شمسان بوست / متابعات:

فقط تخيل التالي: الطقس بارد جدا طوال أيام السنة، وكل شيء ساكن، لا يوجد صيف تقريبا إلا من أيام معدودات يمكن فيها أن تخرج في الشارع دون سيارة مجهزة.

على مستوى العالم تمتد التكوينات الجليدية بسُمك 3 إلى 4 كيلومترات لتغطي نصف الكرة الأرضية الشمالي بداية من القطب نزولا إلى ما حدوده الآن نصف الولايات المتحدة الأميركية وإنجلترا والنرويج ونصف روسيا.



أما في الجنوب فقد غطت الثلوج القطب الجنوبي وصولا إلى ما حدوده الآن أطراف جنوب أفريقيا وأجزاء من أستراليا وقارة أميركا الجنوبية، وبين هذا بالأعلى وذلك بالأسفل انضربت الأرض بموجات متتالية قاسية البرودة.

منذ نحو 2.5 مليون سنة دخلت الأرض حقبة اتسمت بعصور جليدية متعاقبة، بينها ما يسميها العلماء “فترات بين جليدية”، مثل العصر الذي نعيش فيه الآن، والذي بدأ قبل نحو 11 ألفا و700 سنة، ويحدد تحليل بحثي الموعد المتوقع للخروج من تلك الفترة إلى عصر جليدي جديد.

وبحسب الدراسة -التي نشرها الباحثون في دورية ساينس المرموقة- فقد قدم الباحثون تفسيرا جديدا مختلفا للتغيرات الطفيفة في مدار الأرض حول الشمس، والتي تؤدي إلى تحولات هائلة في مناخ الكوكب على مدى آلاف السنين.

وتتبعت الدراسة الدورات الطبيعية لمناخ الكوكب على مدى مليون عام، وبذلك قدمت رؤى جديدة حول نظام المناخ الديناميكي للأرض، الأمر الذي أدى بهذا الفريق إلى التنبؤ بموعد العصر الجليدي المقبل، على أن يكون بعد 10 آلاف سنة من الآن.

دورات ميلانكوفيتش
نعرف أن الأرض تدور حول نفسها كل 24 ساعة، وتدور حول الشمس كل 365 يوم وربع، في مدار بيضاوي يقترب من الشمس في بعض الأحيان ويبتعد عنها في أحيان أخرى، ونظن أن هذا النمط ثابت لا يتغير، لكن ذلك غير صحيح، فهناك دورات أخرى للأرض لا نعرف عنها شيئا.

فمثلا، تعرف ظاهرة المبادرة المحورية بأنها حركة دائرية متغيرة بطيئة للغاية للأرض حول محورها تشبه تلك التي تحدث حينما يلعب الأطفال بالنحلة الخشبية فتتأرجح حول محورها فيما تدور حول نفسها، الأرض تفعل ذلك، لكنها تكمل دورة واحدة من التأرجح كل نحو 26 ألف سنة.

تتداخل تلك الدورة مع دورتين أكثر اتساعا للأرض، تتضمن الأولى تغيرا في ميلها على المستوى، إذ تعلمنا في المدارس أن ميل محور الأرض يساوي 23.4، لكن ذلك الرقم غير ثابت أبدا، فهو خلال تلك الدورة -التي تحصل كل 41 ألف سنة- يتأرجح بين 22.1 درجة و24.5 درجة.

وتتضمن الدورة الثانية انحرافا في مدار الأرض، وتحصل على مدى خلال 100 ألف سنة، وفيها يتغير شكل مدار الأرض بين الأكثر بيضاوية والأقرب إلى الدائرة.

وتشكل الدورات الثلاث ما تسمى “دورات ميلانكوفيتش” نسبة إلى الفيزيائي الصربي ميلوتين ميلانكوفيتش الذي طورها عبر عمليات حسابية معقدة قبل 100 سنة تقريبا، وأثبتت الأرصاد الجيولوجية صحتها فيما بعد.

هذه التغيرات تبدو طفيفة، لكنها تؤثر بقوة على مناخ الأرض، فتغير تركيز أشعة الشمس وتنقله من منطقة إلى أخرى، وتؤثر على دورات المناخ الكبرى، فتدخل الكوكب كله في عصر جليدي.

صفائح متراكمة
وبحسب الدراسة الجديدة، وثق الفريق البحثي التغيرات في حجم الصفائح الجليدية البرية في نصف الكرة الشمالي، بالإضافة إلى درجة حرارة أعماق المحيط خلال مليون سنة مضت، وتمكنوا من مطابقة هذه التغيرات مع اختلافات دورية طفيفة في شكل مدار الأرض حول الشمس، والمبادرة المحورية، وزاوية ميلان محور الكوكب.

وبناء على تلك الحسابات -التي أجراها الفريق على حواسيب فائقة- وجد الباحثون نمطا يمكن التنبؤ به على مدى المليون سنة الماضية لتوقيت تغير مناخ الأرض بين “العصور الجليدية” والفترات الدافئة بين الجليدية مثل اليوم، إذ كان أحد أنواع التغيرات في مدار الأرض مسؤولا عن نهاية العصور الجليدية، في حين ارتبط نوع آخر بعودتها.

ومنذ الخمسينيات من القرن الماضي واجه العلماء في هذا النطاق صعوبة في تحديد أي معيار مداري هو الأكثر أهمية لبداية ونهاية الدورات الجليدية، وذلك لصعوبة تأريخ التغيرات المناخية في فترات زمنية بعيدة، ولكن الدراسة الجديدة تجيب عن هذا السؤال.

وقد وجد الباحثون أن كل فترة جليدية خلال الـ900 ألف سنة الماضية تتبع نمطا يمكن التنبؤ به يشير إلى أننا نمر حاليا بفترة جليدية بينية مستقرة، وأن العصر الجليدي المقبل سيبدأ بعد نحو 10 آلاف سنة من الآن.

والمميز في هذه النتائج أن النمط الذي وجده الباحثون قابل للتكرار لدرجة أنهم تمكنوا من تحديد موعد حدوث كل فترة جليدية بينية خلال المليون سنة الماضية ومدة كل منها.

وبناء على تلك النتائج يخطط الفريق لإنشاء خط سير للمناخ الطبيعي للأرض للسنوات الـ20 ألف المقبلة من خلال معايرة التغيرات الماضية.

ويأمل الباحثون من خلال استخدام محاكاة نماذج المناخ تحديد الآثار المطلقة لتغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية في المستقبل البعيد.

ويعتقد العلماء أن هذه الدورات مرتبطة بدخول الأرض في عصور جليدية، فنحن الآن نمر بما تسمى “فترة بين جليدية”، لكن قبل أكثر من 12 ألف سنة فقط كانت الأرض في عصر جليدي.

كيف عاش القدماء؟ وكيف سنعيش؟
خلال نحو 500 أو 600 ألف سنة سابقة عاش البشر خلال فترات جليدية، تخفوا في الكهوف بشكل أساسي للحصول على الحرارة، واعتمدوا إلى حد كبير على الصيد وجمع الثمار، وكانت حملاتهم للبحث عن الغذاء حذرة سريعة الحركة، فمع المناخات القاسية جدا ينخفض توافر الطعام، فالجفاف شديد والبرد أشد، وبالتالي تكون الحيوانات المفترسة على أهبة الاستعداد بشكل دائم.

وخلال تلك الفترة تطورت أدوات البشر وملابسهم لمواجهة ضربات البرد، فاستخدموا جلود الحيوانات وفراءها لحماية أنفسهم، وبالتالي كانت هناك حاجة لصنع أدوات أكثر تقدما، مثل الرماح ذات الرؤوس الحجرية والحراب القوية المرنة لصيد الحيوانات الكبيرة في العصر الجليدي.

رصد العلماء ذلك في رسوم الكهوف القديمة التي صورت الحيوانات ومشاهد من الحياة اليومية للبشر الذين عاشوا في تلك السنوات البعيدة.

لكن فقط مع وصولنا إلى العصر الحالي حيث تتميز الأرض بأجواء أدفأ تمكن البشر من الخروج من كهوفهم وتحركوا بحرية أكبر، فبنوا البيوت في العراء، والتي كانت أوسع وأكبر، واكتشفوا الزراعة ونهلوا مما أتيح لهم من خيرات هذا العصر الجديد بعد انقطاع دام لزمن طويل، وبدؤوا في بناء الحضارة.

ماذا سيحدث بعد 10 آلاف سنة حينما يعود العصر الجليدي من جديد؟ بالتأكيد لن نرجع إلى الكهوف، وستساعدنا التكنولوجيا الحديثة على تخطي الأمر بطريقة أو بأخرى، لكن لا شك أن ظروف الأرض ستصبح أشد قسوة مما يمكن أن نظن.

وفي هذا السياق، سيعمل العلماء على تطوير محاصيل مقاومة للبرد، والاستثمار في الزراعة الداخلية وتحت الأرض، وإلى جانب ذلك ستعمل الدول على تخزين الأغذية غير القابلة للتلف، وستكون احتياطيات الأغذية المجففة والمجمدة والمعلبة ضرورية.

وستتضمن حلول البشر وقتها توسيع مصادر الطاقة المتجددة، مع تطوير أنظمة تدفئة أكثر كفاءة، الأمر الذي يتطلب الاستثمار المتزايد في الطاقة النووية، لأنه مصدر طاقة مستقر وطويل الأمد لا يتأثر بالظروف الجوية.

وبالطبع ستتغير الهندسة تماما، فتتضمن أساسيات البناء عزلا أفضل وأنظمة تدفئة وملاجئ تحت الأرض، مع إعادة تصميم منظومة النقل حيث يجب تكييف الطرق والسكك الحديدية مع الظروف الجليدية، وربما بناء مدن تحت الأرض للحفاظ على الدفء والحماية من الظروف الجوية القاسية.

وسترافق ذلك بلا شك هجرات ملحمية للبشر، لأن الجغرافيا المناخية للكوكب ستتغير تماما، وقد كان هذا هو دأب البشر طوال تاريخهم، وهو ربما أحد أسباب نزعتهم لاستكشاف المجهول، أو كما قال الفلكي الأميركي كارل ساجان ذات مرة “الاستكشاف في طبيعتنا، بدأنا كمتجولين، وما زلنا إلى الآن متجولين”.

المصدر: شمسان بوست

كلمات دلالية: العصر الجلیدی مدار الأرض فی مدار على مدى ألف سنة

إقرأ أيضاً:

هل تكفي تسبيحة واحدة في الركوع أو السجود؟.. بما علق العلماء؟

الركوع أحد أركان الصلاة الأساسية، ولا تصح الصلاة بدونه، ومن نسيه وجب عليه الإتيان بسجود السهو تعويضًا، كما أن إدراك الركوع مع الإمام يعني إدراك الركعة وصلاة الجماعة، أما من لم يدرك الإمام في ركوعه، فلا تحتسب له الركعة.

وفيما يتعلق بالحركة التي تلي الركوع، فإن الفقهاء اختلفوا في مسألة الإطالة بعد الاعتدال منه؛ فمنهم من رأى أن المصلي يجوز له أن يسجد فورًا بعد الرفع، ومنهم من أجاز البقاء قليلاً للدعاء، لكنهم اشترطوا أن يكون الدعاء مما ورد فيه فضل خاص، كما في الحديث الذي أثنى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، على من قال دعاءً معينًا سمعه منه في الصلاة، وقال عنه إن الملائكة تسابقت لكتابته.

تسبيحة واحدة تكفي في الركوع والسجود

وفيما يخص عدد التسبيحات المطلوبة في الركوع أو السجود، أكد العلماء أن تسبيحة واحدة فقط تكفي، موضحين أن المهم هو أن يركع المصلي ويطمئن في ركوعه، ومتى تحقق الركن وأدّاه المصلي بخشوع، فإن صلاته تكون صحيحة.

وشدد العلماء على أن التسبيح في الركوع والسجود سنة عند جمهور أهل العلم، بينما يعده الحنابلة واجبًا وأقله تسبيحة واحدة.

 وأضافوا: "لو أخطأ المصلي فذكر أذكار السجود في الركوع أو العكس، فصلاته صحيحة، ولا يترتب على ذلك سجود سهو، بحسب ما ذهب إليه جمهور الفقهاء".

وأشار العلماء إلى أن الأفضل للمسلم أن يسبح ثلاث مرات أو أكثر أثناء الركوع والسجود، لكن إذا اقتصر على تسبيحة واحدة فقط، فصلاته صحيحة بإجماع العلماء، إذ إن السنة يمكن أن تتحقق بأدنى فعل منها.

نذرت سجدة شكر لله شهراً.. فهل يلزم ذلك الوضوء وهل يجوز وقت الكراهة؟أيهما أكثر استجابة الدعاء في السجود أم بعد التشهد الأخير؟.. الإفتاء توضحهل انكشاف جزء من ضهر الرجل في السجود تبطل الصلاة؟.. الإفتاء تجيبهل يجوز سجود الشكر وسجود التلاوة على غير وضوء؟.. أمين الإفتاء يجيب

دعاء عظيم بعد الاعتدال من الركوع

وتناول الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، موقفًا شريفًا يدل على فضل بعض الأدعية في هذا الموضع من الصلاة، حيث روى عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه أنه قال: كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركوع وقال: "سمع الله لمن حمده"، قال أحد الصحابة من خلفه: "ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه".

فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة: "من المتكلم آنفاً؟"، فقال الرجل: أنا، فقال عليه الصلاة والسلام: "رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول".

وأوضح الدكتور جمعة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هو من قال هذا الدعاء أولًا، لكنه أثنى عليه عندما سمعه، لما فيه من فضل عظيم، مشيرًا إلى أن بعض الأذكار والأدعية التي لم ترد عنه بشكل مباشر لها مع ذلك منزلة وفضل إذا أُدخلت في مواضعها المناسبة في الصلاة.

وأشار إلى حديث آخر عن ابن أبي أوفى، يذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد رفع ظهره من الركوع: "سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد".

هذه الأقوال والأحاديث تدل على سعة رحمة الله، وعلى مرونة السنة النبوية في الأذكار، ما دامت لا تخرج عن مواضعها الشرعية، ولا تبتعد عن ما أقره النبي أو أثنى عليه.

طباعة شارك الركوع أركان الصلاة إدراك الركوع

مقالات مشابهة

  • تصاعد وتيرة الاستيطان بالضفة الغربية المحتلة.. 22 مستوطنة جديدة خلال أشهر قليلة
  • الإفتاء توضح حكم سنة صلاة العصر وعدد ركعاتها
  • رئيس صرف الإسكندرية يُناقش خطة الطوارئ لمواجهة تغيرات المناخ
  • سليمان الهتلان يقترب من الترشح لرئاسة الهلال خلفًا لفهد بن نافل
  • سوق العصرونية.. قلب دمشق النابض رغم تحديات العصر (صور)
  • تجمع العلماء المسلمين يزور بلدية حارة حريك
  • الاتفاق السعودي يقترب من حسم صفقة أحمد حسن كوكا
  • أبناء يلقون والدتهم التسعينية في البرد والعراء حتى الموت.. فيديو
  • الرئيس الإيراني: مستعدون للحوار ولا نسعى للحرب لكننا سنرد بقوة على أي اعتداء
  • هل تكفي تسبيحة واحدة في الركوع أو السجود؟.. بما علق العلماء؟