القاعدة بعباءة جديدة.. محللون سياسيون وصحافيون يتساءلون عن موقف الحكومة من تشكيلات حضرموت؟
تاريخ النشر: 16th, April 2025 GMT
يثير ظهور تشكيلات سياسية جديدة ذات خلفيات متشددة في محافظة حضرموت، شرقي اليمن، وعلى رأسها ما تسمى حركة "تيار التغيير والحرية"، الذي يتزعمه القيادي السابق في تنظيم القاعدة "أبو عمر النهدي"، تساؤلات واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية اليمنية.
واستغرب محللون سياسيون وصحافيون وناشطون عن سر الصمت المطبق لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها دولياً تجاه هذه التحركات، التي تمت في وضح النهار وتحت غطاء سياسي، من دون أي موقف رسمي واضح، سواء بالرفض أو حتى التوضيح.
ويوم الاثنين أعلن لقاء موسّع في منطقة العبر بمدينة سيئون، إطلاق حركة "تيار التغيير والحرية" برئاسة أبو عمر النهدي، الذي أعلن انشقاقه عن تنظيم القاعدة في 2018، وكان يلقب بـ"رفيق الشرع في القتال بالعراق"، في إشارة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع الذي يحظى بدعم تركي واسع، أفضى إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد وتوليه مقاليد الحكم في البلاد.
علامات استفهام كبرى
تدور علامات استفهام كبرى حول الجهة الحكومة التي منحت ترخيصاً لتشكيل هذا الكيان، وعقد اللقاءات التي رافقت الإعلان عنه، خصوصا وانشاء الأحزاب السياسية أو منظمات المجتمع المدني وما شابه ذلك، لا يتم إلا بموجب تراخيص رسمية مسبقة. فبينما تنشط السلطة في ملاحقة الأصوات المدنية أحياناً، يبدو أن الجماعات ذات الخلفيات الراديكالية تتمتع بحرية حركة مريبة، تطرح تساؤلات عن المعايير المعتمدة في تقييم الأنشطة السياسية في البلاد، وعن حجم الاختراق أو التواطؤ الممكن داخل مؤسسات الدولة أو بعض القوى المتنفذة فيها.
ويتساءل الكاتب سامي العطاس على حسابه في موقع فيسبوك، مخاطبا رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، والسلطات المعنية: "اليوم تجمع إرهابي على ارض حضرمية، ولم نسمع لكم صوت الى اللحظة!!”.
وعلى نفس الصعيد، وفي ذات المنصة الاجتماعية، يتحدث رئيس تحرير صحيفة عدن الغد، فتحي بن لزرق، على حسابه الشخصي عن توقعاته لهذا مسبقاً، موضحاً: "الكيان الذي تحدثنا عنه أمس يشهر نفسه اليوم بدعم تركي"، في إشارة ضمنية إلى تحذيره سابقاً من تربص أطياف عدة ركوب موجة المطالب الشعبية التي يرفعها المواطنون وتتركز في الخدمات وتحسين الوضع المعيشي ومعالجة انهيار العملة.
ويضيف: "رئيس التيار أبو عمر النهدي، هو رفيق الرئيس السوري احمد الشرع في القتال بالعراق. وهو أحد أبرز قادة القاعدة المنشقين عنها في 2018م".
غطاء تقليدي
الحديث عن انشقاق "النهدي" عن تنظيم القاعدة لا يحمل قيمة سياسية حقيقية في نظر كثير من المراقبين. إذ إن استخدام تهمة "الانشقاق" بات غطاءً تقليدياً تلجأ إليه شخصيات مصنفة دولياً كمتشددة، بهدف الدخول مجدداً إلى المشهد من بوابة العمل السياسي المشروع.
ويشكك محللون في صحة هذا الانشقاق، مشيرين إلى أن تكرار هذا السيناريو بات تكتيكاً مكشوفاً تستخدمه جماعات وأفراد يعملون ضمن أجندة إقليمية تسعى لإعادة تشكيل الخارطة المحلية بما يخدم مصالحها.
ساحة اختبار جديدة
ويرى المحللون، ان اختيار حضرموت لتكون مسرحاً لهذا النوع من التشكيلات، لم يكن عبثياً، فالمحافظة، رغم بعدها النسبي عن جبهات الصراع التقليدية، إلا أنها تُمثل أهمية استراتيجية كبرى، من حيث الموقع والثروات والنفوذ المجتمعي، الأمر الذي يجعلها هدفاً مغرياً لقوى تسعى لترسيخ حضورها إما عبر القوة أو عبر غطاء سياسي مزيف.
واعربوا عن مخاوفهم من أن تتحول المحافظة إلى نقطة انطلاق لمشاريع متطرفة، تسعى إلى إعادة إنتاج الإرهاب ولكن هذه المرة بثوب سياسي.
وينظرون إلى أن الغياب غير المبرر لموقف مجلس القيادة الرئاسي والحكومة علامة ضعف، أو على الأقل عدم إدراك لخطورة المشهد المتشكل، خصوصاً والسماح بصعود تيارات ذات خلفية عنفية أو إرهابية، تحت عناوين براقة كـ"التغيير" و"الحرية"، دونما محاسبة أو مساءلة، يفتح الباب واسعاً أمام فوضى جديدة، قد تعيد اليمن إلى مربع العنف، في وقت يسعى فيه اليمنيون إلى التقاط أنفاسهم بعد سنوات من الحرب والدمار.
ويؤكدون على أن الوضع الحالي يتطلب تحركاً وطنياً شاملاً، تبدأه الحكومة ومجلس القيادة بإعلان موقف واضح وحازم من هذه التشكيلات، مع فتح تحقيق شفاف في كيفية نشوئها ومن يقف وراءها.
ويشددون على ضرورة دعم الجهود الاستخباراتية والمجتمعية لرصد أي تحركات مشبوهة، والعمل على بناء جبهة وطنية موحدة ترفض عودة المتشددين عبر الأبواب الخلفية، مشيرين إلى أن الحفاظ على استقرار اليمن يبدأ من حماية بواباته السياسية من الاختراقات المتطرفة، مهما تنوعت أسماؤها وأقنعتها.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
إقرأ أيضاً:
محللون: تصدع بين حكومة الاحتلال وجيشه بسبب مستنقع غزة
أجمع محللون على أن الفجوة الآخذة في الاتساع بين الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية تعكس أزمة عميقة ناجمة عن استمرار الحرب على قطاع غزة، وفشل حكومة بنيامين نتنياهو في تحقيق أهدافها المعلنة، وعلى رأسها إعادة الأسرى وتحقيق ما تصفه بـ"النصر المطلق"، بينما يتعمق ما يوصف بـ"مستنقع غزة".
ويصف خبراء عسكريون وإستراتيجيون الوضع الميداني الراهن بأنه مأزق متعدد الأوجه، حيث لا تظهر في الأفق مؤشرات حاسمة لانتصار عسكري، في حين تستنزف الحرب الجيش والمجتمع والاقتصاد الإسرائيلي بسرعة، ما يهدد بتفكك في بنية الدولة نفسها، وليس فقط إخفاقا في المهمة القتالية.
وفي هذا السياق، قال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا، إن الجيش الإسرائيلي فشل حتى الآن في ترجمة الأهداف السياسية والعسكرية على أرض الواقع، موضحا أن المخطوفين لا يزالون في قبضة المقاومة، والعمليات العسكرية التي يُقال إنها تُنفذ ببطء لحماية الجنود لم تؤتِ نتائج مختلفة عمّا سبقها.
وأشار حنا في حديثه إلى برنامج مسار الأحداث إلى أن الإستراتيجية الإسرائيلية تغيّرت مرارا خلال الحرب، من دخول وخروج سريع إلى دخول والبقاء ثم التحصين، وكلها تكبدت خسائر بشرية كبيرة، في وقت لم تُحرز فيه الأهداف الكبرى، بينما تنفّذ المقاومة عمليات استنزاف مستمرة تعقّد الحسابات الميدانية والسياسية للاحتلال.
إعلانمن جانبه، رأى الدكتور مهند مصطفى، الأكاديمي والخبير بالشؤون الإسرائيلية، أن إسرائيل تعيش حالة "بينية" محاصرة بين فشل تحقيق النصر عسكريا واستحالة إنهاء الحرب باتفاق سياسي، وهو ما يضع الحكومة والجيش في مأزق مستمر، وسط حديث في الصحف العبرية عن الغرق في "مستنقع غزة".
وأوضح مصطفى أن هذه الحالة البينية لا تحتمل الزمن الطويل، في ظل غياب خطة للخروج من الحرب، وانعدام القدرة على التوسع العسكري، ما يُدخل إسرائيل في نمط استنزاف مزمن يؤثر سلبا على الأمن الداخلي، والاقتصاد، ووحدة المجتمع، ويجعل من الوقت نفسه أحد ألدّ أعداء نتنياهو سياسيا.
مسارات جديدةبدوره، قال الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، إن إسرائيل دخلت في حرب فقدت فيها القدرة على التحكم بمسارها ونهايتها، وإن نتنياهو لم يعد قادرا على تحقيق هدفه المعلن بتصفية حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بل إن صمود المقاومة يفرض مسارات جديدة على الحرب، ويقوض الخطاب الرسمي الإسرائيلي.
وأشار مكي إلى أن تقديرات إسرائيلية، مثل ما تنشره صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تؤكد أن حماس لا تزال تحتفظ بقدرة قتالية، ولا مؤشرات على تفككها، ما يعكس واقعا مغايرا لما تروج له الحكومة. كما نبه إلى أن تصاعد تكلفة الحرب سياسيا وأخلاقيا واقتصاديا قد يدفع واشنطن إلى التدخل لفرض وقف العمليات.
وأكد العميد إلياس حنا، أن مؤشرات الإنهاك داخل الجيش الإسرائيلي باتت واضحة، لا سيما مع الاستعانة المتزايدة بالمجندات والاحتياط، وبلوغ تكلفة الجندي الاحتياطي يوميا نحو 45 ألف شيكل، إلى جانب الاستخدام المفرط للذخائر، ومنها ذخيرة قديمة من خمسينيات القرن الماضي، بما يعكس عمق الاستنزاف.
ولفت حنا إلى أن معيار "النصر" في العقيدة الإسرائيلية يرتبط بالحسم السريع وتقديم إنجاز سياسي، وهي عناصر غائبة تماما في المعركة الحالية، في ظل غياب قدرة الجيش على تقديم حسم ميداني، وتراجع الروح المعنوية للجبهة الداخلية، وتزايد تساؤلات الجنود عن الهدف من استمرار القتال.
إعلانوذهب د. مهند مصطفى إلى أن تراجع الثقة بالحكومة مقابل ارتفاع التأييد للجيش، وتحديدا لقائد الأركان إيال زامير، يكشف عن فجوة اجتماعية عميقة. إذ يدرك زمير أهمية "جيش الشعب" للحفاظ على شرعية المؤسسة العسكرية، ولهذا يتخذ مواقف مخالفة لنتنياهو، لا سيما في ما يخص تجنيد الحريديم.
وأشار مصطفى إلى أن زمير قرر إصدار 50 ألف استدعاء للحريديم مطلع يوليو المقبل، ليس فقط لتغطية النقص البشري، بل لتعزيز الشرعية الاجتماعية للجيش، بينما يتعامل نتنياهو مع هذا الملف بوجهة نظر سياسية، ما يعكس بداية تصدع بين المؤسستين السياسية والعسكرية.
أما الباحث لقاء مكي فاعتبر، أن أزمة إسرائيل متجذرة في بنية الكيان ذاته، وليست فقط أزمة عسكرية. وقال إن الصراع الاجتماعي المتفاقم، خاصة بين المتدينين والعلمانيين، إضافة إلى تراجع صورة إسرائيل كواحة أمنية وديمقراطية لليهود، سيؤدي مستقبلا إلى هجرة معاكسة وتفكك داخلي.
ورأى أن فقدان إسرائيل مكانتها كقوة ردع وملاذ لليهود، وتحولها إلى عبء أخلاقي على حلفائها الغربيين، يطرح تساؤلات جوهرية عن بقائها، خاصة إذا استمرت الحرب وتعمق الانقسام، ما قد يسرّع في إعادة النظر في إستراتيجياتها وتوجهاتها الإقليمية.
إطالة أمد الحربوحذر العميد حنا من أن فشل عملية تحرير الرهائن عبر العمليات العسكرية يهدد بإطالة أمد الحرب دون جدوى، مؤكدا أن عملية النصيرات، التي تم خلالها تحرير 4 أسرى، تمت بعملية خاصة مكلفة جدا، أسفرت عن مقتل مئات الفلسطينيين، لكنها لم تحقق نموذجا يُبنى عليه.
وبيّن أن المقاومة أدركت خطورة هذه العملية وعدّلت قواعد الاشتباك، ما يجعل أي محاولة مستقبلية لتحرير الأسرى ميدانيا محفوفة بإمكانية قتلهم، وهو ما يضع الجيش والحكومة في مأزق كبير، إذ لا يمكنهم إعلان الفشل ولا الاستمرار بالمخاطرة، ما يعزز طرح ضرورة الذهاب نحو صفقة شاملة.
إعلانووفقا للدكتور مهند مصطفى، فإن التناقض بين استعادة الأسرى والقضاء على المقاومة بات واضحا، والجيش نفسه بات أكثر واقعية في قراءته لهذا الملف، ما أفضى إلى مواقف متباينة بينه وبين الحكومة، وهو ما قد يؤدي إلى انكسار الجدار الصلب الذي حاول نتنياهو بناؤه بينهما.
وقال مصطفى، إن العامل الحاسم في تغيير مسار الحرب لم يعد الشارع أو عائلات الأسرى، بل المؤسسة العسكرية، التي بدأت تبتعد عن الحكومة وتتحسس خطورة الاستمرار في النهج القائم، بما قد يقود إلى تغيّر جوهري في موازين القرار داخل إسرائيل.
وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور مكي، أن المقاومة باتت تدير ورقة الرهائن بطريقة تضرب مصداقية الرواية الإسرائيلية، كما أن استخدام هذه الورقة بوصفها أداة "وجودية" يجعل من المستحيل تحقيق نصر ميداني دون صفقة، ما يقوّض مجمل رواية الحكومة ويكرّس سردية المقاومة.
وفي ختام الحلقة، قال مصطفى، إن أصواتا إسرائيلية من التيار السائد، مثل الصحفي بيني درور يميني، بدأت تتحدث علنا عن "مستنقع غزة" وضرره الوجودي على إسرائيل، محذرة من فقدان المناعة الوطنية والوحدة الداخلية، وهو ما يزيد مأزق نتنياهو تعقيدا، خاصة مع تهاوي نقاط قوته واحدة تلو الأخرى.