تريليون دولار خسائر أوكرانيا من الحرب فما تداعياتها على الاقتصاد؟
تاريخ النشر: 21st, February 2025 GMT
سقط اقتصاد أوكرانيا سريعا كأول ضحايا الحرب الروسية، ولا يزال يئن من التداعيات الكارثية في ختام عامها الثالث. فالأرقام المعلنة على مختلف المستويات الحكومية والمتخصصة مهولة، ولا تبشر بانتعاش قريب.
وقد تجاوزت الخسائر المباشرة، بحسب دراسة أجراها معهد كييف للاقتصاد بالتعاون مع البنك الوطني والوزارات المعنية، 88 مليار دولار، لكنه رقم لا يأخذ بعين الاعتبار حجم الضرر الذي لحق بقطاعات البنية التحتية والسكن والخدمات التعليمية والطبية والاجتماعية وغيرها.
أما الخسائر غير المباشرة، بحسب المعهد، فقد تجاوزت حاجز التريليون دولار الذي توقعه البرلمان بداية الحرب، إذا بلغت نهاية العام الماضي 1.164 تريليون دولار، منها 170 مليار دولار للبنية التحتية وحدها.
أكبر الخسائر التي سببتها هذه الحرب تتعلق بالقطاعات الإنتاجية:
أولها التجارة التي فقدت 450.5 مليار دولار. ثم الصناعة والبناء بنحو 410 مليارات. تليها الزراعة بما يقارب 83 مليارا. كما تكبد قطاع الطاقة -الذي ركزت روسيا ضرباتها عليه خلال العامين الماضيين- خسائر تجاوزت 43 مليار دولار. وجاء بعده قطاع النقل بخسائر تبلغ نحو 39 مليارا. ويأتي بعده قطاع الرعاية الصحية بنحو 11.4 مليار دولار من الخسائر. يليه قطاع التعليم بنحو 14.5 مليارا. ثم السياحة بواقع 7.3 مليارات دولار. إعلان أعباء فرضتها الحربوإلى جانب ما سبق، فرضت الحرب أعباء كبيرة على الاقتصاد الأوكراني في مجالات جديدة، على رأسها إزالة الألغام التي استحوذت خلال 3 سنوات على 42 مليار دولار، وكذلك إسكان النازحين والمدمرة بيوتهم بنحو 22.4 مليارا.
كما اضطرت الحكومة لصرف 10 مليارات على المعونات الاجتماعية، وأنفقت 13.4 مليارا على إزالة المباني المدمرة وغيرها من مخلفات القصف الروسي.
عجز الناتج المحلييعجز الناتج المحلي الأوكراني عن تحمل ما سبق، فقد هوت مؤشراته بداية الحرب بنسبة قاربت 35%، ثم تحسنت نوعا ما بعد خروج الروس من 6 مقاطعات، واستقرت مع تراجع يقارب 15%، بحسب وزارة المالية.
ويوضح أوليكسي بلينوف خبير الاقتصاد بموقع "فوربس أوكرانيا" بالقول "يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لأوكرانيا الآن حوالي 3 أرباع مستوى ما قبل بداية الحرب عام 2022، وقد أدت الحرب إلى زيادة نفقات الميزانية بنحو 70% يتحملها الناتج المحلي".
ويضيف في حديث للجزيرة نت "وفقا لتوقعات مختلفة، وصل الدين العام عام 2024 إلى نحو 90-99% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي (نحو 184.3 مليار دولار)".
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد قال إنه بلاده تحتاج شهريا 5 مليارات دولار للتعامل مع الحرب وتداعياتها، في إطار ميزانية تعتمد بنسبة 41% على المساعدات الخارجية.
تراجع صناعي زراعيتراجع قطاعا الزراعة والصناعة تاركين أكبر الأثر على حجم الناتج المحلي، إذ كانا يشكلان 12.2% و28.6% من قيمته على التوالي.
وتقول خبيرة الاقتصاد أولينا بيلان "إنتاج الصلب تراجع 3 مرات بحكم احتلال أراضي جنوب شرق أوكرانيا، التي تضم 70% من مناجم ومصانع البلاد، وحجم الصندوق الزراعي تقلص بواقع الربع".
وتضيف للجزيرة نت "على سبيل المثال، أوكرانيا كانت تنتج 20-21 مليون طن من الصلب كل عام، واحتلت بذلك المرتبة 12 إلى 14 في الترتيب العالمي، لكن إنتاجها تراجع قرابة 3.5 مرات، وانتقلت بذلك إلى المركز 20 عالميا".
إعلانأما في المجال الزراعي، فتقول بيلان "حوالي 20% من الأراضي الأوكرانية محتلة، والقصف مستمر على أراضي باقي المقاطعات، كما أن موانئ التصدير على البحر الأسود محاصرة منذ 3 سنوات".
يلمس الأوكرانيون أثر الحرب على اقتصاد بلادهم والجيوب يوميا، فقيمة عملتهم الوطنية (هريفنيا) هوت على مدار 3 سنوات إلى نحو 42 هريفنيا مقابل الدولار الواحد، بدلا عن 26.5 بداية 2022.
ورغم رفع متوسط الدخل من 15 ألف هريفنيا قبل الحرب إلى نحو 23 ألفا نهاية 2024، بقيت الرواتب عند حدود 550 دولارا، ولكن مع زيادة حادة في نسب التضخم، وصلت 12% العام الماضي وحده، بعد أن بلغت قرابة 7% عام 2023، والعام الذي قبله بلغت 26.6% بحسب وزارة المالية.
أما الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الأوكراني، وتوفر 74% من الوظائف، فقد توقفت نسبة 9.6% منها عن العمل نهائيا، وبلغت خسائر النسبة الباقية نسبا قاربت 56% من قيمتها السوقية، في وقت استعادت نسبة 27% منها فقط مستوى أرباح ما قبل الحرب.
وعلى مدار 3 سنوات، ارتفعت نسبة البطالة في البلاد بواقع الضعف تقريبا، بعد أن كانت عند حدود 10.1% نهاية عام 2021، وفق خدمة التوظيف الحكومية.
تشاؤم وبصيص أملوبناء على ما سبق، تتشكل صورة قاتمة متشائمة للمشهد الاقتصادي في أوكرانيا التي يقول مسؤولوها إنها بحاجة إلى "خطة مارشال" لإعادة الإعمار بما لا يقل عن 500 مليار دولار بعد الحرب.
وتقول الخبيرة بيلان للجزيرة نت "دون شك، عام 2025 سيكون صعبا على الاقتصاد، لأن المساعدات الخارجية أصبحت أقل، مع شروط كثيرة تلمح إليها إدارة ترامب في الولايات المتحدة".
لكنها ترى مؤشرات إيجابية، وتضيف "حقق الناتج المحلي نموا بنسبة 3.6% عام 2024، وتراجع انكماش الاقتصاد من 50% منتصف 2022 إلى نحو 33% اليوم. كما زادت الميزانية عما كانت عليه بداية الحرب، لكن الدعم الخارجي لها تراجع من 60 إلى 40% خلال 3 سنوات".
إعلانومن وجهة نظر الخبيرة، فإنه "مقارنة ببريطانيا التي لم تخسر شيئا من أراضيها خلال الحرب العالمية الثانية، وتراجع ناتجها المحلي بنسبة 30%، فإن المؤشرات الأوكرانية ليست في غاية السوء، خاصة وأننا مازلنا نعيش الحرب، وتحتل روسيا 20% من أراضينا".
وتختم بقولها "هذه المؤشرات تدل على أننا سنكون قادرين على التعافي خلال 4-5 أعوام بعد نهاية الحرب".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الناتج المحلی ملیار دولار بدایة الحرب إلى نحو
إقرأ أيضاً:
كيف حققت الصين فائضا تجاريا مع العالم بقيمة تريليون دولار؟
سلّط تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" الضوء على نجاح الصين في تحقيق فائض تجاري قياسي بلغ نحو تريليون دولار خلال عام 2025، في عام هيمنت عليه حرب الرسوم الجمركية المتبادلة مع الولايات المتحدة، وما رافقها من توترات اقتصادية وتجارية واسعة النطاق.
وقال الكاتبان توماس هيل وهاوشيانغ كو، إن تحقيق الصين هذا الفائض غير المسبوق، على الرغم من تصاعد الضغوط والتوترات مع أميركا، يؤكد صمودها كقوة تجارية كبرى يصعب كبح جماحها، وقدرتها على إعادة توجيه تجارتها نحو أسواق بديلة.
وأوضح الكاتبان أن الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة انخفض بأكثر من 100 مليار دولار مقارنة بالعام الماضي، إلا أن هذا التراجع قابله ارتفاع ملحوظ في أسواق أخرى تمتد من جنوب شرقي آسيا إلى أوروبا. ونتج عن ذلك تسجيل فائض قياسي في الميزان التجاري للسلع بلغ 1.08 تريليون دولار حتى نوفمبر/تشرين الثاني، مدفوعا بصادرات بلغت 3.41 تريليونات دولار.
وفي هذا الأسبوع، حذّرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا من وجود "اختلالات" في العلاقات التجارية للصين، وهو توصيف سبق أن وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام بأنه أصبح "لا يُحتمل".
ويعكس هذا الفارق التجاري، وفقا لكاتبي التقرير، تقدّم الصين في سلسلة القيمة الصناعية، لا سيما في قطاع السيارات، إلى جانب هيمنتها طويلة الأمد في مجالات مثل الهواتف الذكية والحواسيب، فضلا عن السلع منخفضة القيمة.
ونقلت الصحيفة عن ميشيل لام، كبيرة خبراء اقتصاد الصين الكبرى في بنك سوسيتيه جنرال: "على الأمد القريب، أعتقد أن الفائض التجاري سيستمر في النمو. إنها مشكلة لن تختفي في وقت قريب".
إعلانلكن قوة الصادرات الصينية تخفي، بحسب التقرير، صورة اقتصادية أكثر هشاشة في الداخل، حيث يواجه صانعو السياسات تحديات متزايدة عن ضعف ثقة المستهلكين واستمرار انكماش الأسعار، في وقت يضغط فيه تراجع الواردات على علاقات الصين مع شركائها التجاريين ويزيد من احتمالات اتخاذ إجراءات انتقامية.
طفرة في الميزان التجاري مع جنوب شرقي آسياوأشار كاتبا التقرير إلى أن نمو صادرات الصين إلى دول جنوب شرقي آسيا يُعد من أبرز ملامح المشهد التجاري العالمي الجديد، وهو مشهد تحظى تطوراته بمتابعة دقيقة في ظل ارتباطه بالحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وقد سجّلت الصين فائضا تجاريا مع دول جنوب شرقي آسيا بلغ 245 مليار دولار خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام الحالي، وهو رقم يتجاوز بفارق كبير إجمالي الفائض المسجّل خلال عام 2024 بالكامل، والبالغ 191 مليار دولار.
ويقود هذا النمو ارتفاع الفائض مع دول مثل فيتنام وتايلند، إضافة إلى ماليزيا التي تحوّل العجز التجاري معها العام الماضي إلى فائض خلال العام الجاري.
وتُظهر البيانات أيضا توسّع الصين في عدد من الأسواق الأخرى، إذ ارتفع فائضها التجاري خلال 11 شهرا مع أفريقيا بمقدار 27 مليار دولار مقارنة بأرقام عام 2024 كاملة، مدفوعا بزيادة الصادرات إلى نيجيريا وليبيريا ومصر، إضافة إلى مبيعات السفن لدول القارة.
كما ارتفع فائض الصين مع الاتحاد الأوروبي بنحو 20 مليار دولار، ومع أميركا اللاتينية بمقدار 9 مليارات دولار.
أرقام استثنائية في قطاع السياراتوأوضح الكاتبان أن أكبر زيادة في الفائض التجاري خلال العام جاءت من قطاع السيارات، إذ ارتفع فائض الصين في هذا القطاع بمقدار 22 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ليصل إجمالي الفائض إلى 66 مليار دولار.
ويمثّل هذا الرقم تحوّلا استثنائيا، حيث كانت الصين تسجّل عجزا تجاريا في قطاع السيارات مع العالم قبل 3 سنوات فقط، وفق ما تشير إليه بيانات فايننشال تايمز.
كما تحوّلت تجارة السيارات بين الصين والاتحاد الأوروبي هذا العام من عجز إلى فائض، في حين أسهمت صادرات السيارات في تعزيز فائض الميزان التجاري مع القارة الأفريقية.
وإلى جانب ذلك، حققت الصين فائضا عالميا في تجارة البطاريات بلغ 64 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، في انعكاس مباشر لتوجهها المتسارع نحو المركبات الكهربائية، والذي جعل شركات صينية مثل "بي واي دي" أسماء عالمية بارزة.
الاستثمارات الأجنبية ودورها في الفائضوأشار الكاتبان إلى أن القطاع الصناعي الضخم في الصين لا يزال يشكّل قاعدة حيوية للشركات متعددة الجنسيات، من آبل إلى فولكس فاغن، إلى جانب المصنعين المحليين.
وتُظهر بيانات الجمارك أن صادرات الصين من الشركات ذات الاستثمارات الأجنبية بلغت 837 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025، أي ما يزيد على ربع إجمالي الصادرات.
وكانت الهواتف ومنتجات الاتصالات من أكثر السلع مساهمة في الفائض التجاري، بقيمة 151 مليار دولار، تلتها أجهزة الكمبيوتر التي أضافت نحو 70 مليار دولار.
إعلانكما لفت التقرير إلى أن قطاع الطرود منخفضة القيمة -وهو النموذج الذي تتبعه شركات التجارة الإلكترونية مثل "شي إن" و"تيمو"- أضاف 22 مليار دولار إلى الفائض التجاري خلال الأشهر العشرة الأولى من العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مدفوعا بزيادة كبيرة في الشحنات المتوجهة إلى أوروبا، على الرغم من الانتقادات الأميركية والأوروبية لهذا النموذج بسبب استغلاله ثغرات الإعفاءات الجمركية.
عملة أضعف وأسعار منخفضةوأوضح كاتبا التقرير أن سعر صرف الرنمينبي (اليوان) ارتفع خلال الفترة الماضية مقابل الدولار، إلا أن العملة الصينية لا تزال عند مستويات أضعف مقارنة بالعقد الماضي.
وعلى عكس الاقتصادات الكبرى الأخرى، تواجه الصين انكماشا في أسعار المستهلكين والمنتجين داخليا، وهو انكماش يرتبط بمعدلات الإنتاج المرتفعة التي تغذي طفرة الصادرات.
ونقلت الصحيفة عن الخبير الاقتصادي آدم وولف: إن حصة الصين من الصادرات العالمية ترتفع بأسرع وتيرة منذ "صدمة الصين" الأولى في العقد الأول من الألفية بعد انضمام البلاد إلى منظمة التجارة العالمية.
ويؤكد خبراء أن ضغوط الانكماش تمنح المنتجين الصينيين قدرة تنافسية إضافية في الأسواق العالمية. ويوضح شوانغ دينغ، كبير الاقتصاديين للصين الكبرى وشمال آسيا في بنك ستاندرد تشارترد: "كل عام، يمنح فارق التضخم الصين ميزة إضافية في التسعير".
مشتريات الصينفي مقابل نمو الصادرات، تراجعت الواردات الصينية بالقيمة الدولارية إلى 2.3 تريليون دولار.
ومن أبرز السلع التي تستوردها البلاد خام الحديد والنحاس وفول الصويا والبتروكيمائيات، إضافة إلى أنها مستورد رئيسي لأشباه الموصلات، وهي محور أساسي للضغوط التجارية التي تمارسها الولايات المتحدة.
وقال شوانغ دينغ، إن هناك بعض "المؤشرات على تعويض الواردات"، أي أن عددا من المنتجات التي كانت الصين تستوردها سابقا -مثل الآلات والروبوتات الصناعية- بات يُصنّع محليا.
ويتوقّع الخبير آدم وولف أن يستمر الفائض التجاري في الارتفاع ليقترب من 1.5 تريليون دولار، في حال بقي الاستثمار في الأصول الثابتة ضعيفا، لا سيما في قطاع البناء الذي يعتمد بدرجة أكبر على السلع الأساسية ويُسهم عادة في زيادة الواردات.