خولة علي (أبوظبي)
مدفع رمضان، صوت عابق بالذكريات، لا يزال يدوي في الأفق كلما أقبل شهر رمضان الكريم، معلناً لحظات الإفطار، حيث يتسارع الجميع لكسر الصيام بحبات تمر وكوب ماء أو لبن.. هذا المدفع ليس مجرد أداة لإبلاغ الصائمين بموعد إفطارهم، بل رمز من رموز الشهر الفضيل، يحمل في طياته عبق التاريخ وأصالة التراث، وأصداء الماضي التي لا تزال تدوي في الحاضر، ليستمتع الصغار قبل الكبار بمشاهدة تلك اللحظات التي تحمل ألوان الفرح والتشويق، سواء على أرض الواقع، أو عبر شاشات التلفزة.
أصل الحكاية
بحسب الباحث التراثي راشد بن هاشم، فإن أصل فكرة مدفع رمضان يعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي في مصر، وتحديداً خلال عهد السلطان المملوكي «خشقدم»، مضيفاً بن هاشم، أن «مدفع رمضان» في بدايته أُطلق عن طريق الصدفة وقت غروب الشمس بشكل عفوي، لكن سرعان ما تحولت تلك الصدفة إلى تقليد رسمي امتد إلى مختلف الدول الإسلامية كرمز للاحتفاء بالشهر الكريم، وهذا التقليد، كما يوضح بن هاشم، لم يكن مجرد إعلان عن مواقيت الإفطار، بل كان أيضاً وسيلة لتأكيد روح الوحدة في المجتمعات الإسلامية، حيث يتفق الجميع على صوت واحد إعلاناً عن بدء الإفطار أو الإمساك.
ترقب وفرح
ويضيف بن هاشم: «صوت المدفع يحمل رمزية تتجاوز كونه إشارة زمنية، فهو يعكس الترابط بين الماضي والحاضر، ويدعو الأجيال للتأمل في بساطة الحياة وقيم التواصل المجتمعي التي كانت سائدة، فهو يجمع العائلات، ويخلق لحظات من الترقب والفرح، خاصة في زمن كانت فيه وسائل الإعلام والاتصالات محدودة، فكل دوي كان يحمل رسالة مليئة بالطمأنينة، ليعلم الناس أن وقت الإفطار قد حان.
صوت التراث
ويوضح بن هاشم، أن الإمارات، مثل باقي الدول الإسلامية، التي انتشر بها مدفع رمضان منذ سنوات طويلة، حيث كان يُنصب في مواقع استراتيجية لتصل أصداؤه إلى جميع أنحاء المدينة، وقديماً كان يُنصب أمام الحصون، أما في الوقت الحاضر فقد تم توزيعه في أرجاء مختلفة من إمارات الدولة، خاصة بمحيط المساجد، حيث يجتمع الناس لرؤية لحظة إطلاق المدفع الذي يحمل الفرح والبهجة وقت الإفطار.
ويضيف بن هاشم «على الرغم من التطور التكنولوجي، لا يزال مدفع رمضان حاضراً في الإمارات كجزء من الهوية التراثية، وبات إطلاق المدفع يُبث مباشرة عبر التلفزيون والإذاعات، مما يحفظ لهذا التقليد مكانته في نفوس أفراد المجتمع صغاراً وكباراً».
طقوس متوارثة
ويشير بن هاشم، إلى أن مدفع رمضان له طقوسه الخاصة منذ القدم في الدولة، فعند ثبوت رؤية هلال رمضان، يتم إطلاق المدفع طلقة واحدة إلى طلقتين، وليلة انتهاء رمضان يتم إطلاق طلقتين، وبعد صلاة العيد أيضاً يطلق المدفع طلقة واحدة، لتبدأ الزيارات والمعايدات بين الأهل والجيران، وعادة ما تُحشى فوهة المدفع بالخيش أو ليف النخيل، والبارود، حتى لا يؤذى البشر، فالمغزى الأساسي هو صوت المدفع والرسالة التي يحملها لأهل المنطقة.
عبق الماضي
مدفع رمضان، على حد قول بن هاشم، ليس مجرد صوت، بل مشاهد تراثية تحمل في طياتها عبق الماضي وروحانية الشهر الكريم، فيه دعوة للتأمل واستكشاف أصالة تراثنا الثقافي الذي يبقى خالداً رغم مرور الزمن، ومع حلول شهر رمضان، يعيد المدفع إحياء تلك اللحظات البسيطة والمفعمة بالروحانية، ليؤكد أن التراث ليس مجرد ذكريات، بل هو جزء من حاضرنا ومستقبلنا، صوت يربط الأجيال بجذورها وهويتها.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: مدفع رمضان مدفع الإفطار مدافع الإفطار الإمارات رمضان شهر رمضان الإفطار الرمضاني الإفطار في رمضان مدفع رمضان بن هاشم
إقرأ أيضاً:
يوسف عبد المنان يكتب: شطحات الحكيم
كان محمد مختار ولد أحمد الصوفي، الغارق في فلسفة محيي الدين بن عربي، يحدّث الناس في مدينة واذيبو بموريتانيا كل عام عن رؤاه المنامية. يدّعي حيناً أنه إلتقى الرسول ﷺ، وأحياناً يزعم أن أبا هريرة حدّثه بكذا وكذا. حتى نهضت جماعة سلفية فقطعت رأسه، بدعوى أنه رجل فتنة يتقول على السلف الصالح بمزاعم لا يسندها دليل من كتاب أو سنة.
وللإمام أبي حامد الغزالي شطحات في التصوف جعلت البعض يتهمه بالجنون واختلال العقل، فيما تم تكفير نصر حامد أبو زيد من قبل فقهاء الأزهر الشريف بعد صدور كتابه الشهير “التفسير التأويلي للقرآن الكريم”، بحجة أنه متخصص في اللغة العربية وليس له دراية بعلم التفسير.
واليوم، يخرج علينا محمد هاشم الحكيم بزوبعة جديدة، يثير بها الغبار في عاصفة البحر، مدعياً رؤيا منامية رأى فيها الرسول ﷺ يأمره أن يبلغ الفريق البرهان بالتفاوض مع قوات الدعم السريع لإنهاء الحرب في السودان.
لكن الرؤى المنامية – كما هو معلوم في الشرع – لا يُحتج بها في الأحكام، ولا يُعتد بها بعد وفاة الرسول ﷺ. فلم نسمع أن أحداً من العشرة المبشرين بالجنة حدثنا عن رؤيا من هذا النوع، رغم أنهم كانوا أولى بها، خصوصاً بعد وفاة النبي واندلاع حروب الردة التي خاضها الخليفة أبو بكر الصديق.
واليوم، تُنسب الرؤى إلى شيوخ أمثال محمد هاشم الحكيم، الذي نُشرت له صور مع سفراء “شياطين العرب” – ممن أشعلوا فتيل حرب آل دقلو – مما يضعه في موضع الاتهام بمولاة طرف على حساب آخر. وليته لم يوالِ الفئة الباغية، التي أجمعت أغلب فتاوى أهل العلم في السودان على بغيها.
ولو سُلّم برؤية الشيخ المنامية، فغداً سيخرج شيخ آخر من زريبة البرعي، وثالث من الكريدة، وكل منهم يدّعي أن الرسول حدّثه في المنام عن أمور مشتبهات. ولأصبح السودان دولة تُحكم من شيوخ المنامات، حتى وإن خالفت صحيح الحديث أو نصوص القرآن القطعية.
ثم كيف للشيخ أن يتيقّن أن من رأى في المنام هو الرسول ﷺ؟ أليس من المحتمل أن من تمثل له كان شيطاناً أو حتى أحد شخوص السياسة؟ ربما كان عبد الله حمدوك أو خالد سلك، تمثّل له بهيئة بشر سوي!
وفي هذا السياق، لا ننسى ما أبدع فيه الدكتور أحمد الطيب زين العابدين في روايته “دروب قرماش”، حيث قرّب صورة الصراع بين أهل الظاهر والباطن في حبكة روائية بارعة. فقد روى قصة الفكي “قرماش” الذي ادّعى علاج الناس وجلب المطر ودفع الشر عنهم، فتبعه جمع من أهل القرى المحيطة بالجنينة. ثم جاء رجل خطب فيهم وشكك في صدق الفكي، وطلب منه أن يجريا اختباراً أمام الناس: أن يُذبح ثور، ويُعطى كل واحد منهما قدحاً من اللحم، ويحمي كلٌّ قدحه بطريقته.
الفكي كتب محاياته، والرجل دسّ في جيبه روث مرفعين (ضبع)، ووضع قدحه في غرب القرية، بينما وضع الفكي قدحه شرقها. وفي الصباح هجمت الكلاب على قدح الفكي وأتت عليه، بينما لم تقترب من قدح الرجل الآخر بسبب الرائحة الكريهة. فطُرد الفكي قرماش من القرية، وأفصح الرجل للناس عن حيلته حتى لا يظنوا فيه كرامة أو كرامات.
وعليه، فإن على الأخ محمد هاشم الحكيم أن يعلن للناس من يقف وراء هذه المزاعم المنامية. فربما يأتي غداً من يقول إنه رأى الرسول ﷺ، وأمره بأن تُعقد مفاوضات في المنامة، أو أن يُصدر إعلان مبادئ جديد أوحاه له الرسول في منامه. وهكذا، يصبح مستقبل السودان مرتهناً لأحلام ومزاعم لا حجة فيها ولا يقين.
يوسف عبد المنان
إنضم لقناة النيلين على واتساب