لجريدة عمان:
2025-05-13@05:35:11 GMT

بانتظار صعلوك فلسطين

تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT

بانتظار صعلوك فلسطين

من منا لم يعرف الشاعر الفلسطيني الصعلوك فوزي البكري؟ فوزي الذي أحبه سميح القاسم وسعد بصحبته أميل حبيبي، الذي تعرفه جيدا قدس الثمانينيات، فوزي صاحب الجولات والصولات في هز قيم المجتمع الثقافي الفاسدة، فوزي الآن قعيد فراشه عجوزا في الثمانين، من بعده خلت الساحة من ملحها ومن ضحكتها ومن نصها الشجاع ومن طعمها، تنتظر الثقافة الفلسطينية صعلوكاً حقيقياً واحداً فقط، صعلوكاً قادماً من لا وعينا، مصنوعاً من أحلامنا التي لا نستطيع الإفصاح عنها، يكون مخيفاً وهادئاً، لا ينتمي إلى أيّة مؤسسة، لا يرتبط بأية صداقةٍ مع أحد؛ لأنه يؤمن بأن الصداقة حجابٌ أمام نور الـموقف، وإن فعل ذلك فهو لا يجعل الصداقة عائقاً أمام حريّة أحاسيسه.

لا مصلحة له عند أحد، لا يحتاج أحداً، لا يشتاق إلى أحد، لكنه محبٌّ وإنسانيٌّ وغير عدمي، يتحمّس للصادق والحقيقي من النصوص والـمواقف، وينفر من ضجيج الـمثقفين وصراخهم الذي يخفي تحته فراغاً كبيراً، هو مبرمج جينياً على رفض الخطأ وعدم القدرة على العيش والتكيّف مع الزيف والادّعاء، صادق في لباسه وصوته وطريقة مشيه وحديثه، إنْ حمل كتاباً في مقهى، فهو يحمله لأنه يحسّ برغبة حقيقية في القراءة هناك، وليس للفت انتباه الـمارّة، أو لانتزاع صفة الـمختلف، إن أطال شعره، أو ارتدى قميصاً غير مكوي أو مهلهل، فهو يفعل ذلك نسياناً طبيعياً؛ لانشغاله في التفكير والقلق الإبداعيين، أو اتساقاً مع روحه الحرّة. لا يساوم على مواقفه، ولا يغيّرها وفقاً للـمصالح، ولا يمارس الابتزاز، ولا يستخدم جرأته في مصالح شخصية أو آنيّة ضيّقة، لا تكسر حياته علاقة عاطفية، ولا تجمّد مشروعه معارك صغيرة مع فئران الثقافة، أصحاب الجمل الضخمة الرنانة والعبارات الـمسروقة.

لنتعرّف إلى أصل كلـمة الصعلكة، والتي تعني الفقر. واعتماداً على (لسان العرب)، الصعلوك هو الفقير الذي لا مال له، تصعلك الرجل أي افتقر، أما اصطلاحاً فهم جماعة من الـمخالفين العرب الذين خرجوا عن طاقة زعماء قبائلهم. الخروج هو ثيمة الصعلكة، إذاً، ومفتاحها، وهذا الخروج لـم يكن للتباهي أو التظاهر بالتميّز أو ركضاً خلف شهرةٍ، أو اصطياداً لإعجاب النساء، وذهولهن الأرعن، بل كان ضرورةً نفسيةً أخلاقيةً وروحيةً ووجوديةً واقتصاديةً، فرضتها طبيعة الحياة القبلية العربية آنذاك.

بعد تجرية الشاعر الـمقدسي، فوزي البكري، في الصعلكة، لـم تتوفر لنا تجربةٌ أخرى، نفخر بها، ننحني لها، نحتمي بها من خجلنا وخوفنا وعاديّتنا الـمفرطة في قبحها وجبنها، كان البكري رجلاً غريباً عن محيطه وأمكنته وأصدقائه، غريباً بالـمعنى الجمالي والإبداعي، لـم يتورّط يوماً بمدح مسؤول، أو بتسلّق كتفٍ، أو السكوت أمام خطأ، أو الـمساومة على مواقفه من الحياة والوطن والـمؤسسة التي ما زال يحافظ على صلابتها وطزاجتها. لذلك، لـم يستوعبه تاريخ الثقافة الفلسطينية، ولـم يعطه حقه من الفهم والحب، وهذا طبيعي جداً وغير مفاجئ؛ فالثقافة الفلسطينية مؤسسية في أغلبها، وتعتمد، إلى حد كبير، على العلاقات والفئوية والعائلية والـمجاملات وذهنية الصفقات.

تاريخ الصعلكة الثقافية الحقيقية في فلسطين شاحب وخفيف وغير مشرّف، ولا تاريخ له أصلاً، كم تحتاج بلادنا، هذه الأيام، إلى صعلوك حقيقي، رجل لا ينتمي إلينا، لا يحتاجنا، لا ينتظرنا، يهز جدار صمتنا، نحن الـمثقفين، عمّا يجري من تحطم وشلل وعجز في ثقافتنا: لا تمييز بين الأديب والنقابي والصحافي والسياسي، لا فصل بين الأدب والانتماء المناطقي والحزبي أو العائلي، لا حقوق للـمؤلف ...".

قرصنة الكتب أصبحت مهنة مربحة وشائعة وطبيعية جداً، لا أحد خارج نظامنا الثقافي الآن، لا أحد خارج رؤية الـمؤسسة، الكل متورّط في صناعة الشلل، الكل يمارس الخراب، الصعلوك الـمفترض الغائب وحده من يستطيع مواجهتنا، فضحنا، تعرية صمتنا، إماطة اللثام عن أقنعتنا وأكاذيب نصوصنا واستغاثاتنا الجبانة والعبثية. ليأت إذاً ذلك الـمجنون الرائع. ليأت سريعاً جميلاً وصادقاً وحقيقياً داكّاً ثكنات كسلنا وصفقاتنا وخوفنا وغبائنا بصهيل حصانه الـعالي.

ثقافتنا مطيعة ومؤدبة، فمن يُربكها؟ من يحرجها؟

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

محمود فوزي: القانون الجديد لمزاولة مهنة الصيدلة يحقق المساواة ويضمن خريجًا مؤهلاً لسوق العمل

وافق مجلس النواب، خلال جلسته العامة المنعقدة اليوم الإثنين 12 مايو 2025، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، وبحضور المستشار محمود فوزي وزير الشئون النيابية والقانونية، نهائيًا على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون رقم 127 لسنة 1955 بشأن مزاولة مهنة الصيدلة.

وشهدت الجلسة مشاركة فعالة من وزيري الصحة والتعليم العالي، الدكتور خالد عبد الغفار والدكتور محمد أيمن عاشور، حيث تم عرض ومناقشة تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الصحية ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، والذي أكد أهمية مشروع القانون في فصل الدراسة الأكاديمية التي تمنح درجة البكالوريوس عن شهادة التدريب الإجباري "الامتياز"، في نظام التعليم الصيدلي المعمول به منذ 2019/2020.

أبو الغيط: وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية والبحرين يتحركون عالميا لدعم فلسطينهل يجوز صيام 15 ذي القعدة فقط غدا الثلاثاء منفردا؟.. الإفتاء توضحالنبي نصح بها.. الإفتاء توضح سنة "الاشتراط" عند الإحرامآخر تحديث لـ سعر الدينار الكويتي أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين

وأكدت الحكومة في عرضها أن هذا التعديل يأتي في إطار تحقيق المساواة الكاملة بين طلاب كليات الصيدلة وطلاب الطب وطب الأسنان، بما يعزز من كفاءة الخريجين ويؤهلهم لسوق العمل عبر توفير بيئة تدريبية واقعية تُثري الجانب العملي، وتساهم في تطوير منظومة صرف الدواء وتقديم الإرشاد الدوائي الدقيق للمرضى.

وينص القانون على منح مكافأة شهرية للمتدرب خلال فترة التدريب الإجباري مقدارها 2500 جنيه، مع إمكانية زيادتها بقرار من رئيس مجلس الوزراء، لتخفيف الأعباء الاقتصادية وتحفيز الصيادلة الجدد على اكتساب الخبرات العملية في المؤسسات المعتمدة.

وقد وافق مجلس النواب على مواد المشروع بعد مناقشات موسعة، مع إدخال تعديلات على بعض المواد بناء على الحوار المجتمعي والمناقشات البرلمانية، ليقر القانون نهائيًا، بما يمثل نقلة نوعية في تطوير مهنة الصيدلة وتحقيق العدالة التعليمية، والارتقاء بالخدمة الصحية للمواطنين.

طباعة شارك المستشار الدكتور حنفي جبالي وزير الشئون النيابية والقانونية المستشار محمود فوزي خالد عبد الغفار الدكتور محمد أيمن عاشور

مقالات مشابهة

  • محمود فوزي: القانون الجديد لمزاولة مهنة الصيدلة يحقق المساواة ويضمن خريجًا مؤهلاً لسوق العمل
  • الحجز التحفظي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لأحد أكبر مصانع التبغ والسجائر بالاردن
  • أمطار مُعتبرة.. إستثنائية وغير فصلية بداية من الغد
  • محمود فوزي: هنقعد لحد الصبح لو لزم الأمر لمناقشة تعديل الإيجار القديم
  • مجلس الوزراء بانتظار عودة رئيس الجمهورية وبت التعيينات رهن التوافق بين عون وسلام
  • نلتزم الحياد| المستشار محمود فوزي يكشف آخر تطورات الإيجار القديم
  • زيلينسكي: سأكون بانتظار بوتين في تركيا الخميس
  • محمود فوزي: تكافل وكرامة توجه وطني يؤمن بدور الدولة في دعم المواطن
  • بانتظار تقرير الصحة النفسية.. تحديد مصير المتهمين بإنهاء حياة شاب بالشيخ زايد
  • بمشاركة محمود فوزي.. اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان تناقش توصيات مراجعة جينيف