في المشهد السياسي اللبناني المُتشابك، يبرز "تيار"واحد، يواجه تحدياتٍ وجوديةً بعد انهيار تحالفاته السابقة وعجزه عن نسج تحالفات جديدة مع قوى المعارضة. "التيار الوطني الحر"، الذي كان يُعتبر لسنواتٍ جزءاً من شبكة تحالفاتٍ واسعة، يجد نفسه اليوم في عزلةٍ سياسيةٍ مُقلقة، خصوصاً بعد انفصاله عن "حزب الله"، ما يطرح تساؤلاتٍ حول مستقبله وقدرته على الحفاظ على تأثيره في ظلّ نظامٍ طائفيٍ يعتمد على التوازنات الهشة.

 

بدايةً، كان تحالف "التيار" مع "حزب الله" يعكس محاولةً لتعزيز القوة التفاوضية لكلا الطرفين في مواجهة كتلٍ سياسيةٍ أكبر. لكن الخلافات الداخلية، التي تفاقمت بسبب اختلاف الرؤى حول قضايا حساسة مثل الموقف من الملف الاقتصادي والإصلاحات المطلوبة، أو التعامل مع الصراعات الإقليمية، أدت إلى انهيار هذا التحالف. لم يقتصر الأمر على خلافاتٍ تكتيكية، بل تحوّل إلى صراعٍ حول الهوية السياسية للتيار نفسه، حيث اتُهم بتبنّي سياساتٍ انتهازيةٍ تُقدّم المصالح الضيقة على المبادئ المُعلنة وهذا ما عرضه لموجة هجمات اعلامية من كل الاطراف.  

بعد هذا الانفصال، حاول "التيار الوطني الحر" تعويض خسارته بالتقارب مع قوى معارضةٍ أخرى، لكنّ تلك المحاولات باءت بالفشل. تعود أسباب هذا الفشل إلى عوامل متعددة، أولها انعدام الثقة بين التيار وخصومه السابقين، خاصةً بعد تورطه في تحالفاتٍ مع أطرافٍ اعتبرها المعارضون جزءاً من النظام القائم. كما أن خطاب التيار، الذي يجمع بين شعبوية طائفية ومواقف غامضة من قضايا الإصلاح، جعله عاجزاً عن تقديم نفسه كبديلٍ مقنعٍ للقوى التقليدية. في الوقت ذاته، تنظر إليه قوى التغيير بشكٍّ كبيرٍ بسبب تاريخه السياسي المرتبط بتحالفاتٍ مع احزاب السلطة، ما يجعله في عين هذه الاطراف امتداداً للواقع الذي تُحاربه.  

من ناحيةٍ أخرى، يعاني "التيار" من أزمةٍ داخليةٍ تُعمّق عزلته. فغياب رؤيةٍ واضحةٍ للتغيير، واعتماده على زعيم فردي يفتقر إلى الحاضنة الحزبية الواسعة، قلّص قدرته على جذب شرائح جديدة أو استقطاب أحزابٍ صغيرةٍ قد تُشكّل حلفاءً محتملين. كما أن التحديات الاقتصادية الخانقة في لبنان، والتي حوّلت الأولويات الشعبية نحو قضايا المعيشة اليومية، جعلت الخطاب السياسي التقليدي الذي يعتمده التيار أقلَّ جاذبيةً بالنسبة للناخبين الذين يطالبون بحلولٍ عمليةٍ عوضاً عن الشعارات.  

في الخلفية، تُفاقم العزلةُ السياسيةُ للتيار مخاطرَ تهميشه في المعادلات المستقبلية. ففي نظامٍ يعتمد على المحاصصة، يُهدّد انخفاضُ قدرة التيار على تشكيل تحالفاتٍ بفقدانه حصته في المؤسسات، بل ربما اندماجه في كتلٍ أكبر للحفاظ على وجودٍ رمزي. لكن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو تحوُّله إلى تيارٍ هامشيٍ يعتمد على الخطاب الطائفي في معاقله التقليدية، من دون أن يكون لاعباً رئيسياً في صناعة القرار.  

بالتالي، فإن عجز التيار الوطني الحر عن تكوين تحالفاتٍ جديدةٍ ليس مجرد تحدٍّ تكتيكي، بل هو تعبيرٌ عن أزمةٍ بنيويةٍ في خطابه وسياساته. ففي مشهدٍ سياسيٍ يتّجه نحو الاستقطاب الحاد بين مختلف الاطراف، يبدو التيار عالقاً في منطقةٍ رماديةٍ لا هو بالمتمسك بالقديم ولا هو بالمنخرط في الجديد، مما يجعله ضحيةً لتحوّلاتٍ تاريخيةٍ قد تُعيد رسم خارطة القوى من دونه.
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

قصف أوكراني يتسبب بانقطاع شامل للكهرباء في زابوروجيه ومساعٍ روسية لإعادة التيار

أعلن حاكم مقاطعة زابوروجيه، يفغيني باليتسكي، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل في المقاطعة، نتيجة قصف أوكراني استهدف معدات الجهد العالي في الجزء الشمالي الغربي من المنطقة.

وأوضح باليتسكي، عبر قناته الرسمية على "تليغرام"، أن القصف الأوكراني ألحق أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية الكهربائية، ما أدى إلى توقف شبكة الكهرباء في كامل المقاطعة، مؤكدًا أنه تم توجيه وزارة الطاقة المحلية لتفعيل مصادر الطاقة الاحتياطية بأقصى سرعة ممكنة.

تركيا تدعو لعقد قمة تشمل رؤساء أوكرانيا وروسيا وأمريكاأوكرانيا تكشف تفاصيل المفاوضات مع روسيا في اسطنبول

وأشار إلى أن المرافق الطبية والخدمية الأساسية قد جرى تحويلها إلى أنظمة تغذية طارئة، لضمان استمرارية الخدمات الحيوية في ظل الظرف الطارئ.

ويأتي هذا التصعيد في سياق التوترات المتصاعدة بين موسكو وكييف، حيث تتهم روسيا القوات الأوكرانية باتباع ما تصفه بـ"أساليب إرهابية"، تشمل استخدام الطائرات المسيّرة الهجومية والقصف المدفعي ضد أهداف مدنية داخل الأراضي الروسية، وذلك في محاولة لصرف الأنظار عن إخفاق ما تسميه كييف بـ"الهجوم المضاد"، الذي أُعلن عنه في يونيو من العام الماضي.

وتواصل روسيا منذ 24 فبراير 2022 تنفيذ عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، والتي تقول إنها تهدف إلى نزع سلاح أوكرانيا، وضمان أمنها القومي، إلى جانب حماية سكان إقليم دونباس، الذين تؤكد موسكو أنهم تعرضوا لسنوات من الاضطهاد من قبل الحكومة الأوكرانية.

طباعة شارك مقاطعة زابوروجيه يفغيني باليتسكي انقطاع التيار الكهربائي البنية التحتية الكهربائية موسكو وكييف الأراضي الروسية نزع سلاح أوكرانيا

مقالات مشابهة

  • التيار الوطني الحر: قرار الرسم على المحروقات عشوائي وغير مدروس
  • عُمان والهند.. مسيرة تحالفات مستقبلية
  • استعدادات مكثفة بالكهرباء لاستقبال عيد الأضحى.. ومصدر: لن يتم فصل التيار
  • تفاصيل انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة في الجزيرة
  • المستقلون في العراق: رهان على تحالفات من دون فقدان للهوية
  • خريطة توغل الاحتلال في الاقتصاد المصري.. تحالفات خفية تحكم السيطرة
  • قصف أوكراني يتسبب بانقطاع شامل للكهرباء في زابوروجيه ومساعٍ روسية لإعادة التيار
  • “النشامى” يجري تدريباته في عُمان رغم انقطاع التيار الكهربائي
  • تحالفات دولية كبرى تعتزم الاستثمار في مشروع حدائق تلال الفسطاط
  • فوز ناوروتسكي مرشح التيار المحافظ بانتخابات الرئاسة البولندية