تظل القوات المسلحة، بعطاء أبنائها وتضحياتهم جيلًا بعد جيل، الدرعَ الواقية لمصر، والحصنَ المنيع لأمنها واستقرارها وسلامة شعبها.
يُقدّم رجالها كل يوم نموذجًا فريدًا للعمل والعطاء بكل صدق وشرف، محافظين على أمن الوطن وحماية ثوابته واستقراره، في إيمانٍ كاملٍ بأن أمن مصر القومي لا تفريط فيه، مهما كانت التضحيات.

جمعية المحاربين القدماء وضحايا الحرب.. مسيرة عطاء ممتدة

تُعدّ جمعية المحاربين القدماء وضحايا الحرب إحدى أعرق الجمعيات العالمية، التي أخذت على عاتقها منذ إنشائها تقديم أوجه الرعاية المختلفة للمحاربين القدماء وأسر الشهداء ومصابي العمليات الحربية من الضباط والدرجات الأخرى، مع توفير حياة كريمة لهم، وتنمية قدراتهم، والارتقاء بكفاءتهم، خاصة المصابين منهم، بما يُيسّر اندماجهم في المجتمع وممارسة حياتهم الطبيعية.
تستلهم الجمعية في رسالتها روح الدستور والقوانين المنظمة لهذا الشأن، إيمانًا من القوات المسلحة بما قدّمه هؤلاء الأبطال من تضحيات دفاعًا عن الوطن وصون مقدساته.

البداية مع اللواء محمد نجيب

خاضت مصر، خلال تاريخها الحديث، عددًا من الحروب، الأمر الذي انعكس سلبًا على مواردها البشرية والاقتصادية، إذ ضحّى جيلٌ كاملٌ في هذه الحروب، التي استمرت نحو ربع قرن، تاركةً وراءها العديد من المصابين وأسر الشهداء.
وتقديرًا من القوات المسلحة لهذا القطاع العريض من المجتمع، أنشئت جمعية المحاربين القدماء عام 1951 لرعاية مصابي العمليات وأسر شهداء حرب 1948، والمحاربين القدماء من أبناء مصر والسودان، وكان أول رئيس لها هو اللواء محمد نجيب، الذي كان هو نفسه أحد مصابي حرب 1948.

وفي عام 1953، انضمت الجمعية إلى الفيدرالية العالمية للمحاربين القدماء، ومقرها باريس، كما أنشأت الجمعية مركز الطب الطبيعي والتأهيلي بالعجوزة عام 1954 لإعداد الأفراد ذوي الإعاقة من المحاربين القدماء، وتم إنشاء مصنع للأطراف الصناعية عام 1960.

التطوير والتوسع عربيًا وعالميًا

نجحت جمعية المحاربين القدماء وضحايا الحرب في تكوين الاتحاد العربي للمحاربين القدماء، الذي يضم 18 دولة عربية و5 منظمات تعمل في المجال ذاته، بهدف تحقيق الرعاية الكاملة للمحاربين القدماء.
ومع بداية عام 1995، حرصت الجمعية على التحديد الدقيق لشروط العضوية، وتسجيل بيانات الأعضاء وربطها بالحاسب الآلي، لتسهيل المراجعة واستخراج الإحصاءات اللازمة. كما تم تطوير أسلوب صرف الأجهزة التعويضية، وزيادة الإعانات المقدمة لأصحاب الدخل المحدود من أسر الشهداء ومصابي العمليات الحربية.

وفي إطار اهتمامها بتأهيل أعضائها، توفر الجمعية الملاعب المفتوحة والصالات الرياضية المغطاة لممارسة مختلف الألعاب في مدينة الوفاء والأمل، ما يسهم في تحسين لياقتهم البدنية ورفع روحهم المعنوية. وقد مثل الجمعية العديد من الأبطال الرياضيين من ذوي الهمم، الذين حققوا بطولات محلية ودولية في مختلف الألعاب، سواء الفردية أو الجماعية.

دور عالمي لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات

تسعى الجمعية، من خلال مشاركتها في أنشطة الاتحاد العربي لجمعيات المحاربين القدماء، إلى تحقيق السلام العالمي، وتحسين الوضع الاجتماعي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب، وتنسيق جهود الجمعيات الأعضاء، فضلًا عن المساهمة في إنشاء جمعيات جديدة في الدول العربية.

وعلى المستوى العالمي، حققت الجمعية تقدمًا كبيرًا من خلال اشتراكها في الاتحاد العالمي للمحاربين القدماء، حيث يتم تبادل الخبرات في مجال رعاية المحاربين القدماء، والاستفادة من التقدم العلمي في تصنيع الأجهزة التعويضية والكراسي المتحركة. واعتبارًا من نوفمبر 2012، أصبحت بطاقة العضوية عالمية، مما يُمكّن الأعضاء من الاستفادة من المزايا المتاحة في الدول الأخرى.

تضحيات مستمرة من القوات المسلحة ورجالها

في الوقت الذي تخوض فيه مصر معركة وجود لبناء حضارة جديدة وجمهورية حديثة ومستقبل أفضل للأجيال القادمة، تظل القوات المسلحة تقدم دماء أبنائها وأرواحهم فداءً للوطن، حيث قدّمت العديد من الشهداء والتضحيات لاقتلاع جذور الإرهاب والتطرف، وتأمين حدود الدولة وجبهتها الداخلية، جنبًا إلى جنب مع تضحيات رجال الشرطة الأوفياء، في نسيج وطني واحد يجسّد أسمى معاني التضحية والفداء دفاعًا عن أمن الوطن واستقراره.

دعم أسر الشهداء والمصابين.. أولوية لا تتغير

تحرص القوات المسلحة، من خلال تقاليدها العسكرية الراسخة، على الاهتمام بأسر الشهداء ومصابي العمليات الحربية، وتقديم الدعم الكامل لهم، عبر عدة مبادرات، منها:

تكريم المستفيدين من أسر الشهداء والمصابين سنويًا، مع عقد لقاءات في جميع محافظات الجمهورية بحضور المحافظين لحل مشكلاتهم.منح أوائل الطلاب من أبناء الشهداء والمصابين مزايا تعليمية، تشمل الإعفاء من الرسوم الدراسية، واستثنائهم من شروط الكثافة والسن عند التحويل، بالإضافة إلى الأولوية في المنح الدراسية بالجامعات الخاصة والأهلية.تقديم مساعدات مالية متنوعة، تشمل الإعانة الثابتة، بدل المرافق، الإعانة العاجلة، إعانة الزواج، إعانة الوفاة، المنح، السلف، وبدل نقدي للأجهزة التعويضية.العلاج على نفقة القوات المسلحة لبعض الحالات من المستفيدين من أسر الشهداء غير المستحقين للعلاج المجاني.توفير وحدات سكنية لأسر الشهداء ومصابي العمليات بالتنسيق مع صندوق إسكان أفراد القوات المسلحة.مزايا متعددة لدعم المصابين وأسر الشهداء

بجانب ما سبق، يتمتع أسر الشهداء والمصابين بعدد من المزايا التي تكفل لهم حياة كريمة، منها:

توفير خدمات الغسيل الكلوي عبر مركز متخصص.إنتاج الأجهزة التعويضية ومساعدات الحركة من خلال مصنع الجمعية.رعاية المصابين المقيمين في مدينة الوفاء والأمل.تقديم التأهيل والتدريب على الحرف اليدوية المناسبة للإصابة، مثل النحت والخزف والرسم على الزجاج.توفير رعاية خاصة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.أنشطة تثقيفية وترفيهية لتعزيز الدعم النفسي والمعنوي

تحرص الجمعية على تنفيذ العديد من الأنشطة التي تعود بالنفع على المحاربين القدماء وأسر الشهداء، مثل:

تنظيم رحلات اليوم الواحد إلى المنشآت العسكرية والمزارات السياحية والمشروعات القومية.إقامة معارض فنية لعرض منتجات أسر الشهداء والمصابين، ضمن احتفالات القوات المسلحة بيوم الشهيد واحتفالات أكتوبر.ختامًا.. تضحيات لن تُنسى

إن الدور الذي تقوم به جمعية المحاربين القدماء وضحايا الحرب هو امتداد لتاريخ طويل من العطاء والتضحية، حيث تظل القوات المسلحة حريصة على الوفاء بواجبها تجاه هؤلاء الأبطال وأسرهم، تأكيدًا على أن مصر لا تنسى أبناءها الذين ضحوا من أجلها، وأنها ستظل تكرّم تضحياتهم وتوفر لأسرهم كل سبل الدعم والرعاية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: القوات المسلحة يوم الشهيد اللواء محمد نجيب جمعية المحاربين القدماء وضحايا الحرب المزيد جمعیة المحاربین القدماء وضحایا الحرب أسر الشهداء ومصابی العملیات أسر الشهداء والمصابین للمحاربین القدماء القوات المسلحة وأسر الشهداء العدید من من خلال

إقرأ أيضاً:

من معركة دِفَا وصمود مرباط صُنع مجد "11 ديسمبر"

 

 

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

في 11 ديسمبر 1975 وقف السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- ببزته العسكرية التي لم يخلعها منذ توليه الحكم؛ ليُعلن انتهاء ما عُرف وقتها بـ"ثورة تحرير ظفار والخليج العربي" المدعومة من المعسكر الشيوعي العالمي، وزفَّ بشرى اندحار قوى الأطماع وهزيمتها وانتصار قواتنا المُسلحة عليهم؛ لتُسطِّر فصلًا خالدًا من فصول الشرف والفخر والاعتزاز، الذي رافق العُماني منذ الأزل، وفي خطاب النصر زفَّ بطل النصر وفارسه البُشرى لكل أبناء عُمان عندما قال "أيها المواطنون.. إنني أحيي تجمعكم الحماسي هذا وأهنئكم تهنئة العزة والكرامة، على اندحار أذناب الشيوعية من تراب وطننا العزيز".

ما بين بداية الحرب وبين هذا اليوم المشهود والذي أصبح يومًا لقوات السلطان المسلحة الباسلة في كل عام، سُطَّرت بطولات وطنية وتضحيات جسيمة قدمتها القوات المسلحة وقوات الفرق الوطنية في جبال ظفار الشامخة وسهولها ومدنها وقراها، ووقف أبناء ظفار يدًا بيد مع القوات المسلحة رافضين أن تكون بوابة عبور لصراع دولي وأطماع تغطت بشعارات زائفة وأهداف خفية ومخططات شيطانية، لقد أعلن السلطان الراحل بكل صراحة أنَّ عُمان دافعت عن أرضها وعن جيرانها وعن المنطقة بأسرها في هذه الحرب الغادرة.

في حرب ظفار سطَّرت قوات السلطان المسلحة ملاحمَ لن ينساها التاريخ، ولعلنا نستذكر في هذا المقال حدثين ساهما في تحقيق النصر المؤزر، وأنقذا البلاد من هذا المخطط الغادر، هذان الحدثان كانا حاسميْن في حرب ظفار إلى جانب حِنكة القائد ودعم الأصدقاء، ففي فجر 19 يوليو 1972 نفَّذت قوات الجبهة هجومًا على ولاية مرباط بغية استعادة السيطرة على أهم المواقع، واصطدمت مع الحامية قرب حصن مرباط التي صدَّت الهجوم بمساندة أبناء مرباط المُخلِصِين. هذا الهجوم الذي لو تمَّ لغيَّر ملامح الحرب وأطال مداها، لما سوف يُحدثه من تفوق عسكري ونفسي واستراتيجي لقوات العدو، فبعد نجاح قوات السلطان المسلحة في قطع خط الإمداد والشريان الذي كان يغذي العدو، وتمكن قواتنا الباسلة من استعادة العديد من المواقع والقرى التي كانت قد سقطت في أيام الحرب الأولى، كان لابد من أن يستجمع العدو قوته ليضرب ضربته الأخيرة.

وفي معركة مرباط أثبت أبناء هذا الوطن العزيز أن العقيدة الوطنية وتراب هذا الوطن غير قابلين للمساس، ونجحت قلة منهم بعقيدتها وعزيمتها في صد هذا الهجوم المتفوق عددًا وعتادًا والصمود أمامه وقهره. ويرى كثير من المؤرخين أنَّ هذه المعركة كانت الأهم بين سلسلة المواجهات التي شهدتها حرب ظفار، فقد كانت بداية النهاية لأطماع العدو، وكانت المعركة التي حولت الحرب إلى سلسلة انتصارات متتالية، وما بعد هذه الحرب كان السقوط المعنوي الشديد لقوات العدو التي راحت تندحر وتتراجع من مواقعها، وفقدت معها القدرة على لم شتاتها وإعادة تنظيمها، لقد كانت معركة مرباط نقطة التحول التي صنعتها قواتنا المسلحة في هذه الحرب الصعبة.

أما الحدث الثاني فكان في أواخر عام 1975، وكان في إحدى مدن سلطنة عُمان الشامخة وبوابتها الجنوبية التي تقف شامخة في جبال ظفار، معركة صرفيت أو ما تعرف محليًا بـ"دِفا"، وهي المعركة الأخيرة التي غرست آخر خنجر عُماني في قلب العدو الطامع الغادر؛ ففي هذه المعركة سقط آخر معاقل الشيوعية، وانتهت معها أحلامهم في التوسُّع والدخول للخليج العربي من بوابة سلطنة عُمان. وفي هذه المعركة سَطَّرت- مرة أخرى- قوات السلطان المسلحة وقوات الفرق ملاحم البطولات والتضحيات في ميادين العزة والشرف، ووقفت في وجه مخطط أراد أن يعصف بالمنطقة أجمع؛ فكانت عُمان مقبرة الغُزاة، وكان رجالها البواسل حائط صد تكسَّرت عند أساساته أحلام المغرورين. لقد انتصرت قواتنا المسلحة في هذه المعركة وسلَّمت البقية الباقية من العدو أسلحتها وخضعت، ليُعلن السلطان قابوس في يوم 11 ديسمبر 1975 وعبر خطاب النصر، انتهاء واحدة من أقسى الحروب وأصعبها، ليُسجِّل تاريخ عُمان الحديث ملحمةً تاريخيةً خالدةً مُرصَّعة بالفخر والشرف.

يوم قوات السلطان المسلحة- والذي يصادف 11 ديسمبر من كل عام- قد لا تعرف بعض الأجيال الحالية ما يعنيه؛ فهو ليس تاريخًا عابرًا؛ بل هو يوم تحققت فيه إرادة الشعب وإخلاص القائد الشاب الذي استلم الحكم في ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة جدًا، لكنه كان يُدرك ما يحدث ويعلم أن هذه المرحلة مفصلية لبقاء الدولة واستمرارها أو نهايتها واندثارها، فما من خيار سوى المواجهة ولا نتيجة مقبولة سوى الانتصار. ولكم أن تتخيلوا ما يعني كل ذلك في تلك الفترة الزمنية الصعبة، ولكن بعزيمة وإصرار وإرادة الأوفياء وحنكة القيادة عبرت سلطنة عُمان من أصعب اختبار واجهته في تاريخها الحاضر؛ فالعدو الخارجي عبارة عن تحالف دولي قوي يسيطر على نصف العالم وقتها.

لا بُد من ربط الأجيال بماضي بلادنا وتاريخها المجيد؛ فهذه المناسبات ليست تاريخًا يعبر ويومًا يمضي؛ بل هي وثائق تاريخية تُفتح كل عام، وكما كان نهج القائد الخالد في تعظيم دور قوات السلطان المسلحة، سار على نفس النهج حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والذي أولى عنايته الكريمة للقوات المسلحة منذ اليوم الأول لتولي مقاليد الحكم، وراح يرسم صورة جديدة مُشرقة لدرع الوطن وحماته؛ لأنه يُدرك أن السلام يُرعى بالاستعداد وأن حمايته تتطلب قوة وقدرة على مواجهة ما يعترضه من تحديات وأحداث، خاصة في هذا الوقت الذي تمر فيه المنطقة والعالم بصراعات تهدد آمنه واستقراره.

هذا هو يوم 11 ديسمبر لمن لا يعرف معناه، وكما قال السلطان قابوس "أيها المواطنون.. إنَّ انتهاء فلول الشيوعية من جبال ظفار ليس معناه انتصارًا على شراذم قليلة قاموا بالبغي والفساد فحسب، ولكنه كشف واضح لحقيقة ثابتة وهي أن عُماننا العزيزة أرض طاهرة لا تقبل بذور الحركة الشيوعية مهما حشدوا لها من طاقات، وانتصارنا هذا يُؤكد فشل الحركة الشيوعية في عُمان وذلك من فضل الله.. ولله المنة".

فلتمضِ المسيرة المباركة والنهضة المتجددة على خطى البطولات والإنجازات لتُعانق الأجيال الجديدة ماضي هذا الوطن العزيز.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الجمعية اللبنانية للأسرى: 23 أسيراً يقبعون في سجون العدو الإسرائيلي 9 منهم بعد وقف النار
  • من معركة دِفَا وصمود مرباط صُنع مجد "11 ديسمبر"
  • جوتيريش يعرب عن اعتزازه بالتعاون القائم مع العراق
  • الدفاع الروسية تعلن القضاء على مجموعة من القوات المسلحة الأوكرانية في غوليايبولي
  • «جمعية الإمارات للمتقاعدين».. جودة حياة وبداية عطاء
  • القوات الروسية تُحرر بلدتين في مقاطعة خاركوف
  • الأردن وألمانيا يعززان التعاون العسكري المشترك
  • الخدمات الاجتماعية العسكرية تكرّم عددا من ذوي الإعاقة من منتسبي القوات المسلحة
  • السوداني:شهداء الحرب ضد داعش لهم منزلة عظيمة عند الله
  • صحة غزة: حصيلة جديدة لضحايا الهجمات العسكرية الإسرائيلية في القطاع