كلما وقع انقلاب عسكري في إحدى المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا، تتجه الأنظار مباشرة إلى باريس، بحثا عن دورها المحتمل في تلك الأحداث، بالنظر إلى الروابط العميقة التي تجمعها مع الأنظمة الحاكمة هناك، والمصالح الاقتصادية والسياسية المتجذرة في تلك البلدان.

فقد حافظت فرنسا على هذه المصالح عن طريق اتفاقات ومعاهدات وترتيبات مع مستعمراتها السابقة، ولا تزال بعض هذه الروابط قائمة حتى اليوم، مثل استخدام دول غرب أفريقيا العملة الفرنسية "الفرنك الأفريقي" (CFA) التي فرضتها فرنسا خلال أربعينيات القرن الماضي.

ورغم أن العلاقات بين فرنسا ومستعمراتها الأفريقية السابقة استمرت بعد الاستقلال عبر قنوات علنية في السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والأمن، فإنها تطورت مع مرور الوقت إلى سياسة خاصة عُرفت باسم "فرنسا الأفريقية" (Françafrique)، والتي تشمل قنوات سرية وشبكات خاصة وأشخاصا مميزين وطقوسا مغلقة.

جاك فوكار (يسار) رفقة الرئيس الفرنسي شارل ديغول في باريس سنة 1963 في استقبال المحاربين الأفارقة القدامى (غيتي) "مستر أفريقيا"

على مدار عقود، تجسدت هذه السياسة في شخصية واحدة هي جاك فوكار (1913-1997)، الذي كان يُعرف في دوائر صنع القرار الفرنسي بـ"مستر أفريقيا".

بدأ فوكار بتعزيز علاقاته مع الجنرال شارل ديغول خلال الحرب العالمية الثانية، وكان من مؤيدي سياساته الاستعمارية، خاصة في الجزائر.

وساهم لاحقا في عودة ديغول إلى الحكم عام 1958، فاختاره ليكون أول وزير دولة للشؤون الأفريقية في حكومة الجمهورية الخامسة سنة 1960، وهو المنصب الذي احتفظ به حتى عام 1974 في عهد الرئيس جورج بومبيدو.

إعلان

وخلال فترة الرئيس فاليري جيسكار ديستان (1974-1981)، واصل فوكار أداء دوره في السياسة الأفريقية، وإن كان من خلف الكواليس، من خلال شبكة علاقات سرية ومصالح مترابطة مع عدد من القادة الأفارقة.

وفي عهد الرئيس فرانسوا ميتران (1981-1995)، ظل فوكار شخصية محورية في العلاقات بين فرنسا وأفريقيا رغم عدم توليه أي منصب رسمي، إذ استمر في تقديم المشورة بشأن سبل الحفاظ على النفوذ الفرنسي في القارة.

ومع وصول جاك شيراك إلى الحكم، واصل فوكار تقديم دعمه الإستراتيجي حتى وفاته عام 1997.

الغموض والقوة

يُعد فوكار حالة فريدة في تاريخ الجمهورية الخامسة، إذ ظل في قلب السلطة طوال 4 عقود.

ويصفه الصحفي الاستقصائي الفرنسي بيير بيان، في كتابه "رجل الظل"، بأنه "أكثر الشخصيات غموضا وتأثيرا في الجمهورية الخامسة".

وقد وصفته مجلات مختصة بالشأن الأفريقي مثل جون أفريك بألقاب متعددة، منها "أمير الظل"، و"رجل المهمات القذرة"، و"صانع المخبرين". أما مدير تحرير المجلة فرانسوا سودان، فاعتبره "حارس أسرار فرنسا في أفريقيا" و"ساحرا لا يرحم" في تعامله مع الرؤساء والمتمردين على حد سواء.

مصالح متبادلة

خدم فوكار المصالح الاستعمارية الفرنسية مستخدما مختلف الوسائل لضمان بقاء الأنظمة الموالية لباريس في السلطة.

وأشار الإعلامي التونسي عبد العزيز دهماني إلى أن فوكار لعب دورا حاسما في استمرار حكم عديد من الزعماء الأفارقة، مثل فيليكس أوفوي بوانيي رئيس كوت ديفوار، وعمر بونغو رئيس الغابون.

كما كشف السياسي والمحامي الفرنسي من أصل لبناني روبير برجي، في مذكراته، عن أن فوكار كان يُشرف على تدفقات مالية من دول أفريقية لدعم مرشحين سياسيين في الانتخابات الفرنسية، مما يُبرز بوضوح المصالح المتبادلة بين بعض الحكام الأفارقة والنخبة السياسية الفرنسية.

الاغتيالات والقضايا الغامضة

أثيرت كثير من التساؤلات حول دور فوكار في قضايا شائكة مثل اغتيال المعارض الكاميروني فيليكس موميي عام 1960، والتدخلات العسكرية الفرنسية في الغابون.

إعلان

وقد اعترف فوكار -في مذكراته "فوكار يتحدث"- بأنه كان مطلعا على تفاصيل بعض هذه الأحداث، لكنه نفى تورطه المباشر.

كما طُرحت تكهنات بشأن ضلوعه أو ضلوع فرنسا في اغتيال المعارض المغربي المهدي بن بركة في باريس عام 1965، وكذلك في اغتيال رئيس بوركينا فاسو توماس سانكارا عام 1987، لكن هذه القضايا لا تزال تكتنفها السرية والغموض.

التحولات السياسية الفرنسية في أفريقيا

رغم رحيل فوكار عام 1997 حاملا معه أسرارا كثيرة عن دور باريس في الشأن الأفريقي، فقد استمرت السياسات الفرنسية في القارة على النهج ذاته لفترة غير قصيرة، قبل أن تبدأ بالتراجع التدريجي مع تولي نيكولا ساركوزي الحكم عام 2007، وهو التوجه الذي تعزز في عهد فرانسوا هولاند.

ومع الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، باتت سياسة "فرنسا الأفريقية" موضوعا لانتقادات واسعة، وارتفعت أصوات تطالب بإنهاء هذا الإرث الاستعماري القديم.

ولو قُدّر لفوكار أن يعود إلى الحياة اليوم، لدُهش من هذه التحولات التي تنذر بإغلاق فصل طويل من تاريخ فرنسا في أفريقيا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی أفریقیا

إقرأ أيضاً:

حروب المستقبل: الدرونز والمعضلة الأمنية في أفريقيا

يُظهِر هجوم “شبكة العنكبوت” الأوكراني في الأول من يونيو 2025 بطائرات مسيّرة على قواعد جوية روسية مدى فعالية الطائرات المسيّرة المسلحة، سواءً داخل ساحة المعركة أو خارجها. هذا التحول في طبيعة الحروب الحديثة لم يقتصر على أوروبا الشرقية، بل امتد تأثيره إلى القارة الأفريقية، حيث باتت الطائرات المسيّرة تلعب دورًا متزايدًا في النزاعات المسلحة. فقد أصبحت ساحات القتال الأفريقية، من ليبيا إلى منطقة الساحل وقرن أفريقيا، مسرحًا لتجارب جديدة في استخدام هذه التكنولوجيا، سواء من قبل الجيوش النظامية أو الجماعات المسلحة غير الحكومية. ولم تعد الطائرات المسيّرة مجرد أداة استطلاع، بل تحولت إلى عنصر حاسم في تغيير موازين القوى، وإعادة تشكيل المشهد الأمني في القارة، ما يفرض تحديات جديدة على الدول الأفريقية ويثير تساؤلات حول مستقبل الأمن والاستقرار في ظل تصاعد سباق التسلح التكنولوجي .
تطور تكنولوجيا المسيرات: الحرب عن بعد

تم تطوير الطائرات المسيّرة في البداية لأغراض الاستطلاع العسكري والمراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية في أوائل القرن العشرين، حيث ظهرت أولى النماذج في إنجلترا عام 1917، ثم تطورت لاحقًا في الولايات المتحدة وألمانيا، واستخدمت في البداية كأهداف تدريبية للمدفعية وأغراض المراقبة الجوية. وخلال الحرب العالمية الثانية، زُوِّدت بعض هذه الطائرات بالقنابل والصواريخ، واستخدمتها الولايات المتحدة في الأغراض التدريبية وكصواريخ موجهة، لكنها لم تكن مخصصة بشكل مباشر لمواجهة اليابانيين، بل كان استخدامها العسكري في تلك الفترة يتركز على التدريب وبعض المهام الهجومية المحدودة.

بيد أن دور الطائرات المسيرة برز واضحًا في جمع المعلومات الاستخباراتية بعد حرب فيتنام، ومع مطلع الثمانينيات، بدأت القوات الجوية الأمريكية والإسرائيلية في دمج هذه الطائرات ضمن خططها القتالية، ما أدى إلى توسع استخدامها في العمليات العسكرية وعمليات الاستهداف الدقيق، خاصة من قِبل إسرائيل والولايات المتحدة. ومع هجمات 11 سبتمبر 2001، أصبحت الطائرات المسيرة أداة مركزية في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية لشن الحروب الخارجية وتنفيذ عمليات القتل المستهدف.

وجدير بالذكر أن فعالية الطائرات المسيرة تعتمد على بنية تحتية بشرية ومادية متكاملة، تشمل أنظمة القيادة والتحكم، ومرافق الصيانة والتدريب، إضافة إلى منصات الإطلاق ومراكز جمع البيانات الاستخباراتية. وقد تتنوع هذه البنية التحتية بين حاويات شحن متنقلة يمكن نشرها وتشغيلها بسرعة، أو بنى تحتية ضخمة شبيهة بالمطارات تُستخدم لصيانة الطائرات وتخزينها وتوفير مرافق القيادة والتحكم والتدريب. ويلاحظ أن التحول المحوري هنا والذي يؤثر على مستقبل الحروب الحديثة يتمثل في أن هذه “التقنيات” تُمكّن مُشغّليها من البقاء بعيدًا عن ساحات القتال، حيث يُمكنهم اتخاذ قرار القتل أو إنقاذ الأرواح، مما يُقوّض أخلاقيات الحرب من خلال تمكين عمليات القتل خارج نطاق القضاء، والمخاطرة بأرواح المدنيين، وتقويض المساءلة والكرامة الإنسانية من خلال القتال عن بعد.
أفريقيا وحرب المسيّرات

تشهد أفريقيا توسّعًا سريعًا في مجال الطائرات المسيّرة من حيث التصنيع والنشر والاستخدام من قبل أطراف حكومية وغير حكومية، مما يُبرز مجموعةً مُعقّدةً من الجهات الفاعلة والوكلاء. ومن المعروف أن الطائرات المسيّرة لا تُوفّر أثناء القتال معلوماتٍ استخباراتيةً وقوةً فتّاكةً فحسب، بل تُمكّن الجماعات المسلحة غير الحكومية من نشر الدعاية والسرديات المضادة على نطاقٍ واسعٍ وسريع.

من الشائع في التقارير الإعلامية القول بأن الولايات المتحدة ليس لها وجود يُذكر في أفريقيا، وأن لديها قاعدة عسكرية واحدة فقط، وهي معسكر ليمونيه في جيبوتي. إلا أن الحقيقة هي أن الجيش الأمريكي يحتفظ بحوالي 52 قاعدة عسكرية في أفريقيا؛ من بينها 10 قواعد تُستخدم كقواعد للطائرات المسيرة. ولا يشمل هذا العدد القواعد التي كانت موجودة في النيجر. ويبدو أن الإدارة الأمريكية في طريقها للحصول على قاعدة في كوت ديفوار بعد خروجها من النيجر العام الماضي. وقد استمر الاستخدام العسكري للطائرات المسيّرة في التزايد في السنوات الأخيرة، سواءً للتجسس على الناس أو لتفجيرهم. وغالبًا ما تُطلق هذه الطائرات من قواعد قريبة نسبيًا من أهدافها، ولكن يتم توجيهها من قواعد أخرى أبعد بكثير، عادةً في الولايات المتحدة.

وفي حين أن بعض القواعد العسكرية، مثل مطار شابيلي في جيبوتي، تُستخدم كمنصات لنشر الطائرات المسيرة، فإن بعض البنى التحتية مخصصة حصريًا لعمليات الطائرات المسيرة. وقد بُنيت هذه القواعد واستخدمت في دول أفريقية مختلفة من قبل دول غربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا. ومع ذلك، وعلى الرغم من عدم امتلاكها لقواعد طائرات المسيرة، فإن دولًا أخرى، مثل تركيا، تُنفذ ضربات بطائرات مسيرة في بعض الدول الأفريقية، على سبيل المثال، لتوفير الدعم الجوي للقوات الحكومية الصومالية. ومن أبرز الأمثلة الأخرى على تنامي استخدام مفهوم الحرب عنن بعد من قبل القوى الدولية في أفريقيا أن أكثر من 40% من الضربات الجوية لعملية برخان في بوركينافاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر نُفذت في مرحلة ما باستخدام طائرات مسيّرة؛ ومن الجدير بالذكر أن قواعد الطائرات المسيّرة في النيجر كانت حاسمة للعملية .
أفريقيا والكابوس الأمني الجديد

على أن للقصة وجهًا آخر قد يغير من قواعد اللعبة في الصراعات الأفريقية. لقد حصلت حتى الآن حوالي تسع جماعاتٍ مسلحة في أفريقيا على طائراتٍ مسيّرةٍ عسكريةٍ – في بوركينافاسو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وكينيا، وليبيا، ومالي، وموزمبيق، ونيجيريا، والصومال، والسودان. وهذا يُشير إلى اتساع نطاق استخدام الطائرات المسيّرة لمهامٍ مُتعددة من قبل أطراف غير حكومية. ولا يخفى أن هذه التقنيات الحديثة تمكن الجهات الفاعلة من إبراز قوتها جوًا وبرًا. كما أن رخص أسعار الطائرات المسيرة ونقل الخبرة بين الجماعات المسلحة وفروعها يزيد من احتمالية دمجها في ترساناتها العسكرية. وجدير بالذكر أن هذه الجماعات، بما فيها تنظيم داعش، كانت من أوائل الجهات التي اعتمدت تكنولوجيا الطائرات المسيّرة في الشرق الأوسط.

وتُظهر الطائرات المسيّرة بوضوح سهولة نقل وامتلاك هذه التكنولوجيا. إذ تستخدم الجيوش الأفريقية والجماعات المسلحة غير الحكومية سواء بسواء الحكومية نماذج من هذه المسيّرات – مما يُسهم في سد الفجوة بين قدرات كل منهما (الحقيقية أو المُتصورة). وإلى جانب الضرر المادي الذي تُلحقه الطائرات المسيّرة، هناك قيمتها الدعائية – وهو مجال جذب اهتمامًا إعلاميًا وأكاديميًا أقل بكثير من مهام الضربات الجوية التي تقودها الطائرات المسيّرة. في حين أن الحكومات تمتلك آلتها الدعائية المجهزة جيدًا، هناك طريقتان تستخدمهما الجماعات المسلحة غير الحكومية للطائرات المسيّرة للتأثير.

أولًا، التأثير النفسي، إذ أن مجرد الادعاء باستخدام الطائرات المسيّرة يُرسل رسالة نفسية مهمة. وينطبق هذا بشكل خاص على “سباق التسلح”، حيث يُزود الوكلاء الجماعات المسلحة بطائرات مسيّرة، مما يُمكّنهم من إبراز قوتهم بما يتجاوز قدراتهم الحقيقية. وعليه فإن المكانة والهيبة المرتبطتين بامتلاك الطائرات المسيّرة يمكن أن تصبح في حد ذاتها هدفًا رئيسيًا، وفقًا لمقتضيات الحرب النفسية.

ثانيًا، تُستخدم الطائرات المسيرة كأدوات لجمع المعلومات، حيث توفر مقاطع فيديو وصورًا ثابتة وصوتية لمشاركتها عبر الإنترنت وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتوجد أمثلة على كلا النوعين في أفريقيا. فقد قادت ميليشيا الدعم السريع في السودان، حربًا بالطائرات المسيرة كانت لها آثار مدمرة. وقد منحتهم هذه التكنولوجيا نجاحات تكتيكية ورمزية، مما قد يشجع بعض الجماعات الأخرى في القرن الأفريقي أو الساحل على التوسع في استخدام هذه التقنية العسكرية. ومع نجاح الحوثيين في استخدام حرب المسيرات فقد تتوسع دعاية حركة الشباب باستخدام الطائرات المسيرة مع تعميق علاقاتها مع جماعات مسلحة أخرى، ولا سيما الحوثيين.
المسيّرات وتنامي خطر الإرهاب

ليس بخافٍ أن لأدوات الاتصال والصور المرئية قيمة رمزية كبيرة. في حالة داعش وأخواتها من الجماعات التابعة لها، وجد الباحثون أن صور الطائرات المسيّرة تُشكل عنصرًا مهمًا في آلة الدعاية الإعلامية الخاصة بها. وبينما احتكرت الدول تقليديًا السيطرة على المجال الجوي، فإنهم يجادلون بأن الطائرات المسيّرة التي تُشغلها جهات مسلحة غير حكومية يمكن أن تُقوّض رمزيًا السلطة السيادية للدولة. وبالمثل استغلت حركة الشباب في الصومال هذه التكنولوجيا. ففي عام 2016 قدمت صور طائرة مسيّرة عسكرية تم إسقاطها، عُرضت على قنوات أخبار الجماعة، مؤشرًا على إمكانات الطائرات المُسيّرة في الدعاية – إما بامتلاكها أو باختطاف الأصول الجوية للعدو والتباهي بذلك علنًا. وبالطبع تستخدم الجيوش الحكومية النظامية نفس التكتيك. علاوة على ذلك، أظهرت لقطات فيديو لهجوم خليج ماندا المميت في يناير 2020 في كينيا أن الجهاز الإعلامي لحركة الشباب ماهر بشكل خاص في عمليات الحرب النفسية، وفقًا لمركز مكافحة الإرهاب. في الواقع، قد يتوسع برنامج الدعاية للطائرات المسيّرة التابع لحركة الشباب مع تعميق علاقاتها مع جهات أخرى.

أما في منطقة الساحل، تُجري جماعات مثل بوكو حرام وداعش (ولاية غرب أفريقيا) تجارب أيضًا على مقاطع فيديو دعائية تُنشر عبر الطائرات المسيرة. ولا تُستخدم هذه المقاطع فقط كأداة للتجنيد، بل أيضًا لإظهار البراعة التكنولوجية، مما يُعزز شرعية الجماعة وقوتها. كما قد تُساعد في جمع الأموال من خلال تصوير الجماعة على أنها متقدمة تكنولوجيًا. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجد معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح عام 2024 أن قوات التحالف الديمقراطي استخدمت الطائرات المسيّرة لتسجيل مقاطع فيديو والتقاط صور لمعسكراتها لأغراض دعائية. واستند هذا التقييم إلى مقابلات مع مقاتلين سابقين ومختطفين سابقين من خلال فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بجمهورية الكونغو الديمقراطية.

بالإضافة إلى جمع مقاطع فيديو أو صور ثابتة عبر الطائرات المسيّرة لأغراض التأثير أو تحديد المواقع الاستراتيجية، يُمكّن الذكاء الاصطناعي من مضاعفة مكاسب الدعاية بشكل كبير. إذ أن إدخال الصور إلى الإنترنت يساعد على ترشيد إنتاجهم الدعائي ونشره على نطاق واسع.

ختامًا، يمكننا القول إن المنظمات الإرهابية في أفريقيا تتجه نحو توسيع نطاق استخدام الطائرات المسيّرة في سيناريوهات متعددة، مدفوعة بتطورات تكنولوجية وتكتيكات مستوحاة من النزاعات العالمية مثل الحرب الأوكرانية-الروسية. وتشير التوقعات إلى أن هذه الجماعات سوف تطور اعتمادها على الطائرات المسيّرة في الهجمات المنسقة واسعة النطاق، مستفيدة من تقنيات “الأسْراب الذكية” القادرة على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي عبر الهجمات المتزامنة، كما ظهر في هجوم “شبكة العنكبوت” الأوكراني الذي استهدف قواعد جوية في العمق الروسي. ومن المتوقع أيضًا أن تُدمج الجماعات الإرهابية تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة الاستهداف، خاصة في الهجمات على البنى التحتية الحيوية مثل محطات الطاقة وخطوط الأنابيب، وهو ما تم توثيقه في هجمات سابقة في أفريقيا.

ومن المرجح أن تستمر الجماعات في توظيف الطائرات المسيّرة لأغراض الدعاية، حيث تُستخدم لتصوير الهجمات وتحركات القوات لنشر الرعب وجذب المزيد من الأنصار، كما فعلت حركة الشباب في الصومال والحوثيون في اليمن. وفي السياق الأفريقي، قد تشهد الفترة المقبلة تصاعدًا في استخدام الطائرات المسيّرة المحلية الصنع، التي تُطورها الجماعات بالتعاون مع شبكات إقليمية، مما يزيد من صعوبة تعقبها نظرًا لانخفاض تكلفتها وعدم احتياجها لبنى تحتية معقدة.

وقد اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة العديد من القرارات التي تُعالج إساءة استخدام الطائرات المسيّرة، ولكن ينبغي أن تُركّز الإجراءات المستقبلية على الرصد والتوعية بالمخاطر، مع مراعاة الفوائد التنموية لتكنولوجيا الطائرات المسيّرة.

وقد تضمنت مبادرةٌ لإطلاق مذكرة برلين بشأن الممارسات الجيدة لمكافحة استخدام الإرهابيين للطائرات المسيّرة ندواتٍ إلكترونيةً وتوعيةً عامةً أوسع. ولكن في أفريقيا، حيث ينتشر تهريب الأسلحة، قد يكون الاتجار غير المشروع بأجزاء الطائرات المسيرة جديرًا بمزيدٍ من الدراسة.

إنّ صعوبة كشف أو اعتراض الطائرات المسيّرة المهربة، مثل تلك التي نشرتها أوكرانيا مؤخرًا، تُذكّر بمدى فعالية الطائرات المسيّرة المُسلّحة.

أ. د. حمدي عبد الرحمن حسن – بوابة الأهرام
أستاذ العلوم السياسية في جامعتي زايد والقاهرة

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الأردن في قلب العاصفة: سياسة الحكمة بدل التهور والمغامرة
  • تقرير دولي: أكثر من نصف عدد عمالة الأطفال بالعالم في أفريقيا
  • حروب المستقبل: الدرونز والمعضلة الأمنية في أفريقيا
  • لتعزيز الدعم الأوروبي للدنمارك.. الرئيس الفرنسي ماكرون يصل جرينلاند
  • بعملية «قاع الظلام».. 3.5 مليون قرص كبتاجون في قبضة شرطة الشارقة (فيديو)
  • أمير دولة قطر يبحث هاتفيًا مع الرئيس الإيراني العلاقات بين البلدين وتطورات الأوضاع الإقليمية والدولية
  • أمير قطر يجري اتصالا مع الرئيس الإيراني
  • اغتيال الجنرال كليبر..طعنة في قلب الحملة الفرنسية على مصر.. ماذا حدث؟
  • أول نشاط سياسي للحريري... بلا سياسة!
  • عاجل | الديوان الأميري القطري: أمير قطر تلقى اتصالا من الرئيس الأميركي بحثا فيه التطورات خاصة هجوم إسرائيل على إيران