مفتي الجمهورية: كل ما في حياة الإنسان أمانة يُسأل عنها يوم القيامة
تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT
أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الأمانة تعد واحدة من أهم الأخلاق التي عُرف بها الأنبياء والمرسلون عبر التاريخ، بدءًا من سيدنا آدم عليه السلام وحتى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مشيرًا إلى أن القرآن الكريم نقل لنا تأكيدًا واضحًا على هذه الحقيقة من خلال تكرار عبارة (إني لكم رسول أمين) في وصف عدد من الأنبياء، مما يبرز المكانة العظيمة لهذه الفضيلة التي ينبغي أن يتحلى بها كل مسلم.
وأضاف مفتي الجمهورية، خلال لقائه الرمضاني اليومي مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي" الذي يذاع على فضائية "صدى البلد"، أن بعض الناس قد يضيّقون مفهوم الأمانة بحصره في الجوانب المادية فقط، كحفظ المال ورد الحقوق المالية إلى أصحابها، في حين أن الأمانة في المنظور الإسلامي أوسع من ذلك بكثير، إذ تشمل جميع شؤون الحياة، بدءًا من العلاقة بين الزوج وزوجته، إلى الكلمة التي ينطق بها الإنسان، إلى حفظ العهد بين العبد وربه، وصيانة الأعراض، والالتزام بالواجبات والمسؤوليات، موضحًا أن الإسلام قد أولى هذه الفضيلة اهتمامًا كبيرًا، حتى جعلها ميزانًا للإيمان الصحيح، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له"، وهو تعبير شديد الدلالة على أن الإيمان الحقيقي مرتبط بالأمانة، وأن الوفاء بالعهد هو السبيل إلى الدين القويم والمسار المستقيم.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن القرآن الكريم لم يكتفِ بالدعوة إلى الأمانة، بل أوضح كيفية تطبيقها في الحياة العملية، فقال الله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، مما يدل على أن أداء الأمانات لا يقتصر على الأمور الفردية فحسب، بل يمتد إلى المسؤوليات المجتمعية الكبرى، وعلى رأسها العدل بين الناس، وهو ما يعزز فكرة أن الأمانة لا تقتصر فقط على حفظ المال، وإنما تشمل كل ما استؤمن عليه الإنسان، من حقوق وأقوال وأفعال.
وفي سياق الحديث عن الأمانة، أوضح الدكتور نظير عياد أن الصيام في شهر رمضان يعد مدرسة عملية لغرس هذه الفضيلة في النفوس، حيث إن جوهر الصيام يقوم على الأمانة بين العبد وربه، فالإنسان الصائم يمتنع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات ليس خوفًا من أعين الناس، ولكن التزامًا بأمر الله تعالى، وإيمانًا بمراقبته، وهذا أرقى صور الأمانة التي تجعل من الصيام عبادة تدريبية للالتزام بالمسؤولية في جميع شؤون الحياة.
وأضاف أن الصيام له مراتب متعددة، تبدأ بصيام العوام، الذي يقتصر على الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة، ثم يرتقي إلى صيام الخواص، الذي يشمل إضافة إلى ذلك حفظ الجوارح من المحرمات، ثم يأتي صيام خواص الخواص، وهو الامتناع ليس فقط عن المفطرات الظاهرة، ولكن عن كل ما قد يعكر صفاء العلاقة بين العبد وربه، كالتفكير في المعاصي، أو الميل إلى الأهواء، أو أي فعل قد يخدش نقاء القلب.
وأكد المفتي أن الانتقال من مرتبة إلى أخرى في الصيام يتطلب أدوات معينة، أهمها فهم المقاصد الحقيقية لهذه العبادة، مشيرًا إلى أن من يدرك أن الصيام مدرسة أخلاقية تهدف إلى تهذيب النفس، سيسعى إلى تحقيق ثماره المرجوة، وأبرزها التقوى، كما قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
واستشهد المفتي بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش"، مؤكدًا أن هذه إشارة واضحة إلى أن الصيام لا يحقق أهدافه إذا لم يترجم إلى التزام عملي بالأمانة، والوفاء بالعهود، وضبط السلوكيات، وهو ما يجعل الصيام تجربة روحانية لا تقتصر على الامتناع عن الطعام، بل تتعداه إلى التخلق بفضائل الأخلاق، والتقرب إلى الله بحسن التعامل مع الناس.
وتابع حديثه مشيرًا إلى أن تفريط الناس في الأمانة بات من الظواهر المؤسفة في المجتمع المعاصر، حيث انتشرت مظاهر الخداع والتدليس في المعاملات، وضاعت حقوق العمل والإنتاج، وتراجع الالتزام بالوقت والمسؤوليات، موضحًا أن هذا يعد صورة من صور خيانة الأمانة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من غشنا فليس منا"، مما يدل على خطورة هذه السلوكيات وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع.
وأردف قائلًا إن الإنسان مسؤول أمام الله عن كل ما ائتُمن عليه، مستشهدًا بقوله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا)، موضحًا أن الأمانة تشمل جميع التكاليف الشرعية، وهي الضابط الأساسي لإتقان العمل، وحفظ الحقوق، والالتزام بالواجبات، وستر العيوب، والبعد عن الاحتكار، والمبادرة إلى فعل الخيرات، مشددًا على أن من يتهاون في هذه الجوانب يكون قد خان الأمانة التي كلفه الله بها، وأن التكاليف الشرعية ليست خيارًا، بل التزامًا ومسؤولية لا بد من أدائها.
وفي ختام حديثه، أكد مفتي الجمهورية أن من يتحلى بالأمانة يقتدي بالمنهج النبوي، إذ اشتهر النبي صلى الله عليه وسلم بين قومه بلقب "الصادق الأمين"، وهو ما يدل على أن الجمع بين الصدق والأمانة هو أساس الشخصية الإسلامية السوية، مستدلًا بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، موضحًا أن الكذب والخيانة والتدليس من الصفات التي تتنافى مع الإيمان، وأن التحلي بالصدق والأمانة هو السبيل إلى بناء مجتمع قوي يسوده العدل والاستقامة.
ودعا الدكتور نظير عياد إلى التمسك بهذه الفضيلة العظيمة، وجعلها منهجًا لحياتنا اليومية، سواء في العلاقات الأسرية، أو المعاملات المالية، أو الالتزام بالعمل، أو أداء الحقوق لأصحابها، مشددًا على أن الصيام فرصة عظيمة لتدريب النفس على الأمانة، والارتقاء بالسلوك، وتعزيز القيم التي دعا إليها الإسلام، والتي يقوم عليها أي مجتمع صالح يسعى إلى رضا الله وتحقيق الخير للبشرية.
وفي ختام اللقاء، أجاب مفتي الجمهورية، عن عدد من أسئلة المشاهدين، حيث تحدث عن معاني الحب في الإسلام، ومفهوم الشفاعة، وأهمية الأمانة في العلم والفتيا والدعوة، ودور الأفراد في الحفاظ على الوطن باعتباره أمانة يجب صونها.
وأوضح أن الحب في الإسلام ليس مجرد مشاعر، بل هو التزام وإخلاص واتباع لنهج النبي صلى الله عليه وسلم، حيث استشهد بحديث النبي الكريم الذي أجاب فيه رجلًا سأله عن موعد القيامة، فرد عليه بقوله: «ماذا أعددت لها؟»، فقال الرجل: «إني أحب الله ورسوله»، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «أنت مع من أحببت». وقد كان هذا الحديث من أكثر ما أفرح الصحابة، لأنهم كانوا جميعًا يسعون إلى رفقة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة، لكنه أشار إلى أن هذه المحبة تقتضي الإخلاص والاتباع، والالتزام بالحدود الإلهية والأوامر النبوية، وهو ما يميز الحب الحقيقي عن مجرد العاطفة المجردة.
الشفاعةوعند الحديث عن الشفاعة، أكد المفتي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان دائم الحرص على أمته، وهذا ما ظهر في العديد من الأحاديث التي تناولت شفاعته يوم القيامة، حيث جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إني لا أسألك فاطمة ابنتي، ولا صفية عمتي، ولا العباس عمي، ولكن أقول: أمتي، أمتي»، فيجيبه الله تعالى: «يا محمد، ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، وعزتي وجلالي، أنت تقول: أمتي، أمتي، وأنا أقول: رحمتي، رحمتي». ولكن هذه الشفاعة ليست مطلقة، بل ترتبط بالاتباع والاقتداء والمحبة الحقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم، فمن أراد أن ينال شفاعته، فعليه أن يسير على نهجه، ويتمسك بسنته.
وحول الأمانة، أوضح المفتي أن العلم من أخطر أنواع الأمانة، لأنه مسؤولية عظيمة تتعلق بنقل المعرفة الصحيحة، وبيان الأحكام الشرعية، والتوجيه إلى الصلاح، وهو ما أشار إليه الله تعالى بقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، فقد وصف العلماء بأنهم أهل الخشية الذين يدركون حدود الله، ويعلمون حقوقه وصفاته، ومن هنا جاءت خطورة خيانة العلم، لأنها تؤدي إلى تشويه الدين، وتخريب العقول، ونشر الفوضى الفكرية، وقد يصل أثرها إلى إفقاد الناس الثقة في الدين نفسه.
وتطرق إلى الحديث عن الفتيا، مؤكدًا أنها أمانة عظيمة، لأن المفتي عندما يصدر حكمًا شرعيًا، فإنه يوقع عن الله تعالى، وهو ما يقتضي أن يكون أمينًا، ملتزمًا بالدقة والورع، وإلا فإنه يكون قد خان الأمانة، وابتعد عن الحق، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لا أمانة له»، فالمفتي مسؤول أمام الله عن كل كلمة يقولها، لأن الفتوى قد تؤدي إلى صلاح المجتمعات أو فسادها.
كما تحدث عن أمانة الدعوة إلى الله، مشيرًا إلى أن الداعي ينبغي أن يتحلى بالحكمة، والصبر على المدعوين، ومراعاة أحوالهم، والتدرج معهم، كما قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، محذرًا من أن بعض الدعاة يسيئون إلى الدين بسبب سوء فهمهم لمضامينه، أو عدم استخدامهم للأساليب الصحيحة في الدعوة.
أما عن أمانة الوطن، فقد أكد المفتي أن كل فرد مسؤول عن وطنه، وأن حب الوطن لا يكون بالشعارات، بل بالعمل والاجتهاد والحرص على مصلحته، مشيرًا إلى أن بعض الناس يعتقدون أن الغش في الامتحانات أو العمل أو التجارة نوع من الذكاء، ولكن الحقيقة أن هذه الأمور تندرج تحت خيانة الأمانة، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، مؤكدًا أن الخيانة في الأمانة من أخطر الصفات، حيث يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا}، كما وصف المنافقين بأنهم في الدرك الأسفل من النار، بسبب خيانتهم للأمانة.
وفي ختام الحلقة، وجه المفتي نصيحته للجميع بضرورة التمسك بالأمانة في كل مجالات الحياة، سواء في العلم أو الفتيا أو الدعوة أو الحفاظ على الوطن، مشددًا على أن الأمانة مسؤولية عظيمة، وأن الله سبحانه وتعالى سيسأل كل إنسان عما استرعاه من أمانات يوم القيامة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية الإفتاء اسأل المفتي الإسلام الأمانة رمضان الشفاعة المزيد النبی صلى الله علیه وسلم مفتی الجمهوریة مشیر ا إلى أن الله تعالى أن الأمانة الأمانة فی المفتی أن أن الصیام موضح ا أن على أن وهو ما
إقرأ أيضاً:
خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور عبدالفتاح العوارى، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والتى دار موضوعها حول قيمة الوقت في الإسلام.
نعم الله لا تعد ولا تحصىقال الدكتور عبد الفتاح العواري، إن نعم الله تبارك وتعالى على الإنسان لا تعد ولا تحصى يقول تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، وأول هذه النعم التي أنهم الله تعالى على الإنسان أن أوجده من العدم وسواه وأحسن خلقه، وركبه في أحسن صورة، فجعل له السمع والبصر والفؤاد، وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً، فأصبح إنساناً مكرماً أتت من أجله الشرائع، وأرسل الله بها الرسل حتى لا يترك الإنسان في الحياة هملاً، ولا يدعه سدىً، فالإنسان مكرم وهو غالي على خالقه ومولاه، ومن هنا اعتنى به خلقاً وتنشئةً وتربيةً.
وأوضح أن الله تبارك وتعالى سخر للإنسان الكون كله، وأسبغ عليه نِعمهُ ظاهرة وباطنه، فالإنسان مركز دائرة الكون؛ الكل في خدمته يقول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾. هكذا قال المولى عزَّ وجلَّ، ونطق به كتابه، لكن وعينا وإدراكنا قد أصيب بالشلل فتعطلت وظائفه، فلم يدرك هذا الإنسان المكرم فضل الله عليه، ونعمه التي حباه بها، فكان لابد من تنبيهه وإيقاظه من غفلته، فتتلى عليه آياته التنزيلية لتلفت نظره إلى آيات الله الكونية، لعله يفوق من غفلته ويتوب ويعود إلى رشده.
نعمة الوقت والزمنوأضاف خطيب الجامع الأزهر، أن من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن، وأوجد له الزمن ليرقب ما هو مطلوب منه في أمور معاشه، وتحقيق مصالحه وما تحتاجه حياته في دنياه، كما أوجد له الزمن فربط به جميع تكاليفه التي هو مطالب بها يؤديها ويقوم بها، فجميع التكاليف من صلاة وزكاة وصوم وحج، كل هذه العبادات إنما هي مرتبطة بزمن، وتقع من الإنسان في زمن فلا يمكنه أن يخرج شيء منها دون ارتباط بزمن ووقت.
دعاء يوم الجمعة للرزق.. اغتنمه وردده الآن يصب الله عليك الخير صبا
هل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيب
وواصل: يقول تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾، أي يخلف بعضهم بعضاً. يأتي النهار فيخلفه الليل، ويأتي الليل فيخلفه النهار. ذلك لمن أراد أن يتذكر ويتأمل ويتدبر في دلائل قدرة من أوجده من العدم، وفي عظمة قدرة من يقول للشيء كن فيكون. يتنبه الإنسان فيعرف نعم ربه عليه بالزمن فيشكره ويثني عليه بما هو أهله، فهو صاحب النعم وصاحب الفضل على الإنسان، يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾. محى الله آية الليل بالظلام وعدم الوضوح، ليسكن الإنسان ويستريح. وجعل آية النهار مبصرة ليسعى فيها الإنسان ويحقق معاشه، ويؤدي واجباته التي كُلِفَ بها. فإذا لم يؤديها، فليس له حق.
وأوضح خطيب الجامع الأزهر أن الله أوجد للإنسان نعمة النهار مبصرة منتشرة الضياء تطلع شمسها فيسعى الناس في جنبات الأرض محصلين أمر معاشهم قائمين بمصالحهم ليس سوى لحكمة وهي أن يبتغي الإنسان الفضل من ربه في كل ما يحقق له مصالح الدنيا، فهو ليس قاصر على شيء دون شيء. ومن هنا أتى التعبير نكرة ليعم الجميع، وكذلك ليعلم الإنسان عدد السنين والحساب.
دعاء يوم الجمعة للرزق.. اغتنمه وردده الآن يصب الله عليك الخير صبا
هل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيب
وأكد خطيب الجامع الأزهر أهمية أن يحاسب الإنسان نفسه ويسألها ماذا قدمت؟ وما الذي حققته؟ حينما تعود إلى رب كريم يُوقفها للحساب، أقسم المولى عز وجل بالزمن ليلاً ونهاراً، ضحاً وعصراً، حتى يعلم الإنسان قيمته، المتأمل في كتاب الله يرى القسم، والله لا يقسم إلا بعظيم. فهل وعى الإنسان ذلك وهو يقرأ كتاب الله الذي أنزله من أجله، وجعل نبياً من أنبيائه يبلغه آياته؟ ماذا فعل في هذا الزمن؟ ماذا لو ترك الله الإنسان بلا تعاقب في الزمن فيعيش هكذا؟ لو جعل الله الزمن متساوق غير متفاوت، ماذا كان يصنع الإنسان؟ يقول تعالى مخاطباً عباده: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾. من غير الله يأتينا بضياء! هلا سمعنا ووعينا، ومن غيره يأتينا بليل نسكن فيه.
ودعا الدكتور العواري أولي الأبصار إلى التدبر والتأمل في نعمة الوقت ونعمة الزمن. فهو عمر الإنسان وسيُسأل عنه يوم القيامة. يقول النبي ﷺ: (لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟)، ويقول أيضاً: (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ)، الغبن معناه الغفلة وعدم الوعي. الإنسان في تيه غير مستيقظ، والنعمة محيطة به.
وشدد على أننا في حاجة ماسة إلى أن نستيقظ من غفلتنا، فقد فات الكثير من العمر وما بقي إلا القليل. علينا أن نحدث مع الله توبة، وإليه أوبة ورجوع، حتى يتقبل منا ما تبقى من زماننا ووقتنا، ونعود إليه وهو راض عنا. فنعمة الزمن ونعمة الوقت حينما يراجع الإنسان نفسه يوقن يقيناً تاماً أنه قد فرط في هذه النعمة وأهدرها وضيعها، ومضى من عمره الكثير في اللهو واللعب، دون إدراك منه أن الزمن هو عمره، وأن الوقت هو حياته. يقول تقي الدين الحسن البصري رضي الله عنه: "اعلم أن الوقت عمرك، فإن ضاع يوم ضاع بعضك". فابن العشر سنين غداً لا يمكن أن يكون ابن عشر، وابن الثلاثين لا يمكن أن يكون غداً ابن الثلاثين. موصياً الجميع بضرورة أن يعاهدوا ربهم، وأن ينتبهوا إلى ما تبقى من عمرهم، وألا يضيعوا زمنهم سدى، فالله سوف يسألنا جميعاً ويحاسبنا على نعمة الزمن.