تقدّم نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، في 15 آب/ أغسطس 2023، بمبادرة تتضمّن “خريطة طريق” لوقف الصراع الدائر في السودان، تبدأ بإعلان وقف دائم وشامل لإطلاق النار، والانخراط في عملية سياسية تُفضي إلى انتخاباتٍ عامة، تنبثق منها حكومة مدنية، تتولى إعادة بناء مؤسّسات الدولة على أسس ديمقراطية. وقد تباينت ردّات الفعل على المبادرة، بين مؤيد لها باعتبارها تمثل مخرجًا ممكنا من الصراع الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، ورافض لها، أو مشكّك فيها، على أساس أنها غير واقعية في ظروف الاستقطاب الراهنة.

حيثيّات المبادرة

جاءت مبادرة مالك عقار، الذي جرى تعيينه نائبًا لرئيس مجلس السيادة في 19 أيار/ مايو 2023، بعد مرور أربعة أشهر على تفجّر الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخرطوم، وأنحاء أخرى من البلاد، ووصول المعارك إلى نقطة الجمود، مع عدم التمكّن من الحسم عسكريًا، وتعثّر محادثات جدّة التي رعتها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. تبدأ خريطة الطريق بوقفٍ لإطلاق النار بين الطرفين المتحاربين، وإخراج قوات الدعم من المناطق السكنية التي تحصّنت فيها، وتشكيل حكومة مؤقتة تضطلع بمهمتين أساسيتين: الأولى، إعادة توفير الخدمات الضرورية لحياة الناس، وإعادة بناء ما دمرته الحرب؛ والثانية، العمل مع القوى السياسية لتهيئة الظروف لعقد مؤتمر تأسيسي تحضيرًا لانتخابات عامة تنبثق منها حكومة دائمة. تضمّنت المبادرة، أيضًا، تسهيل عمليات الإغاثة وإيصال المساعدات الإنسانية، وتأمين رواتب العاملين في الجهاز الحكومي، وتوفير السلع الأساسية وغيرها. وتتعهّد المبادرة بالتعامل بحزم مع قضية المجرمين الفارّين من السجون، وإعادة قادة النظام السابق الذين خرجوا من السجن.

وتضمّن خطاب عقار، الذي أطلق خلاله مبادرته لوقف القتال، رسائل في اتجاهات عدة؛ إذ اعتذر للشعب عن الفشل في تأسيس دولة قائمة على المؤسّسات. وكان ذلك، في رأيه، سببًا رئيسًا لاندلاع الحرب الدائرة. وتوجّه إلى القوات النظامية برسالة أشار فيها إلى أهمية وجود جيش مهني وطني موحّد، بينما طالب قادة الدعم بضرورة وقف الانتهاكات ضد المدنيين، والقبول بفكرة أنه لا وجود لجيشين في دولة واحدة. وأكد ضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات في حقّ المدنيين. وطالب الأحزاب والقوى السياسية والمدنية بالمساعدة في جهود وقف القتال، في خطوة أولى تسبق إطلاق حوار وطني شامل لا يُقصي أحدًا، وناشد دول الجوار والمجتمع الدولي بتوحيد الجهود والمبادرات لوقف الحرب، والامتناع عن التنافس على حساب السودانيين.

مواقف القوى السودانية من المبادرة

توالت ردّات الفعل على مبادرة مالك عقار فور الإعلان عنها، وتباينت بين مؤيد ومعارض ومتشكك:

(1): الجيش. لم يُبْدِ الجيش موقفًا محدّدًا من مبادرة عقار، لكن القائد العام للقوات المسلحة، عبد الفتاح البرهان، كان ألقى قبل يوم من الإعلان عنها خطابًا أكّد فيه ضرورة الحسم العسكري ضد من وصفهم بـ “المتمرّدين والخونة”. وفي حين اعتبر بعضهم ذلك دليلًا على وجود تبايناتٍ داخل مجلس السيادة، فسّره آخرون بأنه تعارض، أو توزيع أدوار، متفق عليه بين البرهان وعقار، وأن التباين الظاهر في الخطابين إنما يعكس رغبة في التوصل إلى اتفاقٍ ينهي القتال. لكن هذا لن يحدُث، إلا في حال التزام الطرف الآخر.

فسّر البعض التباين الظاهر في خطابي البرهان وعقار، بأنه يعكس رغبة في التوصل إلى اتفاقٍ ينهي القتال
(2): الدعم السريع. رفضت قوات الدعم المبادرة، وقال يوسف عزت، المستشار السياسي لقائدها، إن “قواته لا تعترف بسلطة عقار”، وإنها “ملتزمةٌ فقط بمحادثات جدّة”. كما اتهم عقار بانحياز موقفه إلى الجيش، نظرًا إلى أنه حمّل قوات الدعم مسؤولية الانتهاكات ضد المدنيين، ودعا إلى خروجها من منازل المواطنين والمقرّات الخدمية المدنية، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

(3): قوى الحرية والتغيير. أعلنت قوى الحرية والتغيير عن اتفاقها مع أغلب ما جاء في مبادرة عقار، ولكنها تحفّظت، في الوقت نفسه، عن مقترح حكومة تسيير الأعمال. وقال عضو مجلس السيادة السوداني السابق، والقيادي في قوى الحرية والتغيير، محمد الفكّي، تعليقًا على المبادرة، إنهم “يدعمون كل جهد يؤدّي إلى وقف إطلاق النار والذهاب إلى عملية سياسية”. كما أشاد القيادي، محمد عصمت، بالمبادرة، لإقرارها مبدأ التفاوض وسيلةً لحل الصراعات، والاهتمام بالجوانب الإنسانية ومصالح الناس، وبدعوة عقار مسؤولي النظام السابق إلى مراجعة تجربتهم، لكنه تحفّظ عن مقترح تشكيل حكومة لتسيير الأعمال. مؤكدًّا أنها “لن تجد قبولًا واعترافًا من أي جهة”. وكانت القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري، وفي مقدمتها قوى الحرية والتغيير، أنهت في 14 آب/ أغسطس 2023، اجتماعًا في أديس أبابا، خلص إلى مخرجاتٍ تتفق، إلى حد بعيد، مع الأفكار التي طرحتها مبادرة عقار، منها: وقف الحرب والتعامل مع جذورها، والسعي إلى حل سياسي سلمي شامل يؤسّس لدولة جديدة، والتعامل مع الجوانب الإنسانية للصراع، وحماية المدنيين ووقف الانتهاكات، وإعادة الإعمار، وإزالة آثار الحرب ومخلفاتها، والتأسيس لنظام حكم مدني ديمقراطي، وبناء جيش مهني وقومي موحّد. وقد استنتجت بعض القوى السياسية أن التوافق الكبير بين ما طرحته المبادرة التي أطلقها عقار ونتائج اجتماع القوى المدنية، في أديس أبابا، بمشاركة قوى الحرية والتغيير، قد يشير إلى احتمال التوصّل إلى اتفاق بين مجلس السيادة وقوات الدعم على وقف القتال. لكن لا يوجد دليل على وجود تنسيق بين قوى الحرية والتغيير وقوات الدعم بخصوص الأفكار التي طُرِحت في اجتماعات أديس أبابا لتأكيد صحة هذا الاستنتاج.

أعلنت قوى الحرية والتغيير عن اتفاقها مع أغلب ما جاء في مبادرة عقار، ولكنها تحفّظت، في الوقت نفسه، عن مقترح حكومة تسيير الأعمال
(4): الحركة الإسلامية. رفضت الحركة الإسلامية مبادرة عقار، وأصدرت بيانًا فندت فيه ما جاء فيها.

المواقف الخارجية

لم تجد مبادرة مالك عقار تفاعلًا واضحًا من القوى الإقليمية والدولية، فعلى الرغم من الزيارات الخارجية المكثفة التي قام بها عقار، وشملت روسيا ومصر وكينيا وأوغندا، طلبًا لدعم مواقفه الداعية إلى وقف القتال وإطلاق حوار وطني شامل، لم تعلن هذه الدول موقفًا محدّدًا من مبادرته حين أطلقها. ولم يصدُر رد فعل من السعودية أو الولايات المتحدة اللتين ترعيان محادثات جدّة، وإن أشار بعضهم إلى وجود ترحيب غير رسمي في دوائر الخارجية الأميركية بفحوى مبادرة عقار.

آفاق المبادرة

جاءت المبادرة، بعد تعثّر مفاوضات جدّة وفشل جهود وقف القتال، باعتبارها محاولة نابعة من داخل السودان لحل الأزمة، خصوصا أنها اشتملت على نقاطٍ عديدة، يمكن أن تكون محل توافق بين مختلف القوى السياسية السودانية، مثل وقف الحرب والانخراط في عملية سياسية شاملة لوضع أسس دولة مدنية ديمقراطية.

لم تجد مبادرة مالك عقار تفاعلًا واضحًا من القوى الإقليمية والدولية
وعلى الرغم من أن هناك من أخذ عليها تجاوزها بعض القضايا المهمة التي تمثل تحدّيًا كبيرًا أمام أي تسويةٍ سياسية، وكانت في الأصل أحد الأسباب الرئيسة لاندلاع القتال، مثل مصير قوات الدعم السريع (الدمج في الجيش أم التسريح، أو دمج جزء وتسريح آخر)، فإن المبادرة تمثّل فرصة للخروج من الأزمة، إذا ارتبطت بخطواتٍ يمكن أن تساهم في وقف الحرب، مثل محاصرة تدفّق السلاح والمحاربين من دول الجوار، وضمان الحصول على تأييد واسع للمبادرة على مستوى الشارع والقوى السياسية، ووضع آلية لتشكيل حكومة “تسيير الأعمال” المؤقتة، تشمل أوسع تمثيل سياسي ممكن، وضمان دعم دول الجوار للمضي في تنفيذ المبادرة.

العربي الجديد

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: قوى الحریة والتغییر القوى السیاسیة مجلس السیادة الدعم السریع مبادرة عقار وقوات الدعم وقف القتال قوات الدعم وقف الحرب ة التی

إقرأ أيضاً:

"بمكالمة تهنئة وتشجيع".. مدير ثانوية بنات نجع حمادي يطلق مبادرة لتحفيز الطالبات المتفوقات

 أطلق سيد أحمد حسين، مدير مدرسة الثانوية بنات بنجع حمادي، مبادرة جديدة لتكريم وتحفيز الطالبات المتفوقات في صفوف النقل، وذلك من خلال التواصل الهاتفي المباشر مع أوائل الصفوف وتهنئتهن وأسرهن بالتفوق.

جاءت المبادرة في إطار خطة الإدارة لدعم الطالبات نفسيًا ومعنويًا، وتعزيز ثقافة التقدير داخل المجتمع المدرسي، تمهيدًا للاستعداد الجاد للمرحلة الثانوية العامة.

ولاقَت المبادرة تفاعلًا واسعًا بين أولياء الأمور، الذين عبّروا عن سعادتهم بهذا التواصل التربوي الفعّال، الذي يسهم في تعزيز ثقة الطالبات بأنفسهن، ويحفزهن على مواصلة النجاح.
أوضح مدير المدرسة، أن حرصنا على أن تكون التهنئة شخصية ومباشرة من الإدارة، حتى تشعر الطالبة وأسرتها بأهمية ما حققته من إنجاز، ونؤكد من خلالها أننا نتابع وندعم كل طالبة مجتهدة وطموحة".


وأوضح محمد عبد العزيز، أمر، أن هذه اللفتة تؤكد أن إدارة المدرسة ليست بعيدة عن التفاصيل المهمة في حياة الطالبات. إنها رسالة قوية بأن لكل مجتهدة نصيب من التقدير والدعم."

وأشارت إيمان حسن، ولية أمر، إلى أن هذه المبادرة إنسانية قبل أن تكون تربوية خاصة وسط الضغوط المعتادة في هذه المرحلة."
جاءت هذه الخطوة ضمن حزمة من الجهود التي تبذلها إدارة مدرسة الثانوية بنات بنجع حمادي للارتقاء بالمستوى التعليمي، وخلق بيئة مدرسية تشجع على التميز، وتدعم الطالبات في مختلف الجوانب الدراسية والنفسية.

مقالات مشابهة

  • الداخلية تواصل فعاليات المرحلة 27 من مبادرة «كلنا واحد» تزامنا مع عيد الأضحى
  • الصحة: فحص 11 مليون مواطن بالمجان ضمن مبادرة الكشف عن الأورام السرطانية
  • قضاء أبوظبي تنظم مبادرة بهجة العيد لنزلاء مراكز الإصلاح وأسرهم
  • «بهجة العيد».. مبادرة إنسانية تجمع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل وأسرهم
  • "بمكالمة تهنئة وتشجيع".. مدير ثانوية بنات نجع حمادي يطلق مبادرة لتحفيز الطالبات المتفوقات
  • مواطن يتزعم مبادرة زواج من ذوات الاحتياجات الخاصة
  • أمانة العاصمة المقدسة تطلق مبادرة توعوية لحماية صحة ضيوف الرحمن
  • الصحة: إجراء 2 مليون و728 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار
  • ???? حين ضاق الخناق .. هل قرر العالم أخيرًا التخلص من مليشيا الدعم السريع؟
  • هيئة مغربية تعلن تنظيم النسخة الـ4 من مبادرة “عيدنا فلسطيني”