عربي21:
2025-07-31@02:37:43 GMT

محاكمة تاريخية في تونس

تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT

محاكمة ثلة من القيادات المعارضة التي بدأت أمس في تونس في ما عرف بـ«قضية التآمر» هي بلا جدال أغرب محاكمة سياسية عرفتها البلاد منذ استقلالها عام 1956.

كثيرة هي المحاكمات التي شهدتها تونس في العقود الماضية سواء تعلقت بمجموعات يسارية، أو وزراء سابقين أو نقابيين أو قوميين موالين لليبيا رفعوا السلاح ضد الدولة أو إسلاميين، لكنها المرة الأولى التي تجمع فيها محاكمة واحدة كل هذه المثالب جميعها.



المحاكمة تجري، بشهادة كل المحامين، بملف فارغ بالكامل لا يعتدّ به في «مؤامرة ضد أمن الدولة الداخلي والخارجي» فلا وجود لمخطط لتغيير هيئة الدولة بالقوة أو جمع سلاح أو محاولات اختراق للمؤسستين العسكرية والأمنية ولا تخابر مع الخارج. الحقيقة أن الأمر لا يتعدّى مجموعة لقاءات علنية بين شخصيات معارضة تبحث عن سبل لتوحيد صفوفها وتقديم نفسها بديلا، أي هو عمل سياسي شرعي لا معنى لتجريمه أبدا.
وصف قيس سعيّد قادة المعارضة المتهمين بعد أيام قليلة من اعتقالهم بأنهم «إرهابيون»
المحاكمة تجري لزهاء الأربعين شخصية من مشارب مختلفة، وقد تصل العقوبة فيها إلى الإعدام، بملف مثقل بعيوب لا تغتفر أبدا في أي عرف قضائي سليم. ظل المتهمون رهن الإيقاف لأكثر من عامين، لم يُستجوب فيهما أحد، ولم تجر أية مكافحة لهم مع من اتهموهم بالتآمر. أكثر من ذلك، حاكم التحقيق الذي أعد قرار ختم البحث، هارب الآن خارج تونس وملاحق بتهمة «التآمر (هكذاّ)!!. أما مدير الشرطة العدلية الذي أوقف المتهمين فهو في السجن، فيما يقبع شاهد رئيسي في القضية في السجن منذ 2017. وكل ما سبق كفيل وحده بإسقاط القضية لانعدام الذمة الأخلاقية والمهنية لكل من سبق ذكرهم.

المحاكمة تجري في وضع يعيش فيه القضاء «وضعية كارثية تتعمق يوماً بعد يوم، وسنة بعد أخرى، خاصة بعد نزع كل ضمانات الاستقلالية عنه» كما ورد في بيان أخير لجمعية القضاة التونسيين. لقد بات معروفا، وبالأسماء، من هم القضاة الذين وقع طردهم أو نقلهم تعسفيا لاعتبارات سياسية، دون أن ننسى «مجزرة القضاة» التي حدثت صيف 2022 بإعفاء رئيس الدولة لسبعة وخمسين قاضيا رفضت الدولة لاحقا إنصافهم حتى بعد أن أمرت «المحكمة الإدارية» بإعادة معظمهم إلى مناصبهم.

المحاكمة تجري في أجواء تهديد واضحة من رئيس الدولة شخصيا فقد وصف قيس سعيّد قادة المعارضة المتهمين بعد أيام قليلة من اعتقالهم بأنهم «إرهابيون» بل واعتبر أن من «يبرّئهم فهو شريك لهم» في نسف كامل ومسبق لمقومات المحاكمة العادلة. فضلا عن ذلك، يوجه الحقوقيون الاتهامات علنا إلى وزيرة العدل ليلى جفال باعتبارها المهندسة المباشرة لسير التحقيق وتعيين القضاة وفق أوامر سياسية لا علاقة لها بالعدل أو البحث عن الحقيقة.

المحاكمة تجري دون حضور المتهمين إلى قاعة المحاكمة فقد تقرر إجراؤها «عن بعد» في سابقة لم تعتمد إلا خلال جائحة كورونا، لمنع شلل المحاكم وتكدّس القضايا العالقة. لقد رفض المتهمون ألا تكون محاكمتهم مفتوحة وعلنية وأن يقفوا أمام كاميرات جامدة بعد أن انتظروا لعامين هذه الجلسة لدحض ما اتهموا به وجها لوجها، وأعينهم في عيني القاضي الذي ساقه قدره إلى هذا الموقف الذي سيدخل به التاريخ من الباب الذي سيختاره هو لنفسه.

المحاكمة تجري وسط تعتيم إعلامي غير مسبوق، فقد صدر قبل أشهر قرار غريب «يمنع التداول الإعلامي» في القضية مع أنه كان من المفروض أن يقف الرأي العام على تفاصيل خطيرة مزعومة تهدد أمن الدولة والسلم الاجتماعي. وبناء على ذلك، ظلت القضية لأكثر من عامين بعيدة عن الأضواء فلا المتهمون مثلوا أمام المحكمة ليقف الناس على حقائق الأمور، ولا الاعلام سُمح له بالقيام بدوره. ولولا جرأة بعض المحامين والصحافيين وبعض نشطاء حقوق الانسان في الداخل والخارج الذين تحدّوا القرار وخاضوا، في مواقع التواصل خاصة، في تفاصيل القضية وحيثيات تحقيقها لما عرفنا حجم الاخلالات الرهيبة التي شابتها. المفارقة هنا، أن السلطة التي تمنع الصحافيين والمحامين من كشف جوانب من القضية هي نفسها التي تفسح المجال واسعا لأحد أبواقها في برنامج تلفزيوني على قناة خاصة يهذي فيه لأكثر من ساعة دون وجود لرأي آخر، مما يدل على حجم الخوف وغياب الثقة في النفس.

سُمح في جلسة الأمس بدخول أهالي المتهمين، وبعضهم في حالة سراح، وكذلك بدخول الصحافيين، ولكن دون معدّاتهم، في حين كانت كل المحاكمات السياسية التي عرفتها تونس طوال عهدي الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي تجري تغطيتها دون قيود، حتى في أحلك فترات القمع، وكانت الصحف تفرد عديد الصفحات لنقل كل ما يقال في ردهات المحكمة دون رقيب.

المحاكمة تجري والسلطة السياسية في أعلى درجات انكشاف خواء خطابها وفشل سياساتها وتفاهة مؤيديها القلائل وافتضاح كذب ما سبق أن أعلنته من قبل من مؤامرات مزعومة، مثل قضية تسميم الرئيس، مما يجعل من هذه المحاكمة في النهاية محاولة يائسة لاغتيال العمل السياسي، وبالتالي فهي محاكمة لهذه السلطة قبل أن تكون لأي طرف آخر.

المصدر: القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تونس تونس قيس سعيد قضية التامر من هنا وهناك سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

"العدل" تجري اختبار اجتياز القيد للموظفين المفوضين بالحضور والمرافعة

مسقط- الرؤية 

نفذت وزارة العدل والشؤون القانونية اختبار اجتياز للقيد في سجل الموظفين المفوضين بالحضور والمرافعة عن وحدات الجهاز الإداري للدولة، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة الدفعة الثانية، وذلك في إطار جهودها لتعزيز الكفاءة القانونية داخل المؤسسات الحكومية، ضمن خطة المعالجة الانتقالية لتطبيق قانون المحاماة والاستشارات القانونية، الذي صدر بالمرسوم السلطاني رقم (41/2024)، ولائحته التنفيذية.

 وشارك في هذا الاختبار 110 موظفين من مختلف وحدات الجهاز الإداري للدولة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، وذلك بعد خضوعهم لبرنامج تدريبي شامل صُمم بعناية لتأهيلهم قانونيًا ومهنيًا ليعزز جاهزيتهم للترافع أمام المحاكم والجهات القضائية، مما يُسهم في رفع كفاءة الأداء القانوني داخل المؤسسات الحكومية.

وسبق الاختبار برنامج تدريبي تضمن مجموعة من المحاور القانونية المتخصصة، أبرزها: القانون المدني وقانون التحكيم والإجراءات المدنية والتجارية، بالإضافة إلى الكتابة القانونية والمرافعات والقانون الإداري وتطبيقاته القضائية.

كما تناول البرنامج قانون الخدمة المدنية والجرائم المتعلقة بالوظيفة العامة، فضلاً عن البحث القانوني وتحليل القضايا وأخلاقيات العمل القانوني، وتعتبر هذه المحاور أساسية في صقل المهارات التطبيقية للمشاركين، وتزويدهم بالأدوات اللازمة للتحليل القانوني، والكتابة المهنية، وتمكنهم من التعامل مع النزاعات، والمرافعات بكفاءة، كما تسهم في الالتزام بالقيم المهنية التي تضمن احترام القانون وتعزيز النزاهة والشفافية في أداء واجباتهم.

وحرصت وزارة العدل والشؤون القانونية على تهيئة المشاركين للاختبار وتمكينهم من اجتيازه بثقة وكفاءة، وتم تنظيم محاضرة تحضيرية خاصة للاستعداد للاختبار، قدّمها نخبة من المختصين في التدريب القانوني. بهدف تعريف المشاركين بطبيعة الاختبار وآلياته، وتقديم إرشادات عملية حول كيفية التعامل مع الأسئلة القانونية، بالإضافة إلى تعزيز جاهزيتهم النفسية والذهنية لأداء الاختبار بفاعلية.

مقالات مشابهة

  • تأجيل أولى جلسات محاكمة 12 متهما بالانضمام للجان الإخوان الإرهابية
  • لـ 20 سبتمبر.. تأجيل محاكمة إرهابي بتهمة الانضمام لـ تنظيم «ولاية سيناء»
  • تأجيل محاكمة متهم بالانضمام لتنظيم «ولاية سيناء» لـ 20 سبتمبر
  • اليوم.. محاكمة إرهابي بتهمة الانضمام لـ تنظيم «ولاية سيناء»
  • "العدل" تجري اختبار اجتياز القيد للموظفين المفوضين بالحضور والمرافعة
  • غدًا محاكمة إرهابي بـ تنظيم داعش أمام الدائرة الأولى إرهاب
  • عربية النواب: مصر الدولة الوحيدة على مدار 76 عاما لم تترك القضية الفلسطينية
  • قيادي بمستقبل وطن: كلمة الرئيس تعكس التضحيات التي تقدمها مصر من أجل القضية الفلسطينية
  • ضياء رشوان: الأصوات التي تهاجم مصر لا تبحث عن الحقيقة بل عن التحريض
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)