من المضايف إلى المكاتب الإنتخابية: كيف تحولت العشائر إلى أدوات سياسية؟ - عاجل
تاريخ النشر: 5th, April 2025 GMT
بغداد اليوم - بغداد
في تحول لافت شهدته الدورات الانتخابية الأخيرة أصبحت العديد من المضايف في مختلف المناطق تتحول إلى مكاتب انتخابية تحت رعاية ما يُعرف بـ "المشيخة الجدد"، في خطوة تهدف إلى كسب أصوات العشائر، لجأت بعض الأحزاب إلى ترشيح أفراد من العشائر المؤثرة أو أبناء الشيوخ أنفسهم، مما يعكس تحالفات سياسية تعتمد بشكل أساسي على دعم الزعامات العشائرية.
هذه الظاهرة تثير تساؤلات حول تأثير النفوذ العشائري على العملية السياسية، وتثير الجدل حول مدى تأثير هذه التكتلات في توجيه النتائج الانتخابية لصالح أطراف معينة.
المحلل السياسي عدنان التميمي أوضح ، اليوم السبت (5 نيسان 2025)، أن بعض المضايف تحولت إلى مكاتب انتخابية تحت رعاية "المشيخة الجدد"، مشيرًا إلى أن الأحزاب تستخدم أفراد العشائر أو أبناء الشيوخ لكسب أصوات العشيرة ودعمهم السياسي، مما يعزز تكتلات سياسية معينة.
وقال التميمي لـ"بغداد اليوم"، إن "الدورات الانتخابية الأخيرة كشفت أن من أهم عوامل بقاء القوى السياسية في المشهد الانتخابي والحفاظ على مكتسباتها هي اعتماد كل الوسائل المتاحة لكسب الأصوات، والحفاظ على وجودها داخل مجلس النواب، وبالتالي في الحكومة".
وأضاف أن "البُعد العشائري له تأثير كبير، وهو يمثل عاملاً مهماً في كسب الأصوات. لذا، لجأت القوى السياسية، خاصة الكبيرة منها، إلى ما يسمى بـ'المشيخة الجدد'، وهم شخصيات بدأت تظهر بشكل لافت، مستفيدة من المال السياسي وتأثيرها على المناطق الفقيرة والعشوائيات لتوجيه الناخبين نحو مرشحيهم وتكريس سيطرة سياسية محددة".
وأشار التميمي إلى أن "المشيخة الجدد هم في الغالب أشخاص عاديون يدعون المشيخة دون أي دلائل واضحة على ذلك، ويكثُر وجودهم في بعض المحافظات. هؤلاء استغلوا حاجة الأحزاب السياسية للأصوات وتوجهاتهم نحو الكسب المالي، وهو ما يفسر تحوّل البعض منهم إلى أطراف فاعلة، يتلقون أموالاً ضخمة مقابل أصواتهم في الانتخابات".
وأوضح أن "هذه العملية تعد بمثابة سمسرة سياسية ذات عوائد مالية كبيرة، فضلاً عن أنها تمنحهم نفوذًا متزايدًا في مناطقهم نتيجة قربهم من الأحزاب التي تمتلك أدواتها وسلطتها داخل مؤسسات الدولة. الأمر الذي يخلق مصلحة مشتركة".
وأكد أن "العديد من المضايف تحولت إلى مكاتب انتخابية خلال الدورات الانتخابية الأخيرة، تحت رعاية هؤلاء 'المشيخة الجدد'. مشيرًا إلى أن بعض الأحزاب لجأت إلى ترشيح أفراد من العشائر المؤثرة أو حتى أبناء الشيوخ أنفسهم، من أجل كسب أصوات العشيرة وتوجيه الدعم السياسي لهم، وهو ما يخلق مبررات لتأييد هذا التكتل السياسي".
وختم التميمي بالقول إن "القوى السياسية لا تتحرج في استخدام أي خطوة أو أداة من أجل كسب الأصوات، لأن الهدف النهائي هو الحصول على أكبر عدد من الأصوات في الصندوق الانتخابي، بعيدًا عن البرامج أو الرؤى الحقيقية التي من المفترض أن تضع حلولًا لملفات الأمن والاقتصاد والخدمات".
وتشكل العشيرة في العراق عقداً اجتماعياً ذا وظيفتين، اقتصادية ونفسية والعشيرة هي في أساسها الأول بنية بيولوجية تقوم على رابطة الدم والنسَب، وتعيد هذه الوظيفة إنتاج نفسها بشكل أحكام وأعراف وتقاليد وسلوكيات قائمة على التجانس العصبوي ضد العناصر الخارجية.
وشكّلت النزاعات العشائرية في العراق إحدى أهم المشكلات التي واجهت حكام البلاد على مدى تاريخ الدولة العراقية، ما شجع الحكومات المتعاقبة، على ضم العشائر إلى العملية السياسية وإشراكها في القرار السياسي، وسُمح لها في ما بعد بالتسلح والمشاركة في الأحزاب والسلطة وامتلاك النفوذ السياسي.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
إقرأ أيضاً:
الإجادة ليست عزفًا منفردًا
عباس المسكري
في عالم الإدارة، لا يُقاس النجاح الحقيقي بعدد الكلمات الرنانة، ولا بشهادات التقدير المُعلّقة على الجدران، بل يُقاس بما يتركه القائد من أثر في من حوله. فالإدارة، في جوهرها، هي فن صناعة الفرق وتشكيل الفارق. وإذا كانت القيادة بلا أتباع ناجحين، فهي أشبه بسفينة شراعية تبحر وحدها في عرض البحر، دون طاقم، ودون وجهة.
من هذا المنطلق، تستوقفنا أحيانًا مفارقات يصعب تبريرها، مثل أن يحصل مدير أو مدير عام على تقييم "ممتاز" في برنامج أداء وقياس مثل "إجادة"، بينما معظم موظفي إدارته يتراوح تقييمهم بين "ضعيف" و"جيد". فهنا يُطرح سؤال جوهري: ما قيمة إجادة المدير إذا لم تنعكس في أداء فريقه؟ وأين هو أثر القيادة إذا لم تظهر نتائجها في تطور وتقدّم من يقودهم؟
إن من أبرز أدوار المدير الناجح ليس فقط إدارة المهام وتحقيق الأرقام، بل بناء الإنسان المهني، وصقل مهارات فريقه، وتحفيزهم للوصول إلى أقصى طاقاتهم. فنجاح القائد الحقيقي لا يُقاس فقط بما ينجزه بيده، بل بما يستطيع أن ينجزه عبر الآخرين، وبما يزرعه فيهم من ثقة وكفاءة وروح عمل.
المدير الذي يكتفي بالتميّز الفردي دون أن ينعكس ذلك على منظومته، ربما ينجح كفرد، لكنه يفشل كقائد. فالقيادة مسؤولية جماعية في جوهرها، لا تقبل بالأنانية، ولا تُبرّر العزلة. وإن تميّز المدير يجب أن يكون مظلة تُظلّل موظفيه، لا سقفًا يعلوهم بلا أثر؛ بل إن أحد مؤشرات القائد الفاعل هو قدرته على تحويل الضعف إلى قوة، وتوجيه الموارد البشرية من حالة الأداء المتواضع إلى التميّز، عبر التوجيه، والمتابعة، والتدريب، والتمكين. أما إذا بقي الموظفون في مواقعهم الراكدة، رغم تميّز من يقودهم، فهنا يجب إعادة النظر في أدوات القياس، وفي مفهوم "الإجادة" ذاته.
كثيرٌ من أدوات التقييم تعتمد على تقارير مكتبية، ومؤشرات جامدة، وأرقام صامتة لا تُعبّر دائمًا عن الواقع. وقد يحصل المدير على تقييم مرتفع لأنه أنجز متطلبات شكلية، أو أتقن كتابة التقارير، بينما تغيب الجوانب الجوهرية، كالروح في فريق العمل، ومعدّلات التحفيز، ومدى شعور الموظف بأنه جزء من نجاح حقيقي، لا مجرّد رقم في جدول. وهنا تتّسع الفجوة بين التقييم الورقي، والتأثير الفعلي على الأرض.
ومن جهة أخرى، لا يمكن فصل القائد عن بيئة العمل التي يصنعها. والمدير الفعّال هو من يخلق بيئة يشعر فيها الموظف بالاحترام، والأمان الوظيفي، والرغبة في التعلّم والتطوّر. بيئة يشعر فيها الموظف أن صوته مسموع، وجهده مُقدّر، وخطأه فرصة للتعلّم لا للّوم. وهذه البيئة لا تُبنى بالأوامر، بل بالمثال الشخصي الذي يُقدّمه القائد، وبالعدل، والتواضع، والإنصاف في المعاملة.
من الضروري – إذن – أن تتحرر أدوات التقييم من نظرتها الضيّقة التي تقتصر على الإنجاز الفردي، لتتبنّى معيار الأثر الجماعي. فالقائد الناجح ليس من يعلو فوق فريقه، بل من يرتقي بهم. وعليه، فإن نجاح المدير لا يُستكمل إلا حين تنعكس تلك "الإجادة" في نضج موظفيه، وتقدّمهم، وتحسّن نتائجهم.
قائدٌ بلا أثر، كمن يسير في صحراء بلا رمال، خطواته لا تُرى، وتأثيره لا يُشعر. وإن بدا متقدمًا في الظاهر، فجوهر القيادة لا يكمن في الحضور الشكلي، ولا في تقييمات صامتة، بل في القدرة على صناعة أثر باقٍ في من حولك، وعلى تمكين الآخرين من الوقوف على أقدامهم بثقة وكفاءة. فالقائد الذي يمرّ دون أن يُغيّر، يُعد راعيًا لا قائدًا، وشاغل منصب لا صانع أثر.
وحين نمنح تقييم "ممتاز" لقائد، علينا أن ننظر خلفه: ماذا حقق فريقه؟ كيف تطور أداؤهم؟ كم موظفًا ألهم؟ كم موهبة اكتشف؟ وكم إنسانًا مكّنه من أن يثق في نفسه ويُحقق فرقًا؟
وأخيرًا... الإجادة ليست وسامًا يُعلّق على صدر المدير، بل مسؤولية تُترجم إلى تغيير، وتطوير، ونموّ في كل فرد يعمل تحت قيادته. وما لم يحدث ذلك، فكل تقييم يظل ناقصًا، مهما بدا لامعًا.