معركة قانونية جديدة تعمّق الانقسام السياسي في تركيا
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
أنقرة- تفاقمت حدة التوتر في المشهد السياسي التركي مع اندلاع مواجهة قضائية بين المؤسسة العسكرية وأكبر أحزاب المعارضة، بعد أن رفع وزير الدفاع التركي يشار غولر، ورئيس الأركان العامة وقائد القوات البرية وقائد القوات البحرية، دعاوى تعويض منفصلة ضد رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال، بسبب انتقاداته قرار فصل خمسة ملازمين من الجيش التركي.
والخطوة، التي تعد غير مسبوقة في العلاقة بين الجيش والسياسة، فجّرت سجالا واسعا؛ حيث اتهمت المعارضة الحكومة بتوظيف القضاء أداة للضغط على خصومها السياسيين، بينما رد الرئيس رجب طيب أردوغان بلهجة صارمة، محذرا المعارضة من تجاوز "الخطوط الحمراء".
بدأ الجدل بعد قرار المجلس الأعلى للانضباط العسكري بفصل خمسة ملازمين وثلاثة ضباط من صفوف الجيش، على خلفية ما يُعرف بـ"مظاهرة الضباط" خلال حفل التخرج العسكري من الأكاديمية العسكرية التابعة لجامعة الدفاع الوطني في أنقرة، في 30 أغسطس/آب الماضي.
وفي الحفل، نظم نحو 400 ملازم فعالية موازية عقب انتهاء القسم العسكري، إذ رفعوا سيوفهم ورددوا شعارات تمجد مصطفى كمال أتاتورك، في خطوة أثارت جدلا واسعا، واعتبرتها القيادة العسكرية "إخلالا بالانضباط العسكري"، مما دفع وزارة الدفاع إلى اتخاذ قرار الفصل مطلع فبراير/شباط الماضي، مشددة على أنها لن تتهاون مع أي تجاوزات داخل الجيش.
إعلانلكن القرار أثار غضب المعارضة، حيث اعتبره حزب الشعب الجمهوري استهدافا لضباط يعبرون عن هويتهم الأتاتوركية، متهما الحكومة بمحاولة إقصاء العناصر المؤمنة بمبادئ الجمهورية من المؤسسة العسكرية.
وفي تصعيد غير مسبوق، هاجم رئيس الحزب، أوزغور أوزال، قادة الجيش واتهمهم بالانصياع للضغوط السياسية، مشيرا إلى أن القرارات لم تكن قائمة على معايير مهنية، بل جاءت نتيجة "تدخلات لتصفية تيارات معينة داخل الجيش".
أردوغان يتدخلتصاعدت الأزمة مع رد فعل قوي من المؤسسة العسكرية، التي اعتبرت تصريحات رئيس حزب الشعب الجمهوري إساءة مباشرة لهيبة القوات المسلحة، مؤكدة أن الجيش يعمل وفق القوانين الدستورية ولن يسمح بأي تدخل سياسي في قراراته.
وفي خطوة غير مسبوقة، لجأ وزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة القوات البرية والبحرية إلى القضاء، حيث رفعوا دعاوى قضائية على أوزغور أوزال، مطالبين بتعويضات مالية بدعوى "الإضرار بسمعة الجيش التركي".
وزاد دخول الرئيس رجب طيب أردوغان على خط المواجهة من حدة التوتر؛ إذ وجه تحذيرا مباشرا إلى أوزال في خطاب جماهيري، مؤكدا أن المؤسسة العسكرية ليست ساحة لتصفية الحسابات السياسية، ومشددا على أن أي تجاوز في هذا السياق لن يكون بلا رد.
كما أعلن أردوغان، أن الحكومة ستدعم القضايا المرفوعة على أوزال، مؤكدا أن القضاء سيحسم الأمر لصالح الجيش، حفاظا على هيبته واستقلاله عن التجاذبات السياسية.
اعتبرت نائبة رئيس الحزب، غامزة تاشجيير، القضايا المرفوعة بأنها "محاولة لاستخدام القضاء أداة لقمع المعارضة"، متهمة الحكومة بتسييس المؤسسة العسكرية لضرب خصومها.
وأضافت "هذه القضايا ليست سوى امتداد لسياسات الضغط التي تمارسها السلطة، وهي تهدف إلى ترهيب الأصوات المنتقدة داخل المجتمع".
إعلانوذهبت تاشجيير أبعد من ذلك، معتبرة أن الإجراءات ضد الضباط المفصولين تُضعف تماسك الجيش، قائلة إن "من يرفعون الدعاوى باسم الجيش هم من يضرون بسمعته وليس المعارضة".
من جانبه، يقول بدري أغاج، النائب في حزب الشعب الجمهوري، إن رفع قادة الجيش التركي دعاوى قضائية على أوزغور أوزال جاء بناء على تعليمات مباشرة من الرئيس رجب طيب أردوغان، معتبرا أن هذه الخطوة "تكشف بوضوح مدى تداخل السياسة بالمؤسسة العسكرية في تركيا، وهو ما أسفر في الماضي عن نتائج كارثية"، وفق تعبيره.
وأضاف أغاج في حديث للجزيرة نت، أن أردوغان الذي كان في التسعينيات من أشد المنتقدين لتدخل الجيش في السياسة، هو اليوم يفعل الشيء ذاته، لكن بأسلوب مختلف، عبر استغلال القضاء، مشددا على أن الجيش يجب أن يبقى بعيدا عن التجاذبات السياسية، تماما كما يجب أن يكون القضاء مستقلا عن الضغوط الحكومية.
وختم "الجيش التركي هو ملك الشعب، وليس لحزب أو شخص، وقادته يجب أن يتصرفوا وفقا لهذه الحقيقة، لا وفقا لحسابات سياسية ضيقة".
تحول طبيعيفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي جنك سراج أوغلو، أن لجوء قادة الجيش إلى القضاء ضد أوزغور أوزال يعكس تحولا طبيعيا في العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسياسة في تركيا، مشيرا إلى أن هذه الخطوة لا تعني بالضرورة تسييس الجيش، بل هي محاولة للحفاظ على استقلاليته وهيبته في وجه اتهامات علنية تمس سمعته وشرعية قراراته.
وأضاف سراج أوغلو، أن المؤسسة العسكرية التركية، التي كانت لعقود فاعلا رئيسيا في السياسة، تبنت في السنوات الأخيرة نهجا أكثر انضباطا وابتعادا عن التدخل المباشر في الشأن السياسي، موضحا أن التعاطي مع الخلافات عبر الأطر القانونية، يعد تطورا إيجابيا يعكس ترسيخ دولة القانون والمؤسسات.
وأشار إلى أن أوزغور أوزال، كرئيس لحزب معارض، يملك الحق في انتقاد قرارات الجيش، "لكن تصريحاته تجاوزت النقد السياسي إلى التشكيك في نزاهة القادة العسكريين واتهامهم بالرضوخ لتدخلات سياسية، وهو أمر يستوجب الرد من خلال القنوات القانونية".
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان حزب الشعب الجمهوری المؤسسة العسکریة الجیش الترکی أوزغور أوزال
إقرأ أيضاً:
الانقسام الألماني حول دعم إسرائيل يشق صفوف التحالف الحاكم
نشرت صحيفة "إل بايس" الإسبانية تقريرا يرصد الانقسام المتنامي داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا بشأن حرب غزّة ودعم حكومة نتنياهو وسط تصاعد الضغوط الداخلية على المستشار ميرتس لتعديل سياساته.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الضغوط تتزايد على المستشار الألماني من الحزب الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس للالتحاق بمواقف شركائه الأوروبيين في إدانة الحرب على غزة واتخاذ إجراءات ضد حكومة نتنياهو.
وهذا الأسبوع، دعا التكتل البرلماني للاشتراكيين الديمقراطيين الحكومة الفيدرالية إلى التخلي عن التحفظات التاريخية التي تحول دون توجيه انتقادات مباشرة لإسرائيل، فيما حذر الشركاء الأصغر في الائتلاف من أن البلاد بلغت "نقطة اللاعودة".
كما برز تململ داخل السلك الدبلوماسي عبّر عنه 13 سفيرا سابقا في رسالة طالبوا فيها بتقييد صادرات الأسلحة والتعاون العسكري مع إسرائيل.
وحسب تقرير لصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" نُشر الخميس، يبحث ميرتس وفريقه تعديلا محتملا في السياسة تجاه إسرائيل وسط أجواء من "الإحباط المتزايد" داخل الحكومة و"مؤشرات على نفاد الصبر".
ومع تراجع التأييد الشعبي، باتت السياسة التقليدية في دعم إسرائيل موضع تشكيك، حيث كشف استطلاع حديث للقناة الألمانية "زي دي إف" أن 80 بالمئة من الألمان يعتبرون القصف الإسرائيلي لغزّة غير مبرر مقارنة بـ69 بالمئة قبل سنة.
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل تضع ألمانيا أمام معضلة فريدة لا تواجهها أي دولة أخرى وذلك بالنظر إلى مسؤوليتها التاريخية عن جريمة إبادة ستة ملايين يهودي في عهد النازية، فقد صاغت ألمانيا مبدأ "لن يتكرر أبدا" الذي وجّه سياستها لعقود جامعًا بين الدفاع عن إسرائيل كجزء من هوية الدولة والالتزام العالمي بحقوق الإنسان.
وتابعت، أنه عندما تتهم إسرائيل، كما في غزّة، بانتهاكات جسيمة لتلك الحقوق، تدخل السياسة الألمانية في أزمة ويصطدم مبدأ "سبب وجود الدولة" مع مبدأ الدفاع عن القيم الإنسانية.
واستنادا إلى مجلة دير شبيغل الأسبوعية، فإن عددا متزايدا من الدبلوماسيين والدبلوماسيات في وزارة الخارجية الألمانية يجدون صعوبة متنامية في التوفيق بين مبدأ "سبب وجود الدولة" والقانون الدولي.
وقد كشفت المجلة أن 130 موظفا – وُصفوا بأنهم من الجيل الشاب في الثلاثينيات والأربعينيات من أعمارهم – شكّلوا مجموعة حوار داخلية تسعى للدفع باتجاه تغيير السياسات، وقد علّق بعضهم بطاقات بريدية من حملة نظمتها منظمة "ميديكو إنترناشيونال" على أبواب مكاتبهم أو وزّعوها في مقاصف الوزارة تحمل صورًا لدمار غزّة مرفقة بعبارات مثل: "يومًا ما، سيقول الجميع إنهم كانوا ضد ذلك".
وأضافت الصحيفة أن ميرتس ذهب في انتقاداته لحكومة بنيامين نتنياهو إلى مدى غير مسبوق مقارنة بأسلافه، إذ صرّح في أيار/مايو الماضي بأن "الحدود تُتجاوز" في إشارة إلى أفعال "إسرائيل" في غزّة، مضيفًا أن "القانون الدولي الإنساني يُنتهك".
وبالنظر إلى كونه مستشارًا لدولة "ملزمة أكثر من أي دولة أخرى في العالم بالتروي عند تقديم النصائح لـ "إسرائيل"، فإن نبرته مثّلت خروجا لافتا عن النهج التقليدي، وفق الصحيفة الإسبانية.
وفي المقابل، اتخذ ميرتس موقفا مغايرا لشركائه الأوروبيين برفض تجميد اتفاق الشراكة الأوروبي-الإسرائيلي الذي ينظم العلاقات بين الطرفين، وامتنع هذا الأسبوع عن توقيع بيان مشترك صادر عن 28 دولة، من بينها المملكة المتحدة وفرنسا وكندا وإيطاليا وإسبانيا، يُدين "المجازر اللاإنسانية بحق المدنيين، بمن فيهم الأطفال، الذين يسعون فقط لتأمين احتياجاتهم الأساسية من ماء وغذاء".
ومن بين القوى الغربية والديمقراطية الكبرى، غابت عن البيان فقط الولايات المتحدة وألمانيا.
وأوضحت الصحيفة أن ميرتس يتعرّض لانتقادات صريحة في رسالة السفراء السابقين، وغير مباشرة في رسالة الاشتراكيين الديمقراطيين لكون خطابه المتشدد لم يُترجم إلى خطوات ملموسة.
وفي دفاعه عن رفض التوقيع على بيان الشركاء، قال إن مضمون البيان عبّر عنه سابقًا في محافل أخرى مثل الاتحاد الأوروبي.
أما رسالة نواب الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الموقعة من قبل المتحدث باسم السياسة الخارجية أديس أحمدوفيتش، والرئيس السابق للكتلة البرلمانية رولف موتسينيش، فقد استندت إلى "تقارير عن أطفال يعانون الجوع ومجاعة تتفاقم سريعا"، لمطالبة الحكومة التي يشارك فيها حزبهم بالتحرك الفوري.
وطالب النواب بانضمام ألمانيا إلى مبادرات أوروبية مثل بيان الدول الـ28، وتجميد اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، واعتماد إجراءات مثل وقف تصدير الأسلحة "التي تُستخدم في انتهاك حقوق الإنسان".
وبحسب ما ورد في تحذير السفراء السابقين، في رسالة نشرتها مجلة "دي تسايت" مطلع الشهر، فإن استمرار صادرات الأسلحة قد يُعرّض المسؤولين والسياسيين الألمان لمساءلات قانونية أمام محاكم وطنية ودولية.