الجزيرة:
2025-06-21@14:48:37 GMT

هل تضع سياسات ترامب نهاية ناعمة لأوروبا؟

تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT

هل تضع سياسات ترامب نهاية ناعمة لأوروبا؟

يجسّد نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في إدارة علاقات الولايات المتحدة الأميركية مع حلفائها التقليديين، عاملًا رئيسيًا ومؤثرًا في إذكاء التناقضات وتعميق الفجوة بين مكونات الحلف الأميركي نفسه، المنضوي تحت مظلة الناتو عسكريًا وأمنيًا.

ففي الوقت الذي يظهر فيه حرصه على قوة أميركا، فإنه يسلك خطوات تهدّد العرش الذي تتربع عليه هذه القوة، فقوة أميركا ليست في انكفائها على ذاتها، بل بتوسع أذرع هيمنتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية على العالم، والمؤسّسات الدولية التي استحدثت لضبط إيقاع النظام الدولي تحت الهيمنة الأميركية ورعاية التوازن مع القوى الأخرى.

لذلك فإن الأطماع المعلنة في كل من كندا وجزيرة غرينلاند، والخلافات بينها وبين الاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا، أو التوترات مع الاتحاد نفسه في قضايا التجارة والأمن، تزرع حالة من اللايقين، وانعدام الثقة، يصعب معها في الأمد المتوسط تجاوز نتائجها، والتي ستسفر حتمًا إما إلى تقويض الدور الأميركي، بفعل تفجير التناقضات بين الحلفاء التقليديين، أو تمظهر القوة في أشكال جديدة من الهيمنة، ترسم معالمها بأدوات خشنة تتجاوز الأعراف السياسية وتخل بالتوازنات التي ظلت قائمة لعقود.

إعلان

ويحتاج ما سبق إلى تتبع تجلياته في ثلاثة ملفات محورية: أوكرانيا، والمسألة الأمنية، ثم الحرب التجارية.

1- المسألة الأوكرانية

حينما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، كان الخيار الأوروبي قائمًا على الحوار والتفاوض، لتجنّب آثار الحرب، بسبب التداخل الأوروبي الروسي والمصالح المشتبكة في جغرافيا سياسية مشتركة ومصالح اقتصادية وخطوط إمداد متبادلة، وفي مقدمتها الغاز الروسيّ الذي كان بمثابة النبض الذي يتحرّك به شريان الاقتصاد الأوروبي/ الألماني؛ وهو النواة الصلبة في أوروبا.

على خلاف هذا النهج التفاوضي الذي أبداه الأوروبيون لتجنّب لهيب الحرب في الجغرافيا الأوروبية، كان خيار الولايات المتحدة وبريطانيا يخضع لحسابات أخرى، ولعلّ تصريحات بوريس جونسون حينها ورد الروس بأنهم سيستهدفون لندن كان ذلك مؤشرًا على حجم الصدام الذي يمكن أن تدخله القارة الأوروبية، إثر التخلّي عن أمنها لصالح الولايات المتحدة الأميركية.

أسفرت الحرب عن أزمة كبرى في الاقتصاد الأوروبي، لكن بالمقابل كان ينتظر أن تكون أوكرانيا بمثابة الوحل لإشغال روسيا واستنزافها؛ تجنبًا لتهديدات مستقبلية، ولذلك تأتي ألمانيا بالأرقام في مقدمة الداعمين لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة الأميركية.

يعتبر الأوروبيون في مجملهم، أن كسب روسيا المعركة هو هزيمة إستراتيجية لأوروبا في المستقبل، وخطر أمني محدق؛ ذلك أن التاريخ الأوروبي والغربي في مجمله، حافل بنشوء نزعات توسعية وحروب كبرى إثر تسويات غير منصفة، أو لا تراعي التوازنات القائمة.

ومن ثَم كان توجّه ترامب للتفاوض مع الروس منفردًا، بمثابة القشة التي عمّقت الخلاف، فلم يكن مستساغًا للأوروبيين، وجودُهم خارج طاولة التفاوض التي تهندِس المستقبل الأمني لأوروبا، وهو ما يوضّحه الإعلان عن الدعم الصريح لأوكرانيا عقب واقعة البيت الأبيض بين ترامب والرئيس الأوكراني زيلينسكي، وربط المسألة الأوكرانية بالأمن الأوروبي.

إعلان

أدّى نهج ترامب في حل معضلة الحرب الروسية الأوكرانية إلى انقلاب في التوازنات القائمة، وهذا سينعكس على إعادة بناء إستراتيجيات أوروبا عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا.

يكفي للتذكير بالوضع الذي كان سائدًا، حدةُ التوجّه الأميركي السابق؛ ومعه البريطاني والفرنسي في دعم كييف بأسلحة كانت تعتبرها روسيا محظورة وكفيلة بإحداث حرب عالمية، لم تكن نفسها لدى ألمانيا، التي رفضت تقديم بعض الأسلحة الكفيلة بإحداث تغيير نوعي في الحرب، مما يعني أن كتلة مؤثرة في الاتحاد الأوروبي كانت تسعى إلى الإبقاء على الحرب في نطاق معين، يمنع اتساعها في الجغرافيا الأوروبية، ويبقي مساحة للتفاوض من أجل إيجاد مخرج من المأزق، لكنه تفاوض يراعي الهواجس والمخاوف الأوروبية، ويستجيب في الآن ذاته للمطالب الأوكرانية، وهو ما جسّده بشكل عملي مستشار ألمانيا في تواصله المباشر مع بوتين أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وبالنظر إلى مسارات الحرب والتسويات المطروحة، فالتاريخ الذي لم يقع، أن التفاوض الذي حصل قبل اندلاع الحرب، كانت ستحافظ معه أوكرانيا على كامل جغرافيتها، وسيتجنب العالم وأوروبا أساسًا أزمة اقتصادية وتوجهًا مكثفًا نحو تسلح قد يؤدي بشكل طبيعي إلى صدام أوروبي روسي في الأمد المتوسط، بل إن التسوية الحالية التي خلقت الانقسام بين أوروبا وأميركا، لن تحلّ الأزمة بشكل جذري، بل تعمل على ترحيلها إلى المستقبل.

 سيكون المستقبل الأوروبي، محكومًا بما يجري الآن من تفاوضات تقرر مصير تخوم أوروبا؛ أي أن وضع أوكرانيا، وموقع القارة الأوروبية من التأثير في الجغرافيا السياسية للعالم، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقدرتها على تحقيق الاستقلال الأمني عن الولايات المتحدة، أو في حدود دنيا تحقيق الردع لحماية مصالحها بنفسها.

ومن ثم فإن أوروبا الآن، في تناقض مباشر مع الولايات المتحدة، ليس في المسألة الأوكرانية وحسب، وإنما في أمن أوروبا، إذ أضحى استقلال أوروبا الأمني والعسكري الخيار المستقبلي الذي يفرض نفسه بقوّة.

إعلان 2- المسألة الأمنية

ليس جديدًا على قادة الاتحاد الأوروبي، التفكير في الاستقلال عن الولايات المتحدة الأميركية في المجال الأمني والعسكري، ذلك أن الفكرة قد طرحت بشدة في فترة حكم ترامب السابقة، حين طالب هذا الأخير القادة الأوروبيين بزيادة الإنفاق، مقابل الحماية التي يحصلون عليها من حلف الناتو.

لم يعتد الأوروبيون على خطاب مباشر يحمل الكثير من الإهانة بخصوص الأداء أو الإنفاق مقابل الحماية، فقد كان بمثابة جرح للنرجسية الأوروبية، جسّده حينذاك الرئيس الفرنسي في حديثه عن ضرورة التفكير والعمل على إنشاء قوة عسكرية أوروبية.

 ضمر التفكير في الموضوع مع مجيء بايدن، وتعديل كفة العلاقات الأميركية الأوروبية، والانخراط الكلي في الحرب الروسية الأوكرانية بشكل مشترك، لكن ما طرحه ترامب بخصوص زيادة الإنفاق الإجمالي من الناتج المحلي الإجمالي من 2٪ والتي تم إقرارها سنة 2014 إلى 5٪، والمسار الذي سلكته إدارة ترامب بخصوص التسوية بين أوكرانيا وروسيا، قد يفرض تغيير الحدود ويبقي على روسيا في وضع المنتصر، مما يحمل تحديات وتهديدات لمستقبل الاتحاد الأوروبي.

ظهرت أوّل آثار ذلك، في قمة الاتحاد الأوروبي ببروكسل يوم 20 مارس/ آذار 2025، والتي تفيد برفع ميزانية الإنفاق الدفاعي إلى 800 مليار يورو خلال السنوات الأربع المقبلة، منها 150 مليار يورو في هيئة قروض لمشاريع التسلح مع عدد من الإعفاءات الضريبية والتسهيلات الخاصة، بالإضافة إلى وضع الخطوات اللازمة لجاهزية الدفاع بحلول سنة 2030.

هذا تحوُّل عميق، سيرسم معالم جديدة لأوروبا المستقبل من الناحيتين؛ العسكرية والجيوسياسية في ظلّ اضطراب العلاقة مع روسيا، كما أنه يبرز تهيئة البدائل الممكنة للناتو أو الموازية له، نتيجة عدم وثوق الأوروبيين.

وبالعودة إلى الوراء، فإن ما بدأ يظهر الآن كإستراتيجيات أمنية خاصة بالاتحاد الأوروبي، كان محط نقاش في مناسبات عدة، نستحضر منها مناسبتين اثنتين:

إعلان إحداهما خلال اجتماع القادة الأوروبيين في بودابست يوم 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، إذ صرح الرئيس الفرنسي بأنه ينبغي للأوروبيين ألا يفوضوا أمنهم للأميركيين. كما قدم جوزيف بوريل خلال جلسة للبرلمان الأوروبي يوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، قراءة للمرحلة المقبلة، والتي تستبطن حسب وجهة نظره تغيرات جيوسياسية مهمة، تحتاج أوروبا فيها للجاهزية من أجل التعامل مع تقلباتها، من ذلك ضرورة تعزيز أوروبا سياستها الدفاعية، التي بدأت تتبلور بفعل الشكوك التي تنمو باطراد بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.

يمكن القول، إن المسألة الأمنية خرجت من دائرة التفكير والانشغال السياسي الخطابي، إلى دائرة الفعل، تحت تحفيز وتأثير المناخ السياسي والعسكري المضطرب على الحدود الروسية الأوكرانية، ثم بفعل النهج الذي اختاره ترامب مع الحلفاء التقليديين.

في الواقع، إن وجود تكتل إقليمي متكامل اقتصاديًا وسياسيًا -إلى حد ما-، ومفتقر إلى إستراتيجية أمنية وعسكرية خاصة به، حالة جديدة في التاريخ الحضاري الأوروبي برمته، مع ما في هذا التاريخ من مآسٍ استعمارية وحروب داخلية وخارجية، فهو بشكله الراهن لا يمثل قوة مؤثرة تحمي مصالحه الاقتصادية، أو فعالة في حل النزاعات، ذلك أن دوره مرهون بموقف الولايات المتحدة الأميركية.

وقد تبين بالفعل أن أي اضطراب على حدوده أو تغيُّر في إستراتيجيات الإدارة الأميركية، قد يكون مؤثرًا عليه تأثيرًا مباشرًا في السلم والحرب معًا، ولهذا كلفته الوجودية، مع وجود رئيس بطباع ترامب الذي خلق تناقضات تهم السياسة والأمن والتجارة مع الحلفاء وغير الحلفاء.

3- الحرب التجارية

مباشرة بعد انتخاب ترامب، أنشأ الاتحاد الأوروبي مجموعة خاصة في قلب الأمانة العامة بقيادة رئيسة المفوضية "أورسولا فون دير لاين"، أطلق عليها مجموعة أو فرقة عمل ترامب، للتنسيق بين دول الاتحاد والمفوضية الأوروبية، بغية إيجاد طريقة للتعامل مع الحرب التجارية التي أعلنها ترامب، تجنبًا لرفع الرسوم الجمركية على السيارات والمنتجات الموردة من أوروبا إلى الولايات المتحدة؛ التي تعتبر السوق التجارية الأولى للاقتصاد الأوروبي.

إعلان

لم يتوقّف ترامب عن الإشارة، إلى أنّ هناك عجزًا في الميزان التجاري للولايات المتحدة مع أوروبا يصل إلى 230 مليار دولار، متوعدًا برفع الرسوم الجمركية لتتراوح بين 10 و20 ٪، على كل السلع والواردات التي تصل قيمتها 3 تريليونات دولار من الدول الصديقة وغير الصديقة، 575 مليار دولار منها من السيارات والمنتجات الصيدلانية – وغيرها-، قادمة من الاتحاد الأوروبي.

لكن حجم الرسوم التي فرضها ترامب تجاوزت ما صرح به، لتصل إلى 25% على واردات الصلب والألمنيوم على كل من الصين، واليابان، وكندا، وأستراليا، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، وباستثناء الصين، فإن باقي الدول تعد من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة.

وفي مقابل رفع ترامب رسوم "التعريفة" الجمركية؛ التي أبدى إعجابه الشديد بها، أقر الاتحاد الأوروبي رسومًا مماثلة؛ أو "بشكل متناسب" – حسب عبارة الأوروبيين – على عدد من المنتجات، وكان من المفترض أن يجري تنفيذها ابتداء من بداية أبريل/نيسان 2025، لكنها أُجّلت إلى منتصف الشهر، لفسح المجال أمام التفاوض السياسي لتجنب الآثار السلبية.

تخفي الرسوم الجمركية وجهًا من التوتر والخلاف بين الحليفين التقليديين، إذ ستكون كلفتها مرتفعة على الاقتصاد الأوروبي المرتبط بالسوق الأميركية بشكل كبير، كما أنها ترسخ حالة عدم اليقين أو الشك بين أوروبا والولايات المتحدة، التي تتجاوز علاقتهما البعد التجاري والاقتصادي إلى السياسي والأمني في القضايا الدولية. غير أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن لاحقًا تجميد العمل بهذه الرسوم، في خطوة مفاجئة أرجعها مراقبون إلى ضغوط داخلية واعتبارات انتخابية.

ختامًا: إن التغيرات التي يمكن أن تسفر عن وجود قوة عسكرية أوروبية، مكملة للناتو أو مستقلة عنه ولو نسبيًا، ستكون تعبيرًا عن تحولات جيوسياسية عميقة في القارة الأوروبية، وفي العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، فهي بمثابة إيذان بنهاية التوازنات التي أسفرت عنها الحرب العالمية الثانية، وشلل في النظام الدولي المعبر عن المرحلة الماضية، مما قد يعمق التناقض بين القوى المتصارعة في مناطق النزاع.

إعلان

فانعدام الثقة مع توجه الإدارة الأميركية الجديدة لدى لفيف من ساسة الاتحاد الأوروبي، أو الشك فيما تقدمه الولايات المتحدة من حماية وضبط إيقاع الصراع الدولي، ومعه التوتر الذي يخيم بخصوص التسوية الجارية في أوكرانيا وآثارها المستقبلية، والإنفاق الدفاعي أو الناتو، والرسوم الجمركية، وإبرام تسويات سياسية وأمنية بمنطق الربح الذي يحكم الصفقات التجارية، سيمهد كل ذلك لميلاد أو تشكل مستقبل مختلف لأوروبا والعالم، ستظهر معه مناطق نفوذ جديدة وأدوات مختلفة في تدبير الصراع.

إن نزوع ترامب الانعزالي يفرض على الأوروبيين إيجاد إستراتيجيات بديلة، ليس للاقتصاد وحسب، وإنما لحل معضلة الأمن، التي تعتبر محورية في التفكير الأوروبي منذ عقود من التحالف الإستراتيجي، فنحن إذن أمام مستقبل يشي بشقوق وتصدعات، أو عدم يقين بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية في عدد من المجالات.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة الأمیرکیة الروسیة الأوکرانیة والولایات المتحدة الاتحاد الأوروبی الرسوم الجمرکیة

إقرأ أيضاً:

كيف يمكن أن تتعثر مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران؟

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، مقالا، للأستاذ في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، هوارد فرينش، قال فيه إنّ: "الولايات المتحدة تجد نفسها فجأة على شفا تورّط مباشر في صراع كبير آخر في الشرق الأوسط، بعد أيام من القصف الإسرائيلي لإيران وإطلاق الصواريخ على تل أبيب ومدن أخرى ردّا على ذلك".

وأوضح المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّه بـ"مجرد معرفة تاريخ الحروب الأمريكية في تلك المنطقة وفي الدول المجاورة، خلال الجيل الماضي كافية لإثارة الدهشة. كانت تدخلات الولايات المتحدة في العراق باهظة التكلفة في الأرواح والأموال، وخلفت وراءها بلدا مُنهارا لم يتعافى تماما".

وتابع: "انتهى احتلال أمريكا الطويل لأفغانستان بانسحاب مُذل، بعد أن حقق عددا أقل من أهدافه، وبعد أن تكبد تكاليف أعلى"، مردفا أنّه: "على الرغم من أن تدخل الولايات المتحدة في ليبيا أقل إثارة للجدل، إلا أنه قد يُمثل سابقة مهمة لما قد يحدث إذا التزمت واشنطن بحرب ضد إيران". 

"ساعد هذا التدخل، الذي نُفذ بالتعاون مع حلفاء أوروبيين، في الإطاحة بمعمر القذافي، لكنه حطم البلاد أيضا، ودفعها إلى دوامة عنف وحرب أهلية. وكان الضرر الجانبي الذي ألحقه بالدول المجاورة، مع انتشار الأسلحة الصغيرة بحرية في منطقة الساحل الأفريقي، مدمرا" بحسب المقال نفسه.

وأردف: "بعض أهم أسباب معارضة ما يبدو أنه انزلاق أمريكي نحو الحرب ضد إيران هي أسباب محلية بحتة. ما هو معروف عن عملية صنع القرار حتى الآن يكشف عن غرور الرئيس دونالد ترامب، وعدم جديته، وتقلب مزاجه. حتى أسبوع تقريبا، كان ترامب يراهن بسمعته في السياسة الخارجية على تجنب الصراع والسعي إلى السلام". 

وأضاف: "بالطبع، كانت التناقضات في التنفيذ كبيرة، كما هو الحال في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي لم يفعل ترامب الكثير لثنيها نظرا لتردده في إلقاء اللوم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لغزوه جاره أو انتقاده بأي شكل من الأشكال".

مع ذلك، استرسل المقال بالقول: "أظهر ترامب جدية في أمرين قد ينعكسان الآن مع الحرب على إيران. أحدهما هو التركيز على إنهاء النزاعات، كما ذُكر آنفا، والآخر هو رغبته في الحد من التدخل الأمريكي في مجموعة من القضايا المتعلقة بشؤون الدول الأخرى، من التنمية الاقتصادية إلى الحرب".

وأورد: "يتجلى غرور ترامب وارتجاله في الانزلاق الواضح نحو المواجهة المسلحة المباشرة مع طهران من خلال تصريحاته المتغيرة حول قرار إسرائيل ضرب إيران. كان البيت الأبيض قد حثّ إسرائيل سابقا على عدم شنّ هجوم على إيران بطرق تخشى أن تجرّ الولايات المتحدة إلى الصراع، ويبدو أن هذا الحذر استند جزئيا إلى تقدير مخاطر الفشل والعواقب غير المقصودة العديدة التي قد تترتب على ذلك".

ومضى بالقول إنّه: "بعد بعض النجاحات المبكرة المبهرة التي حققتها إسرائيل، بما في ذلك الاغتيال المستهدف للعديد من القادة العسكريين وكبار العلماء النوويين الإيرانيين، بدا ترامب حريصا على أن يُنسب إليه الفضل، وبدأ فجأة في استخدام ضمير المتكلم "نحن" عند الإشارة إلى الهجوم الإسرائيلي المستمر".


وأبرز: "تتجلّى عدم جديته أيضا في تصريحات أخرى، مثل قوله "لا أحد يعلم" إن كان سيهاجم إيران أم لا، حتى مع وصفه مطلبه بـ"استسلام" طهران دون قيد أو شرط بأنه "إنذار نهائي". هذا ليس مدخلا للدخول في صراع كبير محفوف بالمخاطر على الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل والعالم. لكن ما يبدو أنه في الواقع هو تسليم صنع القرار بشأن الاستراتيجية الأمريكية وقرارات الأمن القومي لزعيم دولة أخرى، وتحديدا نتنياهو، الذي سيحقق هدفا راسخا، وهو مساعدة الولايات المتحدة لإسرائيل في شن حرب على إيران إذا التزم البيت الأبيض بالتدخل المباشر".

واستدرك بأنّ: "الولايات المتحدة ملتزمة بحق بالدفاع عن إسرائيل، لكنها عانت من تراجع تدريجي في قدرتها على التمييز بين مصالحها الوطنية ومصالح أهمّ حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط. وتجلى هذا بوضوح مؤخرا على مرّ إدارتين، في فشل واشنطن في الضغط على إسرائيل بفعالية لإنهاء مذبحتها المستمرة للفلسطينيين في غزة، وتعدياتها وانتهاكاتها الواسعة النطاق بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية". 

"على المدى الأبعد، اتضح ذلك جليا في ضعف وتناقض جهود واشنطن في السعي لتحقيق ما يُسمى بحل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو ما لم يحظ من العديد من الإدارات الأمريكية إلا بالكلام" وفقا للمقال نفسه الذي ترجمته "عربي21".

وأردف: "يمكن للمرء أن يسرد قائمة بأسباب أخرى تدفع الولايات المتحدة إلى الحذر من الانخراط المباشر في الحرب. بعض من أهمّ هذه الأسباب ينبع من منطق "حتى لو". فحتى لو استطاعت واشنطن تدمير البنية التحتية للأسلحة النووية الإيرانية، فلن يُلغي ذلك بالضرورة الخبرة الإيرانية وروح المبادرة اللازمة لإعادة بناء البرنامج. المعرفة يصعب تدميرها بالقنابل، ويبدو من المحتم أن يشعر بعض، وربما كثيرون، من الإيرانيين بمبرر أكبر من أي وقت مضى في السعي وراء هذه التكنولوجيا".

وتابع: "في هذه الأثناء، إذا فشلت الولايات المتحدة وإسرائيل في تحقيق هدفهما المتمثل في القضاء العسكري، فقد يتحول دافع طهران للإسراع في تطوير الأسلحة النووية بالكامل، وهو أمر تقول كل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومديرة الاستخبارات الوطنية في إدارة ترامب إنها تجنبته حتى الآن. عندما سُئل ترامب مؤخرا عن تقييم مديرة استخباراته الذي يشير إلى أن إيران لا تصنع سلاحا نوويا، قال إنه لا يكترث، ولديه قناعاته الخاصة التي يجب أن يتبعها".

واستطرد: "هذا يُذكّر بالفرضية الخاطئة للغزو الأمريكي للعراق - الادعاء بأن ذلك البلد يمتلك أسلحة دمار شامل"، مردفا: "حتّى لو تمكن ترامب ونتنياهو من القضاء على القيادة الإسلامية الإيرانية، فلا توجد طريقة لضمان تجنب نتيجة سياسية أكثر إشكالية. قد تصبح إيران ديكتاتورية عسكرية متشددة بنفس القدر، لكنها أكثر كفاءة، أو، للتكهن بالاتجاه المعاكس، ولكن المقلق بنفس القدر، قد تذوب هذه الدولة الكبيرة والمعقدة عرقيا في حالة من الفوضى والعنف والهجرة الجماعية". 

وأكّد: "هذه هي الاحتمالات التي تبدو العديد من الدول العربية المجاورة لإيران قلقة للغاية بشأنها"، متابعا: "في الوقت نفسه، ثمّة مخاطر تهدد مكانة أمريكا في عالم سئم من سلوك واشنطن المتهور، والذي غالبا ما يكون إمبرياليا أحادي الجانب. قد يبتهج بعض الأمريكيين لشعورهم بأن بلادهم لا تزال "الأولى" عالميا، وبالتالي يمكنها فرض إرادتها على الآخرين متى شاءت".


وأبرز: "لا أتفق كثيرا مع سياسة ترامب "أمريكا أولا"، لكن ميوله المناهضة للتدخل تستحق الإشادة. إن النهج المغامر في الحرب على إيران هو ترف لا تستطيع الولايات المتحدة - التي فقدت نفوذها مقارنة ببقية العالم، حتى مع بقائها بعيدة كل البعد عن التراجع كقوة بالقيمة المطلقة، تحمّله".

واختتم المقال بالقول: "إنّ السبب المحلي الأهم للحذر من مهاجمة إيران. لاحظ العديد من المراقبين ولع ترامب الظاهر بمفهوم ملكي للرئاسة، أو على الأقل رئاسته المُذهّبة. في نهاية الأسبوع الماضي فقط، دفع هذا ملايين المواطنين الأمريكيين إلى النزول إلى الشوارع في ما سُمّيَ بمسيرات: لا ملوك"، مستدركا: "لا شيء يُجسّد الطابع الإمبراطوري أكثر من رئيس يتبع حدسه أو نزواته في اتخاذ قرار الحرب. لم تُصمّم الرئاسة الأمريكية على هذا النحو قط".

وأبرز: "الدستور يُقيّد صلاحياتها بوضوح في هذا المجال، ويُلزم السلطة التنفيذية المُنتخبة في البلاد بالحصول على تفويض من الكونغرس قبل خوض أي صراع خارجي. سيكون ترامب أحدثَ رئيسي أمريكي تجاهل هذا الشرط، إذا خاض حربا مع إيران. ومهما كان شعور المرء تجاه إسرائيل وإيران والشرق الأوسط، فإنّ السماح له بفعل ذلك سيُؤكّد بقوة شعور ترامب بالأبعاد الملكية لسلطته، وسيُضعف الديمقراطية في الولايات المتحدة والمُثُل التي ألهمت تأسيسها".

مقالات مشابهة

  • ماذا قال ترامب منتقدا سياسات أمريكية سابقة تجاه مصر ؟
  • ترامب ينتقد سياسات أمريكية سابقة تجاه مصر.. هذا ما قاله حول سد النهضة
  • 5 أسباب جعلت ترامب يؤجل قرار "ضرب إيران"
  • كيف يمكن أن تتعثر مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران؟
  • تقرير أمريكي يذكّر ترامب بمصير العراق ويوصيه بحرب ناعمة على إيران
  • شريف عامر: لا يستطيع أحد التنبؤ بمدة نهاية الحرب الإيرانية الإسرائيلية
  • في مواجهة ترامب.. رايتس ووتش تدعو الاتحاد الأوروبي للدفاع عن الجنائية الدولية
  • سفير إسرائيل لدى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو: إيران تشكل تهديدًا لأوروبا أيضًا
  • وزير الخارجية يناقش وقف الحرب بين إسرائيل وايران مع ممثلة الاتحاد الأوروبي
  • ماذا لو دخلت أميركا الحرب مباشرة؟ وما الأهداف التي لا تتنازل عنها؟