في مساء شتوي هادئ من يناير/كانون الثاني 2024، وبينما كانت عائلة فلسطينية تجتمع أمام أحد البيوت في بلدة طمون بشمال الضفة الغربية، انقلب الهدوء إلى مأساة؛ طائرة إسرائيلية من دون طيار أطلقت صاروخا أسفر عن مقتل 3 من أقارب العائلة.

الضحايا الثلاث أبناء عمومة وهم: حمزة (8 أعوام)، ورضا (10 أعوام)، وآدم (23 عاما)، في مشهد وصفه شهود عيان بأنه يشبه مشاهد المجازر في قطاع غزة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 24 نسوة: آن لفرنسا وأوروبا أن تقولا لا لإسرائيلlist 2 of 2يديعوت أحرونوت: لماذا تشتد هجمات الحوثيين الصاروخية على إسرائيل؟end of list

هرعت إيمان بشارات (والدة حمزة) إلى خارج منزلها على وقع الانفجار، لتجد جسد ابنها ممزقا بشظايا، ورأس ابن عمه رضا مفتوحا تنسكب منه أجزاء دماغه. أما آدم ففارق الحياة بين ذراعيها.

"كان كل شيء يطير.. شظايا ودماء، كأن السماء نفسها انفجرت"، هكذا تقول إيمان بصوت متهدج، وتضيف "ما رأيته كان كابوسا من غزة، لكنه حدث هنا، أمام منزلي".

أصدقاء وأقارب حمزة ورضا وآدم يقفون مع صورهم التي وضعت لإحياء ذكراهم في موقع الغارة في بلدة طمون (الفرنسية) تصعيد غير مسبوق

وأورد تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز أن إسرائيل كثفت منذ هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عملياتها العسكرية في الضفة الغربية.

ورغم أن الأنظار تركزت على غزة، فإن الأرقام تشير إلى أن الضفة شهدت أيضا تصعيدا خطيرا. فقد قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 900 فلسطيني في الضفة منذ ذلك التاريخ، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وذلك ما يجعل العامين 2023 و2024 الأكثر دموية للفلسطينيين في الضفة منذ بدأ تسجيل البيانات في عام 2005.

وذكر التقرير أن الجيش الإسرائيلي، الذي أوقف استخدام الضربات الجوية في الضفة منذ 17 عاما، عاد إلى هذه السياسة في يونيو/حزيران 2023، لكنه زاد منها بعد هجوم حماس.

وامتدت هذه العمليات إلى استخدام المروحيات، وأحيانا الطائرات الحربية، كما حدث في مخيم طولكرم، بالإضافة إلى نشر دبابات في عمليات عسكرية داخل مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم.

إعلان ما وراء السياسة

وتبرر الحكومة الإسرائيلية، التي تعد الأكثر يمينية في تاريخ البلاد، بقيادة بنيامين نتنياهو، هذا التصعيد بالحاجة إلى مواجهة "تهديدات متصاعدة" في مناطق فقدت فيها السلطة الفلسطينية سيطرتها.

لكن محللين قالوا لفايننشال تايمز إنهم يرون أن جزءا من التصعيد يعود إلى ضغوط سياسية يمارسها حلفاء نتنياهو من أقصى اليمين، أمثال بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير الداعين إلى ضم الضفة الغربية وتعزيز القبضة العسكرية عليها.

"بعض هذا التصعيد له دوافع عملياتية، لكن هناك بلا شك أهداف سياسية وراءه. فعندما تستخدم إسرائيل طائرة F-16 ضد مخيم لاجئين كان يمكن استهدافه بطائرة مسيرة، فهذا ليس فقط لأسباب عسكرية"، كما يقول إبراهيم دلالشة مدير مركز الأفق للدراسات السياسية في رام الله.

جنود إسرائيليون بمخيم نور شمس حيث بدأ هدم منازل الفلسطينيين (الفرنسية) تدمير ممنهج ومعاناة يومية

وأوضح التقرير أن الهجمات الجوية ليست الوحيدة التي تغير وجه الحياة في الضفة، إذ شملت الحملة العسكرية الإسرائيلية تدمير منازل وطرق، وتشريد آلاف الفلسطينيين، إضافة إلى فرض أكثر من 800 حاجز ونقطة تفتيش جديدة، مما جعل التنقل الداخلي مغامرة محفوفة بالمخاطر.

وفي الوقت نفسه، ارتفعت وتيرة عنف المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين، حيث سجلت الأمم المتحدة أكثر من 2,200 هجوم شمل الاعتداء على المدنيين، وإتلاف الممتلكات، وقطع الأشجار، ودفع مجتمعات رعوية بأكملها إلى النزوح.

نحو "غزة جديدة"؟

ونقل تقرير فايننشال تايمز عن منظمات حقوق الإنسان تحذيرها من أن إسرائيل تطبّق تكتيكات الحرب على منطقة تخضع لقوانين الاحتلال، وليس لساحة نزاع مفتوح.

ونسب التقرير إلى إيتان دياموند، خبير القانون الدولي الإنساني في مركز ديكونيا في القدس، قوله إن "ما يحدث في الضفة هو عسكرة مفرطة للحياة المدنية، واستخدام الضربات الجوية وتدمير البنية التحتية بشكل واسع يتعارض تماما مع قوانين إنفاذ القانون في الأراضي المحتلة".

فلسطينيون في مخيم نور شمس للاجئين بطولكرم يغادرون المنطقة في 2 مايو/أيار 2025 بعد أن أبلغهم الجيش بأنه سيهدم منازلهم (الأناضول) خوف دائم

وذكر التقرير أن أهالي الضفة لم تعد لديهم أماكن آمنة. فقد قالت إيمان بشارات "كنا نخاف من الخروج من المنزل… اليوم، نخاف ونحن داخله. إذا تمكنوا من قتل أطفالنا بلا سبب، فلا يوجد ما يمنعهم من فعل أي شيء آخر".

إعلان

وختم بالقول إنه في ظل هذا التصعيد، وبين فشل المسارات السياسية وتزايد العنف، يعيش الفلسطينيون في الضفة الغربية واقعا يتشابه شيئا فشيئا مع ذلك الذي في غزة، لكن من دون أن يراه العالم بالوضوح ذاته.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات الضفة الغربیة فی الضفة

إقرأ أيضاً:

تصاعد وتيرة الاستيطان بالضفة الغربية المحتلة.. 22 مستوطنة جديدة خلال أشهر قليلة

تتواصل وتيرة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، حيث أعلنت الحكومة الإسرائيلية رسميًا عن إقامة 22 موقعًا استيطانيًا جديدًا، في خطوة وُصفت بأنها تصعيد غير مسبوق منذ سنوات، رغم اعتبار المجتمع الدولي تلك المستوطنات "غير قانونية" بموجب القانون الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية. اعلان

وبحسب التقارير، فإن بعض هذه المواقع كانت قائمة سابقًا دون اعتراف رسمي من الحكومة الإسرائيلية، مثل مستوطنة "حافوت يائير"، التي سيبدأ سكانها الآن بالحصول على خدمات المياه والكهرباء والتمويل من الدولة، مما يمنحها وضعًا قانونيًا فعليًا في النظام الإداري الإسرائيلي.

تأتي هذه الخطوة في ظل تسارع ملحوظ في بناء المستوطنات منذ هجمات حماس في السابع من أكتوبر 2023، حيث ترفرف الأعلام الإسرائيلية فوق أكثر من 140 مستوطنة في أنحاء الضفة الغربية، وتزايدت دعوات اليمين الإسرائيلي لتوسيع الوجود اليهودي في المناطق المصنفة "ج" حسب اتفاقات أوسلو.

Related بعد قرار الضم من قبل الكنيست الإسرائيلي.. غضب في الضفة الغربية: جزء من أهداف الحرب على الفلسطينيينفيديو- مستوطنون يضرمون النار قرب كنيسة تاريخية في بلدة الطيبة بالضفة الغربية المحتلةمستوطنون إسرائيليون يهاجمون قرية الطيبة بالضفة الغربية ويشعلون النار في مركبات الفلسطينيين رؤية أيديولوجية متمسكة بـ"حق العودة" التاريخي

سارة زيبربيرغ، مستوطنة شابة وأم لثلاثة أطفال، انتقلت قبل خمس سنوات إلى واحدة من تلك المستوطنات، مقابل قرية فلسطينية يسمع منها صوت المؤذّن يدعو للصلاة. تقول: "لا يزعجني الأذان، أنا أصلي بطريقتي وهم يصلون بطريقتهم. أشعر أنني عدت إلى أرض أجدادي، فقد كانت هنا قرى يهودية قبل أن يستقر المسلمون في هذه المنطقة."

هذا الخطاب يعكس توجهات أيديولوجية لدى العديد من المستوطنين، الذين يرون في الأرض "حقاً تاريخياً لا يُنازع"، رغم التنديد العالمي المتكرر بالاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة باعتباره عائقاً أمام السلام.

استيطان منظم.. ومواجهة مع السكان البدو

يُتهم مطورون عقاريون إسرائيليون بتنظيم حملات ترويجية لجذب العائلات اليهودية إلى المستوطنات، مع تعهدات بمنح كل عائلة "منزلاً خاصاً" ضمن مشروع قومي طويل الأمد.

المستوطن سيفي غِلدتسوار، أحد سكان مستوطنة "نوفاي برات"، قام بجولة قرب قرية بدوية ودخل خيمة أحد السكان العرب، حيث أراد إقناع صاحب الأرض بحقه التاريخي في المكان لكنه حاول طمأنة الصحفي الأجنبي الذي كان يرافقه بأن إسرائيل ستهتم بالقضية فقال: "الدولة ستقوم ببناء حي جديد لهم بعيدًا عن هنا... هناك!"

لكن تلك الخطط تواجه برفض من السكان البدو الأصليين، الذين يرون في هذه الإجراءات محاولة لاقتلاعهم من أرضهم. في مشهد نادر، جلس غلدتسوار داخل خيمة بدوية يتحاور مع البدوي إبراهيم أبو دحوك، الذي قال له: "أنت وأنا بشر، فكيف تقول إن الأرض لك؟ هذه الأرض لنا منذ أجيال، وأنت تبني المنازل وتُدخل الإسمنت والنوافذ، أما نحن فلا يُسمح لنا بشيء."

في الوقت الذي رفع فيه الأذان للصلاة، بُسطت سجادات الصلاة داخل الخيمة. وفيما اتجه أبو دحوك للقبلة نحو مكة، ارتأى المستوطن أن يصلي هو الآخر في خيمة البدوي، في مشهد يعكس التوتر الكامن تحت قشرة التعايش الهش.

الهدف: مليون مستوطن في الضفة الغربية

في تقريره من الضفة الغربية، قال فاليري لوروج، موفد القناة "فرانس تي في": "الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الغربية من 500 ألف إلى مليون، في إطار سياسة توسعية قد تجرّ إلى مزيد من التوتر مع المجتمع الدولي."

اعترافات دولية محدودة.. وتأثير ضعيف

ورغم إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرًا عن نية بلاده الاعتراف بدولة فلسطين، فإن هذه المبادرة لم تحدث بعد أي تغيير ملموس على الأرض، في ظل المعارضة الإسرائيلية الشرسة، واستمرار الحرب المدمرة في قطاع غزة، والتوسع الاستيطاني المتسارع في الضفة المحتلة.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • تايمز: الضفة الغربية في قلب معركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية
  • 26 شهيدًا في الضفة الغربية خلال يوليو الحالي برصاص الاحتلال
  • أزمة مياه في الضفة الغربية: سكان سوسيا يتهمون مستوطنين بتخريب مصادر الإمداد
  • تصاعد وتيرة الاستيطان بالضفة الغربية المحتلة.. 22 مستوطنة جديدة خلال أشهر قليلة
  • ترمب: مبعوث أميركي إلى إسرائيل لبحث التصعيد في غزة
  • قوات الاحتلال تعتقل 21 فلسطينيًا في الضفة الغربية
  • الخارجية الفلسطينية: نواصل التحرك لردع اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 21 فلسطينيًا على الأقل من الضفة الغربية
  • 15 عملًا للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية خلال الـ 24 ساعة الأخيرة
  • الاحتلال يقتحم مدنا في الضفة الغربية ومستوطنون يعتدون على الفلسطينيين