سألني كمال الجزولي قبل نحو سنتين أو كذا أن أكون ضيفاً على روزنامته. وكانت هي المرة الثانية. كتبت في المرة الأولي عن يوميات كابوس يطاردني في حلمي عن أيام تخفشي في الظلام من أمن الرئيس نميري وفي طاقم الحزب الشيوعي المتفرغ. أما في المرة الثانية فكانت بعنوان "أيام أمريكية" أنشرها هنا مقتصرة على أيام أربعة من أيام الله السبعة.
الإثنين
هذا يوم ال “GPS” لفريد زكريا، المحلل السياسي الأمريكي من أصول هندية، على قناة السي إن إن. لم أحرص على حضور برنامج مثله منذ تفرق جمع برنامج الأحد التحليلي على الإي بي سي في التسعينات. وكان نجمي المفضل جورج ويل اليميني الذكي الماكر في تعبيره. وما يزال يكتب عموده، مع ذلك، للواشنطون بوست.
واسمِّي برنامج زكريا “عدل الرأس”، يطوف بك وضيوفه في خبر الأسبوع المنصرم بيسر، وله كلمة يقدم لها البرنامج تنضح علماً وذكاء.
أعادني مرة إلى المقارنة الدارجة التي نجريها بين خيبتنا في الديمقراطية بينما نجحت الهند. وراعني أن منصور خالد خصص ما يقرب الكتاب لهذه المقارنة لغير صالحنا في شذراته. والمؤسف أنه لا يبدو، متى وضعنا المسألة هكذا، أننا عرفنا عن الهند شيئاً منذ سمَّينا مؤتمر الخريجين تيمناً بالمؤتمر الهندي، ولهجنا باسم غاندي!
ووقفت من البرنامج على أن ما أبقى الهند في الديمقراطية هو صبرها عليها برغم الحقائق الاجتماعية البشعة التي تكتنفها. فلو طرأت واحدة منها في أي بقعة من السودان لنهض من “يقلبها” بسلاحه لا غير. فلا يتجلى الصبر الهندي على الديمقراطية، بوصفها حلالة المشاكل على المدي الطويل، كتجليها في عادة وأد البنات المعاصرة في الهند. فنحن قد فرغنا من استرذال هذه العادة، شرعاً وروحاً، منذ 15 قرناً. والحمد لله على نعمة الإسلام. ولم أصدق أذني، خلال مشاهدة برنامج فريد، أن هذه العادة ما تزال سارية المفعول في الهند. وكانت موضوع حلقة في برنامج الرجل عن برنامج تلفزيوني يقدمه النجم السينمائي الهندي المحبوب أمير خان (اختارته التايم من ضمن مائة رجل وامرأة تركوا بصمة على حياة أمتهم) يعقد فيه مناقشات حية مع الجمهور حول محن الهند المصموت عنها بالذات! ومن ذلك نظام الطوائف، والإجهاض، والعنف مع النساء. وبلغ من شيوع عادة الوأد أن تحدثَت للبرنامج زوجة فرض عليها أهلها الاجهاض خمس مرات لأن رزقها من الذرية كان من البنات. بل أدى التخلص من البنات في الهند إلى أن زاد عدد الرجال هناك عن عدد النساء بخمسة وأربعين مليوناً. وبلغ الوأد من الشدة أن الحكومة منعت الأطباء من إبلاغ الأسر بجنس المولود في الرحم!
لما كان أستاذنا عبد الخالق محجوب يدعو حزبه، حتى بعد حله، للعمل الجماهيري الصبور الدؤوب، كان ذلك من حسن ظنه الوثيق بالديمقراطية لأنها تعمل لطويلة .. مش على الهبشة!
الثُّلاثاء
وددت لو أن قرار قيام وحدة للدراسات الأثيوبية بجامعة الخرطوم استبدل أثيوبيا بالولايات المتحدة. فدراسات أثيوبيا مما بالوسع القيام بها في معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بالجامعة بقليل من الجهد. فاتفقت لي حاجتنا للعلم المؤسسي بأمريكا منذ ١١ سبتمبر ٢٠٠١م. فعِلمُنا بأمريكا توقف عند عقائد من بعيد عن الإمبريالية” لليساريين أو “أمريكا التي عرفتها” لسيد قطب (ولم يعرف شيئاً لم يكن يعرفه قبل زيارته لها)، أو ما نتخطفه من الوسائط التي تتقحمنا، أو ممن أقاموا بها منا بغزارة مؤخراً. وفي ذلك غث كثير. واحتاج العلم الأوثق بها إلى مؤسسة من باحثين جدعين يعدلون رأس وطننا حيال هذه القوة الأعظم.
ومررت بتجربة مؤسفة في مسعاي لطلب العلم المؤسسي بأمريكا. فصفوة الرأي عندنا مضربة عن هذا الضرب من العلم. فكانت دعتني جماعة لندوة عن الاسلام بعد أحداث 11 سبتمبر. وتهيأت بكلمة نقدت فيها جهلنا بأمريكا على ما نظنه من علم بها. ولا أعرف حتى الآن لماذا انصرف الحضور عن كلمتي ليتداولوا في خطة تسيير مظاهرة الي السفارة الأمريكية، فطويت أوراقي وقررت الاضراب عن مظاهرة من فكرهم في أقدامهم!
الجُّمعة
في تكساس يتعقب الجمهوريون الديمقراطيين في مجلس نواب الولاية لاعتقالهم بتهمة التغيب عن اجتماعات المجلس منذ شهر، حيث أن هذا التغيب خطة قصد بها الديمقراطيون حرمان المجلس من النصاب حتى لا يجيز تشريعاً ينتقص حق غير البيض في الاقتراع الميسر.
وإذا لم تعتبر بهذه المخاشنة الحزبية البرلمانية في أن الديمقراطية هي أفضل أسوأ النظم فهاك هذه: وقف قبل أيام سناتور ديمقراطي بمجلس شيوخ ولاية تكساس يتكلم في المجلس لمدة خمسة عشر ساعة متصلة. ولم يتوقف لتناول وجبة أو حتى لقطع الجمار. وتسمى هذه الممارسة بـ “الفيلبستر”. وهي خطب يريد منها صاحبها أن تطول لمنع المجلس من إجازة مسودة تشريع يعارضه. وهي خطب لا معنى لها غير حرق الوقت. فتجد من يقرأ خلالها من كتب وصفات الطبخ، أو قراءة إعلان الاستقلال الأمريكي مرات ومرات، أو قراءة الأسماء والأرقام في دليل التلفونات!
وأطول “الفيلبسترات” طرا هو ما قام به السناتور ستورم ثيرموند في مجلس الشيوخ لكي يعطل إجازة قانون الحريات المدنية لسنة ١٩٥٧م. فقد بدأ خطبته في الساعة الثامنة وأربعة وخمسين دقيقة، في ٢٨ أغسطس 2021م، ولم يفرغ منها إلا الساعة التاسعة واثني عشر دقيقة مساء اليوم التالي. وقرأ على النواب خلال ذلك إعلان الاستقلال، ووثيقة الحقوق، وخطبة وداع الرئيس واشنطن، وما وقع في يده من وثائق التاريخ الأخرى!
وظاهر ثيرموند شيوخ آخرون معارضون للقانون استغرقوا في “الفيلبستر” نحو ٥٧ يوماً قبل إجازة القانون.
لو حدث هذا عندنا كان المارشات دقت!
السَّبت
صرت أحرص على أن يكون قلمي ومذكرتي بجنبي وأنا استمع إلى الحوارات السياسية. وأعجب لدنو مأتى المعني للمتحدث بالعبارة الجزلة. اللغة عند محدثينا في الوسائط حالة من الفخاخة يضطرب الواحد في جنباتها على أنه بسمل وحوقل ودعا وطوف. ولا يبلعه المشاهد إلا بأغنية موعودة. كتبت عن فريد زكريا وهو ينعى على أمريكا هزيمتها في أفغانستان مهما قيل عن سوء إدارة خطة الخروج:
“The naked truth there is no elegant way to lose a war”!
كما كتبت ناقلاً من غيره:
“Hope is not a strategy; Courage is not the absence of fear but rather the recognition that there is something more important than fear”!
ibrahima@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
سباق تسلح جديد بين الهند وباكستان: الطائرات المُسيّرة تدخل ساحة الصراع
في مساء الثامن من مايو/أيار، اخترقت شُهب حمراء سماء مدينة جامو الهندية، بينما أطلقت أنظمة الدفاع الجوي نيرانها على طائرات مُسيّرة قادمة من باكستان المجاورة، في مواجهة عسكرية غير مسبوقة بين الخصمين النوويين. اعلان
ورغم أن الهند وباكستان تبادلتا استخدام المقاتلات والصواريخ والمدفعية لعقود، إلا أن المعارك التي استمرت أربعة أيام في مايو/ أيار قد شهدت أول استخدام واسع النطاق للطائرات بدون طيار بين الطرفين، بحسب تحقيق أجرته رويترز مع 15 مسؤولاً أمنياً وخبيراً وصناعياً في البلدين.
ويتوقع محللون أن تتوسع الدولتان في استخدام الطائرات المُسيّرة، كونها تُحدث ضربات فعالة من دون المجازفة بأرواح الطيارين أو التسبب بتصعيد غير محسوب.
وفي الهند، تخطط الحكومة لاستثمار ما يصل إلى 470 مليون دولار في قطاع الطائرات المُسيّرة خلال 12 إلى 24 شهراً، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف حجم الاستثمار السابق، وفقاً لسميت شاه من اتحاد الطائرات بدون طيار في الهند، وقد أكد هذه الأرقام مصدران صناعيان آخران.
ورغم أن مشتريات الدفاع في الهند عادة ما تخضع لإجراءات طويلة، إلا أن الجهات الرسمية بدأت تستدعي المصنعين لإجراء التجارب والعروض بسرعة غير مسبوقة، بحسب فيشال ساكسينا من شركة أيديا فورج الهندية.
في المقابل، تسعى القوات الجوية الباكستانية إلى تكثيف ترسانتها من الطائرات بدون طيار، لتفادي استخدام مقاتلاتها عالية التكلفة من طراز جيه-10 (J-10)، التي لا يتجاوز عددها 20 مقارنة بنحو 36 مقاتلة رافال تمتلكها الهند.
كما تُعوّل إسلام آباد على شراكتها مع شركة بايكار التركية ومجمع الصناعات الدفاعية الوطني، حيث تُجمّع طائرات YIHA-III محلياً خلال يومين أو ثلاثة. وتُنتج أيضاً طائرات شاهبار-2 داخلياً.
وفي السياق نفسه، يرى والتر لادويغ من كلية كينغز لندن أن الهند وباكستان تستخدمان الطائرات بدون طيار كوسيلة لفرض ضغط عسكري دون اللجوء إلى تصعيد شامل، إذ صرح بالقول: "تُظهر هذه الطائرات العزيمة وتحقق نتائج ملموسة دون تعريض الطيارين للخطر".
بداية المعركة: هجوم في كشمير وردود جويةوبالعودة إلى سبب التسلح، فقد اندلع التصعيد بعد هجوم في 22 أبريل/ نيسان مما أسفر عن مقتل 26 شخصاً، معظمهم من السياح الهنود، في كشمير المتنازع عليها. ورداً على ذلك، شنت الهند غارات جوية على ما أسمته "بُنى تحتية إرهابية" في باكستان في 7 مايو/ أيار، لترد الأخيرة بموجة من الطائرات المُسيّرة على 36 موقعاً بطول الحدود الممتدة 1700 كلم.
وقد استخدمت باكستان حينها طائرات تركية من طراز YIHA-III وسونغار Songar، إلى جانب طائرات شاهبار-2. في المقابل، استخدمت الهند طائرات هاروب (HAROP) الإسرائيلية، وارميت (WARMATE) البولندية، وأخرى محلية الصنع في ضربات دقيقة داخل الأراضي الباكستانية.
ورغم حداثة الأسلحة المستخدمة، تمكنت الهند من إسقاط عدد كبير من الطائرات المُسيّرة باستخدام مدافع مضادة للطائرات تعود لعهد الحرب الباردة، بعد ربطها بأنظمة رادار حديثة.
Relatedالهند تعتقل 11 شخصاً بتهمة التجسس لصالح باكستانكشمير: عودة سكان القرى الحدودية إلى بيوتهم المدمرة بعد الاشتباكات بين الهند وباكستانلا قهوة ولا تفاح: دعوات في الهند لمقاطعة السلع التركية بعد دعم أردوغان لباكستانحرب ذكية بتكلفة منخفضةوفي الإطار نفسه، صرح الجنرال الهندي المتقاعد أنشومان نارنج بالقول: "أداء المدافع فاق توقعاتي بعشرة أضعاف". وتُخطط الهند حالياً لتوسيع قدراتها المحلية في مجال الطائرات الانتحارية من نوع لويترنغ مانيشتزن (Loitering Munitions)، لما تتميز به من قدرة على التخفي والدقة.
لكن يظل أحد التحديات الكبرى أمام الهند هو اعتمادها على مكونات صينية، مثل المغناطيسات والبطاريات المصنوعة من الليثيوم، ما يطرح احتمال استخدام الصين "لتسليح سلاسل الإمداد" مستقبلاً، خصوصاً كونها حليفاً وثيقاً لباكستان.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة