عقدَ الجامع الأزهر أمس الثلاثاء، حلقة جديدة من ملتقى "شبهات وردود"، والتي جاءت بعنوان "الإسلام والأمن الأُسري"، وحاضر في الملتقى د. عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين الأسبق، ود. جميل تعيلب، وكيل كلية أصول الدين بالقاهرة، ود. علي مهدي، أستاذ الفقه المساعد بكلية الدراسات الإسلامية وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وأدار اللقاء د.

محمد عبد الخالق، الباحث بوحدة العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر.

قال الدكتور عبد الفتاح العواري: إن الأسرة هي اللبنة الأولى للمجتمع فإذا اعتُني بها وصح بناؤها سلم المجتمع من التفكك والانهيار، فالإسلام بشريعته السمحة يعنى عناية فائقة بالنواة الأولى في المجتمع وهي الأسرة، بدءًا من اختيار الأم عند إرادة الخطبة، فطالب الشرع الرجل أن يختار الأم الصالحة لأبنائه التي بدورها تستطيع أن تصل بالأسرة إلى بر النجاة، فالزوجة الصالحة  كنز من كنوز الجنة، فيجب أن يبحث الزوج عن الزوجة التقية النقية الصالحة ذات المعدن النفيس وهذا ما وضحه لنا نَبِيُنَا مُحَمد ﷺ في وصية للمقبلين على الزواج حيث قال نَبِيُنَا مُحَمد ﷺ: "تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس".

وأوضح عضو مجمع البحوث الإسلامية ، أن الإسلام يوجه أيضا ولي الفتاة إلى ما يحقق لها السعادة والطمأنينة والسكينة والمودة في بيتها الجديد، فيقول النبي ﷺ: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" أي إن لم تصنعوا هذا الصنيع في الاختيار تكن فتنة في الأرض وفساد عريض، مؤكدا أن الإسلام لا يريد من الزوج أن يكون فاحشا أو فظا غليظا مع زوجته وهذا ما وضحه الله سبحانه وتعالى في كتابه، قال تعالى "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" فالمعروف كل ما هو جميل وحسن وطيب، وأكد ذلك حبيب القلوب محمد ﷺ حيث قال (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وكانت وصيته ﷺ ساعة الاحتضار " اتَّقوا اللهَ في النساءِ؛ فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ الله، واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ الله"، مضيفا: كما للرجل حقوق فعليه واجبات وأن لشريعة الإسلام السمحة ميزانًا دقيقًا لو طبقته الأسرة المسلمة لنجت وأصبحت آمنة مستقرة.

من جانبه، بيّن الدكتور جميل تعيلب، أن الضمانة الحقيقية للأمن العالمي تكون من خلال أمن الأسرة، فلقد راعى الإسلام ما يجب على الأسرة فعله حتى لا تتشرذم، حيث بيّن العلاقة قبل الزواج باختيار الزوجة الصالحة، وأثناء الزواج بالمعاشرة بالمعروف وتربية الأبناء تربية صحيحة، وعند حدوث الخلاف بالصلح بينهم كما بين الله سبحانه وتعالى في كتابه حيث قال:" وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا" [ سورة النساء: 35]. وإن خفتم - يا أولياء الزوجين- أن يصل الخلاف بينهما إلى العداوة والتدابر، فابعثوا رجلًا عدلًا من أهل الزوج، ورجلًا عدلًا من أهل الزوجة؛ ليحكما بما فيه المصلحة من التفريق أو التوفيق بينهما، والتوفيق أحب وأولى، فإن أراده الحَكَمان وسلكا الأسلوب الأمثل إليه يوفق الله بين الزوجين، ويرتفع الخلاف بينهما، إن الله لا يخفى عليه شيء من عباده، وهو عليم بدقائق ما يخفونه في قلوبهم.

وأضاف د. تعيلب، أن كلمة الأمن تعني كل ما يدعو إلى الراحة والطمأنينة والسكينة والأمان، وكذا الإسلام الذي هو السلام ولتحقيق هذه المعاني الجميلة يجب على الزوجين مراعاة ما أمر الله سبحانه وتعالى به وكل ما نهى عنه.

وفي ذات السياق أوضح د. علي مهدي، أن الأسرة المسلمة صمام أمان المجتمع، فالإسلام العظيم ينظر للأسرة المسلمة على أنها صمام أمان المجتمع، فقرار بقاء الأسرة ليس قرارا فرديا يمارسه الإنسان أو أحد الطرفين بمحض إرادته وإنما هو قرار جماعي يتأثر به المجتمع، فبناء الأسرة مسئولية عظيمة تناط بالزوج والزوجة معا، فالله - سبحانه وتعالى - سمى الزواج بالميثاق الغليظ وينبغي على كل واحد من الطرفين أن يدرك حجم المسئولية الملقاة على عاتقه؛ لأن الزواج هو أساس استقرار المجتمع.

وأكد د. مهدي أن كثرة حالات الانتحار وكثرة المتاجرين بالمخدرات وكثرة من ينضمون للجماعات الإرهابية نتاج الحصاد المر للتفكك الأسري والتشرذم بين الزوجين، مبينا أن أكثر حالات الطلاق نجدها تحدث في الأشهر الأولى للزواج وتزداد حالات الطلاق في المدن التي يُتصور في أهلها الثقافة والمدنية والحضارة، وإذا أردنا أن نفتش عن المتهم وراء كثرة حالات الطلاق فسنجدها حتما ولاريب وسائل التواصل الاجتماعي وهتك الأسرار وكشف العورات التي أمر الله تبارك وتعالى بسترها وأيضا من المتهمين الخيانة في النصيحة وإثارة العداوات بين الأزواج، ولقد رصد لنا الفقه الإسلامي هذه الظاهرة فالنبي ﷺ قال "ليس منا من خبب امرأة على زوجها" أي من سَعى في إفساد امرأة على زوجها، سواء أكان المُفسد رجلا أم امرأة، وذلك بأن يُذكر عندها مساوئ زوجها وسوء أخلاقه حتى تكره زوجها وتتمرد عليه وتسعى إلى التخلص منه بالطلاق أو الخلع، واختتم حديثه قائلا: أُسَرُنَا أمانةٌ تحتاج منا أن نصبر من أجلهم ليتحقق الأمن والأمان في المجتمع.

يُذكر أن ملتقى شبهات وردود يعقد الثلاثاء من كل أسبوع، وذلك تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبتوجيهات أ.د محمد الضويني، وكيل الأزهر، وإشراف أ.د عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري بالجامع الأزهر ، والدكتور هاني عودة مدير الجامع الأزهر.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: سبحانه وتعالى

إقرأ أيضاً:

ارتفاع تكاليف الزواج إلى أين؟!

خالد بن سعد الشنفري

صدر لي قبل ثلاثة أعوام مقال في صحيفة الرؤية بعنوان: الواجب..الدفتر..المحوشة، مشيدا فيه بهذه العادة الحميدة لأهل محافظة ظفار التي توارثوها على مدى أجيال مع التمني لانتشارها  في  باقي محافظات السلطنة، ولا زلت عند قولي هذا راجيا أن تستمر بيننا اليوم وغدا وأبدا بإذن الله لما فيها من صلاح وسداد.

اليوم لي وقفة مجددا في هذا الشأن، فقد بدأت بعض المعيقات تعترض هذه العادة الجميلة، ونأمل ألا يتفاقم ذلك، وذلك لعيب فينا نحن –للأسف- وليس فيها ذاتها وعلينا الالتفات إليه وتلافيه قبل أن يستفحل، ولا أبرئ أي حد منا من ذلك (ولا أبرئ نفسي) ، لقد تغيرت الأحوال والأوضاع من حولنا اقتصاديا واجتماعيا، بل تغيرت على مستوى المعمورة، ولم يعد ذلك بخافٍ على أحد،  وأصبح العالم من حولنا يشحذ الهمم للتخلي عن الكثير من أساليب حياتهم السابقة التي كانوا عليها، بل أصبح هناك من يشد الحزام ويربط على بطنه جوعا، ونسأل الله ألا يصل ذلك إلى بلادنا العزيزة، فنحن في عُمان لا زلنا  بخير والحمد لله، ولكن هذه سنن الكون والحياة، وقد عانت منها وسبقنا إليها حتى الصحابة (رضي الله عنهم) في أزمان معروفة، وربطوا من جراء ذلك البطون، بل وضعوا تحت الرباط  الحجر لوقف صريرها جوعا ويفترص أن يكون لنا فيهم قدوة حسنة، إلا أننا هنا في ظفار للأسف لم نتزحزح قيد أنملة فيما يتعلق بتقليل تكاليف ومصاريف الزواج في هذه الأوقات العصيبة نوعا ما في وقتنا الراهن، رغم شكوانا جميعا من غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار نتيجة هذه الأوضاع ووجود باحثين عن عمل في كل بيت من بيوتنا.. السؤال الآن الذي يجب الإجابة عليه إلى متى سننتظر، وإلى أين نريد الوصول حتى نتعظ؟!.

الغريب أننا قد غيرنا بنجاح الكثير من العادات التي كانت متأصلة فينا كمناسبات العزاء المغالى فيها، وبدأنا منذ زمن بوقف دفتر وواجب مناسبات العزاء بعد أن ألغينا ولائمه غير المبررة، ومؤخرا في غضون سنة واحدة فقط ألغينا آخر عقبة في ذلك ألا وهي عادات مراسم العزاء القديمة، وهذا ما سيسجله التاريخ لنا كجيل، بل سينوبنا منه الثواب من الله بإذنه الواحد الأحد.

في الحقيقة بعد أن أصبح الحد الأدنى الذي أصبح متعارفا عليه منذ سنوات كواجب ومحوشة في مناسبات الزواج مبلغ 20 ريالا عمانيا ومع تنامي مناسبات الزيجات كما هي عليه اليوم، وأن الواحد منا أصبح يضطر أن يحضر  عشر مناسبات زواج في الشهر الواحد، لا بد منها في موسم الخريف (موسم الزيجات) بل إن مناسبات الزواج لم تعتد مقتصرة على الخريف وأصبحت تستمر طوال العام، وبالتالي قد لا يستطيع الشخص منا الحضور والمشاركة فيها مما يجعله يضطر  للمفاضلة بينها في المشاركة على مضض منه لضيق ذات اليد وحياء من أن يحضر للمشاركة دون أن يشارك ماديا في هذه العادة (أي أنها قد تصبح عادة معيقة أحيانا!) في ظل هذا الوضع.

رحم الله أيام زمن الطيبين من أهلنا الذين كانوا لا يقدمون في هذه المناسبة إلا وجبة الرز (قبولي) باللحم أو  الرز الأبيض مع مرقة اللحم (تقزوحه) وما أطعمها وألذها وأصحها وأقلها تكلفة من وجبة، ويساهمون الجميع في الواجب بيسر وسهولة ولو بعشرة ريالات وحتى خمسة.

 

أرى أن الحل اليوم لهذه الإشكالية يجب أن يبدأ بتغييره شبابنا المقدمون على الزواج، حيث إننا نحن الآباء قد عجزنا للأسف عن التغيير، وعلى الشباب أن يحملوا الراية ويتحلوا بالشجاعة الأدبية ويرفضون هذه المغالاة في التكاليف مبدئيا وليبدأو على سبيل المثال ببوفيهات الأعراس المغالاة فيها، والمكروهة دينيا وأخلاقيا، لذهاب معظمها إلى براميل الزبالة، مع تزامن هذه الأعراس في كل منطقة وحي، (أولم ولو بشاه) (كلوا ولا تسرفوا) صدق الله ورسوله،  القبولي والحلوى العمانية وكعك القالب الظفاري والبارد والماء (بوفيه) يقدم في دواعي الأعراس كما كان قديما، وكما فعلنا حاليا بجدارة مع الاكتفاء بالقهوة والتمر والماء في مناسبات العزاء.. إنها نعم العادة الحميدة السابقة وموروث كنا نتبعه من قبل فليعيده شبابنا إلينا اليوم، وعلى المقدمين على الزواج في سبيل ذلك معارضة حتى أهلهم في هذا الجانب لأنها في النهاية حياتهم المستقبلية وليست حياة الأهل، وفيها صلاح زواجهم، فليمهدوا لها الطريق لتصبح حياتهم الزوجية الجديدة هانئة، وينتهجون مسلكا جديدا كان موجودا قديما لكي لا يعانون بعده من التزامات الديون ومنغصاتها الحياتية، وسيتبعهم لا شك بعد ذلك الأهل بالذات (أم وأب العروسة) من ناحيتهما لأن مصلحة الزوجين من أبنائهم تهمهم في النهاية، فسيقللون بالتبعية من البذخ غير المبرر على تجهيز ابنتهم، فالزوج يريدها شريكا ومؤنسا لحياته، وفال حسن عليه لا لأجل بخورها وعطورها وفساتين عرسها وأكسسواراتها وذهبها وساعاتها الماركة التي تحضرها معها المغالى فيها، والتي ما أنزل الله بها من سلطان، لا فالا سيئا عليه (تباركوا بالنواحي والأقدام) ولن يضطر والد العروس بدوره أن يتكلف ضعف مهر ابنته لتجهيزها التي تذهب كلها للأسف للتاجر الوافد وقد دفعها المساهمون ولو اقتطاعا من مصروفات أسرهم.

 

لقد كانت المرأة في زمن أهلنا الطيبين تزف للزوج بشيء معقول من الحلي والثياب والبخور، وعاشت بذلك مع أزواجهن في هناء وسعادة، لتبدأ الأسرة الجديدة تعيش حياتها دون منغصات والتزامات منذ بداية تأسيسها، ولا شيء كان يعكر صفو حياتهم بعد الزواج بهذه الصورة البسيطة، واليوم نحتاج أن نستنسخ ذلك الزمن الجميل قبل أن يمسخنا زمننا هذا في أهم شيء في حياة البشر ألا وهو تأسيس الحياة الأسرية الكريمة على منهج سليم قوي.

في الختام كل الشكر والتقدير على تأسيس صندوق الزواج الذي أعلن عنه مؤخرا، وإن كنا نأمل أن يزيد مبلغ الإعانة عن 2000 ريال عماني لتصبح  أربعة أو ثلاثة آلاف على أقل تقدير، حتى يكون لها دور ملموس في تكاليف الزواج نظرا لتكاليفها الفعلية في هذا العصر في بلادنا ، لقد آن الآوان أن نعمل جميعا على سرعة تقويم الأمر لتستمر وتستديم بيننا هذه العادة الحميدة المباركة وإرث أهلنا لنا، ويطبقها أي من الشباب المقدمين على الزواج بنهاية هذا الشهر (يوليو).

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • عميد أصول الدين السابق: الأخلاق جوهر الإسلام والتطرف نتاج فهم سطحي للدين
  • “البحوث الإسلامية” يفتتح الأسبوع الدعوي الثامن في الجامع الأزهر
  • رياضة الغربية تنظم ندوة عن القيم الدينية والأخلاقية ودورها في بناء المجتمع
  • ارتفاع تكاليف الزواج إلى أين؟!
  • أمين مساعد مجمع البحوث الإسلامية:القيم الأخلاقية تلعب دوراً محورياً في بناء المجتمعات واستقرار الأسر
  • "الكلية الحديثة" تشارك في ندوة دولية حول الترجمة والأمن
  • وحدة السكان بأرمنت تنظم ندوة توعوية عن التقاليد الخاطئة في الزواج
  • «وزير المالية»: تعميق التعاون بين البريكس وإفريقيا في قضايا تمويل التنمية والمناخ ومبادلة الديون والأمن الغذائي
  • «مودة» ينفذ معسكرًا لتأهيل مدربين لتعزيز قدرات 1000 رائدة اجتماعية في قضايا الصحة الإنجابية
  • ماذا حدث يوم عاشوراء؟.. 5 مشاهد عجيبة لا يعرفها كثيرون