يقول جاك شاهين، موضحًا سبب (أو لا سبب) استخدام فكرة الـ «كاميو» فـي الأفلام الأمريكيَّة التي تصوِّر العرب فـي السِّينما الأمريكيَّة على النَّحو السَّلبي الذي تُصَوِّرهم به إن الأمر يتعلَّق بـ «الأشرار اللاأخلاقيِّين الفظيعين، والعذارى، والشُّيوخ، والمصريين [القدماء]، والفلسطينيين... فـي أفلام لا علاقة لها أبداً بالعرب أو الشَّرق الأوسط» (1).

يعني شاهين، بكلمات أخرى، الظهور المجاني والإقحام القسري فـي سرديات سينمائية لا تعني ما كان عبدالمجيد حاجي قد أسماه «النوع السينمائي الشرقي». ويتحكم فـي خطاب شاهين فـي كتابه هذا، كما هو الحال فـي أعماله الأخرى، خطاب مضَّاد للصُّور التنميطيَّة، عاطفـي لا يفتقر إلى النداءات المشبوبة وجدانيًّا ومنطقيًّا موجه فـي الغالب إلى جمهور من عامَّة القُرَّاء وليس للمُنْجَمَع النَّقدي الفكري والأكاديمي الذي تجاوزت أطروحاته ثنائيَّة «الجيِّد/ السيئ». وربما يكون هذا هو السبب فـي انه -أي شاهين- يرى لمعات من الأمل والمراهنة هنا وهناك فـي «تحسُّن» التَّمثيلات (representations) السِّينمائيَّة للعربي. وفـي ذينك الأمل والمراهنة يُمَوضِع فـي عدد من أفلام هوليوود المتعلِّقة بالأمر ما يدعوه «الإيجابي» من الأفلام الذي يقسِّمها بدوره إلى درجتين اثنتين. أما الأولى من تينك الدرجتين فهي ما يسميِّه «مُزَكَّى/ مُوصى به» من أفلام (وسأعترف باستغرابي من انه يضِّمن فـي هذه الدرجة الحائزة على رضاه فـيلماً مثل فـيلم «قِسْمَت» [kismet] من إخراج وِليَم ديترلي William Dieterle، 1944، على الرغم من استشراقيَّته الصَّريحة. وكذلك فـيلم «الخرطوم» [Khartoum] من إخراج Basil Deardon، 1966؛ مع ملاحظة أن هذا فـيلم بريطاني وليس أمريكيًّا). والدرجة الثانية هي ما يدعوه شاهين «القائمة الأفضل» من الأفلام. وتتضمن هذه «القائمة»، بصورة إشكاليَّة للغاية، واحداً من أكثر الأفلام الأمريكيَّة تأسيسًا للاستشراق السِّينمائي برمَّته، وهو فـيلم «لص بغداد» [The Thief of Bagdad] لراؤول وولش Raoul Walsh، 1942، وفـيلم آخر تدور أحداثه فـي سياق حرب الخليج (عاصفة الصحراء) هو «ثلاثة ملوك» [Three Kings] لديفد أو رَسِل David O. Russell، 1999. وفـي أية حال فإن كتاب شاهين يأتي باعتباره عملاً أكثر توسُّعًا وشموليَّة من النّواة العربيَّة التي كان قد أصدرها محمد رضا، والتي سبق التطرُّق إليها. وعلى الرغم من تحفظاتي على مقاربة شاهين الميثودولوجيَّة والنَّظريَّة -فـي الحقيقة، سيصدق الزعم بغياب كامل لهكذا مقاربة، وهذا كذلك ما اتسمت به أعماله الأخرى المبكِّرة- وكذلك تعامله الأخلاقي الثُّنائي، فإن كتابه يعتبر مصدراً هاماً ومرجعاً لا غنى عنه لأي دراسة تسعى لبحث صورة العربي فـي السينما الأمريكيَّة، وهو خطوة إلى الأمام بالتأكيد.

لكن على النقيض من المقاربة «الأخلاقيَّة» و«العاطفـيَّة» للموضوع التي يتخذها شاهين بحماس، فإن جون سي آيلي John C. Eisle يأخذ الأمر خطوة أبعد، وذلك بأن يعمد إلى توظيف مفاهيم مستعارة من علم اللسانيَّات الإدراكيَّة وصولاً لما يسميه الفـيلم «الشَّرقي» (eastern) نقيضًا (أو حتى معادلًا) لـ«الوسترن» (western) أو أفلام الغرب الأمريكي. ويتفرع نوع (genre) الفـيلم «الشَّرقي» الرئيس لدى آيلي إلى خمسة أنواع أصغر هي: نوع أفلام الشَّيخ، ونوع أفلام ألف ليلة وليلة، ونوع أفلام الفـيلق الأجنبي، ونوع أفلام التشويق والإثارة والمكائد الأجنبيَّة، ونوع أفلام الإرهاب. وفـي هذا فإنه يحدِّد عشر خصائص سرديَّة للفـيلم «الشَّرقي» وهي: الانتهاك، والفصل، والاختطاف، والتَّقليص، والتَّخليق، والغواية، والخلاص، والبوح، وإعادة التوكيد، والبتر (2). ومع أن «الأنواع العربيَّة» التي اقترحها شاهين لا تتطابق بصورة كاملة مع «الأنواع الفرعيَّة للنوع الشَّرقي الرئيس» التي يرتئيها آيلي، فإن كليهما يشتركان فـي التوكيد على أهمية أفلام الشَّيخ وطغيان حضوره عبر الأفلام والعقود الزمنيَّة منذ بدايات السينما الأمريكيَّة وحتى وقتها الحاضر.

إن دراسة نقديَّة متأنيَّة تشمل كافة تمثيلات (representations) العربي فـي كل تاريخ السينما الأمريكيَّة تبدو فكرة طموحة من الناحية المبدئيَّة، ولكنها، فـي الوقت نفسه، غير عمليَّة وغير ممكنة للعديد من الأسباب. غير أن دراسة شخصيَّة الشَّيخ (وهو «الصُّورة الصَّغيرة» micro) من خلال متابعة وقراءة تشكلها وتطورها عبر المراحل التاريخيَّة، والثقافـيَّة، والسينمائيَّة المختلفة، ستكون بالنَّتيجة، من الناحية العمليَّة، دراسة للتمثيلات السينمائيَّة للعربي (من حيث هو، هذه المرة، «الصُّورة الكبيرة» macro)؛ بالنظَّر إلى أن شخصيَّة الشَّيخ قد تبدَّت وتجلَّت تاريخيًّا باعتبارها العربي الجوهراني، وخلاصة الغيريَّة والاختلاف. وفـي هذا فإن نقطة بداية دراسة الشَّيخ العربي الهوليوودي ينبغي أن تكون عام 1921؛ أي العام الذي اقتبست فـيه الشَّاشة السينمائيَّة الأمريكيَّة رواية إدِث هل Edith Hull المعمَّدة «الشَّيخ»The Sheik بنفس العنوان (3).

--------------------------------

(1). Jack Shaheen, Reel Bad Arabs, 27. مصدر مقتبَس سابقاً

(2). John C. Eisele, “The Wild East: Deconstructing the Language of Genre in the Hollywood Eastern,” Cinema Journal 41, no. 4 (Summer 2002), 73.

(3). Edith Hull, The Sheik (Boston: Mall, Maynard, 1921). جدير بالذكر إنه فـي إثر نشر رواية «الشَّيخ» وإنجاز نسختها السينمائيَّة، فإن نفس المؤلفة قد نشرت رواية أخرى هي «ظِل الشَّرق» The Shadow of the East (New York: Small, Maynard, and Co., 1921). كما أنها نشرت لاحقاً، من باب الاستثمار التجاري والثقافـي، رواية أخرى من نفس النَّوع بعنوان «أبناء الشَّيخ» The Sons of the Sheik (New York: A. L. Burt, 1925)، والتي اقتبِست بدورها إلى السينما فـي فـيلم بعنوان «ابن الشَّيخ» The Sun of the Sheik (بإخراج جورج فِتسمورِس George Fitzmaurice، 1926). وبعد ذلك نشرت هَل كتاباً رحليًّا صحراويًّا بعنوان «التخييم فـي صحارى» Camping in the Sahara (New York: Dodd, Mead, and Co., 1927)، إضافة إلى روايات أخرى مستلهمَة من الصحارى والغابات وهي: «مروِّض الأسود» The Lion-Tamer (New York: Dodd, Mead Co., 1928)، و»أسير صحارى» The Captive of the Sahara (New York: Dodd, Mead and Co., 1931)، و»أسير الغابة» and Jungle Captive (Dodd, Mead and Co., 1939).

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السینما الأمریکی

إقرأ أيضاً:

الكيوي الذهبي في مقدمة النتائج… كيف يؤثر الغذاء الغني بـفيتامين سي على نضارة البشرة؟

خلصت الدراسة إلى أن الجسم لا يخزّن فيتامين سي، لذا فإن الحفاظ على مستويات مثلى في البلازما يتطلب استهلاكه يومياً.

أفادت دراسة طبية حديثة أن السر الحقيقي للحصول على بشرة مشدودة ومتجددة لا يكمن في أنابيب الكريمات باهظة الثمن، بل في طبق الفاكهة اليومي. ووجد باحثون أن فيتامين سي المتناول عبر الغذاء يصل بكفاءة عالية إلى خلايا الجلد عبر مجرى الدم، ويحفّز إنتاج الكولاجين بفعالية تفوق بكثير محاولات امتصاصه عبر البشرة مباشرة.

وكشف باحثون من كلية الطب في جامعة أوتاغو، فرع كرايستشيرش (نيوزيلندا)، أن مستويات فيتامين سي في البشرة مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بتركيزه في بلازما الدم، ويمكن رفعها بانتظام من خلال تناول فواكه غنية بهذا الفيتامين.

ونُشرت النتائج في مجلة "جورنال أوف إنفستيغاتيف درماتولوجي" ، بعد تجارب شملت 24 بالغًا أصحاء في نيوزيلندا وألمانيا.

وأظهرت الدراسة أن تناول ثمرتين يومياً من كيوي الذهبي —الذي يوفّر نحو 250 ملغ من فيتامين سي—لمدة ثمانية أسابيع، رفع تركيز الفيتامين في جميع طبقات البشرة. وارتبط ذلك بتحسّن ملحوظ في سماكة البشرة، وهو مؤشر مباشر على زيادة إنتاج الكولاجين، فضلاً عن تسارع تجديد خلايا الطبقة الخارجية.

Related دراسة تكشف الوجه الآخر لروتين البشرة المنتشر بين المراهقات على تيك توكفيديو: مسيرة للنساء ذوات البشرة الملونة في ساو باولو للمطالبة بالتغييرالبتيروستلبين.. منافس جديد يدخل سباق العناية بالبشرة فماذا نعرف عنه؟ الدم ينقل الفيتامين للبشرة بكفاءة أعلى من الكريمات

وقالت البروفيسورة مارغريت فيسرز، الباحثة الرئيسية من مركز "Mātai Hāora" لأبحاث البيولوجيا والطب الأحمر بجامعة أوتاغو: "كنا مندهشين من الارتباط الوثيق بين مستويات فيتامين سي في البلازما وتلك في البشرة—وكان هذا الارتباط أكثر وضوحاً مما رأيناه في أي عضو آخر درسناه".

وأضافت: "نحن أول من يثبت أن فيتامين سي في الدورة الدموية يخترق جميع طبقات البشرة، ويرتبط بتحسين وظائفها".

وأشارت الدراسة إلى أن فيتامين سي ــ كونه قابلاً للذوبان في الماء ــ يُمتص بشكل ضعيف عبر الحاجز الخارجي للبشرة، رغم إضافته الشائعة إلى مستحضرات التجميل. في المقابل، أثبتت النتائج أن البشرة تمتصه بكفاءة عالية من مجرى الدم، بل إن الطبقة العليا (البشرة العليا) تحظى بالأولوية في هذا الامتصاص.

منهجية الدراسة: مرحلتان في قارتين

وفي المرحلة الأولى، حلّل الباحثون عينات من أنسجة بشرة صحية جُمعت من مرضى خضعوا لعمليات جراحية اختيارية في مستشفى "تي واتو أورا كانتربري" بنيوزيلندا، لتحديد العلاقة بين مستويات فيتامين سي في البلازما وفي الجلد.

أما المرحلة الثانية، فشملت تدخلاً غذائياً في موقعين: كرايستشيرش وهامبورغ، مع 12 مشاركاً سليماً في كل موقع. وطُلب منهم تناول 250 ملغ يومياً من فيتامين سي عبر ثمرتي كيوي الذهبي لمدة ثمانية أسابيع، مع جمع عينات بشرة قبل وبعد التدخل.

في هامبورغ، أجرى معهد SGS Institute Fresenius—المزوّد بتقنيات متخصصة لجمع الطبقة الخارجية من البشرة (سقف الفقاعة البثرية)—قياسات دقيقة شملت سماكة البشرة، ومرونتها، وقدرتها على الحماية من الأشعة فوق البنفسجية، فضلًا عن تحليل تجدد خلايا البشرة العليا باستخدام تقنيات مثل الموجات فوق الصوتية.

مصادر غذائية بديلة قد تحقق نفس الفائدة

ورغم اختيار كيوي الذهبي لكونه من أغنى المصادر بفيتامين سي، أشار الباحثون إلى أن فواكه وخضروات أخرى ــ مثل الحمضيات، التوت، الفليفلة، والقرنبيط ــ يمكن أن تُحقّق آثاراً مشابهة إذا وفّرت كمية مكافئة من الفيتامين.

وخلصت الدراسة إلى أن الجسم لا يخزّن فيتامين سي، لذا فإن الحفاظ على مستويات مثلى في البلازما يتطلب استهلاكه يومياً.

وقالت البروفيسورة فيسرز: "نوصي باعتماد عادة يومية تتمثل في تناول خمس حصص على الأقل من الفواكه والخضروات، تتضمّن إحداها غذاءً عالي التركيز بفيتامين سي—كما في الكيوي الذهبي".

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • محافظ الأقصر والسفيرة الأمريكية يفتتحان الركن الأمريكي بمكتبة مصر العامة
  • محافظ الأقصر والسفيرة الأمريكية يفتتحان «الركن الأمريكي» بمكتبة مصر العامة
  • البابا تواضروس يدعو لدراسة تاريخ الكنائس الأخرى
  • إليانا تقدم المزيج «العربي اللاتيني» على مسرح «جائزة أبوظبي»
  • أسرة الشيخ الشحات أنور تُهدي وزير الأوقاف تذكارًا يحمل صورة الرئيس السيسي .. صور
  • الكيوي الذهبي في مقدمة النتائج… كيف يؤثر الغذاء الغني بـفيتامين سي على نضارة البشرة؟
  • انطلاق مهرجان البحر الأحمر السينمائي تحت شعار في حب السينما
  • بدء تصوير فيلم عيلة دياب عالباب لـ محمد سعد وغادة عادل
  • تمدين لجنة الميكانيزم مقدمة لحلّ شامل أم تجميد لحرب محتملة؟
  • عام فني استثنائي.. 5 أفلام عربية هزت المهرجانات العالمية في 2025