سودانايل:
2025-06-14@03:11:08 GMT
اقْتِصَادَات الحَل العَسْكَري المُتَوَهَّم
تاريخ النشر: 28th, April 2025 GMT
اقْتِصَادَات الحَل العَسْكَري المُتَوَهَّم
The Economics of a Delusional Military Solution
بروفيسور/ مكي مدني الشبلي
المدير التنفيذي – مركز مأمون بحيري، الخرطوم
مع دخول الصراع في السودان عامه الثالث وتمسك طرفي الحرب بالحل العسكري الوهمي، بات من الضروري تفكيك البُعد الاقتصادي لهذا الحل بالنسبة لكل طرف، وفهم تأثيره على فرص السلام، وعلى مستقبل الحراك المدني وقواه السياسية.
فبالنسبة للمحددات الاقتصادية التي المتعلقة بافتراض انتصار عسكري للجيش، فسوف يواجه تحالفه الاعتماد على ميزانية عامة منهارة قوامها نذر يسير من الموارد الرسمية المحدودة المحصورة في عائدات الموانئ والضرائب والشركات العسكرية. حيث إن إنتاج الذهب لا يُدار بكفاءة بسبب ضعف الرقابة والفساد. وذلك فضلاً عن الدمار الشامل الذي خلفه الانتصار العسكري في ولاية الخرطوم يعني فقدان أهم المراكز الاقتصادية الرئيسية والضرائب المرتبطة بها لعدة سنوات. ومن ناحية أخرى فإن الانتصار العسكري لن يتأتى إلا بتبعات مالية طائلة ممثلة في تمويل الجيش والمستنفرَين واستيراد الأسلحة والمعدات، مما يشكل عبئاً ثقيلاً على الموارد الشحيحة، وربما يجُر التزامات خارجية تؤثر سلباً على استقلالية المسار. كما أن الجيش سيواجه أزمة حادة في توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والخدمات الصحيّة والبنية التحتية شبه المنهارة، مما يؤثر على جوهريّاً على النشاط الاقتصادي. ويعزز كلَّ هذه الضغوط الاقتصادية بفقدان الدعم الدولي، حيث إن المؤسسات المالية الدولية لا تعترف بحكومة بورتسودان الداعمة للجيش، مما يحرمها من القروض والاستثمارات. كما أن العقوبات الغربية المفروضة تعيق قدرة الحكومة على الوصول إلى أصول الدولة السودانية المجمدة في الخارج. أما من حيث التجارة الداخلية والخارجية، فإن الحل العسكري بافتراض انتصار الجيش سيخلف فقدان السودان للسوق المحلي والخارجي بسبب تبعات الحرب وانعدام الأمن، فضلاً عن تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي المؤدي إلى انخفاض الصادرات وزيادة أسعار السلع، خاصة أزمة الوقود وارتفاع تكاليف النقل المعوقة لحركة التجارة.
وبافتراض تحقيق انتصار عسكري للدعم السريع وحلفائه، فإنه سوف يواجَه بالاعتماد على اقتصاد (مافيوي) موازٍ قائم على تهريب الذهب، والنهب، والابتزاز، وربما يتلقى دعماً سريَّاً خارجيَّاً، إضافة إلى شبكات تهريب إقليمية. بيد أنه ربما لا يواجه بتحمل تكاليف لوجستية لقواته لان أغلبها تُموَّل نفسها ذاتيَّاً (لا مركزيَّاً) من موارد السيطرة الجغرافية. ويفاقم من حدة هذه المآلات الاقتصادية العزلة الاقتصادية الدولية، فالدعم السريع لا يحظى باعتراف دولي، مما يمنعه من الحصول على تمويل دولي أو استثمارات ذات مصداقية. وذلك فضلاً عن أن التعاملات المالية الخارجية للدعم السريع وحلفائه تحفها مصاعب جمّة بسبب العقوبات الدولية على شبكاته المالية. ونظراً لمحدوديّة خبرة الدعم السريع في إدارة الدولة فسيواجَه بصعوبات كبيرة في توفير الخدمات في كافة أنحاء السودان بسبب ضعف الموارد والكوادر، وانعدام البنية التحتية مما يجعل نقل الإمدادات والبضائع صعباً ومكلفاً. ومن ناحية أخرى ستواجِه الدعم السريع وحلفاءه تحديات كأداء في التحكم في الاقتصاد المحلي بسبب معاناة معظم الأسواق من الفوضى الأمنية وغياب مؤسسات الدولة، مما يحد من أي نشاط اقتصادي منظم.
أما بالنسبة للتحديات المشتركة التي ستواجه طرفي الحرب من خيار الحسم العسكري فإنهما يشتركان في مواجهة تحديات لا قبل لهما بها تشمل، فيما تشمل، انهيار قيمة الجنيه السوداني بتواصل فقدانه قدراً كبيراً من قيمته بسبب الحرب وصل إلى نحو 350%، مما يؤدي للتضخم الجامح الذي يؤجج السخط الشعبي عليهما. وتجدر الإشارة إلى ارتفاع معدلات التضخم بعد عامين من الحرب لأكثر من 400%، ووصلت نسبة البطالة إلى نحو 50%، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بـنحو 41%، وانخفضت الإيرادات العامة بنسبة تصل إلى 75%، حيث يقدر تراجع الجهد الضريبي إلى نحو 2% مقارناً بنحو 5% قبل اندلاع الحرب. كما أن انعدام الأمن وانتشار السلاح سيلقي بآثار سالبة على الاقتصاد تؤدي لهروب المستثمرين وانهيار القطاعات الإنتاجية، خاصة قطاع الزراعة المتضرر أصلاً من النزوح وانعدام الأمن، مما يؤدي لتفاقم انعدام الأمن الغذائي. كما أن الحسم العسكري سيقود كليهما لغياب النظام المصرفي الفعال نظراً للنهب والدمار الذي لحق بالبنوك مما يحصر معظم التحويلات المالية في السوق السوداء ويعيق التجارة والاستثمارات. كما أن الشركاء التجاريين للسودان سيحجمون عن التعامل مع أي من الطرفين بسبب الغموض السياسي والتردي الاقتصادي. وستؤدي كل هذه التحديات لفقدان الثقة الشعبية في طرفي الحرب بتجلي اهتمامهما بالبقاء في السلطة أكثر من إصلاح الاقتصاد. وسيشكل تدمير البنى التحتية إحدى التحديات الكأداء التي تواجه الطرف المنتصر عسكرياً حيث انهارت شبكات الكهرباء، المياه، الطرق، المدارس، والمستشفيات، إضافة إلى انهيار مؤسسات الدولة التنفيذية والمالية، ما يصعب إعادة تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. ومن ناحية أخرى فأي طرف ينتصر عسكرياً سيواجه ديوناً خارجية ضخمة تتجاوز 62 مليار دولار، معظمها متراكم من فوائد التأخير، مما يعقد أي جهود مستقبلية لإعادة الإعمار أو التنمية ويجعل إدارة الديون تحدياً مركزياً لأي حكومة منتصرة عسكرياً. ولا شك فإن الانتصار العسكري سيورث من يحققه كارثة إنسانية غير مسبوقة بسبب النزوح الجماعي للسكان، ونقص الغذاء والمياه والأدوية، وتفاقم الأوضاع الصحية، مما يتطلب استجابة عاجلة وموارد ضخمة غير متوفرة لإعادة الاستقرار المجتمعي. وفوق كل ذلك فإن الطرف المنتصر عسكرياً سيواجه بعزلة ومقاطعة دولية تفاقم ضعف الثقة المحلية والدولية بسبب تواصل الحكم العسكري وغياب حكومة مدنية موحدة مما يؤدي لحرمان السودان من الدعم المالي والمنح والقروض الدولية الضرورية لتخفيف الديون وإعادة الإعمار. ويُرجَِّح أن يؤدي ذلك إلى انفجار الاضطرابات الأمنية والسياسية التي ربما تجعل استمرار الطرف المنتصر حاكماً للسودان صعب التحقيق.
تشير هذه المآلات الاقتصادية القاتمة الناتجة عن الانتصار الافتراضي لأي من طرفي الحرب في إطار الحل العسكري إلى حتمية اللجوء لخيار الحل التفاوضي. ذلك أن اقتصادات كسر العظم لإنهاء الحرب الكارثية في السودان تبرز ضرورة اللجوء للحل السياسي كسيناريو أقل تكلفة وأكثر واقعية اقتصادية لجميع الأطراف، وفوقهم كلهم أقل تكلفة للشعب السوداني الذي دخلت معاناته من ويلات هذه الحرب الفاجرة عامها الثالث. حيث إن اختيار طرفي الحرب لوسيلة إنهائها يجب ألا ينحصر فقط في الموازين العسكرية الوهميَّة، بل يجب أن يُبنَى الخيار على حسابات اقتصادية دقيقة تتعلق بالخسائر والمكاسب واستدامة النتائج. وعليه يتحتم على الجيش والدعم السريع وكذلك القوى المدنية فهم أبعاد الاقتصاد السياسي لمآلات الحرب، وما يوفره الاقتصاد السياسي من فرص، أو يلحقه من ضرر قبل الاندفاع الاشتهائي نحو الحل العسكري المُتَوَهَّم الذي يعود عليهما وعلى الشعب السوداني بمآلات وَبِيلة.
melshibly@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحل العسکری الدعم السریع طرفی الحرب کما أن ة بسبب
إقرأ أيضاً:
ميقاتي يُنقذ بلدية طرابلس من الـحلّ
دخل الرئيس نجيب ميقاتي على خط أزمة مجلس بلدية طرابلس، ليقنع الأعضاء المُستقيلين بالتراجع، وبالتالي إنقاذ المجلس من الحَلّ، وإعطائه فرصة 100 يوم.وكتبت لينا فخر الدين في" الاخبار": نجا مجلس بلدية طرابلس المنتخب من الحَلّ، بعد نجاح مساعي فاعليّات المدينة في إقناع الأعضاء الـ 12 (11 من لائحة «نسيج طرابلس» وإبراهيم العبيد من لائحة «حراس المدينة») بالعدول عن استقالاتهم التي قدّموها قبل 10 أيام.
وتُرجم ذلك في صورة جامعة لأعضاء المجلس في دار الفتوى، إذ تمّ توقيع خارطة طريق لـ100 يوم برعاية مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام.
ورغم الإعلان عن عودة الأعضاء للعمل بعد احتجاجهم على انتخاب عبد الحميد كريمة رئيساً للمجلس عبر «تهريب» صوتٍ من لائحة «نسيج»، إلّا أنّ المعنيّين لم يُفصحوا علناً عن مضمون «الدّيل» الذي حُلّت الأزمة على أساسه.
ويقول متابعون إنّ الحل كان بضمانة وصول رئيس لائحة «نسيج» وائل زمرلي إلى رئاسة اتحاد بلديات الفيحاء (تضمّ طرابلس والبداوي والميناء والقلمون)، إضافةً إلى إعطاء الأعضاء الـ 12 حصّة وفيرة من اللجان (نحو 12 لجنة).
في المقابل، يقول هؤلاء إنّ هذا الخيار طُرح سابقاً (بما فيه وعد بإعطائهم نائب الرئيس، وتمّ التراجع عنه بانتخاب خالد كبارة، دون أن يتبيّن ما إذا كان سيبقى لولاية كاملة أو لثلاث سنوات فقط)، وحتّى قبل تقديم الأعضاء لاستقالاتهم.
إلا أنّهم تمسّكوا بالرفض، خصوصاً أنّ كريمة كان واقعياً بإشارته إلى أنه لا يستطيع أن يضمن وصول زمرلي إلى رئاسة الاتحاد ما دام لا موافقة سياسية على الأمر. كما عاد النائب فيصل كرامي إلى عرض مسعىً مشابه الأحد الماضي، يتضمّن إعطاء فرصة للمجلس ثلاثة أشهر، مع إمكانية المُساعدة في وصول زمرلي إلى رئاسة الاتحاد، بما أنّ كرامي يمتلك حصّة فيه، غير أنه جُوبه بالرفض أيضاً.
وعليه، فإنّ عودة الأعضاء المستقيلين، والتي ضمنت تفعيل المجلس وعدم حلّه، قُرئت في طرابلس على أنها «رجوع خطوات إلى الوراء» لزمرلي ومجموعته لأكثر من سبب، من بينها الضغط الشعبي النّاقم على تعطيل المجلس، بعد توقيع جميع المرشحين تعهّداً لدى إمام قبل انتخابهم بأنهم سيعملون على تسهيل مهمّة المجلس بغضّ النّظر عن هوية الفائز. وإضافةً إلى ذلك، وصلت إشارات إلى بعض المعنيّين بإمكانية التراجع نحو ثلاثة أعضاء عن استقالاتهم والانضمام إلى المجلس الذي يرأسه كريمة، ما يعني خسارة مدوية لزمرلي.
إلّا أنّ أهم الأسباب، بحسب الشخصيات السياسية الطرابلسية وعدد من الأعضاء، هو دخول الرئيس نجيب ميقاتي على خطّ الأزمة والضغط على زمرلي لإقناعه بالعدول عن قراره، قبل أن يتمنّى على إمام أن يُساهم في إخراج الخطوات العملانيّة واستقبال الأعضاء لتظهير الصورة الجامعة...
وتشير المعطيات إلى أنّ عدداً من فاعليّات المدينة اتّصلوا بميقاتي، طالبين منه التدخل لعدم حَلّ المجلس البلدي، خصوصاً أنه لا مصلحة لديه في ذلك، ليبدأ بدوره سلسلة اتصالات مع الأعضاء الـ 12 نقل فيها كلاماً عن وزير الداخلية والبلديات، أحمد الحجار، بأنّ قرار الدعوة للانتخابات ليس سهلاً كما يتصوّره البعض، وإنّما يتعلّق بموافقة أكثر من طرف، ومن بينها ستّ وزارات أساسية.
وهو ما يعني عدم القدرة على الدعوة خلال شهرين من موعد استقالة المجلس وإبقاء طرابلس من دون مجلس لفترةٍ طويلة. وإضافةً إلى ذلك، وعد ميقاتي زمرلي بتسهيل وصوله إلى رئاسة الاتحاد.
كما ساهمت بعض الجمعيات الإسلامية القريبة من لائحة «نسيج» في الضغط على الأعضاء، قبل أن تنجح مساعي ميقاتي.
ويقول متابعون إنّ أكبر الخاسرين كان النائب إيهاب مطر الذي فقد «مَونَته» على لائحةٍ دعمَ أعضاءها، من دون أن يكون بمقدوره إقناعهم بالثبات على موقفهم في الاستقالة، بينما كان يُفضّل إعادة الانتخابات بناءً على حساباته التي تشير إلى إمكانية تحقيق مكاسب أكبر.
وهو ما لم يكن مقنعاً بالنسبة إلى عددٍ من أعضاء «نسيج» الذين فضَّلوا السَّير بتوافق يضمن تفعيل المجلس وإراحة المدينة.
في المقابل، يُشدّد متابعون على أنه لا التزام نهائياً بالوعد المُعطى لزمرلي بانتخابه رئيساً لاتحاد الفيحاء، وإن كان بعض السياسيّين ضمن له الأمر. وأكبر دليل على ذلك أنه لم تتمّ مفاتحة رؤساء البلديات جدّياً في الموضوع، بينما يتردّد أنّ أحدهم يرغب بالترشح. ويضاف إلى ذلك، عدم استساغتهم فكرة أن يرأس عضو مجلس بلدية اتحاداً، يتألّف مجلسه من رؤساء بلديات.
مواضيع ذات صلة ميقاتي تقدّم بالتهنئة من رئيسيّ بلديتيّ طرابلس والميناء: المرحلة المقبلة ستشهد عملا بلدياً فاعلاً Lebanon 24 ميقاتي تقدّم بالتهنئة من رئيسيّ بلديتيّ طرابلس والميناء: المرحلة المقبلة ستشهد عملا بلدياً فاعلاً