16 قيادياً ميدانياً.. مليشيا الحوثي تشيّع دفعة ثانية من قياداتها خلال 24 ساعة (اسماء)
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
شيَّعت مليشيا الحوثي الإرهابية، يوم الأربعاء، في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرتها، الدفعة الثانية من قياداتها الميدانية خلال أقل من 24 ساعة، حيث ضمّت 16 قياديً ينتحلون رُتباً عسكرية متفاوتة.
وأفادت المليشيا بأن هؤلاء القادة قُتلوا فيما أسمته "معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس"، دون الكشف عن زمان أو مكان مقتلهم، في ظل تكتم شديد اعتادت عليه منذ انقلابها على النظام في سبتمبر/أيلول 2014.
وذكرت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" في نسختها الحوثية أن المليشيا شيَّعت القيادات التالية: العقيد زين العابدين المحطوري، الرائد علي صالح الحباري، الرائد صالح علي الأشول، النقيب عواض علي عواض، النقيب محمد أحمد غانم، الملازم أول نور الدين علي غانم، الملازم أول جهاد محسن سبيع، الملازم أول عبدالمجيد عبدالله المروي، الملازم ثاني عبدالعزيز عزيز الحباري، الملازم ثاني حسام أحمد البلالي، الملازم ثاني إبراهيم محمد غانم، الملازم ثاني أدهم علي المقري، الملازم ثاني هشام أحمد المهدي، الملازم ثاني محمد عزيز البريهي، الملازم ثاني فضل علي المعيني، والمساعد غياث طلال العريفي.
ويأتي ذلك بعد نحو 24 ساعة فقط من تشييع المليشيا 10 قيادات أخرى في صنعاء، زعمت أنهم قُتلوا في هذه المعركة، دون تقديم أي تفاصيل إضافية.
وتعد هذه الدفعة الثانية من القتلى منذ بدء الولايات المتحدة الأمريكية عملياتها العسكرية بواسطة مقاتلات تنطلق من حاملة الطائرات "يو إس إس هاري ترومان" في البحر الأحمر.
وكان المتحدث باسم المليشيا، يحيى سريع، قد زعم في بيان رسمي يوم الثلاثاء، أن جماعته نفّذت "عملية عسكرية نوعية" استهدفت حاملة الطائرات "يو إس إس هاري ترومان" للمرة الرابعة خلال 72 ساعة، وهو ما اعتبره مراقبون عسكريون مجرد دعاية إعلامية، مشككين في صحة هذه الادعاءات، خاصة أن واشنطن لم تؤكد أي استهداف للحاملة التي لا تزال تقوم بمهامها العسكرية.
وأكد المراقبون أن المليشيا المدعومة إيرانياً تركّز بشكل كبير على التصريحات المضللة في محاولات لرفع معنويات عناصرها، في ظل تكبدها خسائر فادحة جراء الضربات الجوية الأمريكية، إلا أن هذه المحاولات تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ تفيد تقارير بأن العشرات من مقاتليها يفرّون من المواقع المستهدفة، والتي غالباً ما تكون منشآت خدمية حكومية.
وحمّلت مصادر عسكرية الولايات المتحدة ومليشيا الحوثي الإيرانية المسؤولية الكاملة عن الاستهداف الممنهج للبنية التحتية، معتبرين أن هذا السلوك الانتقامي يؤثر بشكل مباشر على الخدمات العامة الخاصة بالشعب اليمني.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
كلمات دلالية: الملازم ثانی
إقرأ أيضاً:
أحداث بيت الضِّيافة (٢٢ يوليو ١٩٧١م)
أحداث بيت الضِّيافة
(٢٢ يوليو ١٩٧١م)
في مثل عصر هذا اليوم وقعت فاجعة أحداث بيت الضيافة في ٢٢ يوليو ١٩٧١م ، الحدث الذي له أكثرُ من شاهدٍ ومشاهدٍ، و فيه صورٌ لمشهدِ جثامين الشُّهداء في أرشيف وزارة الثَّقافة و الإعلام في دار الوثائق القوميَّة من تصوير الملازم مُحَمَّد جاد الله جُبَارة من الشُّعبة الفنيَّة بالاستخبارات العسكريَّة. قال المصوِّر الذي بلغ رتبة العقيد فهو مدير المكتب الفني بالاستخبارات العسكريَّة: أنَّ تصويره للجثامين جاء بعد لحظاتٍ من دخول الدَّبابتين تي 55 ، و فرار القتلة و جنودهم . و أَضاف أَنَّ صُور الجثامين إنْ تأملتها وجدتها جميعاََ مطمئنةً لا جزع يعلو الوجوه، ولا خوف ولاخلعة.
و هم شهداء الغرفة الشرقية: العقيد سِيْد أحمد حَمُّودِي . العقيد مُحَمَّد عثمان كيلة . الرَّائد عبد الصَّادق حسن . النَّقيب كمال سلامة . النَّقيب الطَّاهر التَّوم . النَّقيب تاج السِّرّ حسن . النَّقيب مُحَمَّد عمر الحسن الشَّايقي . الملازم حسن البدري حسن . ملازم مُحَمَّد صلاح مُحَمَّد . و شهداء الغرفة الوسطى : الملازم مُحَمَّد حسن عبَّاس . الملازم مُحَمَّد يعقوب موسى . و شهداء الغرفة الغربية : العقيد مصطفى عثمان أُورتشي . المقدَّم سَيِّد المبارك . النَّقيب سِيْد أحمد عبد الرَّحيم . النَّقيب مهندس صلاح خضر حسين .
و استشهد في الفناء الشِّمالي في محاولة للنَّجاة : المقدَّم عبد العظيم محجوب من معتقلي الغرفة الغربية ، و معه وكيل عريف هاشم رحمة الله الماحي من الشُّرطة العسكريَّة . و استشهد بعصيان الأوامر كلٌّ من المساعد دليل أحمد الدبيك و العريف عثمان إدريس و وكيل العريف الزَّين الطَّيب النُّور .
* * *
في كتابه (حركة ١٩ يوليو ١٩٧١م: التَّحْضِيْر، التَّنْفِيْذ، الهَزِيْمة) تحدَّث الملازم أَوَّل عبد العظيم عوض سرور عن حدثٍ وقع عصر الجمعة ٢٣ يوليو ١٩٧١م قبل زخات الرُّصاص في دروة المعسكر الشَّهِيْرة بواسطة فرقة الموت التي قادها الملازم مُحَمَّد إِبراهيم السَّنْجك الشَّايْقي ضابط المظلات الصُّفُوفِي الَّذِي نجا بأُعجوبةٍ من القتل في مذبحة بيت الضِّيافة عصر الخميس ٢٢ يوليو المشؤوم . و السَّنجك في رواية عبد العظيم سرور أَبرز النَّاجين يروحُ و يجئُ يصرخُ في سجينه أَحمد جبارة مُتَهكِّماً (أقتلوا الشَّايْقي . . قلت لي . . أقتلوا الشَّايْقي) العبارات التي صرخ بها الملازم أحمد جبارة بأعلى صوته و هو يدخل إِلى فناءِ بيت الضِّيافة الشِّمالي ، فسمعها كلُّ حارسٍ مسلحٌ أَو معتقلاً ببيت الضِّيافة .
و الملازم أَوَّل عبد العظيم عوض سرور روى كيف أطلق سراحه مع ثلَّةٍ من الضُّباط وجدوا ، بعد التَّحريّ في معسكر الشَّجرة ، أَنَّهم أَبرياء فخطبهم العميد أحمد عبد الحليم عبد الرَّحمن قائد سلاح المدرعات معتذراً ثُمَّ سمح لهم بالانصراف .
و في روايات أحداث و حوادث ٢٣ يوليو ، غير رواية صاحب كتاب (حركة ١٩ يوليو ١٩٧١م) النَّاجي من القصاص : أنَّ الملازم عبد العظيم عوض سرور و رفيقه الملازم أحمد جبارة هما من اعتقل رئيس الجمهورية و أَعضاء مجلس قيادة ثورة مايو عصر الاثنين ١٩ يوليو ١٩٧١م ، فالمفترض أنْ يذهبا إِلى الدِّروة مثل رفيقهما أَحمد جبارة الذي أَودت بحياته شلاقته ، كما ذكر رفيقهما الملازم مدني علي مدني! فالملازم أَحمد جُبَارة ، الشَّليقُ ، معترفٌ بقتله للأَسرىَ المعتقلين و لو تهكماً ، ثُمَّ حاول قتل جعفر نميري يقول له : (داير تكرِّرها تاني!) ثُمَّ أَوسعه ضرباً . و من النَّاجين ضُباطٌ شهدواْ أَنَّ الملازم عبد العظيم عوض سرور قتل ضُبَاطاً داخل غرفهم ببيت الضِّيافة ، و مِنْ الشُّهود الملازمين المِظَلِيَّين الصُّفُوفِيَّين مُحَمَّد إبراهيم الشَّايْقي و عَلِي مُحَمَّد مَحمُود .
لقد كُتِبتَ للملازم أَوَّل عبد العظيم النَّجاة حيث لم يشي به رفيقه الملازم أَحمد جبارة فأختفى ليومٍ أَو أكثر قليلاً . . ريثما يعاد اعتقاله و تدور عليه الدَّوائر و (ربَّنا إِنْ جاب كتَّالك بجيب حَجَّازك) فقد توقفت حَمَّامات الدَّم في معسكر الموت و الرُّعبُ بعد توقف إِصدار أَحكام الإُعدام . إِنَّ الملازم عبد العظيم عوض سرور و الملازم أحمد جبارة كانا عضوين في خليَّةٍ شيوعيَّةٍ سِرِّيةٍ ضمَّتهما مع النَّقيب معاوية عبد الحي و المقدَّم عثمان حاج حسين أب شيبة ، فهما شريكان في الجرم . و أَيضاً ، لم يشي الملازم حسن العَمَّاس بصديقه الملازم أَوَّل عبد العظيم عوض سرور ، الذي جنده في حامية جبيت للمشاركة في الانقلاب و اتصل به تلفونيَّاً بتعليماتٍ من قائدهما المباشر عثمان حاج حسين أب شيبة بأَمرٍ يقضي بالتَّصفية قتلاً من هم معهما أسرى معتقلين بمباني جهاز الأَمن القومي بحي المطار من ضباط مايو ، و عددهم عشرة كلَّهم من صغار الضُّباط برتبة الملازم .
و في شهادة الملازم عَلِي مُحَمَّد مَحمُود أَنَّ الملازم عبد العظيم سرور حضر عند منتصف ليلة الأربعاء ٢١ يوليو ١٩٧١م لغرف معتقلي بيت الضِّيافة الثَّلاث ، و أخذ (نوتة ميدان) لكلِّ غرفةٍ منها ، و برفقته الملازمين أَحمد جبارة و أَحمد الحردلو . لقد خطَّط المقدَّم عثمان حاج حسين أب شيبة خِطَّةً ثم أمر ثلاثة صُباطٍ بتنفيذها هم الملازم عبد العظيم و الملازم أحمد جبارة مختار و آخر ، فتحرَّكوا من أمام بوابة الحرس الجمهوري ، و الملازم عبد العظيم عوض سرور يحمل رشاشاً حوالي السَّاعة الثَّالثة و النِّصف عصر الخميس ٢٢ يوليو ١٩٧١م . كان المقدَّم عبد العظيم محجوب ضابط استخبارات المدرعات عند حديقة الفناء الشِّمالي لبيت الضِّيافة يحاول الهرب متسلقاً الحائط الغربي لبيت الضِّيافة يساعده أَحد صفوفي الشُّرطة العسكريَّة ، و تَمَّ قتلهما بناءً على صراخ أحمد جبارة : (أقتلوا الشَّايقي ، أقتلوا الشَّايقي) .
لقد نفذ الأُوامر الضَّابطُ الَّذِي أُمر بالإِشراف على الهجوم على الغرفة الشَّرقيَّة ، ففيها قتل تسعةَ ضباط جلَّهم من ضباط المظلات ، و بعد انجاز المهمة أسرع الضَّابط هَرَباً متسلِّلاً قفزاً خارج السُّور الشِّمالي قبل أَنْ يكتشفه أَحدٌ ، و عاد سالماً إِلى موقعه ببوابة الحرس الجمهوري الشَّرقيَّة .
* * *
إنَّ أحداث المذبحة الرَّهيبة التي وقعت للضباط الأسرى المحتجزين من قبل الانقلابيين في بيت الضِّيافة كأَنَّها انفاذٌ لمهمةٍ تطابقُ الفكرة التي أوحى بها الدَّموي سَعِيْد كَسَبَاوِي إِلى المقدَّم عثمان حاج حسين أب شيبة المشرف على أَحداث بيت الضِّيافة في عصر الخميس ٢٢ يوليو ١٩٧١م . فرواية الطَّيَّار سَعِيْد كَسَبَاوِي في شهادته على أحداث حركة ١٩ يوليو ، في لقائه مع الطَّاهر حسن التُّوم ، أَورد نصيحته للمقدَّم عثمان حاج حسين أب شيبة يقول له أَنَّ الانقلاب ليس مزحةً فإِمَّا أن تقتل أَو لا تلعب بالنَّار ، فلو فشل الانقلاب العسكري فإنَّ الملكيٌّ عبد الخالق محجوب سيكون نصيب جرمه الحكم بالسِّجن ٢٥ عاماً قابلة للعفو بعد سنوات ، أمَّا أنت فنصيبك الذِّهاب إِلى الدِّروة و الرَّمي بالزَّخيرة الحيَّة ، و أضاف يقول للمقدَّم أَب شيبة يجب أنْ تكون تعليماتك واضحةٌ للأفراد ، سِرَّاً ، يجب قتل كلَّ معتقلٍ حيث اعتقل ، و الإعلان أَنَّه قتل شهيداً عند مقاومته لقوَّةِ الاعتقال!
* * *
إِنَّ تحالف عسكر ٢٥ مايو ١٩٦٩م لا شكَّ كان ردَّة فعلٍ للذي جرى في السَّاحة السِّياسيَّة السُّودانيَّة العاقبة لثورة أكتوبر ١٩٦٤م حتى حلَّ الحزب الشُّيْوعي السُّوداني و طرد نوابه من البرلمان فأَدَّى لتحولاتٍ كبيرةٍ و خطيرةٍ أَهمُّها تغلُّبٍ لقوى اليمين المتمثل في القوى الحزبيَّة السِّياسيَّة المتمثلة في طآئِفتي الأنصار و الختميَّة و حركة الإسلام الصّاعدة – جبهة الميثاق الإِسلاميّ . إنَّ اليسار السُّوداني المتحالف الممثل في الأَحزاب ذات المرجعيَّة الماركسية – اللينينيَّة الماديَّة أَو تلك التي بنيت على فكرة القوميَّة العروبيَّة ذات المرجعية الماديَّة الاشتراكية ، الأَفكار التي جلبها للساحة الإسلاميَّة – العربيَّة ضمن قوى و أَجسام و تنظيمات متخفيَّةً تحت اسم الحضارة و شعار الحريَّة و التَّقدم طليعيةٌ مثل التَّبشير الكنسيُّ في مقدِّمة الهجمة الاستعمارية ، و مثل ذلك الأحزاب الطَّائفيَّة التَّقليديَّة التي رعاها المستعمر ، و مَكَّن لها .
إنَّ الانقلاب العسكري الَّذِي عرف بثورة ٢٥ مايو هو تشكُّلٌ لخلايا حزبيَّة سِرِّيَّة داخل المؤسَّسة العسكريَّة – القوات المسلحة السُّودانيَّة ، فهي خلايا متعدِّدة للحزب الشُّيْوعِي السُّودانِيِّ و تنظيمات القوميِّين العرب ممثلة في النَّاصريِّين ، و حزب البعث العربيِّ الاشتراكيِّ . و المعلن أَنَّ حركة ٢٥ مايو من إِعداد تنظيم الضُّباط الأَحرَار بقيادة العقيد الرُّكن جعفر مُحَمَّد نميري و الرُّوَاد أَبو القاسم هاشم و أَبو القاسم مُحَمَّد إِبراهيم و خالد حسن عَبَّاس و زين العابدين مُحَمَّد أَحمد عبد القادر الَّذِيْن ينتمون للفكر القومي العربي ، و قدوتهم جمال عبد النَّاصر . و خليَّةُ الحزب الشُّيْوعيِّ أبرزها المقدَّم بابكر النُّور و هاشم العطا و عثمان حاج حسين أَبو شَيْبة ، و آخرين . و أَحرار مايو تنظيمٌ أَنشأَه أَبُو القاسم مُحَمَّد إِبراهيم في بداية مايو ، و لخالد حسن عبَّاس تنظيمٌ يَضُمُّ ٢٥ ضابطاً .
و عند شخصيَّةٍ قياديةٍ بعثيَّةٍ مطلعةٌ أَنَّ الطَّيَّار الحربِّي سَعِيْد كَسَبَاوِي و الانقلابي فاروق عثمان حمد الله كانا ضمن تنظيم القوميِّين العرب ، ثُمَّ تحوَّلا إِلى حزب البعث العربي الاشتراكي . و أسهم سَعِيْد كَسَبَاوِي في تأسيس جهاز الأمن القومي مع مأمون عوض أبو زيد – النَّاصري . و عند الشُّيْوعي عثمان الشَّيْخ أَحد قدامى الشُّيْوعيِّين أَنَّ كَسَبَاوِي البعثي الدَّموي شارك في ذبح الأنصار عند أحداث ١٩٧٠م ، فتلك دلالةٌ بأَنَّ كَسَبَاوِي كان بعثيَّاً قديماً . و رواية الرّائد مأمون عوض أبو زيد ، عضو مجلس قيادة ثورة ٢٥ مايو ، أَنَّ اختيار جعفر مُحَمَّد نميري قائداً للانقلاب تمَّ لسبب وجيهٍ هو شجاعته و وطنيٌّته و محبوبٌ في الجيش مُشَارِكٌ في أكثر من محاولة انقلابيَّة!
إنَّ شهادة سَعِيْد كَسَبَاوِي عن أَحداث ١٩ يوليو ١٩٧١م مهمةٌ جِدَّاََ فيها صلته بعبد الخالق محجوب – الغريبة جِدَّاً – منذ سجنه بمصنع الذَّخِيْرة بالشَّجرة ، فهو يقابل عبد الخالق في جهة البحر ، بترتيبٍ و تدبِّيرٍ الرَّائد هاشم العطا عند اليوم التَّالي للقائه القائم بالأعمال العراقي طارق العامر فأبلغه مؤامرة خطرة تُحَاك ضدَّه تستهدف حياته ، فقد كان سَعِيْد كَسَبَاوِي عنصر ربطٍ بين سكرتير عام الحزب الشُّيْوعي و القائم بأَعمال السَّفارة العراقيَّة .
و عند انتقاله مختفياً في بيت أَب شيبة طلب عبد الخالق منه عدم الاتصال بأَيِّ عضوٍ من منسوبي الحزب مَا عدا شخصٌ واحدٌ بالاسم – مهندسُ ، فهو لا يثق في أَحدٍ يقول : «الناس ديل فيهم ناس لو عرفوني بيجيبو لي الأمن و بيقتلوني هنا» . و بعد مغادرة عبد الخالق لبيت أب شيبة كان اب شَيْبة صلة كَسَبَاوِي بعبد الخالق . ففي يوم ٢١ يوليو ١٩٧١م قابل كَسَبَاوِي عبد الخالق لمَّا طلبه ، فدبَّر له لقاءً في مساءِ ذات اليوم مع طارق العامر . و بدأ عبد الخالق محجوب اللقاء شاكِراً للعامر مَا قدمه له من خدمةٍ تتعلَّق بحمايته الشَّخصيَّة ، ثُمَّ أَفاده بحرص حزبه على التَّنسيق و إقامة علاقة قويَّةٍ مع العراق ، ثُمَّ طلب تقديم العون و أَضاف : سننظر في هذا الأمر مع الوفد القادم .
* * *
في قرآءةٍ لتاريخ وطننا استنطاقاً للمعلومات و تحليلاً للأَدلَّة و تعليلاً لشواهد الأحداث رأيت أنَّ أثر عراق حزب البعث العربي الاشتراكي كان أكثر حضوراً و تأثيراً على الحزب الشُّيْوعي السُّوداني من الاتحاد السوڨيتي و الماركسيَّة الأُمميَّة ، و رأيت تحالف القوى السِّياسيَّة السُّودانيَّة و تنظيم الضُّباط الأَحرار الذي نفَّذ حركة ٢٥ مايو كان مجرَّد نفيرٍ قام بالواجب يسابق قوى اليمين السُّوداني انقضاضاً على السُّلطة ، و بعد الانقضاض إذا هم أَعداءَ أَلداءَ يستعينون بالأجنبي الرَّاعيَّ ليسار السُّودان ممثلاً في موسكو و القاهرة و بغداد ، و إِلى حدٍّ مَا طرابلس الغرب ، للقضاء على بعضهم البعض في مواجهةٍ صفريَّة .
جاءَ في تقرير لجنة د. عبد الماجد علوب المحقِّق في أحداث ١٩ يوليو ١٩٧١م أنَّ سفير الاتحاد السوڨيتي في بغداد قال أَنَّ : العراقيِّين لهم ثلاثةَ أَعضاء في مجلس قيادة ثورة ١٩ يوليو ١٩٧١م . و سَعِيْد كَسَبَاوِي قريبٌ جِدَّاََ من فاروق حمد الله ، و العراق يتعامل سِرَّاً مع فاروق حمد الله حتى زيارته للعراق كانت دون علم سفارة السُّودان ، و سهِّل مُحَمَّد سليمان الخليفة مقابلته للرئيس أحمد حسن البكر بغيرِ تنسيقٍ مع قسم المراسم بالخارجيَّة . و لمَّا احتج السَّفير السُّودانيُّ في بغداد من تخطيه توصَّل و فاروق حمد الله لحلٍّ وسطٍ ، كما ورد في تقرير عبد الماجد علوب .
و وفد العراق الدَّاعم لحركة ١٩ يوليو ١٩٧١م رئسه عضو القيادة القوميَّة الأستاذ مُحَمَّد سليمان الخليفة عبد الله التَّعايشي ، و معه سمير النَّجم و صلاح صالح عضو القيادة القطريَّة و حَمُّودِي العِزَّاوي – السفيرُ المُرَشَّحُ للسودان لم يستوف أَعراف التَّرشيح الدُّبلوماسي ، و أَحد سفاحي العراق المدبِّر لاغتيال حَرْدَان التِّكرِيتي ، كما وصفه تقرير لجنة القاضي عَلُّوب .
* * *
أَنَّ الأحداث الواقعة خلال ١٩ – ٢٣ يوليو ١٩٧١م كان لها آثارٌ قصيرةٌ و بعيدةٌ على الوطن ، و قوى اليسار السُّوداني خاصة . فقد أظهر انقلاب الحزب الشُّيْوعي السُّوداني بقيادة المقدَّم بابكر النُّور – الرَّائد هاشم العطا ضعف الحزب الشُّيْوعي السُّوداني خارجياً و عزلته داخليَّاً ، و ذلك ناتجٌ عن غرابة إدارة الحزب الشُّيْوعي لأَزمته الدَّاخليَّة و الخارجيَّة ، فالحزب الشُّيْوعي المنقسم في لجنته المركزية يفكِّر له و يخطِّط سكرتيره العام المعتقل مرَّة و الهارب من المعتقل المطارد . فالحزب الشُّيْوعِي لا صليح له حتى في قيادة المكتب السِّيَاسي في الاتحاد السُّوڨيتي .
إنَّ أحداث ١٩ – ٢٢ يوليو وقعت في وقت اشتدَّت فيه الحساسيَّة بل العداوة داخل السُّودان تجاه الحزب الشُّيْوعي المتهوم بانقلاب مايو ، و أحداث مقتل الأنصار في ود نوباوي و الجزيرة أبا .
و في الضَّفة الأخرى فإنَّ أثر الأحداث القريب كان بداية تفكُّك مجموعة جعفر نميري حين أطاح باللِّواء الرُّكن خالد حسن عبَّاس وزير الدِّفاع لغيابه عن وقائع الأحداث و هو خارج البلاد فاتهم بالتَّقصير ، و فتح ذلك باباً لمأمون عوض أبو زيد عضو مجلس قيادة الثَّورة ليقدِّم استقالته احتجاجاً على قرار نميري المنفرد دون استشارةٍ .
و على المدى البعيد أظهر انقلاب الحزب الشُّيْوعِي السُّوداني في ١٩ يوليو مواقف الشَّعب السُّوداني و توجهاته في الخروج الجماهيري ضد الانقلاب ، و المناداة بعودة جعفر نميري ، و في الشَّعارات المعادية للشُّيوعيَّة ذات الصِّبغة الدِّيْنيَّةٌ غير المؤدلجة .
و بصورةٍ عامةٍ استمرت المواجهة الدَّاخلية فبرزت الحركة الطلابيَّة العنيفة التي قادها طلاب الاتجاه الإِسلاميُّ بالجامعات و المعاهد و المدارس الثانوية بقيادة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم – كوسو ، فهزَّت المدن السُّودانيَّة و قد عرفت بحركة شعبان في ١٩٧٣ م .
و التَّطور اللاَّحق هو مواجهة العسكر الذين نصروا نميري على عدوِّه في ١٩ يوليو فإذا هم ضدَّه في محاولاتٍ انقلابيَّةٍ عديدة أخطرها ما عرف بحركة المقدَّم حسن حسين في ٥ سبتمبر ١٩٧٥م . ثُمَّ الطَّامة الكبرى كانت الحركة العسكريَّة من خارج الحدود التي أعدتها الجبهة الوطنيَّة بقيادة العميد الرُّكن مَ. مُحَمَّد نور سَعْد في ١٩٧٦م .
فأَدَّت تلك التَّطورات لانتقال مايو من مواجهة المعارضة الوطنيَّة لمصالحتها الفعل الذي ابتدره مأمون عوض أبو زيد و أبو القاسم هاشم مع الشَّريف حسين الهندي ، ثُمَّ تجاوزهما و تولى الأمر بنفسه الرئيس نميري فكانت المصالحة الوطنيَّة في عام ١٩٧٧م .
و قُبَيْل المصالحة الوطنيَّة أو بُعَيْدها بدأ جعفر مُحَمَّد نميري اظهار تدينه تحولٌ وجهة نحو التزام الإسلام في الدولة و المجتمع فنشر منظِّراً لأفكاره في الشأن بأَودعها في كتابين (النَّهج الإسلامي لماذا؟) و (النَّهج الإسلامي كيف؟) . ثم لحق بذلك إًعلانه لقوانين الشَّريعة الإسلاميَّة في سبتمبر ١٩٨٣م.
(وَ تلك الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) _صدق الله العظيم.
احمد الشين الوالي