دمشق - أقرّت السلطات السورية الخميس 13مارس2025، إعلانا دستوريا للمرحلة الانتقالية، يُحدد مدتها بخمس سنوات يتولى خلالها الرئيس الانتقالي السلطة التنفيذية في البلاد، بعد ثلاثة أشهر من الإطاحة بالرئيس بشار الأسد عقب نزاع مدمر امتد 14 عاما.

وجاء توقيع الإعلان بعد أيام من أعمال عنف دامية في منطقة الساحل أوقعت 1476 قتيلا مدنيا غالبيتهم علويون، قضوا على أيدي عناصر الأمن العام ومجموعات رديفة، وفق آخر حصيلة للمرصد السوري لحقوق الانسان الانسان.

وشكّل التصعيد، وفق محللين، اختبارا مبكرا للرئيس أحمد الشرع الساعي لتكريس سلطته في المرحلة الانتقالية على كامل التراب السوري.

وبعيد توليه السلطة في دمشق عقب الإطاحة بالأسد أواخر العام الماضي، أعلن الشرع عن سلسلة خطوات لإدارة المرحلة الانتقالية، من أبرزها "إعلان دستوري" وحلّ مجلس الشعب وتشكيل حكومة انتقالية كان يُفترض أن تبصر النور مطلع آذار/مارس، بعدما تولت حكومة موقتة تسيير شؤون البلاد منذ ثلاثة أشهر.

وقال الشرع الخميس بعد توقيعه مسودة الإعلان الدستوري في القصر الرئاسي "هذا تاريخ جديد لسوريا، نستبدل فيه الظلم بالعدل"، آملا في أن يكون "فاتحة خير للأمة السورية على طريق البناء والتطور".

وبعد يومين من توقيعها اتفاقا مع الشرع يقضي بدمج مؤسساتها المدنية والعسكرية في إطار مؤسسات الدولة، انتقدت الإدارة الذاتية الكردية الإعلان الدستوري، معتبرة أنه "يفتقر لمقاييس التنوع الوطني السوري، ويخلو من حالة المشاركة الفعلية لمكونات سوريا الوطنية".

ورأت أن الإعلان الدستوري يعبّر عن "العقلية الفردية والتي تعدّ امتدادا للحالة السابقة التي تواجدت في سوريا وانتفض الشعب ضدها"، مشيرة إلى "بنود ونمط تقليدي يتشابه مع المعايير والمقاييس المتّبعة من قبل حكومة البعث"، الحزب الذي حكم البلاد لعقود.

ولم يدعَ الأكراد الى مؤتمر الحوار الوطني، ولم يمثّلوا في لجنة صياغة الدستور التي تمّ تكليفها، قبل التوصل الى اتفاق مع دمشق.

وتتوزع بنود الإعلان المؤلف من 53 مادة على أربعة أبواب. ونصّ على مبادئ عدة من أبرزها "الفصل" بين السلطات، في بلاد شهدت اختزال موقع الرئاسة لمجمل الصلاحيات خلال العهود السابقة، والتشديد على جملة من الحقوق والحريات الأساسية، بينها حرية الرأي والتعبير وحق المرأة في المشاركة.

وتلا عضو لجنة صياغة الإعلان عبد الحميد العواك أبرز بنود المسودة خلال مؤتمر صحافي في القصر الرئاسي، قبل المصادقة عليها من الشرع.

وحدّد الاعلان "المرحلة الانتقالية بخمس سنوات"، على أن يتم "إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية" بهدف "تحديد سبل المساءلة والحق في معرفة الحقيقة وإنصاف الضحايا والناجين" في النزاع المدمّر الذي اندلع عام 2011.

وفي ما يتعلق بعمل السلطات، قال العواك "لأن مبدأ الفصل ما بين السلطات كان غائبا عن النظم السياسية، تعمّدنا اللجوء إلى الفصل المطلق بين السلطات" بعدما عانى السوريون "سابقا من تغوّل رئيس الجمهورية على باقي السلطات".

- تجريم "تمجيد" الاسد -

ويعود للرئيس الانتقالي "تعيين ثلث" أعضاء مجلس الشعب، الذي حُددت ولايته بثلاثين شهرا قابلة للتجديد.

وبحسب نص الاعلان الدستوري الذي وزعته الرئاسة لاحقا، يتولى مجلس الشعب السلطة التشريعية حتى "اعتماد دستور دائم وإجراء انتخابات تشريعية جديدة وفقا له".

وقال العواك إنه سيصار في المرحلة المقبلة الى تشكيل هيئة عليا للانتخابات ستتولى الإشراف على انتخابات اختيار أعضاء ثلثي مجلس الشعب.

ويتولّى رئيس الجمهورية والوزراء السلطة التنفيذية، في خطوة قال العواك إنها تشكل "خيارا مناسبا مبنيا على ضرورة سرعة التحرك لمواجهة أي صعاب أو أحداث في المرحلة الانتقالية".

ومنح الاعلان الرئيس صلاحية استثنائية واحدة، وهي إعلان حالة الطوارئ.

وأكد "استقلالية" السلطة القضائية و"منع إنشاء المحاكم الاستثنائية" التي عانى منها السوريون كثيرا في الحقبات الماضية.

ويرد في الاعلان الدستوري ان "الفقه الإسلامي... المصدر الرئيس" للتشريع والاسلام دين رئيس الدولة. وأقر راية الاستقلال ذات النجوم الثلاث، والتي رفعها معارضو الأسد خلال الاحتجاجات، علما للبلاد.

وبحسب النص، "تجرّم الدولة تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، ويعد إنكار جرائمه أو الاشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها جرائم يعاقب عليها القانون".

كما نصّ الاعلان الدستوري، وفق العواك، "على مجموعة كبيرة من الحقوق والحريات منها حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة"، وحرية المعتقد، إضافة الى "حق" المرأة في التعليم والعمل، و"تكفل الدولة  الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة".

ويتضمن الاعلان الدستوري كذلك تجريم "دعوات التقسيم والانفصال وطلب التدخل الأجنبي أو الاستقواء بالخارج"، في حين تلتزم الدولة "بمكافحة جميع أنواع وأشكال التطرف العنيف".

ويخصص الاعلان بندين مرتبطين بتداعيات النزاع. إذ تسعى الدولة "للتنسيق مع الدول والجهات ذات الصلة لدعم عملية إعادة الإعمار". كما تعمل مع "الدول المنظمات الدولية ذات الصلة لتذليل عقبات العودة الطوعية للاجئين والنازحين" بعدما شردت الحرب أكثر من نصف عددد السكان.

ويصبح الإعلان الدستوري ساري المفعول بعد نشره في الجريدة الرسمية.

- محاسبة وتعافٍ -

ولا يتيح الإعلان الدستوري، وفق ما قال العواك في مؤتمر صحافي عقده لاحقا، إمكانية عزل رئيس الجمهورية.

وقال ردا على سؤال صحافي "لا يستطيع رئيس الجمهورية أن يعزل نائبا، ولا مجلس الشعب يعزل الرئيس، لأنه نظام رئاسي، هكذا هو نظامه، ومطبّق في أميركا وفي تركيا والعديد من الدول".

وأمل الموفد الدولي الخاص الى سوريا غير بيدرسن أن يشكل الاعلان الدستوري "إطارا قانونيا قويا لانتقال سياسي حقيقي وشامل"، معتبرا أن "التطبيق السليم يبقى الأمر الأساس".

وأطاحت فصائل معارضة تقودها هيئة تحرير الشام التي تزعمّها الشرع، بحكم الأسد مع دخولها دمشق في الثامن من كانون الأول/ديسمبر إثر هجوم بدأته من معقلها في شمال غرب البلاد في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر.

وأعلنت السلطات الجديدة حينها تعيين حكومة تصريف أعمال لمدة ثلاثة اشهر، أي حتى مطلع آذار/مارس، إلا انه لم يصار بعد الى تشكيل حكومة انتقالية.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان الخميس إن "الأمم المتحدة مستعدة للعمل جنبا إلى جنب مع الشعب السوري لدعم عملية انتقال سياسي تشمل الجميع وتضمن المحاسبة وتعزز التعافي على المستوى الوطني".

وقال مع قرب اتمام النزاع عامه الرابع عشر "لا بد أن نضمن أن تخرج سوريا من ظلال الحرب نحو مستقبل يقوم على الكرامة وسيادة القانون، يُصغى فيه إلى جميع الأصوات ولا يستثنى منه أحد".

Your browser does not support the video tag.

المصدر: شبكة الأمة برس

إقرأ أيضاً:

اتفاق بين السلطات الكردية ودمشق لإجلاء السوريين من مخيم الهول

دمشق - أعلنت السلطات الكردية، شمال شرقي سوريا، يوم أمس الاثنين، عن التوصل إلى اتفاق مع الحكومة الانتقالية في دمشق بشأن إجلاء المواطنين السوريين من مخيم الهول، الذي يضم عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يزعم ارتباطهم بتنظيم "داعش". وقالت وسائل إعلام أمريكية أن هذا الإعلان جاء بعد اجتماع جمع بين ممثلي الإدارة الكردية والحكومة المركزية ووفد من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وأكد شيخموس أحمد، أحد مسؤولي الإدارة الكردية، أن الاجتماع أسفر عن التوصل إلى "آلية مشتركة" لإعادة العائلات السورية من المخيم إلى مناطق سيطرة الحكومة المركزية. كما نفى أي نقاشات حول تسليم إدارة المخيم لدمشق في المدى القريب، قائلاً: "لم تكن هناك أي مناقشات في هذا الصدد مع الوفد الزائر أو مع الحكومة في دمشق". يذكر أن مخيم الهول يضم نحو 37 ألف شخص، معظمهم من زوجات وأطفال مقاتلي تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى أنصار التنظيم من جنسيات مختلفة، بما في ذلك عراقيون ومواطنون من دول غربية. وقد حذرت منظمات حقوقية مراراً من سوء الظروف المعيشية وانتشار العنف داخل المخيم. وفيما يخص السوريين الموجودين في المخيم، فقد كانت هناك آلية سابقة لإعادة من يرغب منهم إلى مناطق سيطرة الإدارة الكردية، حيث تم إنشاء مراكز لإعادة دمجهم. إلا أن هذا الاتفاق يعد الأول من نوعه الذي يتضمن إعادتهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية في دمشق. يأتي هذا التطور في إطار مساعي تعزيز التعاون بين الإدارة الكردية والسلطات الجديدة في دمشق، خاصة بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

كما يندرج ضمن تنفيذ اتفاق مارس/آذار الماضي، بين الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية، الذي ينص على دمج الأخيرة في الجيش الحكومي الجديد، وتسليم السيطرة على المعابر الحدودية وحقول النفط والسجون إلى الحكومة المركزية. ويمثل الاتفاق خطوة مهمة نحو توحيد سوريا بعد سنوات من الانقسامات التي خلفتها الحرب الأهلية، التي اندلعت عام 2011، إثر قمع الاحتجاجات المناهضة لنظام الأسد. ومع ذلك، لا تزال وتيرة التنفيذ بطيئة، فيما تواصل واشنطن الضغط لتسريع نقل إدارة السجون في الشمال الشرقي إلى السلطات الدمشقية.

مقالات مشابهة

  • تعليق العقوبات الأمريكية على سوريا.. نافذة أمل جديدة لانطلاق مرحلة التعافي الاقتصادي
  • حزب الجبهة الوطنية يعتمد استراتيجية وطنية متكاملة لإدارة الأزمات
  • السلطات السورية تؤكد إغلاق "مقرات البوليساريو" في دمشق
  • السلطات السورية تؤكد إغلاق "مقرات البوليساريو" في دمشق
  • رسمياً: فتح طريق الضالع صنعاء بعد إغلاق دام سنوات
  • اتفاق بين السلطات الكردية ودمشق لإجلاء السوريين من مخيم الهول
  • السلطات السورية تضبط خلايا تابعة لداعش قرب دمشق
  • الفاضلي: عدم الانزلاق لمرحلة انتقالية جديدة بأي ثمن هو مربط الفرس
  • عثمان جلال يكتب: الدكتور كامل إدريس ومطلوبات المرحلة الانتقالية
  • السلطات السورية ستساعد واشنطن في العثور على أميركيين مفقودين