التكنولوجيا في مواجهة التسويف.. كيف تنجز مهامك دون مماطلة؟
تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT
في عالم اليوم، حيث تتاح لنا كميات كبيرة من المعلومات والتطبيقات في متناول أيدينا، أصبح من السهل جدًا الانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي أو مشاهدة الفيديوهات القصيرة بدلا من إنجاز المهام الضرورية.
وقد تصبح التكنولوجيا نفسها جزءًا من الحل بدلا من أن تكون سبب المشكلة، حيث ظهرت مع التقدم الرقمي مجموعة من الأدوات والتطبيقات التي تساعد في تنظيم الوقت، وتعزز التركيز والإنتاجية، وتحفز على بناء عادات صحية.
ومن تطبيقات إدارة المهام إلى أدوات حظر المشتتات، أصبح من الممكن تسخير التكنولوجيا لتقليل فرص التسويف وتحويلها إلى دافع للإنجاز.
فهم أسباب التسويفبات التسويف أكثر انتشارًا في عصر التدفق المستمر للمعلومات والوسائل الرقمية، حيث إن التسويف ليس مجرد عادة سيئة، بل هو سلوك نفسي معقد يتأثر بعوامل مثل الضغط، والخوف من الفشل، وحتى الدوبامين الناتج عن الإشباع الفوري الذي توفره وسائل الترفيه الرقمية.
ويمثل السعي إلى الكمال عائقًا رئيسيًا، حيث يتجنب الأشخاص تنفيذ المهام إذا شعروا أنهم لن يتمكنوا من إنجازها بشكل مثالي.
كما أن التشتيت المستمر عبر منصات، مثل "يوتيوب" (YouTube) و"تيك توك" (TikTok)، يعد عائقًا آخر أمام التركيز.
إعلانوقبل أن تبدأ بحل المشكلة، ينبغي لك أولًا أن تفهم أسبابها، حيث إن هناك العديد من الأسباب، وأبرزها الشعور بالإرهاق عند وجود عدد كبير من المهام.
وغالبًا ما يجد الأشخاص أنفسهم يهربون إلى مشاهدة الفيديوهات أو تصفح الإنترنت عند مواجهة مهام صعبة أو مملة.
ولا شك في أن التكنولوجيا لعبت دورًا في تعزيز هذه المشكلة، إذ تغمر الخوارزميات الذكية الأشخاص بالمحتوى الترفيهي عندما يكونون بحاجة إلى الإنتاجية.
عكس المعادلة: عندما تصبح التكنولوجيا أداة إنتاجيةبالرغم من أن التكنولوجيا ساعدت في انتشار التسويف، فإنها توفر في المقابل حلولا يمكن استخدامها لتعزيز الإنتاجية.
ومن خلال توظيف الأدوات الرقمية بشكل صحيح، يمكن تحويل الهاتف الذكي أو الحاسوب من مصدر إلهاء إلى وسيلة لتحقيق الأهداف.
تطبيقات إدارة الوقتتمثل إدارة الوقت واحدة من التحديات الرئيسية التي تواجه الكثيرين، ولكن بفضل تطبيقات، مثل "غوغل كالندر" (Google Calendar) و "تريلو" (Trello) و "نوشن" (Notion)، أصبح بالإمكان جدولة المهام اليومية وتنظيم المشروعات بسهولة.
وتستطيع استخدام "غوغل كالندر" (Google Calendar) لتحديد أوقات مهمة لكل نشاط، من مواعيد العمل إلى فترات الراحة، مما يجعل كل شيء واضحًا وسهل التنفيذ.
بينما يساعد تطبيق إنشاء القوائم "تريلو" (Trello) في تقسيم المهام الكبيرة إلى أجزاء صغيرة وقابلة للتنفيذ.
في حين يقدم "نوشن" (Notion) مساحة عمل متكاملة تستطيع استخدامها لتخطيط أهدافك الطويلة المدى وتدوين الملاحظات اليومية، مما يضمن أن كل شيء مترابط ومنظم.
تطبيقات تعزيز التركيزلا شك في أن إدارة الوقت خطوة أساسية، ولكن البقاء في حالة تركيز يتطلب أدوات إضافية، وهنا يأتي دور تطبيقات، مثل "فوريست" (Forest) و"فريدوم" (Freedom) وتقنية "بومودورو" (Pomodoro).
ويضفي "فوريست" (Forest) طابع اللعب على التركيز، إذ إنك تزرع شجرة رقمية عندما تركز في مهمة ما.
إعلانوفي حال فقدت التركيز فإن الشجرة الرقمية تموت، مما يجعلك مسؤولا عاطفيًا عن شجرة رقمية صغيرة.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكنك كسب عملات رقمية من خلال "فوريست" (Forest) تذهب إلى زراعة أشجار حقيقية في الحياة الواقعية.
ويمنع تطبيق "فريدوم" (Freedom) وصولك إلى المواقع المشتتة خلال فترات العمل، مما يسهم في تقليل فرص التشتت ويعزز البيئة الإنتاجية.
وتساعد تقنية زيادة الإنتاجية "بومودورو" (Pomodoro) في الحفاظ على التركيز دون الشعور بالإرهاق، لأنها تعتمد على العمل لمدة 25 دقيقة متبوعة باستراحة قصيرة.
ومن خلال استخدام تقنية زيادة الإنتاجية "بومودورو" (Pomodoro)، فإنك تهيئ نفسك للعمل المنتج من خلال معرفة أن هناك فترة راحة على بعد بضع دقائق فقط.
التعزيز الإيجابي بالتقنيةإلى جانب إدارة الوقت وتعزيز التركيز، تلعب تطبيقات تعقب العادات، مثل "هابيتيكا" (Habitica)، دورًا مهمًا في تعزيز الإنجاز.
ويحول تطبيق "هابيتيكا" (Habitica) المجاني المهام اليومية إلى تحديات رقمية محفزة، يكافأ المستخدم عند إكمالها.
وتستطيع تجميع هذه المكافآت الصغيرة من أجل الحصول على ملابس ومعدات جديدة لشخصيتك الافتراضية ضمن اللعبة الرقمية.
بناء عادات أفضل باستخدام التكنولوجيايتطلب التغلب على التسويف تغييرًا جذريًا في السلوكيات والعادات التي تحكم حياتنا، وهنا يأتي دور التكنولوجيا كأداة لتعزيز العادات الإيجابية وترسيخها.
وتعتمد العديد من التطبيقات على مبادئ علم النفس السلوكي، حيث تستخدم التحفيز الإيجابي والتذكيرات الذكية لتسهيل اكتساب العادات الجديدة والتخلص من العادات السيئة.
وتساعدك هذه الأدوات في إنجاز المهام، وتغيير عاداتك بالكامل، وتخفف هذه التطبيقات من الإرهاق الذهني عند اتخاذ القرار، وتمنع تشتت الانتباه، كما تتغير نظرتك إلى التكنولوجيا بصفتها مضيعة للوقت، وتتحول إلى أداة قوية للإنتاجية.
إعلانكما يختفي هاجس الكمال لأن هذه التطبيقات تشجعك على البدء بخطوات صغيرة والتركيز على التقدم بدلا من الكمال.
في الختام، بالرغم من أن التكنولوجيا قد تكون أحد أكبر أسباب التسويف، فإنها في الوقت نفسه توفر أدوات قوية يمكن تسخيرها بذكاء لتعزيز الإنتاجية وبناء عادات أكثر استدامة عبر تغيير طريقة تعاملنا مع التقنية.
وبدلا من أن نكون مستهلكين سلبيين للمحتوى، يمكننا أن نصبح مستخدمين إيجابيين نوظف الأدوات الرقمية لصالحنا.
ومن خلال الجمع بين إستراتيجيات إدارة الوقت، وأدوات تعزيز التركيز، وتقنيات بناء العادات، يمكننا إعادة تشكيل علاقتنا مع التكنولوجيا بحيث تصبح حليفًا لنا في تحقيق أهدافنا بدلا من أن تكون مصدر تشتت وإهدار للوقت.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان إدارة الوقت من خلال بدلا من
إقرأ أيضاً:
أدب الرسائل... حبر يفيض بالإحساس جف في زمن السرعة الرقمية
كتبت- شذى البلوشية
كانت الرسالة في يوم ما هي لغة الخطاب المباشر، ووسيلة الوصول، وجمالية اللقاء المصورة بـأسلوب غاب في زمن التحول الرقمي، حيث بات الحبر هو آخر وسيلة مستخدمة لكتابة الرسالة، واستبدلت روح الورق برتابة الشكل الرقمي، حروف مصاغة على عجالة، لا تستطيع من خلالها أن تقرأ شعور كاتبها، إن كان حزنا أو غضبا أو حبا، ورغم قدرة الرسالة الرقمية على الوصول بسرعة فائقة في زمن السرعة، إلا أن بطئ الوصول قد كان حافزا أكبر للانتظار، صانعا قدرة حقيقية ليفيض القلم بصادق الشعور في الورق.
ولم تكن الرسالة مجرد خطاب بين شخصين، بل كان فنا أدبيا اندرج ضمن أدب النثر، وتميز بقدرته على إتاحة التعبير للكاتب عما يخالجه من شعور أو أفكار أو آراء، من خلال رسائل مكتوبة تتنوع في أشكالها وأغراضها، فهناك الرسائل الشخصية، والرسائل الرسمية، والرسائل الأدبية، والرسائل التجارية، وغيرها.
ولعل أبرز نوع فيها والتي كان لها سيطها هي الرسائل الأدبية، وهي الرسائل التي يتبادلها الشعراء والأدباء، ولها أسلوب أدبي شاعري مميز ورفيع وتتناول أفكارا وجماليات فنية وأدبية، جعلت منها لونا أدبيا مميزا، قلما من استطاع إجادته.
وأشهر المراسلات في العصر الحديث التي احتفظت في سجلات التاريخ، هي الرسائل الأدبية بين مي زيادة وجبران خليل جبران، وهناك رسائل بين الشاعرين محمود درويش وسميح القاسم، ورسائل غادة السمان وغسان كنفاني، ومراسلات كافكا و ميلينا، و ألبير كامو و ماريا كاساريس، أو رسائل فرناندو بيسوا إلى عائلته، و التي قام الناس بتجميعها بعد وفاة هؤلاء المشاهير لتصبح بذلك جنسا أدبيا مقروءا على نطاق واسع.
قيمة الرسائل الأدبية
كانت الرسالة ليس خطابا مكتوبا على ورق، بل مشاعر وأحاسيس مترجمة بأسلوب أدبي أوجد له مكانته بين الفنون الأدبية، وقلما من استطاع أن يجيده بين الكتاب، ولعل أكثر الرسائل التي خلدت في تاريخ الأدب هي تلك المكتوبة بين الأحباب، وهو ما يمكن أن يشار إليه بالمثال من خلال رسائل مي زيادة وجبران خليل جبران، والتي خلصت على أن العلاقة عبر كتابة الرسائل بينهما كانت من أشد قصص الحب، فهي القصة التي يمكن القول بأنها نادرة، فهي علاقة دام فيما يقارب عشرين عاما دون أن يلتقيا إلا في عالمهما المنسوج بالكلمات، وخلف حبر الورق، وهذا ما أثبت أن الرسائل الأدبية التي كتبت بين الأحباب كان الأقوى ولها تأثيرها الوجداني العميق، وهو ما قتلته الحياة الرقمية وغياب قيمة الرسائل المكتوبة.
الرسالة تكشف شعور كاتبها
لا تكتفي الرسالة المكتوبة على الورق بأن تعبر من خلال الكتابة عن مشاعر كاتبها، بل هي تكشف شعوره الداخلي العميق، فلا تأتي لحظة الكتابة في أي وقت ومتى ما أتيحت الفرصة –كما هو حال الرسالة الرقمية- بل يحتاج كاتبها للتفكير والإذعان لما يخالجه من شعور، والتحليق مليا بخياله نحو ما يجب قوله في تفاصيل المراسلة التي ستغادر الآن ولا مجال للتراجع فيها، كما كانت الرسالة تشعر رغبة الانتظار للرد، فالكاتب حتما لا يعلم متى تصل إلى المرسل ومتى يفتحها ويقرأها، وهي خصوصية أخرى فقدت في عالم الرقميات اليوم.
رسائل جبران خليل جبران إلى مي زيادة
يقول جبران في إحدى رسائله التي يصرح فيها بالحب لـ مي زيادة: "أحبّ صغيرتي، غير أنني لا أدري بعقلي لماذا أحبها، ولا أريد أن أدري بعقلي. يكفي أنني أحبها. يكفي أنني أحبها بروحي وقلبي، يكفي أنني أسند رأسي إلى كتفها كئيبا غريبا مستوحدا فرحا مدهوشا مجذوبا، يكفي أن أسير إلى جانبها نحو قمة الجبل وأن أقول لها بين الآونة والأخرى أنت رفيقتي، أنت رفيقتي".
ومن بين الرسائل الخالدة كتبت مي زيادة إلى جبران خليل جبران بعد رحيله: "قادني إليك قدر.. وسرقك مني آخر.. وبين القدرين فقدت قلبي".
إحياء ونشر الرسائل القديمة
ولعل العالم الرقمي اليوم قد بدأ يحن لهذا الفن الأدبي، وعلى الرغم من المحاولات لإحيائه وإعادته إلا أن عودة الرسائل لا يمكن أن تظهر الشكل الطويل، فلا الكاتب صار يملك نفسا طويلا للتعبير، ولا المستلم يملك شغف القراءة، والبحث في تفاصيل شعور الكاتب.
إلا أنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي نشطت مؤخرا مجموعة من الصفحات المخصصة لنشر الرسائل القديمة، واستخدام آليات معينة لجذب القارئ على إكمال القراءة للرسالة الطويلة، من إضافة الصور إليها، والموسيقى، وبعض الرموز الدلالية، ولعلها أيضا أصبحت بصورة أكثر جذبا مع دخول الذكاء الاصطناعي.
الرواية الرسائلية
ومن أشكال الرسائل التي أخذت منحا آخر في الأدب هي الروايات الرسائلية، حيث يختار فيها الكاتب أن يورد أفكار وأقواله وأحداث الحكاية على لسان شخصياته، ويقوم بالكتابة على شكل بريد متبادل، يستطيع من خلالها الكتاب الانسحاب من مواجهة كونه المعنيّ بتلك الرسائل ، ويكتفي بكونه مجرد راوي.
أول الروايات التي كتبت في شكل رسائل هي "سجن الحب" سنة 1485 للكاتب "دييغو دي سان بيدرو"، بينما جاءت أول روايات هذا الجنس باللغة الانجليزية متأخرة بحوالي قرنين من الزمن، تحديدا سنة 1645 بقلم جيمس هويل حين كتب وهو في السجن عمله "رسائل حميمة".
صاحب الظل الطويل "نموذجا"
من الروايات العالمية التي ذاع صيتها، وقلما تجد من لم يقرأها، لا سيما مع محتوى الرواية التي شكلت عنصر جذب لكل من قرأها، "صاحب الظل الطويل"، للكاتبة جين ويبستر، الرواية التي استثمرت فن الرسائل في بناء روائي كامل، والمبينة على قصة فتاة يتيمة مجهولة الأبوين، عاشت وترعرت في ميتم، تقدم لوصايتها أحد النبلاء، الذي رفض كشف هويته لها، واكتفى بتحمل رسومها الدراسية على أن تكتب له رسائل طيلة فترة الدراسة، سعيا منه لتنمية قدرتها الكتابية التي تلمسها بها، لتخرج الرسائل من إطار الوصاية، إلى منحى آخر يفيض بالمشاعر، وعلى الرغم من أنها كانت رسائل من طرف واحد، إلا أنها كشفت عن وجه الحب المرتبط بالواقع.
الرواية التي تبرز البوح التدريجي الذي يتطور مع الزمن من خلال الرسائل مما يجعلها شبه سيرة ذاتية للبطلة، رغم أنها خيالية، حيث كانت "جودي أبوت" تكتب رسائلها إلى الوصي المجهول "صاحب الظل الطويل"، فتكشفت من خلال تلك الرسائل قصة حياة الفتاة، مشاعرها، أحلامها، تحولاتها الفكرية والعاطفية.
رسالة للعالم الرقمي
الرسائل التي كتبها كتابها تقرأ في تفاصيلها حياة كاملة بصوت حقيقي، خال من الجماليات والصور المفلترة، ولا تكتب بشعور الكاتب فقط، بل هي تمس ذوات كل قرائها، بصورة أكثر إتقانا وأشد مصداقية، فالرسائل هي مرآة لكاتبها تكشف عمقا لا تكشفه حتى السيرة الذاتية، وتبتعد عن كل أشكال الرقابة التي تفرضها الكتابة الأدبية التقليدية.