراق من المياه.

ولفت إلى أن مستوى المياه في نهر دجلة كان متدنيا قبل هذه الزيادة، حيث وصل إلى أقل من 100 متر مكعب في الثانية، وفي بعض الأحيان إلى 60 مترا مكعبا في الثانية، بينما وصل نهر الفرات إلى أقل من 150 مترا مكعبا في الثانية، وإلى 100 متر مكعب في الثانية في أوقات أخرى.

خالد شمال: نعمل على استعادة المناسيب وتحسين نوعية المياه (الجزيرة)

وبيّن المتحدث، في حديثه للجزيرة نت، أن الوزارة ستعمل على تخزين ما يمكن تخزينه من هذه المياه ضمن الإطلاقات الإضافية لتعويض النقص في الإيرادات المائية وفي التخزين الذي استُنزف، موضحا أن هذه الزيادة من تركيا مؤقتة لمدة شهرين خلال فترة الصيف.

إعلان

وشدد شمال على أن الوزارة "لا تسعى للاستفادة من الزيادة بطريقة عشوائية، بل تتبع خطة إستراتيجية لإدارة الموارد المائية، والتي تتضمن تأمين 4 أولويات رئيسية وهي:

مياه الشرب. الاستخدامات المنزلية والصحية والبيئية والصناعية. الخطة الزراعية والحفاظ على المساحات المثمرة. بيئة شط العرب وبيئة الأهوار.

وأشار المتحدث إلى أن المحافظات الجنوبية مثل البصرة وذي قار وميسان والمكثنى والسماوة تعاني من شح المياه بسبب قلة التصاريف (أي الكميات التي يتم إطلاقها كحصص من سدود التخزين في العراق). "وستعمل الوزارة على دفع تصاريف مناسبة لاستعادة المناسيب وتحسين نوعية المياه".

وأضاف أن "جزءا من هذه المياه سيتم تخزينه في سد الموصل لتعويض العجز والنقص في الخزين (المخزون) الحالي، والذي يقل عن نصف التخزين الذي كان موجودا في اليوم نفسه من العام الماضي، كما أن التصريف الحالي لا يزيد عن 20% من نسبة التصاريف التي كانت في العام الماضي".

وكشف شمال عن اتخاذ وزارة الموارد المائية "عدة إجراءات فاعلة وحازمة ورادعة"، أبرزها حملة كبرى لإزالة التجاوزات على المنظومة والحصص المائية والأنهار، بالتنسيق مع مجلس القضاء والقوات الأمنية العراقية، بالإضافة لتطبيق نظام توزيع مياه صارم وعادل وشامل لتأمين وصول المياه على جانبي نهري دجلة والفرات والروافد والقنوات المرتبطة بهما.

تداعيات كارثية

من ناحيته، حذر الخبير في الشأن المائي تحسين الموسوي من تدهور الوضع المائي في العراق، ووصفه بـ"الكارثة الإنسانية"، وقال للجزيرة نت إن الإطلاقات المائية التي أعلن عنها الرئيس التركي، والتي تجاوزت 400 متر مكعب بالثانية على حوضي دجلة والفرات، قد دخلت حيز التنفيذ منذ يوم الأربعاء الماضي، وستستمر لمدة شهرين.

ولكنه قال إنه يضع "علامة استفهام كبيرة" حول هذه الإطلاقات، مؤكدا ضرورة وجود حصص مائية ثابتة للعراق، وإطلاقات متفق عليها يتم تحديد موعدها، وليست "منة أو منحة طوارئ"، حسب وصفه.

وشدد على أن العراق يمتلك حقوقا مائية راسخة مع دول الجوار، لا سيما تركيا وإيران، لكن الدبلوماسية العراقية "فشلت فشلا كبيرا" في تأمين هذه الحقوق.

وأوضح الموسوي أن الجميع يدرك أن وضع المياه في العراق قد وصل إلى مرحلة "سيئة جدا"، خاصة في محافظة البصرة حيث بدأ إيصال مياه الشرب للمواطنين بواسطة الحوضيات (الخزّانات المتنقلة).

وأفاد الموسوي، الجزيرة نت، بأن المخزون المائي العراقي هبط إلى ما دون 9 مليارات متر مكعب مع بداية ارتفاع درجات الحرارة التي يشهدها العراق، حيث يتم فقدان ما بين 6 إلى 7 مليارات متر مكعب سنويا نتيجة التبخر، مؤكدا أن العراق يواجه الآن "فقرا مائيا وإجهادا مائيا شديدا".

وأشار إلى أن طاقات سد الموصل قد وصلت إلى أسوأ مستوياتها تاريخيا، حيث تبلغ إطلاقاته حوالي 90 مترا مكعبا فقط، في حين يحتاج العراق إلى إطلاق ما بين 400 إلى 500 متر مكعب في هذه الظروف.

وأضاف أن أحواض النهر والخزانات وصلت إلى مرحلة الصفر، وتوقفت معظم المحطات الكهرومائية عند معالم الجفاف الواضحة. لافتا إلى أن الحكومة العراقية اضطرت إلى إيقاف عمليات الزراعة الصيفية، واقتصرت على توفير المياه للبساتين بطريقة "المراشنة" فقط (نظام لتوزيع المياه بالتناوب وبجداول زمنية محددة).

الموسوي انتقد السياسة المائية العراقية السابقة ووصفها بـ"الخاطئة" (الصحافة العراقية)

وأعرب الموسوي عن اعتقاده بأن الحكومة العراقية الحالية في وضع "حرج جدا"، وحتى لو تم عبور الأزمة الراهنة، فإن الأيام والأشهر المقبلة، لهذه الحكومة وللحكومات التي تليها، ستكون "في وضع صعب، وربما حتى الموسم الشتوي القادم، ما لم يتم إعادة التوازن المائي إلى سدود العراق بعد هذا الفقدان الكبير".

إعلان

كما حذر من وجود خلل في الجانب البيئي يؤثر على جودة المياه، مشيرا إلى وجود "نسبة تلوث عالية" حتى في المياه المتوفرة حاليا، مما يجعلها "لا تصلح للاستخدام حتى للزراعة في بعض الأحيان"، فضلا عن الجفاف التام الذي حدث للبحيرات والأهوار.

وأكد الموسوي، في حديثه للجزيرة نت، أن ملف المياه أصبح "ضرورة ملحة" كي يتخذ العراق موقفا حازما، مطالبا بضرورة اطلاع المنظمات العالمية وحتى الأمم المتحدة على الوضع المأساوي الذي وصل إليه العراق من جفاف أثر على أراضيه ومجتمعه ووضعه العام.

وذكر أن العراق يحتاج لتأمين حصصه المائية بما لا يقل عن 30 إلى 40 مليار متر مكعب سنويا لكافة الاستخدامات، بما فيها الزراعة وتأمين النظم البيئية والتنوع البيولوجي، موضحا أن ما تحقق خلال مواسم الجفاف الخمسة الأخيرة لم يتجاوز 20 مليار متر مكعب في الموسم الماضي، وهي "إيرادات ضعيفة".

وانتقد السياسة المائية العراقية السابقة التي وصفها بـ"الخاطئة"، مشيرا إلى التوجه نحو الزراعة الصيفية للأرز ثم التوسع في زراعة المحاصيل الإستراتيجية الشتوية "بخطة كاملة" من الحكومة، والتي تم تجاهلها مما أدى إلى الوضع الحالي.

وقال إن "ملف المياه بدأ يسير بخُطا أو بسرعة جنونية نحو منحدر خطر، وستكون له تداعيات كبيرة جدا على المستقبل القريب".

مقالات مشابهة

  • الفقر الخطر الذي يُهدد أمن الأمم
  • شباب بلوزداد يبرمج تربصًا في تونس ويواجه الترجي التونسي وديًا
  • بلايلي في طريقه إلى مولودية الجزائر.. الترجي التونسي يردّ !
  • بلايلي في طريقه إلى مولودية الجزائر.. إدارة الترجي التونسي تردّ !
  • نائب:حكومة السوداني ضد سيادة العراق
  • ميتشو: "شيكابالا" أسطورة ورمز للزمالك.. ودائما كان يصنع الفارق
  • حوادث مروعة وأزمات قلبية.. َعندما يخطف الموت لاعبي كرة القدم فجأة
  • في يوم عاشوراء.. هذا العمل يقيك الفقر وضيق الرزق فهل تعرفه؟
  • العراق يواجه الفقر المائي رغم الزيادة التركية الطارئة
  • براد بيت يحذر: أفلام الأبطال الخارقين تقتل الإبداع وتموت النجومية