حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم والتي تم تخصيصها بعنوان: "إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا"، منوهة أن الهدف من هذه الخطبة هو: توعية الجمهور بأهمية العلم ودوره في بناء الإنسان، علما بأن الخطبة الثانية تتناول مواجهة الأفكار والمعتقدات الخرافية.

دعاء سورة الكهف نور مابين الجمعتين.. ردده بيقين يكفيك هذه الفتن3 نفحات يوم الجمعة.

. اغتنمها تفتح لك الأبواب المغلقةموضوع خطبة الجمعة

الحمد لله رب العالمين، نحمدك اللهم بالمحامد اللائقة بكمال ألوهيتك، ونثني عليك بالثناءات اللائقة بعظمة ربوبيتك، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أذن الحق التي استقبلت آخر نداء السماء لهدي الأرض، ولسان الصدق الذي بلغ عن الحق مراده من الخلق، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإن العقل هو الجوهرة الربانية التي ميز الله جل جلاله بها الإنسان، وهو المنحة الإلهية التي تكشف لنا أسرار الكون، ولكن هذا العقل يبقى كامنا، ينتظر الشرارة التي توقده، والغذاء الذي ينميه ويزكيه، أيها الناس، إن هذه الشرارة وهذا الغذاء هو العلم، فإذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا، وإذا انطلق العقل نهما، شغوفا، باحثا، متسائلا؛ تفتحت له أبواب العلم؛ فينقشع الظلام، وتتبدد الغيوم، وتزهو العقول بالأفكار النيرة، ويرى الإنسان في الكون آيات باهرات، وفي التاريخ عبرا وحكما، قال الله جل جلاله: {وما يعقلها إلا العالمون}.

أيها الناس، اعلموا أن العلم نور العقل، ومداد الروح، أليست أول رسالة إلهية إلى الجناب المعظم صلوات ربي وسلامه عليه كانت (اقرأ)؟ أليس المقام الأكرم الذي منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم للعلماء كان وارثة النبوة والأنبياء؟ ألا ترون أن أهل العلم هم أهل هذه الرتب السامقة {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، ثم إليكم هذا البيان النبوي الخالد الذي لا نظير له: «من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب».

عباد الله، تأملوا كيف أضاء نور العلم عقولا غيرت مجرى التاريخ وصنعت حضارة خالدة، فبين أيديكم عقل الإمام أبي حنيفة وحلقاته التشاورية التي كانت مراكز أبحاث، وعقل الإمام مالك وفقهاء المدينة السبعة الذين علموا الدنيا كيف تكون الهوية العلمية للأمم والشعوب، وترون العجب في عقل الإمام الشافعي حالة إبداعية متفردة، وصولا إلى عقل الإمام الفذ أحمد بن حنبل رحمهم الله ورضي عنهم، تدبروا سيرهم ومسيرهم، واقدروا لنور العلم قدره، ورددوا قول الله جل جلاله: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، وقوله سبحانه: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}.

أيها الكرام، اجعلوا من بيوتكم ومدارسكم ومجتمعاتكم منابر للعلم، محاضن للفكر، اغرسوا في نفوس أبنائكم حب الاطلاع والشغف بالمعرفة، أخبروهم أن مصر نموذج فريد في الدنيا تقوم ريادته وعظمته على العلم، وأن المصريين أبدعوا في مختلف العلوم، وأسسوا المدارس، وشيدوا المكتبات، وصنعوا مراصد الفلك، واجتذبوا العلماء والمبدعين من آفاق الدنيا؛ ليعلموا كيف بنى نور العلم الحضارة وصنع الإنسان!

أيها الناس، إن مفتاح حلول أزماتنا هو العلم، إن سبيل النصر هو العلم، إن محاربة التطرف الديني واللاديني بالعلم، إن مواجهة الفساد بالعلم، إن بناء الاقتصاد بالعلم، فالعلم أولا، والعلم ثانيا، والعلم ثالثا، ولله در الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال:
تعلم فليس المرء يولد عالما * وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده * صغير إذا التفت عليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالما * كبير إذا ردت إليه المحافل.

نص خطبة الجمعة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنه لا يليق بمن أنار الله تعالى عقله بالعلم أن يستسلم لأفكار بالية وخرافات واهية، لا تستند إلى دليل، ولا يقبلها منطق سليم، كيف بعاقل أن يسمح للخرافة أن تتسلل إلى حياته فتفسدها، تعبث بعقله، وتضعف يقينه، وتزرع الوهم فيه!

عباد الله، إن العلم نور، والخرافة ظلام، ديننا يدعونا إلى العلم والبحث والتجربة، بينما الخرافة تستغل الجهل وتنشر الأوهام، الدين يبني مجتمعا قويا متماسكا على أسس الإيمان والعقل والعلم، بينما الخرافة تنثر بذور الفرقة والضعف والجهالة!

تأملوا أيها الكرام في عواقب الخرافات الوخيمة، فكم من طاقات عطلتها؟ وكم من عقول أسرتها وعطلتها؟ إن الخرافة ليست مجرد أفكار ساذجة، بل هي سم يتسرب إلى شرايين المجتمع، فيضعف مناعته، ويعيق تقدمه، فلنتساءل بصدق: هل ما زال فينا أسير لتلك الأفكار التي عفا عليها الزمن؟! هل ما زال بعضنا يؤمن بتأثير التمائم والأحجبة في جلب النفع ودفع الضر؟! إن الله جل جلاله قد أقام الإيمان فينا، فقال سبحانه: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير}.

ويا أيها الناس، اعلموا أن مواجهة الخرافات ليست مجرد واجب ديني، بل هي ضرورة عقلية وحضارية، إنها دعوة إلى تحرير العقول من أغلال الوهم، وإطلاق طاقات التفكير والإبداع، إنها استثمار في مستقبل مشرق لأجيالنا القادمة، مستقبل يقوم على العلم والمعرفة والإيمان الراسخ.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: خطبة الجمعة موضوع خطبة الجمعة وزارة الأوقاف نص خطبة الجمعة الجمعة أیها الناس

إقرأ أيضاً:

«أيَّامُ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ».. موضوع خطبة الجمعة أول أيام عيد الأضحى المبارك

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان «أيَّامُ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ»، والهدف من هذه الخطبة هو توعية الجمهور بفضائل ومنزلة يوم عيد الأضحى وأيام التشريق، علمًا بأن الخطبة الثانية تتناول تعزيز قيم التسامح والرفق بالإنسان والحيوان.

موضوع خطبة الجمعة القادمة

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، بَدِيعِ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ، وَنُورِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَهَادِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، سُبْحَانَهُ، مِنْهُ العَطَاءُ وَالإِمْدَادُ، وَبيَدِهِ الإِشْقَاءُ وَالإِسْعَادُ، لَا تَطِيبُ الأَلْسِنَةُ إِلَّا بِذِكْرِهِ، وَلَا تَعْمُرُ القُلُوبُ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، ونَشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، ونَشْهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ، صَاحِبُ الخُلُقِ العَظِيمِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:

فَلَا تَزَالُ نَسَمَاتُ يَوْمِ عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ تُدْخِلُ السُّرُورَ عَلَى قُلُوبِنَا، وَأَيَّامٌ عَظِيمَةٌ تَنْتَظِرُنَا أَلَا وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ المُبَارَكَةِ، أَيَّامُ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ، وَرَحْمَةٍ وَمَغْفِرَةٍ، وَفِي فَضْلِها يَقُولُ صَاحِبُ الجَنَابِ الأَنْوَرِ صَلَوَاتُ رَبّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ الله تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ ثمَّ يَوْمُ القَرِّ»، وَيَوْمُ القَرِّ هُوَ اليَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ أَوَّلُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الحَجِيجَ يَسْتَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنًى.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، إِنَّهَا أَيَّامُ اللهِ فَاغْتَنِمُوهَا، أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ فِي مَعْنَاهَا، عَمِيقَةٌ فِي مَغْزَاهَا، أَيَّامُ ذِكْرٍ للهِ تَعَالَى وَشُكْرٍ لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ عَنْهَا: {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}، وَوَصَفَها النَّبِيُّ الأَكْرَمُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بِأَنَّهَا «أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ»، وَهَذَا الوَصْفُ الأَنْوَرُ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ دَلَالَاتٍ عَظِيمَةً، فَإِنَّ الأَكْلَ وَالشُّرْبَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مَقْرُونٌ بِالذِّكْرِ، نِعْمَةٌ مَقْرُونَةٌ بِشُكْرٍ، حَيْثُ يَجْتَمِعُ فِيهَا لِلْمُؤْمِنِينَ مُتْعَةُ الأَبْدَانِ بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَنَعِيمُ القُلُوبِ بِالذِّكْرِ وَالشُّكْرِ، وَصَدَقَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.

عِبَادَ اللهِ، اعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ الُمبَارَكَةَ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِتَجْدِيدِ عَهْدِنَا مَعَ اللهِ، وَلِلْعَوْدَةِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِقُلُوبٍ خَاشِعَةٍ وَنُفُوسٍ تَائِبَةٍ، فَإِنَّ اللهَ يَتَجَلَّى عَلَيْنَا بِرَحْمَتِهِ الوَاسِعَةِ، وَيَفْتَحُ لَنَا أَبْوَابَ مَغْفِرَتِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى، إِنَّ رَحْمَةَ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ تَتَّسِعُ الجَمِيعَ، وَبَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ، إِنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ دَعْوَةٌ لِلرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ، وَالتَّرَاحُمِ وَالتَّسَامُحِ وَجَبْرِ الخَوَاطِرِ، وَمَدِّ يَدِ العَوْنِ لِلْفُقَرَاءِ وَالمُحْتَاجِينَ.

أَيُّهَا الْـمُكَرَّمُونَ، إِنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ هِيَ بِحَقٍّ أَيَّامُ الرَّحْمَةِ والمَغْفِرَةِ، فَبَعْدَ أَنْ ذَبَحْنَا الأَضَاحِي تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَبَعْدَ أَنْ وَقَفَ حُجَّاجُ بَيْتِ اللهِ الحَرامِ بِعَرَفَةَ، وَطَافُوا بِالبَيْتِ، وَرَمَوا الجَمَرَاتِ، وَأَجْزَلَ اللهُ لهُمُ المِنَحَ، وفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، فَإِنَّ عَطَاءَهُ سُبْحَانَهُ لَا يَنْفَدُ، وَمَدَدَهُ مُتَتَابِعٌ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَهِيَ فُرْصَةٌ ذَهَبِيَّةٌ لِغَسْلِ الذُّنُوبِ، وَتَطْهِيرِ النُّفُوسِ، وَإِصْلَاحِ القُلُوبِ.

أَيُّهَا الكِرَامُ، انْظُرُوا إِلَى اجْتِمَاعِ الحُجَّاجِ فِي مِنًى، كَيْفَ يَتَآلَفُونَ وَيَتَرَاحَمُونَ، عَلَى اخْتِلَافِ أَلْسِنَتِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ، جَمَعَتْهُمْ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَأَظَلَّهُمْ هَدَفٌ وَاحِدٌ هُوَ رِضَى اللهِ تَعَالَى، فَلْنَقْتَدِ بِهِمْ فِي حَيَاتِنَا، وَلْنَجْعَلْ مِنْ مُجْتَمَعَاتِنَا لَوْحَةً جَمِيلَةً مِنَ التَّآخِي والتَّحَابُبِ، تُزْهِرُ فِيهَا المَوَدَّةُ، وَتُثْمِرُ فِيهَا الأَخْلَاقُ الفَاضِلَةُ، وَالقيَمُ السَّامِيَةُ.

أَيُّهَا النُّبَلَاءُ، اقْدُرُوا لِتِلْكَ الأَيَّامِ قَدْرَهَا، فَهِيَ فُرْصَةٌ ذَهَبِيَّةٌ لِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَزِيَارَةِ الأَقَارِبِ، وَالسُّؤَالِ عَنِ الجِيرَانِ، وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِ الفُقَرَاَء ِوالمسَاكِينِ وَالأَيْتَامِ وَالأَرَامِلِ، فَالسَّعَادَةُ الحَقِيقِيَّةُ فِي البَذْلِ وَالعَطَاءِ، وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى القُلُوبِ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «حقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَاصِلِينَ فِيَّ، وَحقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ»، وَقَوْلَ الجَنَابِ المُقَدَّسِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا».

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصَّلَاةُ والسلامُ على خَاتَمِ الأنْبِياءِ والمُرْسَلينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّىَ الله عليهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينَ، وبَعْدُ:

فَمَا أَجْمَلَ أَنْ نُحَوِّلَ هَذِهِ الأَيَّامَ إِلَى مَلْحَمَةٍ لِلتَّسَامُحِ وَالرِّفْقِ، بَيْنَ أَفْرَادِ العَائِلَةِ الوَاحِدةِ، فَهِيَ أَيَّامُ الوَحْدَةِ والتَّرَاحُمِ، وجَلَسَاتِ المُصَارَحَةِ بَيْنَ الآبَاءِ والأَبْنَاءَ، فِيِ إِطَارٍ مِنَ الحُبِّ، فَالتَّسَامُحُ وَالرِّفْقُ كَلِمَتَانِ خَفِيْفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، لَكِنَّهُمَا تَحْمِلَانِ فِي طَيَّاتِهِمَا مَعَانِيَ وَاسِعَةً، وَآثَارًا عَمِيْقَةً فِي الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، فَالتَّسَامُحُ صِفَةٌ نَبِيْلَةٌ تَسْمُو بِهَا النُّفُوسُ، وَيُتَجَاوَزُ بِهَا عَنْ الزَّلَّاتِ وَالْهَفَوَاتِ، وَتُزْرَعُ مِنْ خِلَالِهَا بُذُورُ الْمَحَبَّةِ وَالْوِئَامِ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَيُقْضَي بِهَا عَلَى جُذُورِ الْبَغْضَاءِ وَالشِّقَاقِ، فَهِيَ الْبَلْسَمُ الشَّافِي لِلْجُرُوحِ، وَالْمُطْفِئُ لِنِيْرَانِ الْفِتَنِ، وعُنْوَانُ التَّسَامُحِ: الْعَفْوُ عِنْدَ الْمَقْدِرَةِ، وَالصَّفْحُ الْجَمِيْلُ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ، فالتَّسَامُحُ لَيْسَ ضَعْفًا بَلْ هُو قُوْةٌ كَامِنَةٌ، يَسْتَطِيعُ الإِنْسَانُ مِنْ خِلَالِهَا أَنْ يَنَالَ حَقَّهُ بِشَرْطِ تَقْدِيمِ حِكْمَتِهِ، فِالكَمَالُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَكُلُّ ابنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، فَلَا بُدَّ مَعَ هَذَا القُصُورِ الْبَشَرِيِّ مِنْ قَبَولِ المُخَالِفِ مَهْمَا كَانَتْ دَرَجَةُ الاخْتِلَافِ مِنْ حَيْثُ الشَّكْلِ أَوْ الدِّينِ أو الفِكْرِ، فَهَذَا القَبُولُ هُوَ الذِي يَفْتَحُ البَابَ أَمَامَ عَلاقَاتٍ طَيِّبَةٍ، فَكَمْ مِنْ نِزَاعَاتٍ انْتَهَتْ بِالتَّسَامُحِ، وَكَمْ مِنْ خُصُوْمَاتٍ تَحَوْلَتْ إِلَى صَدَاقَاتٍ بِفَضْلِ الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ، وَتَأَمَّلُوا مَعِي قَوْلَ الْحَقِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

أَيُّهَا النَّاسُ، اعْلَمُوا أَنَّ الرِّفْقَ أَخُو التَّسَامُحِ، وَالرِّفْقُ لَيْسَ مُجَرَّدَ كَلِمَةٍ عَابِرَةٍ، أَوْ صِفَةٍ هَامِشِيْةٍ، بَلْ هُوَ جَوْهَرُ الدِّيْنِ، وَرُوحُ الْإِنْسَانِيْةِ، أَلَيْسَ هُوَ تِلْكَ الْيَدُ الدَّافِئْةُ الَّتِي تَمْتَدُّ لِانْتِشَالِ الْعَاثِرِ؟! أَلَيْسَ هُوَ تِلْكَ الْكَلِمَةُ الطَّيْبَةُ الَّتِي تُبَلْسِمُ الْجِرَاحَ؟ فهَل اسْتَشْعَرْنَا يَوْمًا حَلَاوَةَ الرِّفْقِ فِي مُعَامَلَاتِنَا الْيَوْمِيْةِ؟! أَلَمْ يُوْصِنَا الْجَنَابُ الْمُعَظَّمُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِالرِّفْقِ فِي كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شُؤُونِ حَيَاتِنَا؟! فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ رَفِيْقٌ، يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ».

أَيُّهَا الْمُكَرَّمُونَ، تَأَسَّوْا بِخَيْرِ الخَلْقِ وَحَبِيبِ الحَقِّ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ كَانَ أَرْفَقُ الْخَلْقِ بِالْخَلْقِ، لَيِّنًا فِي دَعْوَتِهِ، رَحِيمًا بِالضُّعَفَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، رَفِيقًا حَتَّى مَعَ الْحَيَوَانَاتِ، وتَذَكَّرُوا مَعِيَ قِصَّةَ الْمِرْأَةِ الَّتِي دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرْةٍ حَبَسَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَتَرُكْهَا تَأْكُلُ مِن خَشَاشِ الْأَرْضِ، وَخَبَرَ الرَّجُلِ الَّذِي سَقَى كَلْبًا يَلْهَثُ مِنَ الْعَطَشِ، فَغَفَرَ اللهُ لَهُ بِذَلِكَ، وَتَذَوَّقُوا رَوْعَةَ الْبَيَانِ الْمُحَمَّدِيِّ: «مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ».

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الرِّفْقِ وَالعَفْوِ وَالمَغْفِرَةِ

وَاهْدِنَا وَبِلَادَنَا مِصْرَ سُبُلَ السَّلامِ وَالأَمَانِ وَالإِكْرَامِ

اقرأ أيضاً«القرآن الكريم ومنهجه في عمارة الكون».. موضوع خطبة الجمعة الثانية من شهر رجب

موضوع خطبة الجمعة.. فضل العشر الأوائل من ذي الحجة

«كيف نواجه الشبهات الفكرية بالقرآن؟».. نص خطبة الجمعة اليوم 9 مايو 2025

مقالات مشابهة

  • وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة بمسجد الإمام الحسين بالقاهرة
  • وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد الحسين بالقاهرة
  • نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين.. فيديو
  • عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟
  • خطبة عيد الأضحى 2025 مكتوبة كاملة.. وكيفية صلاة العيد وصيغة التكبيرات
  • خطبة الجمعة القادم لوزارة الأوقاف.. «أيام الرحمة والمغفرة»
  • خطبة عرفة 2025 كاملة مكتوبة بالفيديو .. ماذا قال خطيب عرفات؟
  • مقتطفات من خطبة يوم عرفة التي ألقاها وزير الأوقاف الدكتور محمد أبو الخير شكري في مشاعر عرفات بمكة المكرمة
  • «أيَّامُ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ».. موضوع خطبة الجمعة أول أيام عيد الأضحى المبارك
  • انطلاق حملة النظافة الموسعة بمساجد الغربية استعدادا لعيد الأضحى المبارك