وسط تزايد الغموض عن مستقبل مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أثار انسحاب الوفد الأميركي من المحادثات غير المباشرة جدلا واسعا في دلالاته الحقيقية، ففي حين اعتبره بعضهم خطوة تكتيكية للضغط على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، رأى آخرون أن فيه تحوّلا في الإستراتيجية الأميركية قد ينذر بتصعيد وشيك.

الباحث الأميركي كينيث كاتزمان رأى أن قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعادة فريقها التفاوضي من الدوحة لا يعكس بالضرورة انسحابا نهائيا، بل يندرج ضمن مناورات محسوبة للضغط على حماس كي تتجاوب مع الطرح الأميركي الإسرائيلي.

ولفت إلى أن الثناء الذي سبق أن وجّهته واشنطن للحركة لم يكن سوى جزء من لعبة تكتيكية معتادة في سياسات الولايات المتحدة الخارجية.

وأوضح كاتزمان، أن الانسحاب الأميركي قد يكون ناتجا عن "تعنت" حماس، حسب وصفه، معتبرا أن الحركة لم تُبدِ مرونة تُذكر منذ أشهر، لكنه أشار في المقابل إلى أن إدارة ترامب قد تدفع في المرحلة المقبلة نحو تخفيف القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة كأولوية عاجلة.

وجاء التحول في الخطاب الأميركي بعد تصريحات مباشرة للرئيس ترامب من حديقة البيت الأبيض، اتهم فيها حماس بعدم الرغبة في الاتفاق، مشيرا إلى أن الحركة "تدرك ما سيحدث بعد استعادة الرهائن"، في إشارة إلى فقدانها أوراق التفاوض.

وقال إن "حماس تريد أن تموت"، وهو تصريح أثار استغراب أوساط فلسطينية اعتبرته تهديدا صريحا.

نوايا مبيتة

وفي هذا السياق، اعتبر الباحث الفلسطيني سعيد زياد أن تصريحات ترامب تعكس نوايا مبيتة، تتجاوز الضغط السياسي إلى تهديد واضح بإعادة التصعيد العسكري.

وذهب إلى أن واشنطن قد تمهد، من هذا الانسحاب، لسيناريوهات أكثر حدة تشمل عمليات اغتيال أو اجتياحات محدودة داخل غزة للضغط على حماس وتفتيت موقفها التفاوضي.

إعلان

وأشار زياد إلى أن مثل هذه الضغوط قد تُوظف في لحظة تفاوضية حرجة بهدف إضعاف حماس وتقديمها كطرف معرقل، مستشهدا بتجارب سابقة، منها اغتيال القيادي البارز إسماعيل هنية خلال مفاوضات مماثلة.

وقال إن هناك خشية من "موجة ضغط غير مسبوقة" في الأيام المقبلة، لا تقتصر على الجانب الإعلامي أو الدبلوماسي، بل قد تتوسع إلى الجانب العملياتي.

وأكد زياد أن أي تصعيد ميداني، الآن، سيكون له تكلفة عالية على الاحتلال، إذ بات واضحا أن المقاومة جهّزت نفسها جيدا لمرحلة ما بعد التفاوض.

ولفت إلى أن عمليات القنص والتفجيرات التي تكبدت فيها قوات الاحتلال خسائر فادحة قد تتكرر بشكل أعنف إذا قررت إسرائيل خوض مغامرة جديدة داخل غزة.

مواقف إدارة ترامب لم تتوقف عند التصريحات، إذ سبق ذلك إعلان مبعوثها إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف إعادة الفريق الأميركي من الدوحة، معتبرا أن رد حماس على المقترح الأخير يدل على غياب النية للتوصل لاتفاق.

لكن حماس وصفت هذه التصريحات بأنها "سلبية ومفاجئة"، مؤكدة أنها قدمت موقفا إيجابيا ومرنا بعد مشاورات موسعة مع الفصائل والدول الوسيطة.

في المقابل، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن حكومته تدرس "خيارات بديلة" بالتنسيق مع الأميركيين لاستعادة الرهائن و"إنهاء حكم حماس"، حسب قوله.

واعتبر أن المبعوث الأميركي على حق في اتهام حماس بعرقلة الاتفاق.

لكن الموقف الإسرائيلي الرسمي لا يخفي أن هناك حسابات داخلية أيضا، إذ برزت تصريحات من وزراء اليمين المتطرف -مثل الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش– تطالب بوقف شامل للمساعدات الإنسانية واحتلال كامل لغزة، إلى جانب تدمير الحركة بالكامل وتشجيع الهجرة.

هوامش للمناورة

من جانبه، أشار الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين إلى أن هذه الأصوات المتطرفة لا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي لبنيامين نتنياهو، بل تُستخدم لتوسيع هوامش المناورة، واعتبر أن سحب الوفد الإسرائيلي من قطر لا يعني نهاية المفاوضات، بل محاولة كسب الوقت وتأجيل الحسم السياسي.

وأوضح جبارين أن نتنياهو، الذي لم يحقق "نصرا عسكريا" حاسما حتى الآن، لا يبدو مستعدا لحسم سياسي أيضا، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء يحاول التحرك ضمن فسحة زمنية محدودة للتهرب من الضغط الشعبي الداخلي والمساءلة السياسية.

وفي خضم ذلك، تزداد حدة الضغوط الداخلية على الحكومة الإسرائيلية، مع اتساع رقعة المظاهرات داخل إسرائيل، خصوصا من عائلات الأسرى الذين يطالبون بإعادتهم بأي ثمن.

ولفت جبارين إلى أن هذه الضغوط تتكوّن من خمس طبقات متراكبة: أخلاقية، وإنسانية، وأمنية، وسياسية، وأخيرا طبقة تخشى على صورة إسرائيل مستقبلا.

ورأى أن إدارة ترامب -ومن خلفها حكومة نتنياهو- تسعى بالتصعيد الكلامي إلى تحميل حماس مسؤولية انهيار المفاوضات أمام المجتمع الدولي، لخلق مناخ سياسي يُبرّر جولة جديدة من الحرب، في ظل تصدّع الإجماع الداخلي الإسرائيلي.

في غضون ذلك، نقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤولين إسرائيليين أن قرار استدعاء الوفد لا يعني بالضرورة أزمة في المفاوضات، بل يأتي لمزيد من المشاورات، وأن رد حماس الأخير كان "إيجابيا" وقد يساعد على تضييق الفجوات.

إعلان

من جانبها، أكدت حماس في بيان، أنها تعاملت بـ"مرونة ومسؤولية" مع المقترحات، وأن موقفها يفتح الباب لاتفاق شامل، معبرة عن استغرابها من "المواقف السلبية الأميركية"، خصوصا في ظل ترحيب الوسطاء، لا سيما قطر ومصر، بصيغتها الأخيرة.

وبينما لم تُعلّق القاهرة أو الدوحة رسميا على تصريحات ترامب أو انسحاب الوفد الأميركي، أفادت مصادر مطلعة لوكالة رويترز، أن قرار إسرائيل بإعادة وفدها من قطر لا يعني توقف المحادثات، مشيرة إلى أن الجولة الأخيرة لا تزال مفتوحة رغم ما يشوبها من تعقيدات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات إلى أن

إقرأ أيضاً:

صفقة شاملة؟.. واشنطن تُعيد تقييم سياستها تجاه الحرب في غزة

كشفت القناة 12 العبرية، مساء السبت، أن البيت الأبيض بدأ بإجراء "إعادة تفكير" في سياسته تجاه الحرب في غزة ، وذلك بعد مرور أكثر من ستة أشهر على تصعيد عسكري لم يحقق أهدافه، وسط تزايد الانتقادات الداخلية لفشل الاستراتيجية الحالية.

وأفادت القناة، نقلًا عن مصادر مطلعة، أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أبلغ عائلات الرهائن خلال لقاء في واشنطن، أن الوقت قد حان لطرح خيارات جديدة وأكثر شمولًا لإنهاء الحرب في غزة، دون استبعاد إمكانية التوصل إلى اتفاق شامل يشمل تحرير جميع الأسرى مقابل إنهاء العمليات العسكرية.

وبحسب التقرير، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حرية شبه مطلقة في إدارة العمليات بغزة، سواء في الشأن العسكري أو التفاوضي، وحتى في ملف توزيع المساعدات الإنسانية.

ورغم أن ترامب كان من أوائل الزعماء الذين حذّروا علنًا من خطر المجاعة في غزة، إلا أنه اتّسم بموقف أقل حدة تجاه القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات، مقارنة بسلفه. ومع ذلك، يُقر بعض أعضاء إدارته في جلسات مغلقة، أن الاستراتيجية المتبعة فشلت في تحقيق أهدافها، فيما لا يزال القرار بشأن تغييرها معلقًا.

اقرأ أيضا/ "بحبح" يتحدث عن مفاوضات غـزة والمُعطّل لها وموعد إمكانية استئنافها

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد صرّح أمس الجمعة، بأن حركة  حماس  لا ترغب في إبرام اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن.

جاء ذلك في تصريحات، للصحافيين، في البيت الأبيض، بعد يوم واحد من إعلان مبعوث ترمب للسلام في الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بأن الإدارة الأميركية قررت استدعاء فريقها التفاوضي إلى البلاد لإجراء مشاورات، عقب تقديم "حماس" أحدث المقترحات

وأضاف ترمب "لقد انسحبنا من مفاوضات غزة وهذا أمر مؤسف فحماس لم تهتم بإبرام أي صفقة ولا بد من لاحقة حماس والقضاء عليها". وأوضح أن حماس تعرف ماذا سيحصل بعد استعادة كل الرهائن ولهذا لا تريد التوصل لاتفاق.

وقال "لقد ساهمنا في إطلاق عدد كبير من الرهائن في غزة وعملية إطلاق من تبقى منهم لدى حماس ستكون أصعب". وتابع "سيكون من الصعب استعادة بقية الرهائن في غزة لأن حماس تعرف أنه لن تكون لديها أوراق للمساومة".

 

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية في ظل المجاعة.. إسرائيل تُتلف 1000 شاحنة مساعدات على حدود غزة! آيزنكوت يتهم نتنياهو بإفشال مفاوضات صفقة التبادل لأسباب سياسية نتنياهو: ندرس الآن خيارات بديلة لإعادة رهائننا من غزة الأكثر قراءة 7 شهداء جراء قصف الاحتلال عدة مناطق في قطاع غزة مفاوضات غزة: ملف خرائط الانسحاب في انتظار ردّ إسرائيل الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم ومخيميها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تعقد اجتماعا لبحث ملفات سياسية وتنظيمية عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • بعد 6 أشهر من التعثّر.. واشنطن تراجع استراتيجيتها في غزة
  • صفقة شاملة؟.. واشنطن تُعيد تقييم سياستها تجاه الحرب في غزة
  • غموض يكتنف بدائل نتنياهو بعد انسحاب الوفد الإسرائيلي من مفاوضات غزة
  • اليونسكو... انسحاب لا يفيد واشنطن
  • قيادي في حماس يكشف لـCNN ما دار في مفاوضات وقف إطلاق النار قبل انسحاب أمريكا وإسرائيل
  • ترامب يتراجع عن تهدئة غزة ويدعو للتصعيد وسط أزمة إنسانية
  • بعد انسحاب الوفد الأمريكي..مصادر تؤكد استمرار مفاوضات وقف النار في غزة
  • انسحاب الوفد الأمريكي من مفاوضات الدوحة حول غزة.. ترامب يعلّق!
  • مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية يدين انسحاب مفاوضي إدارة ترامب من مناقشات وقف النار بغزة