«صنع الله بكرة حوالي 12 الظهر»، أرسلت لي هذه العبارة الدكتورة شيرين أبو النجا، تذكرني بموعد مع الكاتب والروائي صنع الله إبراهيم. حين تأكد اللقاء جالت برأسي عدة أفكار وأسئلة، وأنا أحاول إيجاد مدخل لحديث سلس مع صاحب (وردة) التي شغلتني منذ قرأتها في ليلة واحدة في أغسطس 2001. كنتُ قبل موعد الزيارة قد قرأت مقالا بعنوان «قبلة على رأس صنع الله واثنتان على الجبين» للكاتب والروائي عزت القمحاوي، المنشور في موقع المنصة الإلكتروني منتصف مارس المنصرم، لا أدّعي قربًا شخصيًّا من صنع الله إبراهيم؛ فهو معتزل وأنا شبه معتزل.
أخذتُ درسًا في الصحافة الثقافية من الناقد التونسي المرحوم توفيق بكّار (1927-2017) عندما قابلته في معرض الكتاب بتونس ربيع 2006، بأن أُحضّر جيدا عند مقابلة أي شخصية ثقافية وأدبية، والتحضير الجيد يكون بقراءة منجزات الضيف وما كُتب عنه. ولذلك استحضرتُ ذهنيًا بعض الأحداث في روايات صنع الله، ولكن الأهم من الأسئلة كان الإصرار على الزيارة للاطمئنان عليه بعد خروجه من (مستشفى المقاولون العرب) بالقاهرة إثر نزيف معوي تعرّض له منتصف شهر مارس. وإذا كانت حاله الصحية تسمح بالحوار، وددتُ أن أسأله عن روايته «وردة» التي كتبها في سلطنة عمان نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وأشار إلى ذلك الكاتب والشاعر المرحوم محمد الحارثي (1962-2018) في حواره المنشور مع سعيد الهاشمي في كتاب (حياتي قصيدة وددت لو أكتبها. دار سؤال:2016) «شاءت الصُّدف أن أزور عُمان في الفترة التي كان فيها الروائي صنع الله إبراهيم يُعدّ ملفّ روايته وردة بين مسقط وصلالة». ويستطرد الحارثي قصته مع صنع الله الذي وافق على ترجمة مجموعة قصص لكتاب أنجلوسكسونيين ونشرها في دار نشر نجمة التي أسسها الحارثي والشاعر عبدالله الريامي، أعطيته مقدما 600 دولار وهو مقدم بسيط لكنه وافق بأريحية دعما لمشروعنا، لكن الدار لم تنشر الترجمات نظرا لتعثر دار النشر الوليدة مما جعل صنع الله يعيد المبلغ للحارثي، فاجأني بمغلف به مبلغ الـ600 دولار التي أعطيتها له كمقدم لترجمته قصصًا لم تظهر مطلقًا في منشورات نجمة، بالطبع رفضتُ المبلغ مُتعلِّلا ببديهة عدم التزام منشورات نجمة بنشر كتابه، لكنه كان من الصرامة والعناد الماركسي المبدئي بحيث قضينا سهرتنا في النقاش حول ذلك المبلغ الذي رفضتُ استعادته مثلما رفض هو القبول به».
أحضرت معي عدة ورود بألوان مختلفة لصاحب «وردة». ركبتُ مع سائق سيارة الأجرة وطلبت منه التوجه إلى العنوان «جبل المقطم»، أثناء ركوبي في المصعد، انطلق جهاز النداء الداخلي بدعاء السفر، فقلت هذا موضوع آخر يمكن الانطلاق منه، وتذكرت آخر لقاء تلفزيوني مع الشاعر السوري محمد الماغوط (1930 - 2006) في برنامج أدب السجون، أنه يستمتع بالإنصات إلى تلاوة سورة النجم.
أوصلني المصعد إلى الدور الخامس، واتجهت إلى الشقة التي فتحت لي بابها المعينة المنزلية في شقة صنع الله، شقة مرتبة مُعتنى بها وتبعث السرور في النفس. جلست في الصالة أنتظر فإذا به على الكرسي المتحرك، بثياب البيت وبهيئته المعتادة نظارتين بنفس الطراز المعتاد على الظهور به، بدا منهكًا وعليه آثار التعب، بعد الترحيب بي صمت، فاستلمت دفة الحديث وحينما ذكرت له صلالة، استيقظت ذاكرته الحديدية وسألني عن الأحجار الدائرية أمام فندق هوليداي إن- كراون بلازا حاليًا- أخبرته بأن الأحجار قد أُزيلت نظرًا لتحديث المكان. كانت الأحجار التي سأل عنها قد ذكرها رشدي بطل رواية «وردة» صحبتنا صفوف من أشجار جوز الهند حتى بلغنا فندق هوليداي إن على شاطئ المحيط الهندي. علّق زكريا على الكرات الحديدية الضخمة البيضاوية الشكل التي زينت مدخل الفندق قائلا: إنها أحجار من الجبل تشكلها الريح».
سألني عن بعض الأشخاص ولاحظت تأثره بسماع خبر رحيل البعض منهم. لم أرغب في إطالة الحديث معه نظرا لظروفه الصحية، وودعته. لحظات قليلة أمضيتها مع صنع الله إبراهيم كانت عبارة عن اختزال لأحداث واقعية ومتخيلة وظفها الروائي الملتزم بموقفه وانحيازه الدائم إلى الإنسان وحقوقه وكرامته.
محمد الشحري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صنع الله إبراهیم
إقرأ أيضاً:
لحج.. ضبط رافعات مخصصة لإنزال حاويات السفن كانت في طريقها إلى الحديدة
أعلنت قوات الحزام الأمني بمحافظة لحج، السبت، ضبط رافعات مخصصة لإنزال حاويات السفن، كانت في طريقها إلى محافظة الحديدة، وذلك أثناء عملية تفتيش في نقطة الحسيني شمال مدينة الحوطة.
وقال مصدر في عمليات قوات حزام لحج إن عملية الضبط جرت خلال التفتيش الروتيني للمركبات والشاحنات، حيث اشتبه أفراد النقطة بإحدى الشاحنات، ليتم تفتيشها والعثور على الرافعات بداخلها وقد كانت مغطاة بطرابيل محكمة.
وأضاف أن التحقيقات الأولية أظهرت أن الرافعات جرى تحميلها من أحد الهناجر في منطقة الرباط، وكانت مهيأة للنقل إلى صنعاء ومنها إلى الحديدة، بحسب اعترافات سائق القاطرة ومرافقيه.
وباشرت تلك القوات الإجراءات القانونية اللازمة، وفتحت تحقيقًا لمعرفة ملابسات العملية والجهات المتورطة فيها، مشددة على استمرار جهودها في إحكام الرقابة على الطرقات لمنع تهريب المعدات أو المواد التي قد تُستغل بما يضر بالأمن والاستقرار.