متهمون بالصدفة يواجهون أحكاما قاسية في تونس
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
أثارت الأحكام الأخيرة في ما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة بتونس جدلا واسعا في الأوساط السياسية والحقوقية، بعدما طالت شخصيات لا علاقة مباشرة لها بالوقائع، بحسب روايات العائلات وهيئات الدفاع التي أكدت أن التهم استندت إلى قرائن هشّة وغير موثقة.
ووُصِفت هذه الأحكام، التي صدرت السبت الماضي، وتراوحت بين السجن 13 و66 عاما، بالقاسية.
ووجّه لهم القضاء تهما أبرزها "التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي" و"تكوين وفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية والانضمام إليه"، وفق ما قال وكيل الدولة في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب دون تقديم مزيد من التفاصيل.
استنتاجات وهميةوتقول منظمات حقوق الإنسان، إن هذه المحاكمة تبيّن "سيطرة الرئيس قيس سعيد الكاملة على السلطة القضائية" منذ أن علّق عمل البرلمان المنتخب في عام 2021 ثم حلّه في مارس/آذار 2022، وحل المجلس الأعلى للقضاء، وعزل عشرات القضاة لاحقا. بينما انتقد محامون وحقوقيون شمول الأحكام أشخاصا لم تُقدَّم ضدهم أدلة حقيقية تثبت تورطهم في أفعال تهدد أمن الدولة.
ومن القضايا المثيرة للجدل، الحكم بالسجن 4 سنوات على حطاب سلامة، الذي لا يعرف أيا من المتهمين ولا تربطه بهم أي علاقة. واعتبرت عائلته أن التهمة بُنيت فقط على وجود سيارته قرب منزل المدان محمد خيام التركي، دون وجود أي دليل مباشر.
إعلانورغم غياب أي إثباتات للتواصل بين الرجلين، أدانته المحكمة، ووصفت أسرته الحكم بأنه قائم على استنتاجات وهمية لا تستند إلى أدلة مادية. ويقول حقوقيون، إن سلامة "ضحية تكييف قانوني خاطئ" في ظل افتقار الملف إلى مستندات تثبت التواطؤ أو التحضير لأي نشاط يهدد الأمن.
وأكد المحامي سامي بن غازي، في تصريح للجزيرة نت، أن موكله حطاب سلامة لا تربطه صلة مباشرة أو غير مباشرة ببقية المتهمين، ولم يثبت عليه أي نشاط تحضيري أو تآمري، مما يجعل الحكم الصادر بحقه مفتقرا لقرائن قانونية واضحة.
ولم تكن قضية حطاب استثناء، إذ طالت الأحكام أشخاصا آخرين أدينوا دون تقديم أدلة ملموسة تثبت تورطهم في التآمر على أمن الدولة، كحمزة المدّب، الباحث في الاقتصاد السياسي، حيث أكد محامو الدفاع أن بعض الأحكام استندت إلى شبهات لا إلى قرائن حقيقية.
أما كوثر الدعاسي، التي صدر بحقها حكم بالسجن 33 عاما، فقد ظهرت في مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تنفي فيه علمها بطبيعة النشاط المنسوب إليها أو بهوية المشاركين فيه. واعتبرت منظمات حقوقية أن إدانتها مبالغ فيها، وتفتقر إلى أسس قضائية متينة ومقنعة.
ويرى المحامي بن غازي، أن المحكمة اعتمدت على قرائن ظرفية وتأويلات موسعة دون أن تستند إلى أدلة موثقة على التخطيط أو التنفيذ لأعمال تهدّد أمن الدولة، مما يعمّق الشكوك في استقلالية القضاء خاصة مع تغييب الحجج الدفاعية لصالح التقارير الأمنية.
مصادر مجهولةوفي عدة قضايا تجاهلت المحكمة شهادات النفي وأدلة البراءة التي قدمها المحامون، واعتمدت فقط على مكالمات هاتفية وتقارير أمنية لم تثبت علاقتها المباشرة بأي أعمال تحريضية، ما أثار مخاوف حقيقية بشأن نزاهة الإجراءات القضائية ومدى التزامها بالقانون والدستور.
من جانبه، أكد المحامي سمير ديلو، في تصريح للجزيرة نت، أن الأحكام الصادرة بالسجن في حق 17 متهما، والتي بلغت في مجموعها 400 سنة، استندت فقط إلى شهادة مصدر محجوب الهوية. وأوضح أن هذه الشهادة نُقلت عن شخص مجهول الهوية يقيم في بلجيكا.
إعلانهذا الشخص، بدوره، استند إلى رواية صديقته، وهي أيضا مجهولة الهوية وتقيم في بريطانيا. واعتبر ديلو، أن القضية افتقرت إلى أدلة جدية وموثوقة، ووصف الأحكام بأنها قاسية وصادمة وصادرة في قضية مفبركة تفتقد لأبسط مقومات المحاكمة العادلة.
وأضاف ديلو أن من المتهمين في هذه القضايا "المفبركة" القياديين بحركة النهضة، الصحبي عتيق ونور الدين البحيري، مؤكدا أن هذه الأحكام لا تستند إلى أي دليل مادي ملموس، بل بُنيت على تقارير أمنية وشهادات مشكوك فيها في إطار تصفية حسابات سياسية.
ووفقا له، أصبح القضاء يُستخدم كأداة ترهيب سياسي لتكميم الأفواه واستهداف المعارضين، مؤكدا أن ما حدث في المحاكمات هو إهانة للعدالة، حيث تصدر أحكام غيابية دون ضمان الحق في الدفاع أو حتى معرفة من هم هؤلاء الأشخاص فعليا.
وشدد ديلو على أن هذا المسار القضائي يفتقر إلى الحد الأدنى من الشفافية والنزاهة، وهو ما يهدد ما تبقى من استقلالية القضاء في تونس.
وتقول عائلات عدد من المحكومين، إن أبناءهم أُدينوا فقط على خلفياتهم السياسية أو علاقاتهم السابقة بمعارضين معروفين. في حين لم يكن بعضهم حتى موجودا داخل البلاد عند وقوع الأحداث، ما يعمّق الشكوك في حقيقة التهم ويعزز فرضية الطابع الانتقامي للمحاكمات.
إدانات حقوقيةكما أثارت الأحكام الصادرة في قضية التآمر على أمن الدولة ردود فعل قوية من منظمات حقوق الإنسان مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، التي انتقدت الإجراءات القضائية وشددت على وجود عيوب قانونية، بما فيها الاعترافات المنتزعة بالإكراه، وطالبت بإلغاء الأحكام وإعادة المحاكمة وفقا للمعايير الدولية.
واعتبرت منظمة العفو الدولية أن الإدانات الجماعية لناشطين معارضين في تونس بعد "محاكمة صورية وبـتهم ملفقة"، تمثل "لحظة خطِرة في البلاد ومؤشرا مقلقا على مدى استعداد السلطات للمضي قدما في حملتها القمعية للمعارضة السلمية".
إعلانوقالت إريكا جيفارا روساس، مديرة البحوث والسياسة وأنشطة كسب التأييد والحملات في هذه المنظمة، إن "الإدانة تمثل صورة زائفة عن العدالة وتوضح تجاهل السلطات التام بالواجبات الدولية المترتبة على تونس تجاه حقوق الإنسان وسيادة القانون".
على المستوى الشعبي قوبلت الأحكام بتباين في الآراء، فقد اعتبرت بعض الفئات أن القضية تهدد الحريات العامة ودعت إلى إطلاق سراح المتهمين وإلغاء التهم الموجهة إليهم، بينما رأى آخرون أن الإجراءات ضرورية لحماية أمن الدولة واستقرارها، مؤكدين أهمية تطبيق القانون لضمان النظام.
أما على منصات التواصل الاجتماعي فقد انتشرت حملات تضامن مع المتهمين، حيث دُشنت وسوم (هاشتاغات) تدعو إلى العدالة وحقوق الإنسان. وهي تعكس القلق المتزايد لدى قطاعات واسعة من الشعب، مما يبرز المخاوف من تراجع منسوب الحريات في البلاد.
ويرى وسام الصغير، الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، أن تهم "التآمر" أصبحت سيفا مسلطا على رقاب المعارضين. وأضاف أن غياب ضمانات المحاكمة العادلة وتحول التحقيقات إلى إجراءات شكلية يعكس غياب الحياد في السلطة القضائية.
وقال الصغير للجزيرة نت، إن تهم التآمر على أمن الدولة استُخدمت منذ استقلال البلاد عام 1956 كوسيلة مركزية لقمع المعارضة، مشيرا إلى أن كل الأنظمة المتعاقبة، بما فيها الحالية، استعملت هذه التهم لتصفية الخصوم وتضييق الخناق عليهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات التآمر على أمن الدولة حقوق الإنسان
إقرأ أيضاً:
وزير العدل يدعو إلى تقييد لجوء المواطنين إلى محكمة النقض للطعن في الأحكام
زنقة 20 ا الرباط
خلال جلسة تشريعية خصصت للتصويت على مشروع قانون المسطرة المدنية في قراءة ثانية، اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025، أقر وزير العدل عبد اللطيف وهبي بأن المنظومة القضائية في المغرب تواجه تحديات كبيرة ترتبط أساسًا بكثرة القضايا وطول آجال البت فيها، داعيًا إلى إصلاحات جوهرية تهم تدبير المساطر وتوزيع الملفات والرقمنة.
وقال وهبي “هل نترك المحاكم لأي شخص يدخل يده في جيبه ويضع دعوى قضائية ويظل يماطل فيها؟”، مشيرًا إلى أن هذا الواقع يؤدي في النهاية إلى تراجع جودة الأحكام وغياب النجاعة القضائية.
وأوضح الوزير أن المنظومة تتعامل حاليًا مع نحو 5 ملايين ملف سنويا، يعرض على حوالي 5000 قاضٍ فقط، أي بمعدل 1000 ملف لكل قاضٍ في السنة، وهو ما وصفه بـ”العبء غير المنطقي”، مضيفا أن بعض القضاة يطلب منهم البت في 400 ملف بوتيرة سريعة، لأن هناك معتقلين ينتظرون مآل قضاياهم، ومواطنين يطالبون بحقوقهم.
وفي معرض حديثه عن الرقمنة، شدد وهبي على ضرورة تسريع وتيرة رقمنة الإجراءات، وتعيين موظفين متخصصين في المعلوميات لتحديث أداء المحاكم، معتبرًا أن ذلك “ليس ترفًا بل أولوية لتقليص آجال التقاضي وضمان الجودة”.
كما تطرق الوزير إلى واقع محكمة النقض، محذرًا من تحولها إلى “مصب لكافة القضايا”، وهو ما يغرقها ويغرق بالتبعية أحكامها، قائلاً: “الأحكام أصبحت مسألة حظ، تضارب في الاجتهادات والتحليلات، والناس تائهة في البحث عن حقها”.
وفي هذا السياق، اقترح وهبي أن يتم حصر القضايا التي تحال على محكمة النقض في الملفات ذات الطابع القانوني الجوهري التي تغير مفهوم الحق وتوجهات القانون، فيما تظل القضايا الصغرى والمتوسطة من اختصاص محاكم الاستئناف، أسوة بما هو معمول به في دول مثل فرنسا، حيث يشترط موافقة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف للذهاب إلى النقض.
وشدد على أن إصلاح العدالة لا يمر فقط عبر القوانين، بل بترشيد طرق التقاضي وتوزيع الجهد القضائي بما يضمن الفعالية، الجودة، والعدالة في نهاية المطاف.