غزة– "هذه الآبار كانت ملاذنا للصمود في غزة"، يشير أحمد المغربي بذلك لآبار محلية يلجأ الغزيون في مدينة غزة وشمال قطاع غزة لحفرها واستصلاح القائم منها، لمجابهة أزمة المياه الحادة الناجمة عن الاستهداف الإسرائيلي المركز لآبار وشبكات المياه.

يسكن المغربي في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، حيث كان من أول مناطق المدينة التي توغل بها جيش الاحتلال بريا، وعاث فيه فسادا وتدميرا، حيث اختار المغربي وأسرته (6 أفراد) البقاء والصمود في مدينة غزة، ولم ينزحوا جنوبا.

ويقول للجزيرة نت: "كان لا بد من التفكير في مصادر بديلة للمياه بعد تدمير الآبار البلدية وشبكات المياه، وكانت الآبار المحلية ملاذنا وعاملا مهما دعمت صمودنا في غزة".

فلسطينيون في حي النصر شمال مدينة غزة يحفرون بئرا محلية تعاونية (الجزيرة) آبار محلية تعاونية

وكما غالبية من مكثوا في مدينة غزة وشمال القطاع، اضطر المغربي للتنقل بأسرته مرارا في نزوح داخلي كلما اشتد الخطر، وفي نهاية المطاف عاد لمخيم الشاطئ، حيث كانت تقطنه آنذاك قلة من السكان، إثر النزوح الكبير نحو جنوب القطاع.

وقبل عودة النازحين من جنوب القطاع نحو مدينة غزة وشمال القطاع، إثر اتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، كان المغربي وسكان المخيم قد نجحوا في حفر وتشغيل ما يتراوح بين 20 إلى 30 بئرا محلية.

ويقول إن البئر الواحدة تكلف نحو 5 آلاف دولار للوصول إلى المياه، التي يتراوح عمقها ما بين 25 إلى 35 مترا في المخيم، وتزداد هذه التكلفة كلما زاد العمق في شرق المدينة كحي الشجاعية، في حين كانت تكلفة حفر مثل هذه البئر قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 تتراوح ما بين ألفين إلى 3 آلاف دولار.

إعلان

وتعود هذه الزيادة الكبيرة في كلفة حفر البئر الواحدة في الوقت الراهن لعدم توفر الآليات والمواد اللازمة، جراء القيود الإسرائيلية المفروضة على دخول الاحتياجات والأولويات اللازمة، والتي تخرق البروتوكول الإنساني ضمن اتفاق وقف إطلاق النار.

يكابد الغزيون من أجل حمل المياه لمنازلهم بواسطة عبوات وغالونات بلاستيكية (الجزيرة)

ولا تقتصر تكاليف البئر على الحفر، حيث هناك حاجة أيضا لمصروفات تشغيلية، وفي فصل الشتاء لا تعمل منظومة الطاقة الشمسية بكفاءة عالية، ويضطر المستفيدون من البئر لشراء الوقود من السوق السوداء بأسعار مرتفعة، لتشغيل المولدات لاستخراج المياه، حيث لا يزال الاحتلال يعرقل دخول الوقود عبر المعابر.

وتغطي البئر الواحدة، بحسب المغربي، الحد الأدنى من المياه لنحو ألف نسمة، وقد زادت الحاجة لمثل هذه الآبار وقت نزوح سكان جباليا ومناطق شمال القطاع على وقع العملية البرية الإسرائيلية التي استمرت لنحو 100 يوم، وانتهت قبيل اتفاق وقف إطلاق النار.

ولجأ النازحون من شمال القطاع لمناطق غرب مدينة غزة، بما فيها مخيم الشاطئ، ولمجابهة الحاجة الكبيرة من المياه للنازحين والسكان "نجحنا خلال الشهور الستة الماضية في حفر عدد كبير من هذه الآبار المحلية" بحسب المغربي.

ويقول كانت مهمة حفر هذه الآبار محفوفة بمخاطر جمة، جراء الاستهداف الإسرائيلي الممنهج لكل جهد إنساني من شأنه تعزيز صمود الناس، حيث يحتاج الحفر إلى الانتقال بمعدات من مكان إلى آخر، لتغطية أكبر مساحة ممكنة.

احتياجات مضاعفة

ومع العودة الكبيرة للنازحين من جنوب القطاع لشماله، تضاعفت الحاجة إلى المياه، حيث تشير التقديرات المحلية إلى أن عدد المقيمين حاليا في النصف الشمالي من القطاع ارتفع مع هذه العودة إلى مليون و400 ألف نسمة.

ويقول يسري الغول، وهو كاتب وروائي لم يغادر شمال القطاع، إن الآبار المحلية "التعاونية" باتت اليوم المصدر الرئيس للتزود بالمياه بالنسبة للغالبية في مدينة غزة وشمال القطاع، "ولولاها لما بقي أحد هنا".

إعلان

ولشدة أزمة المياه في الشهور الأولى للحرب، يروي الغول للجزيرة نت تجربة مريرة مرت بها جدته زمقنة الغول، والتي تجاوزت المئة من العمر، وحوصرت مع آخرين في مقر تابع للأمم المتحدة غرب مدينة غزة لنحو 3 أسابيع، ولم يكن لديهم أي مصدر لمياه الشرب سوى نقاط تتساقط من أجهزة التكييف تروي حلوقهم الجافة.

كان هذا حال الصامدين في مدينة غزة والشمال، ويقول الغول "لا يزال واقع المياه مؤلما، ونصطف يوميا بالطوابير من أجل التزويد بالقليل منها للشرب والنظافة".

ولمواجهة هذه الأزمة كانت فكرة اللجوء للآبار المحلية، سواء بحفر جديدة أو باستصلاح أخرى قديمة تعرضت لتدمير، أو هجرها أصحابها ونزحوا نحو الجنوب، وحاليا يعتمد الغول الذي يقيم مع أسرته في منطقة "أرض الغول" شمال غربي مدينة غزة، على بئر محلية يملكها أحد أقاربه، ويتشارك السكان في كلفة الوقود اللازم لتشغيل البئر واستخراج المياه.

ووفقا له تدفع كل أسرة نحو 10 شواكل (أقل من 3 دولارات) في التعبئة الواحدة كل 3 أيام، وتحصل على 120 لترا فقط، لا تكفي استخدامات الأسرة، وتضطر إلى تقنين استهلاكها لأقصى درجة حتى موعد التعبئة الثانية.

وفي حين اضطر السكان إلى تحمل كلفة حفر هذه الآبار وحدهم، فإن هيئات خيرية داعمة باتت تدعم مشاريع الآبار المحلية سواء بتكاليف الحفر فقط أو بتشغيلها أيضا، وبحسب الغول والمغربي فإن غزيين ميسوري الحال يساهمون كذلك في تكاليف الحفر الباهظة، ويتشارك السكان غالبا في كلفة التشغيل واستخراج المياه.

النبيه: الاحتلال دمر 75% من آبار المياه ويمنع مواد الصيانة والوقود رغم اتفاق وقف إطلاق النار (الجزيرة) أزمة حادة

يقول المتحدث باسم بلدية غزة، كبرى بلديات القطاع، عاصم النبيه للجزيرة نت، إنه "مع حالة الطوارئ الناجمة عن الحرب، والأزمة الحادة في المياه، انتشرت الآبار المحلية، وتعود تبعيتها لمنازل سكنية أو جمعيات أو مساجد أو هيئات محلية مثل لجان الأحياء، ويلجأ السكان حاليا لهذه الآبار سواء بحفر جديد أو بصيانة القديمة واستصلاحها، للتغلب على الأزمة".

إعلان

وتضاعف حفر هذه الآبار بعد العودة الكبيرة للنازحين من جنوب القطاع، في الوقت الذي تعاني فيه بلدية غزة من عدم قدرتها على إيصال المياه لنحو نصف المدينة، التي يقطنها حاليا قرابة نصف مليون نسمة، وذلك جراء تدمير الاحتلال 75% من الآبار البلدية، وأكثر من 100 ألف متر طولي من شبكات المياه.

وبحسب النبيه فإن نسبة ما بين 40 إلى 45% فقط من مساحة مدينة غزة تصلها مياه بكميات محدودة وغير كافية لحاجة السكان، الذين يواجهون أيضا معضلة في عدم توفر خزانات مياه منزلية دمرها الاحتلال، علاوة على عدم توفر مصادر طاقة قادرة على رفع هذه المياه للمنازل، فيلجؤون لطرق بدائية شاقة بحمل غالونات المياه بأيديهم ورفعها لمنازلهم، خاصة أولئك الذين يقطنون في بنايات متعددة الطبقات.

وما يزيد من حدة الأزمة تنصل الاحتلال من التزاماته بموجب البروتوكول الإنساني، ويقول النبيه إن البلدية قدمت لهيئات دولية قوائم فنية تفصيلية باحتياجاتها من أجل الصيانة، وبكميات الوقود اللازمة، لكن الوعود التي تلقتها لم تترجم على أرض الواقع حتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار.

وتعرضت بلدية غزة لخسائر فادحة جراء الاستهداف الإسرائيلي الذي نال من 133 آلية ثقيلة ومتوسطة، تمثل 85% من مقدراتها، وهي -وفقا للنبيه- كانت تصلح للعمل بالأوقات الطبيعية وليست مؤهلة للعمل في أوقات الطوارئ الكبرى والتداعيات الناجمة عن حرب مدمرة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات اتفاق وقف إطلاق النار مدینة غزة وشمال فی مدینة غزة جنوب القطاع شمال القطاع هذه الآبار

إقرأ أيضاً:

وزير الاستثمار يبحث مع شركات صينية فرص التعاون في الطاقة وتحلية المياه والصناعات الاستراتيجية

أجرى المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، سلسلة من اللقاءات مع عدد من الشركات الصينية الراغبة في الاستثمار بالسوق المصري، وذلك في إطار جهود الحكومة لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين في قطاعات استراتيجية.

 

وخلال اللقاءات، استعرض الوزير المقومات التنافسية التي يتمتع بها السوق المصري، والفرص الاستثمارية الواعدة المتاحة في مختلف القطاعات، إلى جانب الحوافز والتيسيرات التي تقدمها الدولة لتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي.


 

تعزيز التعاون في الطاقة المتجددة وتحلية المياه

 

استهل الوزير لقاءاته باجتماع موسع مع مسؤولي شركة Energy China، المتخصصة في مجالي تحلية المياه والطاقة المتجددة، حيث تم استعراض توجهات الدولة نحو التحول الأخضر وتعزيز الاستثمار في مشروعات الطاقة النظيفة، بما يعزز من مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة المستدامة.


 

وأكد الوزير أن الحكومة تسعى للاستفادة من الخبرات الصينية المتقدمة في مجالات الطاقة المتجددة، لافتًا إلى استمرار الدولة في تقديم التسهيلات والحوافز لهذا القطاع الحيوي، بهدف خلق المزيد من فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.


 

كما التقى الخطيب بممثلي شركة Speco الصينية العاملة في مجال تحلية المياه، حيث تم بحث فرص التعاون في تطوير مشروعات تحلية المياه في مصر، وذلك في ظل استراتيجية الدولة لزيادة الاعتماد على المياه المحلاة، من خلال إنشاء وتطوير محطات التحلية والاعتماد على الطاقة المتجددة، إلى جانب توطين صناعة مكوناتها وتبادل الخبرات مع الدول المتقدمة في هذا المجال.


 

توطين صناعة الإطارات في مصر
 

وفي سياق متصل، عقد الوزير اجتماعات مع مسؤولي شركتي Wanda Boto وTercelo Tires المتخصصتين في تصنيع الإطارات، حيث تم استعراض فرص الاستثمار في هذا القطاع الصناعي الهام، والذي تسعى مصر إلى توطينه عبر توفير بيئة استثمارية جاذبة وتشجيع الإنتاج المحلي بالتعاون مع الشركات العالمية.


 


 

المنسوجات: قطاع واعد للتصدير والاستثمار
 

كما التقى الخطيب بممثلي عدد من شركات المنسوجات، من بينها شركة Sumac الرائدة، حيث تم استعراض الفرص الاستثمارية الكبيرة التي يقدمها هذا القطاع، خاصة في ظل توفر العمالة الماهرة، والقطن المصري عالي الجودة، والموقع الجغرافي المتميز الذي يمنح المستثمرين سهولة النفاذ إلى الأسواق الإقليمية والعالمية عبر شبكة من اتفاقيات التجارة الحرة.


 

وأكد الوزير حرص الحكومة على توسيع الطاقة الإنتاجية لهذا القطاع بما يسهم في تلبية احتياجات السوق المحلي وزيادة القدرة التصديرية.


 


 

الاستثمار الزراعي في قلب الأولويات

 

واختتم الوزير لقاءاته باجتماعات مع مجموعة ترسيلو للمشروعات الزراعية وشركة علاء الدين للاستثمار الزراعي، حيث تم مناقشة فرص الاستثمار في قطاع الزراعة والصوب الزراعية، وأكد الوزير أن الوزارة تضع هذا القطاع ضمن أولوياتها نظرًا لدوره في تحقيق الأمن الغذائي وزيادة الصادرات الزراعية، مشيرًا إلى التزام الحكومة بتوفير الدعم الكامل للمستثمرين وتذليل العقبات أمام تنفيذ مشروعاتهم.

مقالات مشابهة

  • التشكيل المتوقع لمواجهة الوداد المغربي ضد العين الإماراتي في كأس العالم للأندية
  • لجنة نيابية تطلق تحذيراً عاجلاً: أزمة المياه تهدد الأمن الغذائي
  • الداخلية تدعو الجماعات المحلية إلى ابتكار صيغ جديدة لركن السيارات
  • بن جفير: يجب أن نعطي سكان غزة تاريخا محددا لتسليم المحتجزين
  • سقوط مسيّرة في مدينة رشت بإيران
  • البنوك المركزية الأفريقية تتجه لزيادة احتياطات الذهب لمواجهة التقلبات النقدية
  • لا كهرباء ولا غاز.. عدن تغلي على نار الأزمات وسط عجز حكومي
  • أزمة شح المياه: العين على مافيا الصهاريج
  • تعز.. مظاهرة نسوية تنديدا بتفاقم أزمة المياه وتردي الخدمات وانهيار العملة
  • وزير الاستثمار يبحث مع شركات صينية فرص التعاون في الطاقة وتحلية المياه والصناعات الاستراتيجية