تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

برحيل البابا فرانسيس، فقد العالم صوتًا استثنائيًا وحضورًا مضيئًا تجاوز الحدود الدينية والثقافية. لقد كان البابا فرنسيس، الذي غادر عالمنا مؤخرًا، أكثر من مجرد زعيم ديني؛ كان خادمًا حقيقيًا للإنسانية جمعاء، ونموذجًا نادرًا في التفاني والتواضع والشجاعة الأخلاقية.

بصفتي مستشارًا لفضيلة مفتي الديار المصرية، لطالما أُعجبت بقدرة البابا فرنسيس الفريدة على توحيد الشعوب المختلفة تحت راية واحدة هي راية المحبة والتعاطف والاحترام المتبادل.

ففي زمن طغت عليه مشاعر الريبة والانقسامات، كان رسالته البسيطة والقوية تذكّرنا دائمًا بإنسانيتنا المشتركة ومسؤوليتنا تجاه الفئات الأكثر ضعفًا في مجتمعاتنا.

لم يتردد البابا فرنسيس يومًا في مواجهة حقائق عالمنا الصعبة، مثل الفقر المدقع والهجرة القسرية والنزاعات المسلحة وأزمة المناخ. كانت أفعاله نابعة من إيمان عميق وليس مجرد واجب أخلاقي فرضته عليه مكانته. لقد جسّد بحق معنى الرحمة للعالمين التي أشار إليها القرآن الكريم في وصف النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بقوله تعالى: “وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين”. كان البابا فرنسيس يُعبّر بأقواله وأفعاله عن تلك الرحمة الإلهية التي تتجاوز كل الفوارق الدينية والثقافية والاجتماعية.

إن التزامه الراسخ بالحوار بين الأديان سيبقى من أبرز إنجازات عهده البابوي. لقد آمن البابا فرنسيس بقوة الحوار الحقيقي، ليس كعمل دبلوماسي أو بروتوكولي فحسب، بل كتجربة روحية أصيلة تقود إلى اكتشاف عمق الآخر وغناه الروحي. ولعل اللقاء التاريخي بينه وبين فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وتوقيعهما معًا على “وثيقة الأخوة الإنسانية” في أبو ظبي عام 2019 هو خير دليل على هذا الالتزام العميق والأصيل بالسلام العالمي والإخاء الإنساني.

ويتوافق هذا النهج الروحي والإنساني مع الرؤية الإسلامية التي يدعو إليها القرآن الكريم، حين يوجّه المؤمنين قائلًا: “فاستبقوا الخيرات” (سورة المائدة: 48)، مؤكدًا أن التعددية الدينية ينبغي أن تكون مصدرًا للتعاون والتعارف، وليس سببًا للخلاف والشقاق.

بالإضافة إلى أفعاله العامة، تميز البابا فرنسيس بشخصية متواضعة وبساطة نادرة جعلته قريبًا من عامة الناس بعيدًا عن مظاهر الترف التي قد ترتبط أحيانًا بمنصبه. وقد جعلت هذه البساطة الحقيقية من البابا فرنسيس شخصية تحظى بالحب والاحترام ليس فقط لدى أتباع الكنيسة الكاثوليكية، بل لدى مختلف الشعوب والأديان.

واليوم ونحن نستذكر ذكراه العطرة، علينا أن نتأمل في إرثه العظيم الذي تركه للبشرية: تذكير مستمر بأن المحبة الحقيقية والاستماع الجاد والاحترام المتبادل هي أمور ليست ممكنة فقط، بل ضرورية لبناء مجتمع عادل ومسالم وإنساني.

رحيل البابا فرنسيس لا ينبغي أن يكون نهاية عصر، بل بداية جديدة لوعي مشترك حول واجبنا تجاه التضامن العالمي والتعايش الاجتماعي والتواصل الحقيقي بين أتباع الديانات المختلفة. ليكن مثاله مصدر إلهام مستمر لنا جميعًا، يدفعنا نحو مزيد من التعاطف والإنصات والوحدة الإنسانية.

فلتبقَ ذكراه منارةً تضيء لنا درب الأخوة والسلام والتعايش بين كل شعوب الأرض.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية البابا فرنسيس البابا فرنسیس

إقرأ أيضاً:

وداعًا لـ«استمارة 6».. وزير العمل: حل جذري لاستقالات الإكراه.. «التسوية بالتراضي» تدخل حيز التنفيذ

قال محمد جبران، وزير العمل، إن قانون العمل الجديد جاء ليضع حدًا للسلبيات التي شابت بيئة العمل في ظل القانون القديم، مشددًا على أن القانون يحقق التوازن بشكل كبير بين مصالح العمال وأصحاب الأعمال والمستثمرين على حد سواء.

وأضاف، خلال تصريحات لبرنامج «آخر النهار»، أن القانون الساري منذ عام 2003 لم يعد يواكب «أنماط العمل الجديدة» والتطورات السريعة في سوق العمل، والتي انعكست على طول أمد التقاضي في القضايا العمالية لسنوات طويلة.

ولفت إلى استحداث آلية جديدة لتيسير إنهاء علاقة العمل بالتراضي بين الطرفين، وهي «استمارة تسوية» يتم إعدادها مسبقًا من قبل الوزارة، موضحًا أن الاستمارة تتيح للعامل وصاحب العمل إجراء تسوية لإنهاء العلاقة التعاقدية في حال ارتضاء الطرفين، بدلًا من الاستقالة.

وأشار إلى وضع حل جذري ونهائي لأزمة «استمارة 6» سيئة السمعة، مؤكدًا أنه بموجب قانون العمل الجديد «لن يتم الاعتداد بأي استقالة يقدمها العامل إلا بعد اعتمادها بشكل رسمي من مكتب العمل المختص».

وشدد على ضرورة تنفيذ القانون، قائلًا: «لم نضع القانون لنتفرج عليه أو نضعه على الحائط، بل جهزنا المفتشين واللجان لنكون صارمين في تنفيذه وتحقيق العدالة المطلوبة».

وأوضح أن أحد أبرز بنود القانون الجديد هو إنشاء محاكم عمالية متخصصة لضمان «العدالة الناجزة»، مشيرًا إلى إصدار وزير العدل قرارًا بإنشاء 38 محكمة عمالية جديدة ستكون مهمتها الفصل في القضايا العمالية «بحد أقصى ثلاثة أشهر»، والتي كانت تستمر سنوات ويتوفى خلالها أحيانًا أطراف القضية.

وذكر أن إحدى المشكلات التي كانت تؤرق العاملين، تمثلت في تهرب بعض أصحاب العمل من مسؤولياتهم من خلال الاستعانة بشركات إلحاق العمالة من الباطن لتوقيع العقود، موضحًا أن القانون الجديد نص على أن المسؤولية عن حقوق العامل تكون «تضامنية» بين صاحب العمل الأصلي وشركة التوريد.

طباعة شارك محمد جبران وزير العمل آخر النهار

مقالات مشابهة

  • مادونا توجه رسالة عاجلة لبابا الفاتيكان بشأن غزة
  • وداع غزة لصحفيي الجزيرة.. عندما تغتال رصاصات الاحتلال الحقيقة
  • الأنبا توماس يتفقد مؤتمر دار القديس جيروم لخدمة التربية الدينية
  • سفير خادم الحرمين في كوريا الجنوبية يستقبل وفد المملكة المشارك في أولمبياد المواصفات الدولي
  • وجبة وداع غير تقليدية.. قاضٍ يفصل نزاع 29 دجاجة بين زوجين قبل الطلاق
  • "رئاسة الشؤون الدينية" تُفعّل خدماتها الإثرائية في المسجد النبوي خلال موسم العمرة
  • إبراهيم شعبان يكتب: جحيم احتلال غزة بالكامل يلوح في الأفق.. هذه أخطاره
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: حكومة الأمل.. كتاب لم يقرأه السودانيون
  • وداعًا لـ«استمارة 6».. وزير العمل: حل جذري لاستقالات الإكراه.. «التسوية بالتراضي» تدخل حيز التنفيذ
  • تحت رعاية خادم الحرمين.. افتتاح تصفيات «مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن»