قاضٍ أمريكي: ترامب لا يملك سلطة إقالة عضو بمجلس الخدمة المدنية
تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أصدر قاضٍ اتحادي أمريكي حكمًا يؤكد أن الرئيس دونالد ترامب لا يمتلك السلطة القانونية لإقالة عضو في مجلس حماية نظام الجدارة، وهو المجلس المسؤول عن حماية موظفي الحكومة الفيدرالية، وذلك على خلفية ما وصفه بـ"الانتقام السياسي".
رفعت كاثي هاريس، عضوة المجلس التي رشحها الرئيس السابق جو بايدن، دعوى قضائية للاحتفاظ بمنصبها، بعد أن أبلغها البيت الأبيض الشهر الماضي بأنها ستتم إقالتها.
وفي حكمه الصادر يوم الثلاثاء، أكد القاضي رودولف كونترياس أن محاولة ترامب لإقالة هاريس كانت غير قانونية، مشيرًا إلى أن الرئيس لم يستند في قراره إلى أسباب قانونية مقبولة مثل عدم الكفاءة، الإهمال الوظيفي، أو التورط في أعمال غير قانونية.
يأتي هذا القرار في وقت أصدر فيه ترامب مذكرة إلى مسؤولي الوكالات الفيدرالية يطالبهم فيها بوضع خطط لإلغاء عدد كبير من الوظائف، مما يمهد الطريق لإعادة هيكلة شاملة للحكومة الأمريكية.
وفي اليوم الأول من ولايته، قام ترامب بالفعل بفصل أكثر من ألف موظف معين في عهد الإدارة السابقة، مبررًا قراره بأن هؤلاء الموظفين "لا يتوافقون مع رؤيتنا لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: قاض أمريكي دونالد ترامب الرئيس الأمريكي إقالة عضو مجلس الخدمة المدنية
إقرأ أيضاً:
ليبيا بين أشباح الفيدرالية وغياب الدولة.. هل يُكتب للوحدة عمر جديد؟ (3)
الكتاب: ثلاث سنوات إنتقالية داميةالكاتب: الدكتور يوسف شاكير
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، الطبعة الأولى 2015
(عدد الصفحات 447 من القطع الكبير).
في هذا الجزء الثالث والأخير من قراءة كتاب "ثلاث سنوات انتقالية دامية" للدكتور يوسف شاكير، الذي كتب عنه الباحث والكاتب التونسي توفيق المديني خصيصًا لموقع "عربي21"، نسلّط الضوء على مسألة غياب الدولة المركزية في ليبيا وتنامي الدعوات إلى الفيدرالية، لا سيما في إقليم برقة، في سياق تاريخي معقّد تتداخل فيه العوامل القبلية، والثروات النفطية، وغياب مشروع وطني موحّد، وهي قضايا تُعيد إلى الواجهة التساؤلات حول مستقبل الوحدة الليبية في ظل الانقسامات الحادة والتحديات السياسية المتفاقمة.
غياب الدولة المركزية وظهورالمدافعين عن الفيدارالية
تتميز ليبيا تاريخياً بضعف جهاز الدولة وهشاشته وقصر عمره السياسي، فليبيا من أقطار المغرب العربي التي لم تعرف تقاليد الدولة الوطنية وفق المفهوم الحديث للمصطلح، فقد ظلت مقسمة إلى أقاليم ثلاثة رئيسة هي برقة وفزان وطرابلس قروناً عدة. وجاءت السنوسية، وهي ثاني حركة إسلامية سلفية، أسسها محمد بن علي السنوسي (1787-1859)، كمحاولة لتوحيد إفريقيا الإسلامية أولاً، وتوحيد العالم الإسلامي ثانياً، بعد أن احتلت فرنسا الجزائر، وعجز السلطنة العثمانية عن رّد العدوان الفرنسي. وقاومت الحركة السنوسية الغزو الإيطالي لليبيا العام 1911، مجسدة بذلك الجهاد الإسلامي،وكانت معادية للاستعمار الغربي، وغير ودّية مع السلطة العثمانية. وحاولت السنوسية توحيد أقاليم برقة، وفزان، وطرابلس، التي كانت تتمتع بصفات إدارية مختلفة،إلا أن هذه المحاولة اصطدمت بالاستعمار الإيطالي الذي حارب بلا هوادة المقاومة الوطنية من 1911-1932، ولعل ما يفسر رفض الليبيين للحكم الإيطالي ومقاومتهم له سواء في إطار السنوسية أو في إطار الجهاد المسلح بقيادة عمر المختار يقع في إطار رفض نموذج الدولة التي فرضها المستعمر الإيطالي.
خلال الحرب العالمية الثانية استخدم البريطانيون جماعة السنوسية الأقوياء، القاطنين في الشرق، بهدف مقارعة القوات الإيطالية- الألمانية. وليبيا التي كانت مستعمرة إيطالية وضعت آنذاك تحت انتداب الأمم المتحدة حتى العام 1951. بعد ذلك شجعت بريطانيا على إقامة مملكة مستقلة مع إدريس السنوسي، المنتمي إلى الجماعة السنوسية. واستقلت ليبيا عبر النظام الفدرالي الاتحادي برعاية الأمم المتحدة، حيث صدر قرار عن المنظمة الدولية في العام 1949 قضى باستقلال البلاد في عام 1951، على أن يتم ترتيب شكل الدولة والدستور وفقاً للحقائق التاريخية للأقاليم الثلاثة.
تتميز ليبيا تاريخياً بضعف جهاز الدولة وهشاشته وقصر عمره السياسي، فليبيا من أقطار المغرب العربي التي لم تعرف تقاليد الدولة الوطنية وفق المفهوم الحديث للمصطلح، فقد ظلت مقسمة إلى أقاليم ثلاثة رئيسة هي برقة وفزان وطرابلس قروناً عدة.قبل العام 1951،لم تكن دولة بهذا الاسم، بل كانت عبارة عن ثلاثة أقاليم هي برقة وفزان وطرابلس، وقد تم تأسيس الدولة من قبل لجنة ضمت 60 عضواً، بمساعدة الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص أدريان بيلت، وقد راعت هذه اللجنة في تشكيها التمثيل العادل المتساوي بواقع 20 ممثلاً عن كل إقليم والملك السنوسي أقام عاصمة البلاد في البيضاء حتى الانقلاب العسكري ضده عام 1969. وحتى عندما استقلت ليبيا سنة 1951، ظلت ليبيا اتحاداً فيدرالياً من 1951 إلى 1963 خلال حكم الملك إدريس السنوسي، وكانت مقسمة إلى ثلاثة أقاليم هي برقة(الشرق)، وطرابلس( الغرب) و فزان (الجنوب الغربي).
ودامت تجربة الدولة الفيدارلية في ليبيا نحو 13 عاماً، أي حتى عام 1963، حين تم تعديل الدستور وألغيت الفيدارلية بشكل مشبوه ومخالف للدستور،بحيث جرى استحداث عشر محافظات بما لا يلائم الطبيعة الليبية حسب رأي بعض المدافعين عن العودة إلى النظام الفيدرالي القديم. ويعتبر أهل الشرق الليبي أن هناك تمايزات ثقافية وعرقية بين الأقاليم الثلاثة، وإن تركيبة ليبيا تلك تفسر الصياغة التي اعتمدها دستور الاستقلال عام 1951، حيث يعتبره أنصار الملكية أنه الدستور الوحيد الشرعي.
وعندما استولى العقيد القذافي على السلطة في 1سبتمبر عام 1969، قام ببناء نظام استبدادي طيلة العقود الأربعة الماضية، سماه بالنظام الجماهيري الذي بقي قائماً على البنية القبلية للحكم. واللافت في هذا النظام الاستبدادي إلى أن جماعة القذافي، لم يختاروا رئيس دولة، بل قائداً، حيث أن القذافي تمسك بتلك الهوية القبلية ورفض النمط الاجتماعي الحضري معاودًا إنتاج الزعامة القبلية. وكان النظام الجديد الذي أرساه على أنقاض السنوسية، وهي طريقة صوفية عسكرية، قد اتسم بازدواجية فريدة تجمع بين حاكمية جيدة على الورق تتيح للشعب إدارة شؤونه بنفسه، أي تكريس الديمقراطية المباشرة، ونظام فعلي يقوم على الحكم المطلق، حيث يمسك بالنفوذ الحقيقي قائد الثورة والجيش والقبائل المسلحة.
لقد ظلت قبائل الشرق ملكية ولم تعترف يوماً بسلطة القذافي الذي ينتمي إلى قبيلة القذاذقة الصغيرة، المقيمة في سرت، لاسيما أن القذافي كان يكره بنغازي وأهلها، باعتبارها حاضنة السنوسية والملك السنوسي الذي انقلب عليه عام 1969. وكانت سلطة القذافي تستند، إضافة إلى قبيلته، إلى قبيلتين أخريين: الورافلة، الذين تجدهم في الجهاز الأمني، والمقارحة المتواجدين في الإدارة والعاملين في التجارة. وقد استبعد القذافي قبائل الشرق من جهازالدولة وحرمهم من أرباح النفط. وهو حوّل مركز السلطة إلى طرابلس الغرب، كما في عهد الاستعمار الايطالي. المعارضون الديمقراطيون للنظام والملكيون عملوا كلهم من الخارج، من مصر والسودان والتشاد.واستهدفت سياسة نظام القذافي الإفريقية في الثمانينات خلق أنظمة«صديقة» كان المطلوب منها طرد المعارضين الليبيين من أراضيها، فلجأ هؤلاء إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وسويسرا.
وفي ظل عجز الحكومة الليبية في طرابلس، يمثل إعلان قبائل الشرق تشكيل إقليم برقة الفيدرالي الذي يستمد "شرعيته"من الدستور الذي أقر في عهد الملك إدريس السنوسي عام 1951، تطوراًينتظر أن يذكي الاستقطاب الحادّ الذي يشهده المجتمع الليبي منذ سقوط نظام معمر القذافي،بالنظر إلى تداعياته التي يخشى كثيرون أن تؤدي إلى جنوح البلاد نحو سيناريوهات التقسيم والانفصال. واعتبر بعض المحللين الملمين بالشأن الليبي، أن "المشكلة ليست مع الفيدرالية التي تم اقتراحها بل تكمن في إعلانها في مدينة بنغازي عبر حركة سياسية تسعى إلى إقامة منطقة حكم ذاتي في هذا الإقليم الغني بالنفط".
لقد ظلت قبائل الشرق ملكية ولم تعترف يوماً بسلطة القذافي الذي ينتمي إلى قبيلة القذاذقة الصغيرة، المقيمة في سرت، لاسيما أن القذافي كان يكره بنغازي وأهلها، باعتبارها حاضنة السنوسية والملك السنوسي الذي انقلب عليه عام 1969.وكان الملكيون أبرز قوى المعارضة التي تحدّت القذافي،وهم أنصار السنوسية الذين كان لهم الحضور الأبرز في التجمعات المعارضة لحكم القذافي وخلال المؤتمرات التي عقدت في الخارج (آخرها في لندن عام 2005).وأجمع الملكيون على ضرورة إنهاء مفاعيل انقلاب 1969 وإعادة تفعيل دستور 1951 بما يعنيه من عودة إلى نظام الحكم الملكي.
ويعتمد الملكيون صيغة تأييد تقليدية، قبلية ودينية، ويتمتعون بعلاقات جيدة في المحيط الإقليمي وبعض العواصم الأجنبية. كما يمتلكون نقطة ارتكاز قوية، كون رموزهم معروفين ويحظون بالتقدير في الداخل والخارج،وتشكل بنغازي معقلاً تاريخياً لهم، وهم يلعبون دوراً بارزاً في توفير المشروعية للمجلس الانتقالي الحالي.
رغم سقوط نظام العقيد القذافي واستلام المجلس الوطني الانتقالي السلطة في طرابلس، وتشكيل الحكومة الانتقالية الأولى برئاسة المهندس والأستاذ الجامعي ورجل الأعمال، عبد الرحيم الكيب، باعتباره رجل وسط لا ليبرالي ولا إسلامي، فإن قدرة المجلس الوطني الانتقالي ظلت عاجزة عن التوفيق بين التيارات السياسية المختلفة في البلاد، ولاسيما في ظل التوتر الذي كان سائداً بين الثوار الليبيين والمجلس الانتقالي،حيث شكل هؤلاء المقاتلون مليشيات مسلحة ترفض الانصياع للتوجهات والقرارات التي يصدرها المجلس الوطني الانتقالي، والمتعلقة بالسيطرة الأمنية والتبعية للمؤسسات الرسمية،ووضعية الفصائل المسلحة بالنسبة لمؤسسات وأجهزة الأمن والدفاع الرسمية ممثلة في وزارتي الدفاع والداخلية، وبالتالي ترفض تسليم أسلحتها. والالتزام بالنهج الذي يسير عليه الكيب الذي يريد "بناء دولة تحترم حقوق الإنسان ولا تقبل بانتهاكات حقوق الإنسان".
اتسمت ليبيا ما بعد الثورة بالفراغ الأمني، حيث برزت تجلياته في مناطق هي أصلاً غير خاضعة للسلطة المركزية. ومن المعروف أن بعض المناطق الجنوبية في ليبيا بعيدة عن سيطرة الحكومة المركزية منذ عهد القذافي، الذي كان يضمن ولاء تلك المناطق من خلال القبائل المتوطنة هناك عبر صفقات وتربيطات اقتصادية واجتماعية، كان يعقدها مع تلك القبائل مستخدماً ورقة الدعم المالي والتنموي لأهالي تلك المناطق، إضافة إلى التوازنات القبلية استناداً إلى انتمائه للقذاذفة. ولم يتغير الوضع كثيراً في تلك المناطق بعد انتهاء عهد القذافي، حيث لا تزال غير خاضعة لسلطة الدولة المركزية التي تعاني أصلاً من ضعف سيطرتها على بقية المناطق وبالتالي فهي محكومة بالأعراف القبلية من جانب، وموازين القوة السائدة والمستقرة منذ زمن من جانب آخر.
لذا من اليسير أن تنشب اشتباكات ومواجهات سواء مسلحة أو غير مسلحة بمجرد محاولة أي طرف أو كيان مجتمعي في تلك المناطق تغيير تلك التوازنات أو فرض إرادته على الكيانات أو الجماعات الأخرى. وهو ما جرى في سنة 2013بنشوب معارك مسلحة بين قبيلتي التبو والزوي. وعلى الرغم من أن الطرفين تبادلا الاتهامات بشأن المسؤولية عن اندلاع الاشتباكات والتسبب في المواجهة المسلحة، فإن الشاهد في تلك الأحداث هو انعكاس الغياب السلطوي المركزي عن تلك المناطق، والذي أفضى إلى تفعيل أسس وأطر أخرى للحياة السياسية والاجتماعية هناك، خلاف التوافق أو التراضي مع الأطر التي كانت تضعها الدولة أو تتوافق عليها مع أهل تلك المناطق في عهد القذافي.
المناهضون للفيدرالية وغياب المشروع الوحدوي
هذه التبريرات لا تقنع القادة الجدد في ليبيا، لأن الخلفية التي ينطلق منها دعاة الفيدرالية، واضحة للعيان، إنه الشعور بالغبن السياسي والمادي، ذلك أن 70% من الثروة النفطية الليبية تقع في منطقة الشرق، والحال هذه تريد قبائل الشرق أن تكون هي "صاحبة الثروة" في الوقت الذي لا يأتيها من عائداتها في عهد القذافي إلا القليل. ففي ظل حكم الملك إدريس السنوسي (1951-1969)، تم اكتشاف القسم الجوهري من الاحتياطات النفطية المعروفة في ليبيا،(79 مليار برميل من أصل 113 من الاحتياطات المعروفة). وباتت ليبيا المنتج الثاني للنفط بعد نيجيريا، وصاحبة أكبر احتياطي في القارة السمراء.
وكانت العوامل التي أسهمت في إعلان القبائل الشرقية عن تشكيل إقليم برقة، كإقليم فيدرالي، هي التالية:غياب التوزيع غير العادل للعائدات المتأتية من مبيعات النفط والغاز، واحتكار العاصمة طرابلس كمقر مركزي للإدارات العامة، وكل الوزارات، وكل الشركات الكبرى، ونقل المجلس الوطني الانتقالي الليبي مركزه من بنغازي التي شهدت ولادته وتشكيله إلى طرابلس، واحتكار هذه الأخيرة غالبية المناصب الحكومية، والإعلان الذي جاء من مصراته التي تبعد 200 كيلومتراً عن طرابلس شرقاً، والذي نطق به مصطفى عبد الجليل، والذي بشّر فيه بالانتهاء من كتابة "الميثاق الوطني" الذي كان مرجعا للدستور الجديد، واعتمد النظام الديمقراطي البرلماني الموحد واللامركزية الإدارية، إضافة إلى إقرار القانون الانتخابي، الذي جرت في ضوئه انتخابات المجلس التأسيس في يونيو2012، حيث تم اعتماد توزيع المقاعد الـ200 وفق الوزن الديموغرافي،فكان لطرابلس وحدها، التي يبلغ عدد سكانها 1.6مليون نسمة، 102 مقعداً، بينما تم تخصيص نصف هذا العدد للمناطق الشرقية، إذ يبلغ تعداد سكان بنغازي 650 ألف نسمة.
تبقى مصلحة الشعب الليبي تكمن في بناء دولة ديمقراطية تعددية، تعتمد اللامركزية الإدارية على صعيد الأقاليم، وتنص قولاً وفعلاً على تطبيق العدالة الاجتماعية للثروة النفطية. كما أن مصلحة الغرب في النفط الليبي تصب في خيار الوحدة، ذلك أن النفط الليبي هو أحد البدائل المطروحة لنظيره الإيراني المحظور أوروبياً وأمريكياً.بصرف النظر عن المظالم الآنفة الذكر، فإن هذا لا يبرر إعلان الفيدرالية من قبل قبائل الشرق الليبي، لأن هذا يعتبر فرض أمر واقع من جانب واحد على السلطة المركزية ممثلة في المجلس الانتقالي الليبي، الذي أصبح متخوفاً من هذه السابقة الخطيرة إذ سيجعل إقليم برقة أشبه بإقليم كردستان العراق، واستعادة تجربة جنوب السودان، التي أفضت إلى الانفصال. وبالمقابل، فإن تلويح السيد مصطفى عبد الجليل بمنع الفيدرالية بالقوة «إذا لزم الأمر»، يمكن أن يفجر حرباً أهلية تقود أيضاً إلى تقسيم ليبيا.
في النهاية، تبقى مصلحة الشعب الليبي تكمن في بناء دولة ديمقراطية تعددية، تعتمد اللامركزية الإدارية على صعيد الأقاليم، وتنص قولاً وفعلاً على تطبيق العدالة الاجتماعية للثروة النفطية. كما أن مصلحة الغرب في النفط الليبي تصب في خيار الوحدة، ذلك أن النفط الليبي هو أحد البدائل المطروحة لنظيره الإيراني المحظور أوروبياً وأمريكياً.
ففي ليبيا هناك بقاع متخلفة تبدو وكأنها خارج سياق التاريخ العربي والعالمي الحديث، وبقاع أكثر تقدماً من الجميع، ولكن هذا التطور اللا متكافئ الاقتصادي والاجتماعي على صعيد وجود مراكز مدينية متقدمة، تليها مراكز ريفية وقبلية متخلفة، الخاضع بدوره لقانون مطلق للتطور التاريخي على الصعيد العالمي، وداخل كل قطر عربي، لم يمنع من بناء الوحدة في ليبيا، و تجاوز النظام الفيدرالي الذي كان قائماً في عهد الملك السنوسي.. لأن الذي يحكم عملية الوحدة كلها، ليس التفاوت في النمط الاقتصادي والحضاري بين المراكز المتقدمة المتسمة بسيادة المظاهر "الليبرالية"، وتوقها "للعصرنة" في حين أنها ليست طرابلس أو بنغازي كلها، والمناطق الليبية الأخيرة التي تسود فيها الأيديولوجية التقليدية والبنية القبلية، وإنما المطامح والمصالح البعيدة المدى لمختلف تكوينات وفئات الشعب الليبي، ما الذي يمنع المجتمع الليبي أن يتطور في الاتجاه الذي سار فيه المجتمع السوري على سبيل المثال. فالنزعة التقليدية «القبلية» والنزعة الليبرالية تتعايشان معاً، وتتقاسمان ليبيا بشرقها وغربها، وحتى الأحزاب السياسية الليبية، بصرف النظر عن إيديولوجياتها، وأساليب عملها، تعتبر صيغة متوسطة بين الحزب الحديث والتجمع القبلي، "وتشكل نوعاً من التوازن على الصعيد الداخلي"، إذ إن هناك تعارضاً بين وعيها الذاتي، وبين حقيقتها الواقعية، التي لا تعكس البنية السياسية الفوقية الحديثة.
بعيداً كل البعد عن الإيغال في النزعة الإطلاقية والقدسية للوحدة، فإن النظرة الواقعية إلى مخاطر التقسيم في ليبيا، تقودنا إلى القول بأن عدم تكون حركة قومية ديمقراطية حديثة وعقلانية تكون تعبيراً عن عملية وحدوية تاريخية، وتجسيداً واقعياً يتحقق في سيرورته بناء مجتمع مدني حديث يتسع ويشمل جميع القوى والأحزاب السياسية والتيارات الفكرية المتمحورة حول حل مسألة الوحدة الليبية حلاً ديمقراطياً، شكل إخفاقاً تاريخياً عادلاً لمشروع الوحدة الليبية، وعامل انفجار قد يقود للحرب الأهلية.
إن الوحدة مفهومة فهماً جدلياً سياسياً وتاريخياً لا تتحقق إلا على قاعدة احترام فلسفة التعدد، والاختلاف، والتعارض بين الأفراد والجماعات، والطبقات الاجتماعية داخل المجتمع الليبي، وعدم إنكار التعارضات الاجتماعية الملازمة لها، ولاسيما الصراع الاجتماعي والسياسي، مثلما لا يجوز إقصاء التعبير الثقافي والسياسي والإيديولوجي لهذه الطبقات والفئات الاجتماعية.
إقرأ أيضا: ليبيا بعد القذافي.. من أحلام الثورة إلى الحرب الأهلية.. قراءة في كتاب (1)
إقرأ أيضا: ليبيا الممزقة.. فيدرالية على وقع الانقسام وخرائط ما قبل الدولة.. قراءة في كتاب(2)