حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة، وهي تحت عنوان تَعْزِيزُ الهُوِيَّةِ وَدَوْرُهَا فِي صِنَاعَةِ الحَضَارَةِ، والهدف من هذه الخطبة هو: توعية الجمهور بضرورة تعزيز الهوية المصرية ودورها في صناعة الحضارة، علمًا بأن الخطبة الثانية تتناول التحذير البالغ من السلوكيات الخاطئة في شهر رمضان المعظم.

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَمْدًا كثيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَبَهْجَةَ قُلُوبِنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا وَتَاجَ رَؤُوسِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخِتَامًا لِلأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، فَشَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَشَرَّفَنَا بِهِ، وَجَعَلَنَا أُمَّتَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:

فَإِنَّ هُوِيَّةَ الأُمَّةِ مِعْيَارُ تَمَيُّزِهَا، وَمَصْدَرُ فَخْرِهَا، وَدَلِيلُ عِزِّهَا وَشَرَفِهَا، وَالتَّمَسُّكَ بِالهُوِيَّةِ مَادَّةُ بِنَاءِ الإِنْسَانِ صَادِقِ الانْتِمَاءِ صَانِعِ الحَضَارَةِ، وَإِذَا اضْمَحَلَّتِ الهُوِيَّةُ فَقَدَتِ الأُمَّةُ مَعَالِمَهَا وخَفُتَ نُورُ حَضَارَتِهَا، فَهَيَّا بِنَا أَيُّهَا الكِرَامُ نُبْرِزُ أَهَمَّ مُرْتَكَزَاتِ هُوِيَّة بَلَدِنَا العَظِيمِ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الدِّينَ هُوَ النُّورُ السَّاطِعُ الَّذِي يُضِيءُ دُرُوبَنَا، وَالسِّرَاجُ المُنِيرُ الَّذِي يَنْشُرُ الجَمَالَ فِي رُبُوعِ بِلَادِنَا، وَالبَلْسَمُ الشَّافِي الَّذِي يُدَاوِي قُلُوبَنَا، وَيُطَمْئِنُ نُفُوسَنَا، الدِّينُ هُوَ مَصْدَرُ شَرَفِنَا وَعِزِّنَا، وَإِذَا أَرَدْتُمْ أَيُّهَا الكِرَامُ أَنْ تُدْرِكُوا عَظَمَةَ التَّدَيُّنِ المِصْرِيِّ فَانْظُرُوا إِلَى إِذَاعَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ بِقُرَّائِهَا وَمُبْتَهِلِيهَا، تَأَمَّلُوا مَشَاهِدَ مَوَائِدِ الرَّحْمَنِ يَسُودُهَا رُوحُ الحُبِّ وَالبَذْلِ وَالتَّكَافُلِ فِي رَمَضَانَ، مَتِّعُوا أَبْصَارَكُمْ بِمُشَاهَدَةِ الوُجُوهِ المُتَوَضِّئَةِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ بَيْنَ الجَامِعِ الأَزْهَرِ وَمَسْجِدِ سَيِّدِنَا الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إِنَّهَا بَعْضُ شَوَاهِدِ الحَضَارَةِ المِصْرِيَّةِ وَأَدِلَّةِ هُوِيَّتِهَا الوَسَطِيَّةِ الخَالِصَةِ.

أَيُّهَا السَّادَةُ، إِنَّ اللُّغَةَ عُنْوَانُ سِيَادَةِ الهُوِيَّةِ، وَسِمَةُ التَّعْبِير الجَلِيِّ عَنْهَا، اللُّغَةُ هِيَ الحِصْنُ الحَصِينُ لِلشَّخْصِيَّةِ المِصْرِيَّةِ، وَالدِّرْعُ الوَاقِي لِتَمَيُّزِهَا، اللُّغَةُ هِيَ حَامِلَةُ الفِكْرِ وَالتُّرَاثِ، فتَمَسَّكُوا بِلُغتِكُمْ، فإنها التَّارِيخُ وَالحَاضِرُ وَالمُسْتَقْبَلُ، أرَأَيْتُمْ أَيُّهَا الكِرَامُ إِلَى مَجَالِسِ اللُّغَةِ المُمْتَدَّةِ فِي حَلقَاتِ الأَزْهَرِ الشَّرِيفِ وَمَدَارِسِهِ العِلْمِيَّةِ الرَّافِدَةِ كيف تَصْنَعُ الحَضَارَةَ وَتَبْنِي الإِنْسَانَ؟! هَلْ تَأَمَّلْتُمْ كَيْفَ شَكَّلَتِ اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ العَقْلِيَّاتِ المِصْرِيَّةَ الفَارِقَةَ مِثْلَ ابْنِ هِشَامٍ وَالسُّيُوطِيِّ وَابْنِ مَنْظُورٍ (رَحِمَهُمُ اللهُ)؟ إِنَّ لغُتَنَا العَرَبِيَّةَ بُرْهَانُ هُوِيَّتِنَا الأَبِيَّةِ العَصِيَّةِ عَلَى حَمَلَاتِ التَّهْمِيشِ وَالتَّغْرِيبِ، وَلِمَ لَا وَهِيَ مَحْفُوظَةٌ مَرْعِيَّةٌ بِقَوْلِ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}، أَلَمْ يَحِنِ الوَقْتُ أَيُّهَا السَّادَةُ لِنُعيدَ صِنَاعَةَ حَضَارَتِنَا مِنْ جَدِيدٍ عَلَى أَكْتَافِ لُغَتِنَا الجَمِيلَةِ، وَأَنْ نُرَبِّيَ جِيلًا مُحَصَّنًا بِعِزِّ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وَشَرَفِهَا؟

عِبَادَ اللهِ، اعْلَمُوا أَنَّ المَنْظُومَةَ الأَخْلَاقِيَّةَ وَالقِيَمِيَّةَ أَدَاَةُ التَّنْفِيذِ الفِعْلِيَّةُ لِلْهُوِيَّةِ الوَطَنِيَّةِ، فَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُبْرِزَ هُوِيَّتَنَا المِصْرِيَّةَ فَلْنُحَوِّلْ قِيَمَنَا الجَمِيلَةَ إِلَى مُؤَسَّسَاتٍ تَبْنِي الحَضَارَةَ، هَيَّا بِنَا أَيُّهَا الكِرَامُ لنُحَوِّل الرَّحْمَةَ مِنْ كَلِمَةٍ إِلَى قِيمَةٍ، إِلَى مُؤَسَّسَةٍ، إِلَى حَضَارَةٍ، فَنَرَى الرَّحْمَةَ حَاضِرَةً في المُسْتَشْفَيَاتُ، وَمَبَرَّاتُ الحَيَوانِ، وَمُؤَسَّسَاتُ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ، انْقلُوا كَلِمَةَ العِلْمِ وَتَنْوِيرِ العُقُولِ مِنْ كَلِمَةٍ إِلَى قِيمَةٍ، إِلَى مُؤَسَّسَةٍ، إِلَى حَضَارَةٍ، فَنُبْصِر نُورَ العِلْمِ في المَدَارِسُ وَالجَامِعَاتِ وَالمُؤَسَّسَاتِ العِلْمِيَّةِ بِمُخْتَلفِ صُوَرِهَا، حَوِّلُوا مَعْنَى الجَمَالِ مِنْ كَلمَةٍ إِلَى قِيمَةٍ، إِلَى مُؤَسَّسَةٍ، إِلَى حَضَارَةٍ، فَنَرَى الجَمَالَ حَاضِرًا فِي الخَطِّ العَرَبِيِّ، وَالمِعْمَارِ، وَالهَنْدَسَةِ، أَيُّهَا الكِرَامُ انْتَبِهُوا! إِنَّهُ كُلَّمَا تَرَسَّخَتِ القيَمُ وَالأَخْلَاقُ ازْدَانَتِ الحَضَارَةُ جَمَالًا وَتَأَنُّقًا.

أَمَّا عَنِ الثَّقَافَةِ وَالفُنُونِ، فَحَادِيكَ أَيُّهَا المُكَرَّمُ مَا جَادَتْ بِهِ العمَارَةُ الإِسْلَامِيَّةُ مِنْ إِبْهَارٍ مَا بَعْدَهُ إِبْهَارٌ، وَجَمالٍ مَا بَعْدَهُ جَمَالٌ، وَإِنَّ نَظْرَةً إِلَى أُعْجُوبَةِ الدُّنْيَا مَسْجِدِ السُّلْطَانِ حَسَن بِالقَاهِرَةِ العَامِرَةِ لَتُبْرِزُ العِمَارَةَ الإِسْلَامِيَّةَ فِي أَبْهَى صُوَرِهَا، وَتُظْهِرُ مَا جَادَتْ بِهِ قَرِيحَةُ الفَنِّ الإِسْلِامِيِّ فِي أَزْهَى عُصُورِهِ، فَكُلُّ قِطْعَةٍ فِيهِ شَاهِدَةٌ عَلَى هُوِيَّةِ أُمَّةٍ مِصْرِيَّةٍ مَلَأَتِ الأَكْوَانَ جَمَالًا وَإِبْدَاعًا.

أَيُّهَا النَّاسُ، أَشِيعُوا فِي أَوْسَاطِكُمْ وَفِي نُفُوسِ أَوْلَادِكُمْ أَنَّنَا أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ ذَاتُ حَضَارَةٍ عَرِيقَةٍ وَمُسْتَقْبَلٍ وَاعِدٍ، اعْتَزُّوا أَيُّهَا الكرَامُ بِهُوِيَّتِكُمْ وَارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ، تَصْنَعُوا حَضَارَتَكُمْ.

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:

فَاعْلَمْ أَيُّهَا المُكَرَّمُ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ زَمَنٌ شَرِيفٌ لِلتَّسَابُقِ إِلَى الخَيْرَاتِ، وَالمُسَارَعَةِ إِلَى الطَّاعَاتِ، فَأَحْسِنْ إِلَى نَفْسِكَ، وَلَا تُعَكِّرْ صَفْوَ طَاعَتِكَ، فَتَذهَبَ عَنْكَ أَنْوَارُ شَهْرِ الرَّحَمَاتِ وَالنَّفَحَاتِ، وَيَتَحَوَّلَ حَالُكَ إِلَى حَالٍ غَيْرِ مَرْضيٍّ حَدَّثَنَا عَنْهُ نَبِيُّنَا الأَكْرَمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَما قَالَ: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَر».

أَخِي الصَّائِم، احْذَرْ العَصَبِيَّةَ وَالانْفِعَالَ وَالغَضَبَ، واجْعَلْ يَوْمَكَ هَادِئًا وَلَيْلَكَ سَاكِنًا، الصِّيَامُ أَيُّهَا المُكَرَّمُ سَكِينَةٌ وَهُدُوءٌ، وَتَرَقٍّ فِي مَدَارِجِ الإِيمَانِ وَالإِحْسَانِ، وَاسْتِنَارَةٌ بِأَنْوَارِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَتَعَامُلٌ رَاقٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ غَايَةَ الصِّيَامِ هِيَ التَّقْوَى، قَالَ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وَقَدْ بَيَّنَ لَنَا الجَنَابُ الأَنْوَرُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْضَ مَعَانِي التَّقْوَى حِينَ قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي َصَائِمٌ».

انْتَبِهْ أَيُّهَا النَّبِيلُ أَنْ يَكُونَ حَالُكَ حَالَ مَنْ يَأْتِي عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ كَمَا هُوَ آكِلٌ لِلرِّبَا، آخِذٌ لِلرِّشْوَةِ، عَاقٌّ لِوَالِدَيْهِ، قَاطِعٌ لِرَحِمِهِ، دَائِمُ الغِيبَةِ وَالاسْتِهْزَاءِ وَالتَّنَمُّرِ بخَلْقِ اللهِ، لَمْ تُصِبْهُ مِنْ أَنْوَارِ الشَّهْرِ الكَرِيمِ بَرَكَةٌ، وَلَا مَنْ فَضِيلَتِهِ نَفْحَةٌ، مُسْتَحِقٌّ لِلْوَعِيدِ النَّبَوِيِّ الشَّدِيدِ «مَنْ لَمْ يَدعْ قَوْلَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ فلَيْسَ للهِ حَاجةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرَابهُ».

اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا وَصَالِحَ أَعْمَالِنَا

وَاعْفُ عَنَّا بِكَرَمِكَ وَعَافِنَا بِفَضْلِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ

اقرأ أيضاً«يا باغي الخير أقبل».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة 28 فبراير 2025

الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة 14 فبراير 2025.. «تحويل القبلة دروس وعبر»

«تَحْوِيلُ القِبْلَةِ دُرُوسٌ وَعِبَرٌ».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الأوقاف خطبة الجمعة شهر رمضان موضوع خطبة الجمعة موضوع خطبة الجمعة القادمة نص موضوع خطبة الجمعة الخطبة الثانية الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة ه ا الک ر ام الع ر ب ی الم ص ر ی ح ض ار ة الع ل م اله و ی

إقرأ أيضاً:

تقرير يُوثق خطابات التحريض الإسرائيلي ودورها في تكريس الإبادة بغزة

غزة - صفا

أصدرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) تقريرًا حقوقيًا موسّعًا بعنوان “خطابات التحريض الإسرائيلي ودورها في تكريس الإبادة الجماعية في قطاع غزة”.

ويوثّق التقرير انتقال الخطاب التحريضي من التصريحات العلنية لمسؤولين سياسيين وعسكريين ودينيين وإعلاميين في "إسرائيل" إلى ممارسات ميدانية واسعة النطاق ترقي، وفق القانون الدولي، إلى جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وخلص التقرير إلى أن التحريض المباشر والعلني على القتل والتجويع والتهجير، الذي تكرّر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم يعد “لغة سياسية متشددة”، بل أصبح جزءًا من بنية القرار السياسي والعسكري.

وربط التقرير بين هذا الخطاب وبين سلسلة أفعال مادية شملت القتل الجماعي، فرض شروط معيشية مهلكة، الإخفاء القسري، استهداف البنية التحتية والحياة المدنية، وصولًا إلى هندسة التجويع والتعطيش ومشاريع التهجير القسري والإحلال الاستيطاني.

وترى "حشد" أنّ هذا النمط من التحريض يُعدّ وفق القانون الدولي جريمة قائمة بذاتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، وأنه يمثّل أساسًا قانونيًا لتحميل المسؤولين الإسرائيليين مسؤولية شخصية وجنائية عن الجرائم المرتكبة.

ووثق التقرير سلسلة طويلة من الانتهاكات الجسيمة والمنظمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال على مدار عامين، من أبرزها: القتل الجماعي المتعمد لآلاف المدنيين عبر قصف الأحياء السكنية المكتظة دون تمييز، وارتكاب مجازر متكررة بحق عائلات كاملة، كثير منها أُبيد بالكامل.

وأوضح أن الاحتلال فرض ظروفًا معيشية قاتلة تمثلت في قطع المياه والكهرباء والوقود، وتدمير شبكات الصرف الصحي والطرقات، وإغلاق المعابر، ومنع الغذاء والدواء عن السكان، وكذلك استهداف القطاع الصحي وتدمير المستشفيات والمراكز الطبية، وقتل الأطباء والمسعفين، ما أدى إلى انهيار شبه تام للمنظومة الصحية في القطاع.

وأضاف أن الاحتلال استهدف متعمّدًا المؤسسات التعليمية ودور العبادة والمساجد والكنائس والمراكز الإعلامية، في محاولة لمحو البنية الثقافية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني، وتهجير قسري واسع النطاق طال مئات الآلاف من العائلات، مع استهداف متكرر لمناطق النزوح ومراكز الإيواء، بما في ذلك المدارس التابعة لـ"أونروا".

وذكر أن الاحتلال استخدم أيضًا، التجويع كسلاح حرب من خلال إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات واستهداف قوافل الإغاثة الإنسانية، بالإضافة إلى الاعتقالات الجماعية والإخفاء القسري لمئات المدنيين في ظروف احتجاز قاسية، وارتكاب انتهاكات ممنهجة ترقى إلى التعذيب والمعاملة اللاإنسانية.

وأشار التقرير إلى أن هذه الأفعال تمثل، مجتمعةً، تنفيذًا ماديًا لجريمة الإبادة الجماعية التي تهدف إلى تدمير الجماعة الفلسطينية كليًا أو جزئيًا، سواء عبر القتل المباشر أو تدمير مقومات الحياة.

ومن الناحية القانونية، أكّد التقرير أنّ الفلسطينيين يُعتبرون جماعة محمية بموجب اتفاقية 1948، وأنّ ما وقع في غزة يندرج بوضوح تحت تعريف الإبادة الجماعية الوارد في المادة الثانية من الاتفاقية

ولفت إلى أنّ محكمة العدل الدولية أكدت في قرارها الصادر في 26 يناير/كانون الثاني 2024 وجود أساس معقول لاعتبار ما تقوم به إسرائيل “إبادة جماعية قيد التنفيذ”، وهو ما يعزز مسؤولية المجتمع الدولي في منع استمرار الجريمة ومحاسبة مرتكبيها.

ودعا التقرير الدول الأطراف في اتفاقية منع الإبادة الجماعية إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية، واتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وطالب الأمم المتحدة بإرسال بعثات تحقيق دولية مستقلة، وبتأمين ممرات إنسانية آمنة ومستدامة، وإعادة تمويل وكالة "أونروا" التي تعرّضت لحملات تحريض واستهداف ممنهج.

وأكد أن استمرار الصمت الدولي إزاء الجرائم يشكل مشاركة ضمنية في الجريمة، ويقوّض النظام القانوني الدولي برمّته، داعيًا إلى اتخاذ موقف سياسي وقانوني واضح يرفض منطق الإفلات من العقاب ويعيد الاعتبار لمبادئ العدالة والكرامة الإنسانية.

وخلص التقرير إلى أن ما جرى وما يزال في قطاع غزة هو إبادة جماعية مكتملة الأركان، ناتجة عن تحريض ممنهج تقوده الدولة الإسرائيلية وأجهزتها الرسمية،

وأكد أن هذه الجرائم لن تُمحى من الذاكرة، وأن المحاسبة القانونية ليست خيارًا سياسيًا، بل واجب دولي وإنساني لحماية ما تبقّى من الضمير العالمي.

وأوصت "حشد" بضرورة وقف فوري شامل للأعمال العدائية، وحماية خاصة للمستشفيات والطواقم الطبية ومراكز الإيواء وقوافل المساعدات، وفتح المعابر دون قيد، وضمان تدفق الوقود والدواء والغذاء والمياه، وتأمين قنوات توزيع آمنة وغير مسيّسة.

ودعت إلى تحقيق دولي مستقل في جريمة التحريض العلني على الإبادة وأفعالها المادية، وإحالة الملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وطالبت بتعليق نقل الأسلحة والذخائر التي تُستخدم على نحوٍ عشوائي أو محظور، ومراجعة نظم الترخيص والتزويد، وحماية "أونروا" وسائر الوكالات الأممية من التشريعات/الإجراءات التعسفية، واستعادة التمويل وضمان الوصول غير المقيّد.

وأكدت على ضرورة تمكين عودة النازحين قسرًا إلى مساكنهم وممتلكاتهم، ورفض أي مشاريع "هجرة طوعية" قسرية، وكذلك إلزام المنصات بإجراءات شفّافة ومتساوية لردع خطاب الإبادة والكراهية، ومحاسبة أوجه التقصير البنيوي.

مقالات مشابهة

  • «صحّح مفاهيمك».. وزارة الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة 10 أكتوبر 2025
  • تقرير يُوثق خطابات التحريض الإسرائيلي ودورها في تكريس الإبادة بغزة
  • وزير الأوقاف ينعى العلّامة الجليل أحمد عمر هاشم
  • "مهد الحضارة" في تركيا يكشف عن فجر الهوية الإنسانية
  • جمع بين العلم الراسخ والعمل الصالح.. وزير الأوقاف ينعى أحمد عمر هاشم
  • الكلية الجامعية الوطنية للتكنولوجيا ودورها في تعزيز التعليم التقني التطبيقي ونحو مستقبل مستدام
  • الأوقاف تحيي ذكرى وفاة الشيخ محمد عمران أحد أبرز أعلام التلاوة
  • “الشؤون الإسلامية” توجه بتخصيص خطبة الجمعة المقبلة عن الجشع والمبالغة في رفع الإيجارات
  • خطورة التنمر.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • «دور علماء الأزهر في نصر أكتوبر» في ندوة لأوقاف الفيوم