سودانايل:
2025-06-26@06:47:10 GMT

اقْتِصَادَات الحَل العَسْكَري المُتَوَهَّم

تاريخ النشر: 28th, April 2025 GMT

اقْتِصَادَات الحَل العَسْكَري المُتَوَهَّم
The Economics of a Delusional Military Solution

بروفيسور/ مكي مدني الشبلي
المدير التنفيذي – مركز مأمون بحيري، الخرطوم

مع دخول الصراع في السودان عامه الثالث وتمسك طرفي الحرب بالحل العسكري الوهمي، بات من الضروري تفكيك البُعد الاقتصادي لهذا الحل بالنسبة لكل طرف، وفهم تأثيره على فرص السلام، وعلى مستقبل الحراك المدني وقواه السياسية.

وتشير الدلائل إلى أن كلا حكومتي بورتسودان المزمعتين (البرهان وحلفاؤه) ونيروبي (حميدتي وحلفاؤه) تواجهان مآلات اقتصادية خانقة، حال نجاح أحدهما افتراضاً في تحقيق انتصار عسكري عسير المنال. ذلك أن المُنْقَلَب المُنتظَر لا ينحصر فقط في نتيجة الحرب، بل يتعدى ذلك ليشمل فقدان الشرعية، والعقوبات الدولية، وضعف الإيرادات، وانهيار القطاعات الإنتاجية.
فبالنسبة للمحددات الاقتصادية التي المتعلقة بافتراض انتصار عسكري للجيش، فسوف يواجه تحالفه الاعتماد على ميزانية عامة منهارة قوامها نذر يسير من الموارد الرسمية المحدودة المحصورة في عائدات الموانئ والضرائب والشركات العسكرية. حيث إن إنتاج الذهب لا يُدار بكفاءة بسبب ضعف الرقابة والفساد. وذلك فضلاً عن الدمار الشامل الذي خلفه الانتصار العسكري في ولاية الخرطوم يعني فقدان أهم المراكز الاقتصادية الرئيسية والضرائب المرتبطة بها لعدة سنوات. ومن ناحية أخرى فإن الانتصار العسكري لن يتأتى إلا بتبعات مالية طائلة ممثلة في تمويل الجيش والمستنفرَين واستيراد الأسلحة والمعدات، مما يشكل عبئاً ثقيلاً على الموارد الشحيحة، وربما يجُر التزامات خارجية تؤثر سلباً على استقلالية المسار. كما أن الجيش سيواجه أزمة حادة في توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والخدمات الصحيّة والبنية التحتية شبه المنهارة، مما يؤثر على جوهريّاً على النشاط الاقتصادي. ويعزز كلَّ هذه الضغوط الاقتصادية بفقدان الدعم الدولي، حيث إن المؤسسات المالية الدولية لا تعترف بحكومة بورتسودان الداعمة للجيش، مما يحرمها من القروض والاستثمارات. كما أن العقوبات الغربية المفروضة تعيق قدرة الحكومة على الوصول إلى أصول الدولة السودانية المجمدة في الخارج. أما من حيث التجارة الداخلية والخارجية، فإن الحل العسكري بافتراض انتصار الجيش سيخلف فقدان السودان للسوق المحلي والخارجي بسبب تبعات الحرب وانعدام الأمن، فضلاً عن تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي المؤدي إلى انخفاض الصادرات وزيادة أسعار السلع، خاصة أزمة الوقود وارتفاع تكاليف النقل المعوقة لحركة التجارة.
وبافتراض تحقيق انتصار عسكري للدعم السريع وحلفائه، فإنه سوف يواجَه بالاعتماد على اقتصاد (مافيوي) موازٍ قائم على تهريب الذهب، والنهب، والابتزاز، وربما يتلقى دعماً سريَّاً خارجيَّاً، إضافة إلى شبكات تهريب إقليمية. بيد أنه ربما لا يواجه بتحمل تكاليف لوجستية لقواته لان أغلبها تُموَّل نفسها ذاتيَّاً (لا مركزيَّاً) من موارد السيطرة الجغرافية. ويفاقم من حدة هذه المآلات الاقتصادية العزلة الاقتصادية الدولية، فالدعم السريع لا يحظى باعتراف دولي، مما يمنعه من الحصول على تمويل دولي أو استثمارات ذات مصداقية. وذلك فضلاً عن أن التعاملات المالية الخارجية للدعم السريع وحلفائه تحفها مصاعب جمّة بسبب العقوبات الدولية على شبكاته المالية. ونظراً لمحدوديّة خبرة الدعم السريع في إدارة الدولة فسيواجَه بصعوبات كبيرة في توفير الخدمات في كافة أنحاء السودان بسبب ضعف الموارد والكوادر، وانعدام البنية التحتية مما يجعل نقل الإمدادات والبضائع صعباً ومكلفاً. ومن ناحية أخرى ستواجِه الدعم السريع وحلفاءه تحديات كأداء في التحكم في الاقتصاد المحلي بسبب معاناة معظم الأسواق من الفوضى الأمنية وغياب مؤسسات الدولة، مما يحد من أي نشاط اقتصادي منظم.
أما بالنسبة للتحديات المشتركة التي ستواجه طرفي الحرب من خيار الحسم العسكري فإنهما يشتركان في مواجهة تحديات لا قبل لهما بها تشمل، فيما تشمل، انهيار قيمة الجنيه السوداني بتواصل فقدانه قدراً كبيراً من قيمته بسبب الحرب وصل إلى نحو 350%، مما يؤدي للتضخم الجامح الذي يؤجج السخط الشعبي عليهما. وتجدر الإشارة إلى ارتفاع معدلات التضخم بعد عامين من الحرب لأكثر من 400%، ووصلت نسبة البطالة إلى نحو 50%، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بـنحو 41%، وانخفضت الإيرادات العامة بنسبة تصل إلى 75%، حيث يقدر تراجع الجهد الضريبي إلى نحو 2% مقارناً بنحو 5% قبل اندلاع الحرب. كما أن انعدام الأمن وانتشار السلاح سيلقي بآثار سالبة على الاقتصاد تؤدي لهروب المستثمرين وانهيار القطاعات الإنتاجية، خاصة قطاع الزراعة المتضرر أصلاً من النزوح وانعدام الأمن، مما يؤدي لتفاقم انعدام الأمن الغذائي. كما أن الحسم العسكري سيقود كليهما لغياب النظام المصرفي الفعال نظراً للنهب والدمار الذي لحق بالبنوك مما يحصر معظم التحويلات المالية في السوق السوداء ويعيق التجارة والاستثمارات. كما أن الشركاء التجاريين للسودان سيحجمون عن التعامل مع أي من الطرفين بسبب الغموض السياسي والتردي الاقتصادي. وستؤدي كل هذه التحديات لفقدان الثقة الشعبية في طرفي الحرب بتجلي اهتمامهما بالبقاء في السلطة أكثر من إصلاح الاقتصاد. وسيشكل تدمير البنى التحتية إحدى التحديات الكأداء التي تواجه الطرف المنتصر عسكرياً حيث انهارت شبكات الكهرباء، المياه، الطرق، المدارس، والمستشفيات، إضافة إلى انهيار مؤسسات الدولة التنفيذية والمالية، ما يصعب إعادة تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. ومن ناحية أخرى فأي طرف ينتصر عسكرياً سيواجه ديوناً خارجية ضخمة تتجاوز 62 مليار دولار، معظمها متراكم من فوائد التأخير، مما يعقد أي جهود مستقبلية لإعادة الإعمار أو التنمية ويجعل إدارة الديون تحدياً مركزياً لأي حكومة منتصرة عسكرياً. ولا شك فإن الانتصار العسكري سيورث من يحققه كارثة إنسانية غير مسبوقة بسبب النزوح الجماعي للسكان، ونقص الغذاء والمياه والأدوية، وتفاقم الأوضاع الصحية، مما يتطلب استجابة عاجلة وموارد ضخمة غير متوفرة لإعادة الاستقرار المجتمعي. وفوق كل ذلك فإن الطرف المنتصر عسكرياً سيواجه بعزلة ومقاطعة دولية تفاقم ضعف الثقة المحلية والدولية بسبب تواصل الحكم العسكري وغياب حكومة مدنية موحدة مما يؤدي لحرمان السودان من الدعم المالي والمنح والقروض الدولية الضرورية لتخفيف الديون وإعادة الإعمار. ويُرجَِّح أن يؤدي ذلك إلى انفجار الاضطرابات الأمنية والسياسية التي ربما تجعل استمرار الطرف المنتصر حاكماً للسودان صعب التحقيق.
تشير هذه المآلات الاقتصادية القاتمة الناتجة عن الانتصار الافتراضي لأي من طرفي الحرب في إطار الحل العسكري إلى حتمية اللجوء لخيار الحل التفاوضي. ذلك أن اقتصادات كسر العظم لإنهاء الحرب الكارثية في السودان تبرز ضرورة اللجوء للحل السياسي كسيناريو أقل تكلفة وأكثر واقعية اقتصادية لجميع الأطراف، وفوقهم كلهم أقل تكلفة للشعب السوداني الذي دخلت معاناته من ويلات هذه الحرب الفاجرة عامها الثالث. حيث إن اختيار طرفي الحرب لوسيلة إنهائها يجب ألا ينحصر فقط في الموازين العسكرية الوهميَّة، بل يجب أن يُبنَى الخيار على حسابات اقتصادية دقيقة تتعلق بالخسائر والمكاسب واستدامة النتائج. وعليه يتحتم على الجيش والدعم السريع وكذلك القوى المدنية فهم أبعاد الاقتصاد السياسي لمآلات الحرب، وما يوفره الاقتصاد السياسي من فرص، أو يلحقه من ضرر قبل الاندفاع الاشتهائي نحو الحل العسكري المُتَوَهَّم الذي يعود عليهما وعلى الشعب السوداني بمآلات وَبِيلة.

melshibly@hotmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحل العسکری الدعم السریع طرفی الحرب کما أن ة بسبب

إقرأ أيضاً:

عضو بلدية طرابلس: لم نتلقَ تأكيدات رسمية لوقف القتال في العاصمة.. والحوار هو الحل

ليبيا – قال جمال التيتي، عضو لجنة التواصل المكلفة من بلدية طرابلس، إنهم لم يتلقوا حتى الآن تأكيدات رسمية بشأن وقف القتال، مشيرًا إلى أن أغلب اللقاءات التي أُجريت كانت إيجابية، إلا أن التمسك بالرأي من الأطراف المعنية أدى إلى تصاعد الأمور.

خلافات بين الردع والحكومة
أوضح التيتي أن ما وصفه بكسر العظم بين جهاز الردع والحكومة نتج عن شعور الجهاز بأن الإجراءات تستهدفه، في حين ترى الحكومة أن الإجراءات يجب أن تتم دون شروط، معتبرًا ذلك النقطة المفقودة في العملية.

بوادر حسن نية مفقودة
أشار إلى أن اللجنة كانت تسعى للحصول على بوادر حسن نية من الأطراف، مؤكدًا أن الحوار كان كفيلاً بحل العديد من القضايا بسلاسة. وتساءل عن غياب مثل هذه الخطوات رغم أن جميع الأطراف ليبيون ويمكنهم اللقاء لحل الإشكاليات.

استعداد الأطراف للحوار
أفاد التيتي بأنهم جلسوا مع جهاز الردع الذي أبدى استعداده لحل المشكلة سلميًا، مشترطًا أن تتم إعادة المقرات التابعة للحكومة عبر جهة محايدة وبشكل قانوني، كما أشار إلى أن اللواء 444 لا يمانع الجلوس مع الطرف الآخر.

غياب الانسجام بين الرئاسي والحكومة
بيّن التيتي وجود خرق بين المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، مشيرًا إلى أن التوافق الظاهري لا يعكس انسجامًا حقيقيًا، حيث يتسابق الطرفان على إصدار القرارات. وأضاف أن اللجنة وجهت رسالة رسمية إلى المجلس الرئاسي ولم تتلقَ ردًا حتى الآن.

لقاءات مثمرة مع رئاسة الأركان
ذكر أن لقاء اللجنة مع رئاسة الأركان كان مثمرًا، وأسهم في كشف ضعف العلاقة بين جهات القرار والتنفيذ، مؤكدًا غياب الانسجام بين رئاسة الأركان ورئاسة الحكومة.

الحاجة لضمانات حقيقية
أكد التيتي أن إصدار قرارات بوقف إطلاق النار دون انسجام حقيقي يجعل الأوضاع قابلة للانفجار عند أول استفزاز، مشيرًا إلى أن أهالي طرابلس لديهم مطالب مشروعة تم إيصالها إلى جميع الأطراف، وصدرت قرارات تتماشى مع هذه المقترحات.

تحذير من المرحلة المجهولة
حذر من غياب حسن النية لدى بعض الأطراف، معتبرًا أن ذلك قد يدفع نحو “مرحلة مجهولة”، وأن اللجنة توصلت إلى أن الوضع ما زال غير واضح.

نحو مشروع وطني في الغرب الليبي
قال التيتي إن الخطوة المقبلة تهدف إلى إعداد مشروع وطني لتحقيق الاستقرار في المنطقة الغربية، وليس العاصمة فقط، مشددًا على أن سكان طرابلس اتخذوا موقفًا متوازنًا، وأن الشارع ستكون له الكلمة الفصل في المرحلة المقبلة.

مقالات مشابهة

  • الدويري: المحلل العسكري يقف حائرا أمام روعة كمين خان يونس الأكثر تعقيدا منذ بداية الحرب
  • عضو بلدية طرابلس: لم نتلقَ تأكيدات رسمية لوقف القتال في العاصمة.. والحوار هو الحل
  • تصاعد التداعيات الاقتصادية للحرب وخطّ إجلاء بحري من جونية لإنقاذ الموسم السياحي
  • د.حماد عبدالله يكتب: وسائل النقل العام (هى الحل!!)
  • هل الصيام كل يومين هو الحل الأمثل لإنقاص الوزن؟.. دراسة تجيب
  • جارديان: ترامب يرسخ للاستخدام العسكري الأمريكي لحل الصراعات في العالم
  • مسؤولة أممية: خطر الإبادة الجماعية في السودان لا يزال مرتفعاً وسط هجمات عرقية تقودها للدعم السريع
  • تداعيات الحرب الإسرائيلية – الإيرانية على الاقتصاد الحوثي في تقرير لمنتدى الإعلام والبحوث الاقتصادية
  • متى كان الانقلاب العسكري سيحدث في إسرائيل بسبب البرنامج النووي؟
  • بسبب فضيحة أخلاقية.. العلاقة بين الحلو و”الدعم السريع” على كف عفريت