علي الأزهري يرد على تصريحات سعد الدين الهلالي بثلاث كلمات
تاريخ النشر: 27th, April 2025 GMT
علق الدكتور علي محمد الأزهري عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، على التصريحات المثيرة لـ الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بشأن الحجاب والمواريث.
وأضاف عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، خلال حواره ببرنامج “ علامة استفهام”، أن أول مبدأ في الحرية " تلك حدود الله" فلا يجوز لأي شخص أن يتحدث عن تعديل أمور ثابتة في الدين، وذلك تحت مسمى الحرية.
من جهته، قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن نصوصُ الميراث قطعية لا تقبل التغيير ولا الاجتهاد، والدعوة لصنع «تدين شخصي» افتئاتٌ على الشرع، أو لصنع «قانون فردي» افتئاتٌ على ولي الأمر، وإعادة إنتاج للفكر التكفيري المنحرف، وتجديدُ علوم الإسلام لا يكون على الشاشات أو بين غير المتخصصين.
وأضاف الأزهر في بيان: وصدمةُ الجمهور بإقامة استدلالات غير صحيحة على تحريم حلال أو تحليل حرام؛ جريمة فكرية تهدد الأمن الفكري والاستقرار المجتمعي.
وتابع: الشَّحن السَّلبي المُمنهج تجاه الدّين وتشريعاته، والانتقالُ من التشكيك في حكم من أحكامه إلى التشكيك في غيره، ونسبةُ المعاناة والإشكالات المُجتمعية إلى تعاليمه ونُصوصه؛ جريمة كبرى تغذي روافد الانحراف الفكري والسلوكي، ونذير خطر يؤذن بتطرف بغيض.
وأكمل: الانتقاء والتدليس وصدمة الجمهور بالاستدلالات غير الصحيحة على تحليل الحرام أو تحريم الحلال بغرض تطبيع المنكرات داخل المجتمع؛ جرائم فكرية ومعرفية ينبغي محاسبة مرتكبها والداعي إليها.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: سعد الدين الهلالي الأزهري جامعة الأزهر الأزهر المواريث سعد الدین الهلالی
إقرأ أيضاً:
الشاعر المغربي عبد القادر وساط: كلمات مسهمة في الطب والشعر والترجمة
على مدى ثلاثة عقود تقريبا، استأنس القراء في المغرب باسم "أبو سلمى"، وهم يشتبكون ذهنيا مع "الكلمات المتقاطعة" و"الكلمات المسهمة" التي ينشرها على صفحات جريدة "الاتحاد الاشتراكي"، خاصة عندما كانت الصحيفةَ الأكثر مقروئية وإشعاعا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
وخلف كنية "أبو سلمى"، سيكتشف المتابعون هوية صاحب هذه الألغاز اللغوية والمعجمية، وهو عبد القادر وساط (مواليد عام 1958 بمدينة اليوسفية)، مبدع بأكثر من قبعة، ومترجم وخطاط وطبيب نفساني، أمضى أكثر من ثلاثة عقود في علاج المصابين بالأمراض العقلية، قبل أن يتفرغ نهائيا للكتابة والترجمة والرسم والقراءة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"ونفس الشريف لها غايتان"… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في قصائدهم؟list 2 of 2ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة والخذلانend of listظل عبد القادر وساط حاضرا في المشهد الثقافي والإعلامي منذ سبعينيات القرن الماضي، ووصفه الشاعر السوري أدونيس بأنه من أعمدة الحركة الشعرية في المغرب.
خاض وساط في مجال القصة القصيرة، وترجم قصائد وقصصا لكتاب عالميين. وقبل ذلك، أثرى المكتبة العربية بموسوعة في الطب، وأشرف -إلى جانب كتاب ومبدعين مغاربة- على إصدار موسوعتين هامتين: الأولى للكبار، هي "المعارف الحديثة" (20 مجلدا)، والثانية للناشئة، هي "الصفوة" (سبعة أجزاء).
من مؤلفاته أعمال قصصية، بينها: "عينان واسعتان"، و"النمر العاشب"، و"مستشفى مارثا"، وديوان شعر بعنوان "طبول من حجر"، وكتاب حواري مع "شيخ" القصة المغربية أحمد بوزفور بعنوان "الخيول لا تموت تحت السقف".
في هذا الحوار، اخترنا أن يكون المبتدأ والخبر هو "الكلمات المسهمة"، التي تحولت إلى شبه طقس ثقافي وفكري لدى ملايين المغاربة، ومنصة لاستدراج المتلقي إلى أسرار اللغة والشعر وبطون المعاجم، وإلى عالم الفن والسياسة والأدب، بطريقة تجمع بين الطرافة والعمق والروح المرحة.
من بوابة "الكلمات المسهمة"، يقودنا الشاعر وساط في هذه المقابلة إلى عالم المتنبي، والصمة القشيري، ونجيب محفوظ، وجبران خليل جبران، وموسوليني، وصوفيا لورين، وإدريس الشرايبي.
كما يبحر بنا في معاني بعض الكلمات وأسرارها، قبل أن يخوض في موضوع يفرض نفسه على الجميع: ما معنى أن تكون كاتبا ومبدعا في زمن الذكاء الاصطناعي؟
فإلى الحوار:
أنت تتعامل يوميا مع الكلمات العربية منذ أزيد من 40 عاما، ما هي نظرتك الخاصة إلى هذه الكلمات؟الكلمات كائنات حيّة، تنمو وتتغير معانيها باستمرار. سأعطي بعض الأمثلة لتوضيح ما أقصده. وصلتني ورقة مطبوعة قبل أيام من البنك، وهي تبدأ بعبارة: "أيها الزبون العزيز…" هذه العبارة جعلتني أفكر في المراحل المتعاقبة التي مرت بها كلمة "الزبون" على امتداد القرون، قبل أن تكتسب معناها الحالي.
الزَّبْن عند القدماء هو الدَّفع، وهم يقولون: زبنتَ الناقة إذا ضربت بقائمتيها عند الحَلْب، والناقة الزَّبون هي التي تمنع صاحبها من حلبها، فهي تضربه كلما دنا منها. والحرب الزَّبون سُمّيت كذلك لأنها تزْبُنُ الناس، أي تصرمهم وتدفعهم، وهو المعنى الذي ذكره الشاعر العربي القديم أبو الغول الطهوي في مدح فرسان بواسل:
فوارسُ لا يملّون المنايا
إذا دارت رحى الحربِ الزَّبونِ
ثمّة كلمات أخرى كثيرة يمكن أن نذكرها في هذا السياق، ومنها مثلا كلمة "النضال". فالمعنى الذي نعرفه اليوم لهذه الكلمة ليس هو ذلك الذي عناه الشاعر العربي القديم أبو حيّة النميري (توفي 180هـ/825م)، حين قال:
ألا رُبّ يوم إذ رمتني رميتها
ولكنّ عهدي بالنضال قديمُ
فالنضال، في زمن أبي حيّة النميري كان يعني التباري في الرمي بالنبال. فانظر معي كيف تطورت هذه الكلمة حتى أخذت معناها المعروف في زمننا هذا، وهو المعنى الذي ترنّم به محمد عبد الوهاب في أغنيته الشهيرة، من كلمات حسين أحمد شوقي (ابن الشاعر أحمد شوقي):
ما أقصر العمر حتى نُضيّعه في النضالِ
ولنتأمل كلمة "القطار"، وكيف تطورت هي أيضاً إلى أن اكتست معناها الحالي المعروف، فقد كانت هذه الكلمة تعني "المطر" عند القدماء، ومن ذلك قول الصمة القشيري:
ألا يا حبّذا نفحات نجدٍ
وريّا روضه غبّ القطارِ
كما كان لكلمة "القطار" معنى آخر في ذلك الزمن البعيد، إذ كانت تدل على الإبل التي تتقدّم في صفٍّ منتظم، يتبع بعضها بعضاً، على نسق واحد. ومن هذا المعنى القديم استُمدّت تسمية القطار التي نعرفها اليوم، وهي تسمية موفقة غاية التوفيق، اهتدى إليها أشخاص نوابغ.
أما كلمة "البهلول"، فقد كانت تعني في القديم السيّد الكريم، فصارت تعني في زمننا هذا "الغبي" أو "المهرّج".
يُذكّرني حديثنا هذا عن تطور المعاني بحُلمٍ يلازمني منذ القديم، وهو أن يكون لدينا في العربية معجم خاص بتاريخ معاني الكلمات، بحيث نطّلع على المعاني المختلفة للكلمة منذ نشأتها حتى وقتنا هذا.
لقد أنجز الفرنسيون عملا جبارا في هذا المضمار، ولا شيء يمنعنا مبدئيا من القيام بإنجاز مماثل.
على أي أساس تختار الكلمة الأولى عند الشروع في إعداد شبكة الكلمات المسهمة؟قد تكون كلمة سمعتها بشكل عابر في التلفزيون أو في المقهى أو في القطار، فبقيت عالقة بذهني. على سبيل المثال، سمعت كلمة "بلطجي" في حديث تلفزيوني مع أحد الفنانين، فدونتها ثم عملت على التأكد من تعريفها في المعجم: البلطجي: من يقوم بأعمال البلطجة، من اعتداء على الآخرين دون وجه حق، وارتكاب الأعمال المخالفة للقانون، كقطع الطريق على المارة، وإيذاء المواطنين، وإثارة الشغب، وغير ذلك.
إعلانوالآن، يكفي أن أضع كلمة "بلطجي" في الشبكة، في الاتجاه الأفقي، كي تنفتح أمامي إمكانات كثيرة لوضع الكلمات العمودية التي ترتبط بها وتنطلق منها. قد أختار مثلا كلمة "طوباوي"، انطلاقا من طاء "بلطجي"، أو كلمة "طابور"، أو كلمة "طعمية" (فول مسلوق يكبس ويقلى في الزيت). الحق أني أحب كثيرا كلمة "طعمية"، وإن كنت لم أذقها قط! أحبها انطلاقا من قراءتي لأحمد أمين، وطه حسين، ونجيب محفوظ، وإدوار الخراط، وإبراهيم أصلان، وسعيد الكفراوي.
يمكن أيضا اختيار علم من الأعلام يبدأ بحرف الطاء، مثل الشاعر الهندي طاغور، الذي يتردد اسمه كثيرا في شبكات الكلمات المتقاطعة في عالمنا العربي، رغم قلة الإقبال على أشعاره. وقد كان لنا في الثانوية أستاذ للعربية كثير الخروج عن المقررات الدراسية، إذ كان يحثنا باستمرار على اكتشاف كبار الشعراء والاطلاع على أشعارهم، وبفضله قرأت بعض قصائد طاغور.
أما باء "بلطجي"، فقد تنطلق منها عموديا كلمات عديدة، مثل "بطريرك" (صاحب الرتبة العالية في الكنيسة)، أو "بطريق"، وهو رئيس الروم. وأذكر أني اكتشفت كلمة "بطريق" هذه للمرة الأولى، يوم قرأت هذا البيت الشعري القاسي للمتنبي، متحدثا عن النساء الروميات السبايا:
تبكِّي عليهنّ البطاريقُ في الدجى
وهنّ لدينا مُلقَياتٌ كواسدُ
ومن باء "بلطجي" أيضا، قد تنطلق كلمة "بلهارسيا"، ذلك المرض الطفيلي الذي يقتل آلاف الناس (من ضحاياه المرحوم عبد الحليم حافظ). ولست أنسى ذلك الفيلم الذي يؤدي فيه الراحل أحمد زكي دور فلاح مصاب بالبلهارسيا، يحاول أن يكسب بعض القروش من مرضه ذاك، فصار يتردد على كلية الطب كي يفحصه الطلبة، ويتدربوا على جس الكبد المتورمة وأخذ مقاساتها، مقابل بعض القروش.
فلما مر الوقت، وتضخمت الكبد وصارت بادية للعيان، أعرض عنه الطلبة، ولم تعد لهم فائدة في فحصه، ففوجئوا به ذات يوم في بهو الكلية، يكشف بطنه المنتفخ، ويصرخ:
بلهارسيا ببلاش! يا الله تعالوا! بلهارسيا ببلاش!
ماذا عن أسماء الأعلام التي تؤثث الشبكة؟ هل يتم اختيارها مسبقا، أم أنها تفرض نفسها لأسباب تقنية؟تأمّل معي هذه اللائحة من الأعلام، من بلدان عربية مختلفة، ومن حقول إبداعية وفنية متنوعة: عبد الحليم حافظ، عبد الكريم غلاب، بدر شاكر السياب، أحمد حسن الزيات، صادق جلال العظم، صلاح عبد الصبور، محمد عبد الوهاب، إدريس الشرايبي، توفيق يوسف عواد، إبراهيم الكوني، عبد الرحمن منيف.
ليس هناك ما يجمع بين هذه الأسماء المختلفة في الظاهر، رغم أنها تنتمي كلها إلى عالم الفن والإبداع. القاسم الوحيد المشترك بينها هو أن كلا منها يتكون من 13 حرفا، وبالنسبة لي فإن هذا الأمر في غاية الأهمية، لأن الاسم المكون من 13 حرفا سوف يمتد أفقيا من أقصى الشبكة إلى أقصاها، وهو ما يساعد في إقامة شبكة ذات بنيان متين متراص.
إن لائحة الأعلام "الثلاثة عشرية" (الذين تتكون أسماؤهم من 13 حرفا) طويلة جدا بطبيعة الحال، بل إنها غير محدودة، فإن أنت سألتني الآن عن أقربهم إلى نفسي وفكري ووجداني، فسأجيبك دون تردد: إدريس الشرايبي.
ما قصتك مع إدريس الشرايبي، وهو من مؤسسي الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية وترجمت بعض أعماله إلى العربية؟اكتشفت هذا الروائي العبقري بطريقة طريفة حقا، تعود إلى 50 سنة خلت.. سأحكيها هنا بشيء من الإيجاز. كنت آنئذ تلميذا في السادسة عشرة من العمر، أقف مع مجموعة من التلاميذ في ساحة الثانوية، حين جاء صديق لي وأخبرني أن الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو قد مات.. كان ذلك في أبريل/نيسان 1974.
اقترح عليّ ذلك الصديق أن نمضي لتعزية أستاذنا الفرنسي، مسيو لومبار، في وفاة رئيسهم. كان مسيو لومبار أستاذ اللغة الفرنسية، وهو باريسي في الثلاثين من العمر، وسيم جدا، ولطيف جدا، وذو أخلاق رفيعة، يؤدي مهمته بإخلاص لا مثيل له، وكنا نكنّ له محبة خالصة. تحمست كثيرا لفكرة التعزية.. كنا نعرف منزل الأستاذ لومبار، ففي مدينتنا الصغيرة، اليوسفية، يعرف الجميع منازل الجميع.
إعلانأذكر أننا طرقنا بابه في ساعة المغيب.. كان يعيش وحده في ذلك المنزل، وكان جيرانه كلهم أساتذة فرنسيين يُدرسون مثله في الثانوية الوحيدة بالمدينة. أذكر أنه فوجئ حين فتح الباب ورآنا، وأنه زوى حاجبيه مستغربا، وأنه سألنا دون لفٍ عن سبب زيارتنا له.. أخبرناه أننا جئنا لتعزيته في وفاة الرئيس بومبيدو، فشرع في الضحك وقال لنا: "سأكون صريحا معكما، أنا لا يهمني إطلاقا جورج بومبيدو"!
إثر ذلك دعانا إلى الدخول، فجلسنا في صالة صغيرة مليئة بالكتب، ومضى هو إلى المطبخ. كان هناك، فوق منضدة صغيرة كتاب "الأيام" لطه حسين مترجما إلى الفرنسية، مع مقدمة طويلة بقلم أندريه جيد. جاءنا مسيو لومبار بشاي بارد من الثلاجة، ورآني أتصفح كتاب "الأيام"، فقال: "هذا الكتاب تحفة أدبية.. تمنيت لو كنت أعرف العربية لأقرأه في الأصل".
حدثنا الأستاذ طويلا عن أهمية القراءة، وسألنا إن كنا نعرف إدريس الشرايبي، فأجبناه بالنفي. قال مستغربا: "هذا واحد من أعظم كتاب العالم، وهو ابن بلدكم، ولا تعرفونه؟". وقبل أن نغادر مسكنه، أعطاني أنا رواية "الماضي البسيط" لإدريس الشرايبي، وأعطى صديقي رواية "التيوس" للكاتب نفسه.
تلك كانت بداية رحلتي الطويلة مع إدريس الشرايبي.. قرأت "الماضي البسيط" بمتعة لا توصف، ثم اكتشفت تدريجيا أعماله الأخرى، وما زلت أعيد قراءتها بانتظام، وبإعجاب متجدد حتى يومنا هذا.
لا أدري ما فعل الله بأستاذنا لومبار.. إذا كان لا يزال حيا، فيكون قد جاوز الثمانين، ولعله نسي كل شيء عن تلك الأمسية البعيدة، التي زاره فيها، في بيته، اثنان من تلامذته، يريدان تعزيته في وفاة الرئيس الفرنسي. أما أنا، فما زلت أتذكر تلك الزيارة بكل تفاصيلها الجميلة.
لنعد إلى أسرار الكلمات المسهمة، هل الأسماء المكونة من 13 حرفا هي السقف الأعلى في شبكاتك؟خلال إعداد شبكة الكلمات المسهمة، أحتاج أيضا إلى أسماء تتكون من 14 حرفا، في الاتجاه العمودي. وقد تكونت لديّ، مع مرور السنوات، لائحة طويلة من "الأربعة عشرية"، أو من "العموديين"، إضافة إلى "الثلاثة عشرية" الأفقيين. لائحة "الأربعة عشرية" متنوعة هي أيضا، فيها الكتاب، والشعراء، والرسامون، والموسيقيون، وفيها حتى بعض الطغاة الدمويين، مثل بينيتو موسوليني.
إنه اسم موسيقي حقا، مثل معظم الأسماء الإيطالية: بي/ني/تو/مو/سو/لي/ني.. أيُ عذوبة موسيقية تنبعث من هذا الاسم، وأيُ سهولة في النطق والكتابة! أليس هذا كافيا لإدراج هذا الطاغية بانتظام في شبكات الكلمات المسهمة؟ حتى عشيقة هذا الدكتاتور الفاشي تحمل اسما موسيقيا عذبا من 14 حرفا: كلاريتا بيتاتشي. لقد كانت تصغره بنحو 30 سنة، لكن اسمها كان مساويا لاسمه في عدد الحروف.
وقد تم إعدام الدكتاتور الدموي وعشيقته الحسناء بالرصاص سنة 1945 قرب محطة للوقود، في قرية ذات اسم موسيقي: جولينو دي ميزيجيرا. علقت الجثتان جنبا إلى جنب، ورأساهما إلى أسفل. كان موسوليني في الثانية والستين من العمر، وكانت كلاريتا في الثالثة والثلاثين.
هكذا انتهى زمن الفاشية في إيطاليا، وبقي الاسم الموسيقي للطاغية قابعا في كتب التاريخ، وفي المقررات الدراسية، وأرشيفات التلفزيون، مع ظهور عابر، بين حين وآخر، في شبكات الكلمات المتقاطعة والمسهمة.
وفي زمننا هذا، تعيش في إيطاليا واحدة من حفيدات الطاغية، تدعى أليساندرا موسوليني (17 حرفا)، وهي طبيبة وممثلة سينمائية، وسياسية برلمانية، تنتمي إلى اليمين المتطرف، وتدعو إلى عودة الفاشية، مع إعجاب شديد بجدها الطاغية.
أليساندرا موسوليني هذه، لها خالة شهيرة، هي الممثلة الإيطالية صوفيا لورين، وقد أبحت لنفسي، من باب التسلية، أن أبحث عن الاسم الكامل لصوفيا لورين، فوجدته هكذا: صوفيا كوستانزا بريجيدا ڤيلاني شيكولوني.. فيا الله على هذه الموسيقى الساحرة التي تنبعث من هذا الاسم الطويل!
وما يجذبني شخصيا إلى هذه الممثلة الشهيرة، علاوة على جمالها الآسر وموهبتها السينمائية الكبيرة، أنها كانت من كبار مشجعي نادي نابولي لكرة القدم، في زمن النجوم الذين كنا نعجب بهم في شبابنا غاية الإعجاب: ماسيمو كريبا، وأنطونيو كاريكا (13 حرفا)، وسيلنيزي، ثم مارادونا. وقد انطفأ اليوم بريق نادي نابولي، مثلما اندثر جمال صوفيا لورين، ولم تبق منه بقية. ذلك أن حسن الوجوه حالٌ تحول، كما قال المتنبي في لاميته الشهيرة:
زَوّدينا من حسن وجهك ما دام
فحُسنُ الوجوه حالٌ تَحولُ
وصِلينا نَصِلْكِ في هذه الدنيا
فإنَّ المقامَ فيها قليلُ
من بين الأسماء "الأربعة عشرية" ذات النبرة الموسيقية، نجد أيضا الروائي الإيطالي الشهير ألبيرتو مورافيا. أنا أحب إدراج اسمه في الشبكة لسهولة كتابته. إنه اسم تتتابع فيه الحروف الصحيحة وحروف العلة بانتظام عذب، ومع ذلك فإني لم أرتح يوما لروايات مورافيا.
إعلانلقد كانت أول رواية قرأتها له هي "اللامبالون"، وفيها يقدم صورة قاتمة للبرجوازية الإيطالية في القرن العشرين. من شخوص هذه الرواية التي أتذكرها بوضوح، هناك كلارا التي تقرر القيام بعمل شنيع، فقط لكي تشعر أنها كائن حي!
بعد ذلك، قرأت رواية "الامتثالي"، ولم أعجب بها أكثر من سابقتها. أما رواية "الملل" التي تحكي عن فنان تشكيلي يجتاز أزمة وجودية، فقد أصابتني بملل حقيقي!
هذه الروايات قرأتها في مطلع شبابي، في ترجمات فرنسية جيدة، ضمن سلسلة "كتاب الجيب". كانت تلك السلسلة ذات طباعة جذابة، بأغلفة جميلة، وأوراق ملونة على الحواف، وكنا نحتفظ بها ونحافظ عليها بشغف، حتى حين لا يعجبنا محتواها، كما هو الشأن مع روايات ألبيرتو مورافيا.
شبكات الكلمات المسهمة فيها أيضا مفردات وأسماء بحروف أقل من ذلك.. بأي طريقة تنتقيها؟بطبيعة الحال، فالشبكة ليست حكرا على "الثلاثة عشرية" أو "الأربعة عشرية"، بل هي مفتوحة أيضا لأصحاب الحروف القليلة. وهناك، بالضرورة، أسماء تتكرر أكثر من غيرها، لهذا السبب أو ذاك.
وقبل فترة، توصلت برسالة إلكترونية من أحد القراء، يعاتبني فيها بشيء من القسوة على الإكثار من اسم شويكار في الشبكة.. وأنا لا ألومه، لأنه يجهل علاقة أبناء جيلي بالممثلة المصرية شويكار.
لقد كنا نرى فيها نموذجا للعذوبة والدلع والجمال، يضاف إلى ذلك ميلها الفطري إلى الدعابة والضحك، رغم أنها ترملت وهي في سن الثامنة عشرة، وبقيت تعيش مع طفلتها الوحيدة، إلى أن التقت بفؤاد المهندس، الذي سألها بروحه المرحة الأسطورية: "تتجوزيني يا بسكوتة؟"، فكانت تلك بداية حياة مشتركة، استمرت ربع قرن من الزمان.
وعلى ذكر "البسكوتة"، فقد عربها المعجميون هكذا: بسكوتة، وهو تعريب يحمده صديقنا عارف حجاوي، لأنه يزيل التقاء الساكنين، وأنا أضم صوتي المتواضع إلى صوت الأستاذ حجاوي.
لا شك أن خبرتك الطويلة في هذا المجال قد خلقت لديك فكرتك الخاصة عن معاجم اللغة العربية.ينبغي الإقرار بأن معاجمنا الحالية في حاجة إلى شيء من التنقيح، نظرا لاكتظاظها بالكلمات والمترادفات الرنانة، التي يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للأجيال الحديثة. ويمكنني، في هذا السياق، أن أذكر حادثة طريفة وقعت لأبي العلاء المعري، حين زار بغداد في كهولته، فقد دخل مجلس الشريف المرتضى، فعثر برجل، فغضب الرجل وقال: "من هذا الكلب؟" فأجابه المعري: "الكلب هو من لا يعرف سبعين اسما للكلب"!
وقد بحث الإمام السيوطي عن هذه الأسماء السبعين للكلب -التي تباهى شيخ المعرة بمعرفتها- وتتبعها في كتب اللغة، فلم يجد منها سوى 60 اسما، جمعها في أرجوزة له بعنوان: "التبري من معرة المعري". مما يقوله السيوطي في أرجوزته، موردا أسماء الكلب:
من ذلك: الباقعُ ثم الوازعُ
والكلبُ والأبقعُ ثم الزارعُ
والأعنقُ، الدِّرباسُ، والعَملَسُ
والقُطربُ، الفُرنيُّ، ثم الفَلَحَسُ…
لقد كان هذا النوع من التمرين اللغوي شيقا ونافعا في زمن المعري والسيوطي، لكن الأمور تغيرت كثيرا في زمننا هذا، وصار من الضروري أن ننظر إلى لغتنا من زاوية مختلفة، خصوصا أن هناك كلمات أجنبية كثيرة جدا، لا نجد لها مقابلا في لغتنا العربية، مما يشكل عائقا حقيقيا للناطقين بهذه اللغة الجميلة.
هل لديك أمثلة عن كلمات من هذه الطينة؟ثمة كلمات كثيرة تتوارد على الذهن الآن، وسأختار منها واحدة فقط، هي "بيتريكور" الفرنسية (pétrichor)، التي تعني: "الرائحة المنبعثة من الأرض بعد سقوط المطر". الإنجليز أيضا يسمونها بنفس الاسم. ألسنا أولى من الفرنسيين والإنجليز بكلمة جميلة تؤدي هذا المعنى الجميل؟ خصوصا أن الشعر العربي مليء بالقصائد الرائعة عن "البتريكور". تقول الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان:
ورائحةُ الأرض غِبَّ عطاءِ المطرْ
ونفحُ الشجرْ
سأفقده حين تمضي غداً
ككلّ جميلٍ وغالٍ لدينا
يضيع، يضيع ولا شيء يبقى
وفي الشعر العربي القديم، قصيدة خالدة تتحدث عن هذه الرائحة وعما تبعثه في النفس من مشاعر. إنها قصيدة الصمة القشيري، التي يقول فيها:
ألا يا حبّذا نفحاتُ نجدٍ
وريّا روضه غِبَّ القطارِ
أي رائحة روضه بعد هطول المطر.
هذا الشاعر، الذي عاش في القرن السادس الميلادي، نشأ في ديار بني قشير، غربي نجد، وقد أحب ابنة عمه، لكنه كان حبا يائسا. ثم إنه التحق بالجيش الذاهب لقتال الديلم، ولعله كان يدرك عندئذ أنه لن يعود أبدا إلى مرتع صباه، وقد مات بالفعل في طبرستان البعيدة في مطلع القرن الثامن الميلادي. لم يكن الصمة القشيري شاعرا مكثرا، لكن شعره جيد رائع، يكفي أن نذكر منه العينية الشهيرة:
قِفا وَدِّعا نجدًا ومَن حلَّ بالحمى
وقَلَّ لنجدٍ عندنا أن يُوَدَّعا
وفي هذه العينية نجد بيتيه الخالدين:
وليست عشيّاتُ الحِمى برواجِعٍ
إليك ولكن خلِّ عينيك تدمعا
كأنّا خُلقنا للنوى وكأنّما
حرامٌ على الأيّام أن نتجمّعا
وهما بيتان تغنى بهما وديع الصافي، بصوته الجبلي الذي لا يضاهى. وكم كنت أتمنى أن أسمع هذا الفنان اللبناني العظيم يتغنى برائية الصمة القشيري:
تمتّعْ من شميم عَرارِ نجدٍ
فما بعد العشيّة من عَرارِ
ألا يا حبّذا نفحاتُ نجدٍ
وريّا روضه غِبَّ القطارِ
وأهلك إذ يحلُّ الحيُّ نجدًا
وأنتَ على زمانك غيرُ زارِ
شهورٌ ينقضين وما شعرنا
بأنصافٍ لهنَّ ولا سرارِ
إنها قصيدة رائعة حقا، وفيها أيضا معجم لغوي غني، وهذا أمر يحمده من كان مولعا باصطياد الكلمات مثلي، وباقتراحها لاحقا على القراء، مع التعاريف الملائمة:
العرار: نبات طيب الرائحة. الريا: الرائحة العطرة. القطار: المطر. غير زار على الزمان: لا تذمه ولا تشكوه، لأنك لم تر منه ما يسوؤك. سرار الشهر: آخره، حين يستسر القمر، أي يخفى.الغريب أن الحبيبة التي تغنى بها هذا الشاعر كانت هي أيضا تسمى ريا، أي الرائحة الطيبة، فهل كان هذا اسمها الحقيقي، أم أن الشاعر هو الذي أطلقه عليها:
حننتَ إلى ريّا ونفسُك باعدت
مزارَك من ريّا وشِعباً كما معا
إنه اسم جميل على أية حال. أما شاعرنا، الصمة القشيري، فمن المؤكد أن "الصمة" كان اسمه الحقيقي. وللصمة معان كثيرة في المعاجم، نذكر منها: الرجل الشجاع؛ الأسد؛ ذكر الحية؛ أنثى القنفذ؛ وكذلك سداد القنينة.
تحرص على كتابة شبكاتك اليومية بخط اليد، ألا يمثل ذلك عناء إضافيا بالنسبة إليك؟لعل ذلك يعود إلى علاقتي الحسية بالكلمات وبأشكالها الفنية. والحق أن ولعي بالخط العربي يعود إلى أيام الصبا والشباب الأول، ففي العشرين من عمري، وأنا طالب بكلية الطب، كنت "خطاطا عموميا".
كانت المنحة الدراسية الزهيدة غير كافية لنفقات العيش، فكنت أستعين على الزمن بكتابة أسماء المحلات الشعبية، في حي الفرح، بالدار البيضاء: محلبة الأمل، حمام الشنقيطي، مجزرة الحرية، ميكانيكي الصداقة، خياط الأحباب، مقهى السعادة.
كنت أكتري سلما من بائع العقاقير، ثم أصعد عليه وأشرع في العمل. كان بعض المارة يقفون قليلا للتفرج علي وأنا منهمك في الكتابة، وكان معظمهم يتفادون المرور بين السلم والحائط، إذ كانوا يتطيرون من ذلك. وهذه ظاهرة موجودة حتى في الدول الغربية، وقد استغلها شارلي شابلن بطريقة فنية رائعة، حين كانت الشرطة تقتاده إلى السجن، لكنه رفض مع ذلك أن يمر بين السلم والحائط!
كان أصحاب المحلات الذين يطلبون خدماتي من الناس البسطاء، ولم يكن أحد منهم يحتج على رداءة خطوطي عند انتهائي منها. ولم تكن تلك الخطوط رديئة تماما في حقيقة الأمر، لكن المتمعن فيها يدرك فورا أنها ليست مكتوبة بيمين محترف، كما قال الشاعر المهجري إلياس قنصل عن بجعة البحيرة:
منقارُها المسنونُ لؤلؤةٌ
مثقوبةٌ بيمينِ محترفِ
كانت قصيدة إلياس قنصل هذه منشورة بمجلة "العربي"، تلك المجلة التي كان لها دور الإنترنت في زمننا، ولا تزال قصائدها وقصصها وأغلفتها الجميلة عالقة بالذاكرة. أما المحلات التي زينتها بخطوطي، في حي الفرح، ثم في حي سباتة، فقد اندثرت اليوم ولم يبق منها أثر:
دِمَنٌ تجرّمت بعد عهدِ أنيسها
حُجُجٌ خلَونَ، حلالُها وحرامُها
لكني بقيت على وفائي للخط العربي، بل إني اتخذت لي مدرّسا للخط في فترة من فترات حياتي. كان ذلك المدرس يزورني في بيتي مرتين أو ثلاثا في الأسبوع، وقد تعلمت منه الكثير، وغاب عني الكثير.
أنت كاتب وشاعر أيضا، ماذا يعني أن تكون شاعرا أو قاصا في زمن الذكاء الاصطناعي؟هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يكتب أدبا إنسانيا جديرا بهذا الاسم، في المستقبل القريب، أو حتى في المستقبل البعيد؟ لا أظن ذلك. سوف يسهم الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في التطور الطبي والتكنولوجي والعلمي، وسوف يمكنه تشخيص الأمراض بكيفية مبكرة، ومن إيجاد العلاج الناجع لهذه الأمراض، وسوف يكون له دور رئيس في الجراحة عن بعد.
وباختصار، فإن الذكاء الاصطناعي يمثل ثورة عظيمة في حياة البشر، في مختلف المجالات، بيد أنه سوف يؤدي، بالمقابل، إلى اختفاء آلاف المهن، سواء الفنية أو التقنية، ويتسبب في الكثير من المآسي العائلية.
لي صديق صيدلي، لا حديث له هذه الأيام إلا عن الكوارث التي سيعاني منها البشر في هذا السياق. إن روبوت الذكاء الاصطناعي -يقول صديقي هذا- قد يغضب، وقد يستبد به الغضب إن هو تَعرض للاستفزاز، رغم أنه ليس مبرمجا على الغضب! وإذا غضبَ فقد يخرج عن السيطرة، ويرتكب ما لا تحمد عقباه، بل إنه قد يستولي على السلاح النووي ويشغل الرؤوس النووية! هذه هي النظرة الموغلة في التشاؤم لصديقي المذكور، وثمة الكثيرون ممن يقاسمونه هذه النظرة، ويشاطرونه هذا الخوف. والله وحده يعلم ماذا يخبئه المستقبل للبشرية من مفاجآت مؤلمة أو سارة، في هذا المجال.
أما أن يكتب الذكاء الاصطناعي رواية عظيمة أو شعرا عظيما، فهذا -في رأيي المتواضع- ضرب من المستحيل. الإبداع الأدبي لا ينطلق من الفكر وحده أو من العقل وحده، بل ينطلق كذلك من القلب والوجدان، وليس للذكاء الاصطناعي قلب ولا وجدان! أتذكر مشهدا طريفا في مسرحية "مجنون ليلى" لأحمد شوقي. لقد عمل والد قيس بنصيحة العراف، الذي نصحه بأن يذبح شاة وينزع قلبها، ثم يقدم شيئا من لحمها لابنه المجنون، أملا في شفائه. وفي ذلك يقول أحمد شوقي على لسان قيس:
وشاةٍ بلا قلبٍ يداوونني بها
وكيف يداوي القلبَ مَن مالَهُ قلبُ؟
حين تطلب من الذكاء الاصطناعي أن يكتب لك قصة أو رواية، فإن كل ما يقوم به هو اللجوء إلى مخزونه الهائل من القصص والروايات، ليستمد منه نصا بلا لون ولا طعم ولا رائحة!
فهل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يأتي، على سبيل المثال، بمطلع روائي مثل ذلك الذي نقرأه في مستهل "ميرامار" لنجيب محفوظ: "الإسكندرية أخيرا.. الإسكندرية قطر الندى، نفثة السحابة البيضاء، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء، وقلب الذكريات المبللة بالشهد والدموع (…) ماريانا، عزيزتي ماريانا، أرجو أن تكوني بمعقلك التاريخي كالظن وكالمأمول، وإلا فعَليّ وعلى دنياي السلام"!
وهل يستطيع الذكاء الاصطناعي، وهو "عقل" خالص، بلا قلب ولا أحاسيس، أن يأتي بمقطع كهذا الذي نجده في بداية كتاب "النبي" لجبران خليل جبران: "وظل المصطفى، المختار الحبيب، الذي كان فجرا لذاته، يترقب عودة سفينته في مدينة أورفليس، اثنتي عشرة سنة، ليركبها عائدا إلى الجزيرة التي ولد فيها. وفي السنة الثانية عشرة، في اليوم السابع من أيلول، شهر الحصاد، صعد إلى قنة أحد التلال القائمة وراء جدران المدينة، وألقى نظرة عميقة إلى البحر، فرأى سفينته تمخر عباب البحر مغمورة بالضباب، فاختلج قلبه في أعماقه، وطارت روحه فوق البحر فرحا، فأغمض عينيه، ثم صلى في سكون نفسه".
طبعا هو لا يستطيع، لأنه يفتقر إلى البعد الروحي الذي يميز الإنسان، حتى وإن كانت "ذاكرته" مشحونة بإبداعات بني الإنسان.
هل تذكر قصة الأعرابية التي هجرها زوجها أبو حمزة، بعدما ولدت له بنتا؟ لقد صارت تلاعب ابنتها تلك وتخاطبها قائلة:
ما لأبي حمزةَ لا يَأتينا
غضبانَ ألاّ نلدَ البنينا
تا الله ما ذلك في أيدينا
بل نحن كالأرض لزارعينا
ننبتُ ما قد زرعوه فينا
وإنما نأخذ ما أُعطِينا
وهذا ما ينطبق تحديدا على "إبداعات" الذكاء الاصطناعي.