دعوة إلى الرحمة في زمن الانقسام
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
محمد بن أنور البلوشي
نعيشُ في عالم يزداد استقطابًا بالكراهية والانقسام والسعي المحموم وراء السلطة. وليس الله من يجب أن يُلام على هذا الكره الذي تسلل إلى كل طبقات المجتمع، بل نحن البشر؛ الذين، رغم ما نملكه من قدرات هائلة ومواهب عظيمة، غالبًا ما اخترنا التدمير بدلًا من الرحمة، والانقسام بدلًا من الوحدة.
والأدوات والطاقات التي وهبنا الله إياها لم تكن أبدًا من أجل الحرب أو التمييز أو بناء الحواجز سواء كانت مادية أو عاطفية أو فكرية. لقد خُلقنا لننهض ببعضنا، ونخدم بعضنا، ونتوحد كإنسانية واحدة.
يقول الفيلسوف إريك فروم في عمله الشهير "فن المحبة"، إن الحب ليس مجرد شعور سلبي، بل هو فعل إرادي قوي والتزام حقيقي تجاه الإنسانية. وقد كتب: "الحب هو الجواب الوحيد العاقل والمُرضي لمشكلة الوجود البشري." ومع ذلك، وفي مجتمعاتنا المعاصرة، يُنظر إلى الحب على أنَّه ضعف، بينما تُعتبر العدوانية والأنانية والسيطرة علامات على القوة.
هذا الفكر السام لا ينعكس فقط في العلاقات الإنسانية؛ بل يتجلى أيضًا في السياسات العالمية والاقتصاديات الدولية. خذ على سبيل المثال السنوات الأخيرة من القيادة السياسية في الولايات المتحدة، وتحديدًا في عهد الرئيس دونالد ترامب. فقد ركزت سياسة "أمريكا أولًا" على المصلحة الوطنية على حساب التعاون الدولي، وكان من أبرز تجلياتها المثيرة للجدل فرض سياسات جمركية عدوانية، خاصة ضد الصين.
من الناحية النظرية، يُفترض أن تكون التعريفات الجمركية أدوات لحماية الصناعات المحلية. ولكن عمليًا، غالبًا ما تتحول إلى أدوات لحروب اقتصادية. فقد فرضت إدارة ترامب تعريفات جمركية بمليارات الدولارات على البضائع الصينية، بحجة ممارسات تجارية غير عادلة وسرقة الملكية الفكرية وعجز تجاري هائل. ورغم أن بعض هذه المخاوف كانت واقعية، إلا أن الأسلوب الأحادي والمتصادم أدى إلى توتر العلاقات الدولية، وزيادة الأسعار على المستهلكين الأمريكيين، وفرض تعريفات انتقامية من الجانب الصيني، مما عمّق الفجوة بين أكبر اقتصادين في العالم.
وبحسب دراسة أجراها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي عام 2020، فإن الشركات والمستهلكين الأمريكيين تحملوا تقريبًا العبء الكامل لهذه التعريفات، حيث ارتفعت أسعار البضائع المستوردة بشكل ملحوظ. كما تضرر المزارعون الأمريكيون بشدة من الرد الصيني، مما دفع الحكومة الأمريكية إلى صرف مليارات الدولارات كتعويضات.
المشكلة هنا لا تقتصر على الجانب الاقتصادي أو السياسي؛ بل هي في جوهرها أزمة أخلاقية. فعندما تُبنى السياسات على العداء بدلًا من التعاطف، فإن آثارها تتجاوز أرقام التجارة، لتؤثر في رؤية الشعوب لبعضها البعض، وفي كيفية إدراك المواطن للثقافات الأخرى، وحتى في طريقة تفكير الأجيال القادمة وتفاعلها مع العالم.
لقد أثبت التاريخ مرارًا وتكرارًا أن المجتمعات تزدهر ليس بالخوف أو القوة، بل بالوحدة والرحمة. فكر في خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية، عندما استثمرت الولايات المتحدة في إعادة إعمار أوروبا، لا من منطلق الهيمنة، بل كرسالة تضامن إنساني. وقد وضعت هذه المبادرة أسس السلام والازدهار لعقود قادمة.
كذلك، جاء تأسيس الاتحاد الأوروبي- رغم التحديات الحالية- نتيجة لرغبة صادقة في إنهاء قرون من الحروب، من خلال الدمج الاقتصادي والثقافي.
ونحن اليوم، نقف مجددًا على مفترق طرق. فالتحديات العالمية مثل التغير المناخي، والأوبئة، وعدم المساواة الاقتصادية، لا يمكن حلها بسياسات انعزالية أو حروب تجارية. إنها تتطلب التعاون، والفهم، والأهم من ذلك: الحب.
الحب هنا لا يعني فقط العاطفة، بل احترام كرامة كل أمة، وفتح باب الحوار العادل، والاعتراف بأن مصائرنا مترابطة.
يجب أن نتذكر أن الكراهية التي نشهدها في الأخبار، أو نلمسها في السياسات، أو حتى نعيشها في بيوتنا، ليست قدرًا محتومًا، بل خيارًا. وكذلك الحب، هو خيار أيضًا.
لدينا القدرة على اختيار سياسات ترفع الآخرين بدلًا من سحقهم، وكلمات تشفي بدلًا من أن تجرح، وأفعال تقرّب بين البشر بدلًا من أن تفرقهم.
لقد منحنا الله الإرادة الحرة، والعقل، والرحمة. وهذه النعم لم تُعط لنا كي نغرق في العداء، بل لنصنع عالمًا يزدهر فيه الحب رغم الخلافات.
في زمنٍ يتفاقم فيه الحقد، لم تخذلنا السماء، بل نحن من يجب أن ننهض ونستعيد الهدف الذي خُلقنا من أجله: أن نحب، ونداوي، ونبني عالمًا يستحق أن نورّثه.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رقية رفعت تحصد المركز الأول عالميًا في حفظ وتلاوة القرآن برواية حفص بالمسابقة العالمية للقرآن الكريم
أعربت رقية رفعت عبد الباري زغلول، ابنة قرية الكوم بمركز رشيد بمحافظة البحيرة والفائزة بالمركز الأول في المسابقة العالمية للقرآن الكريم، عن سعادتها الغامرة بهذا الفوز المشرف الذي يعد تتويجا لسنوات طويلة من المثابرة الجهد والاجتهاد في حفظ كتاب الله وتعلم علومه.
وحصلت رقية على جائزة مالية قدرها مليون جنيه نظير فوزها في فرع حفظ القرآن الكريم كاملا برواية حفص وتجويده، ضمن فعاليات النسخة الثانية والثلاثين من المسابقة التي تنظمها وزارة الأوقاف سنويا، والتي تعد إحدى أكبر المسابقات الدولية من حيث عدد المشاركين وقيمة الجوائز.
وتحدثت رقية في تصريحات خاصة لـ«الوفد»، مؤكدة أنها بدأت رحلتها مع القرآن الكريم في سن مبكرة، حيث شرعت في الحفظ وهي في الخامسة من عمرها، وأتمت حفظه كاملًا قبل بلوغها العاشرة.
وأشارت رقية بأنها التحقت بالكتاب فى قرية ديبي وهي في الخامسة من عمرها، وتمكنت من ختم القرآن الكريم كاملة في سن العاشرة، بدعم كبير من أسرتها، وبخاصة خالها الشيخ عبد الحليم المسلماني، الذي كان ملازما لها في الحفظ والتعليم.
كما وجهت رقية شكرها العميق لخالها الذي كان صاحب الفضل الأكبر في رحلتها مع القرآن، ولأسرتها التي أحاطتها بالدعم والتشجيع، فضلًا عن مشايخها في قرية ديبي ورشيد والمحمودية وإدفينا، الذين كان لهم دور بارز في تعليمها وصقل مستواها حتى وصلت لهذا التفوق المشرف.
حصلت رقية على شهادة الثانوية الأزهرية بمجموع 94.5%، واختارت هي وأسرتها طريق الالتزام بخدمة كتاب الله، فالتحقت بكلية الدراسات الإسلامية قسم الشريعة، حيث حققت تفوقا لافتًا بحصولها على المركز الثاني على دفعتها بتقدير امتياز.
وشاركت رقية في العديد من المسابقات المحلية والدولية، وكانت غالبا تحصد المركز الأول بجدارة، كما مثلت مصر في المملكة الأردنية الهاشمية عام 2019، وتمكنت من تحقيق المركز الرابع عالميا، لتواصل بذلك مسيرتها الحافلة بالإنجازات.
وتخرجت في كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر فرع الإسكندرية، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عام 2018، وهو ما يعكس مستوى تفوقها العلمي بجانب تميزها في مجال الحفظ والتجويد.
ووجهت رقية مناشدة إلى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بأن يصدر قرارًا بتعيينها معيدة في الجامعة، حتى تواصل كما تقول خدمة القرآن الكريم وعلومه، وأن تسهم في تخريج جيل جديد من الحافظات والباحثات في هذا المجال الشريف.
وأكدت رقية أن ها الحلم لطالما راودها، وأن تتويجها العالمي يمنحها دافعًا أكبر للاستمرار في طريق الدعوة وحمل رسالة القرآن.
وعن حياتها الأسرية، أوضحت رقية أنها متزوجة وتبلغ من العمر 29 عاما، ولديها طفلان: محمد 7 سنوات ويزن 3 سنوات، مشيرة إلى أنها تحرص على تحفيظهما القرآن الكريم منذ الصغر.
وتابعت رقية أنها تحافظ على ورد يومي ثابت، وتتم مراجعة القرآن كاملًا مرتين شهريا، بينما تكثف المراجعة قبل المسابقات لتكون كل يومين أو أربعة أيام، مؤكدة أن فضل الله عليها كبير، وأن ما وصلت إليه يُعد اصطفاءً إلهيًا وتوفيقا من رب العالمين.
كما كشفت عن حصولها على العديد من الجوائز المحلية والدولية خلال السنوات الماضية، وأن شقيقتها الصغرى تحفظ القرآن الكريم كاملا أيضًا، ما يعكس البيئة القرآنية التي نشأت فيها أسرتها.
وأضافت رقية رفعت موضحة أن منزلة أهل القرآن عظيمة عند الله تعالى، فهم كما ورد في السنة النبوية من خاصته وأحبائه. واستشهدت بما رواه النسائي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله أهلين من الناس"، فقيل ومن هم يا رسول الله، قال: “أهل القرآن هم أهل الله وخاصته”.
وعبرت رقية رفعت في تصريح لها عن بالغ سعادتها بهذا التتويج، مؤكدة أن شعورها لا يوصف، وقالت: "الحمد لله على نعمة القرآن الكريم، ففوزي بالمركز الأول في المسابقة العالمية للقرآن الكريم هو شرف كبير لي، لأنه في ميدان القرآن، وهذا فضل واصطفاء من الله تعالى".
كماوجهت رقية الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي على رعايته الكريمة لأهل القرآن ودعمه المتواصل لهذه المسابقة العالمية.
وشهدت المسابقة العالمية هذا العام مشاركة واسعة من مختلف الدول، وتصدرت مصر المراكز الأولى، حيث أعلنت وزارة الأوقاف منح الفائز بالمركز الأول جائزة قدرها مليون ومئة وخمسون ألف جنيه، ضمن إجمالي جوائز بلغت 13 مليون جنيه، وهي الأكبر في تاريخ المسابقة.
ومن المقرر أن يقوم الرئيس عبد الفتاح السيسي بتكريم الفائزين خلال احتفال وزارة الأوقاف بليلة القدر في شهر رمضان المبارك، في تقليد سنوي يعكس اهتمام الدولة بحملة كتاب الله.