دياب أبو جهجه: حددنا قتلة هند رجب بالأسماء والرتب والأدلة من هواتفهم
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
كشف دياب أبو جهجه رئيس مؤسسة "هند رجب" الحقوقية عن تفاصيل جديدة حول حادثة استشهاد الطفلة الفلسطينية هند رجب، مشيرا إلى المسؤولية المباشرة لقائد اللواء المدرع 401 بجيش الاحتلال الإسرائيلي "بني أهرون" عن الجريمة التي وقعت في 29 يناير/كانون الثاني 2024 في حي تل الهوى بقطاع غزة.
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أكد أبو جهجه أن مؤسسته تمتلك أدلة دامغة تُثبت تورط هذا اللواء الإسرائيلي عبر تحقيقات معقدة وممتدة شملت تحليل بيانات نشرها جنود إسرائيليون على وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتعاون مع خبراء متخصصين في تحليل الصور والفيديوهات.
وتعود حادثة استشهاد الطفلة هند رجب إلى أوائل العام الماضي عندما تعرضت سيارة مدنية داخلها هند وأسرتها لقصف من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وإثر القصف أصيبت هند بإصابات بالغة، وبقيت على قيد الحياة ساعات تتواصل مع المسعفين عبر الهاتف، هامسة "أنا خائفة جدا.. أرجوكم تعالوا". لكنها فارقت الحياة قبل وصول المساعدة الطبية.
ولم تكتف وحدة الدبابات المتمركزة بالمكان بقيادة أهرون بقتل أسرة هند، إذ استهدفت لاحقا سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني أُرسلت لإنقاذ الطفلة، مما أدى إلى مقتل مسعفين كانا داخلها.
إعلان
رحلة جمع الأدلة
وعن الطرق التي جمعت بها المنظمة الأدلة التي تثبت تورط اللواء المدرع 401 الإسرائيلي في مقتل هند وأسرتها، يقول رئيس المؤسسة إن الآلية الدقيقة التي اعتمدنا عليها في جمع الأدلة تقوم على عدة مصادر:
ما نشره جنود الاحتلال الإسرائيلي أنفسهم وكانوا متواجدين في عين المكان على دباباتهم. المعلومات المتوفرة في شبكات التواصل الاجتماعي. التقارير والتحقيقات التي أعدتها جهات إعلامية مثل: سكاي نيوز وواشنطن بوست والجزيرة. الأرشيف المنشور باللغة العبرية تحديدا ولم يكن متوفرا باللغات الأخرى.وأضاف أبو جهجه أن هذه الأدلة كانت عبارة عن قطع متفرقة، ولكن عند تجميعها تستطيع أن تكوّن صورة كاملة وموثقة عما حدث، قائلا "جمعنا مئات الفيديوهات التي نشرها الجنود، وقمنا بمقارنتها وتحليلها بشكل أشبه بتركيب قطع البازل، مما مكننا من تحديد الكتيبة والوحدة المسؤولة عن الجريمة، وكذلك أسماء الجنود والضباط المتواجدون في ذلك الوقت.
وأشار رئيس مؤسسة "هند رجب" -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن القيادة الإسرائيلية أنكرت في البداية وجود قوات تابعة لها في موقع الحادث، لكن الأدلة دحضت هذا الادعاء. مضيفا أن "العقيد بني أهرون يتحمل مسؤولية مباشرة -وليس فقط مسؤولية قيادية عامة- عن الهجوم الذي استهدف سيارة عائلة رجب".
مؤكدا أن هناك شهودا وأدلة تظهر وجود قائد اللواء في المكان على بعد مئات الأمتار من موقع استهداف السيارة المدنية، و"لا مجال للتنصل من مسؤولية هذه الجريمة".
وعن آليات التأكد من الدلائل وتوثيقها، شرح أبو جهجه ذلك بأنه قد تكوّن فريقا عمل للتأكد من صحة الأدلة التي توصلوا إليها؛، الأول تشكل من فريق المؤسسة الذي راكم خبرات طويلة في هذا المجال. والثاني كان عبر الاستعانة بمؤسسات دولية وخبراء خارجيين من أجل منهجية البحث.
إعلانوعند سؤاله عن تفاصيل المعلومات والأسماء التي تأكدت لديهم صحتها، رفض رئيس المؤسسة الإفصاح عن المزيد من المعلومات أو الأسماء المسؤولة مباشرة عن مقتل هند وأسرتها والمسعفين، قائلا إن "ذلك سيضر العمل القانوني، واكتفينا بذكر بني أهرون للإعلان عن مسؤوليته بوصفه كان متواجدا على بعد أمتار من موقع الحادث وقيادته للواء المدرع الوحيد الذي كان متواجدا بالمنطقة في ذلك اليوم".
إجراءات قانونية
وبعد التأكد من الأدلة وثبوتها، تحدث رئيس مؤسسة "هند رجب" عن الإجراءات القانونية التي بدأت المنظمة اتخاذها، إذ إن المنظمة "تسعى لتفعيل إجراءات قانونية متعددة ضد المسؤولين عن الجريمة.
وأوضح أن الخطوة الأولى والأساسية ستكون الضغط على المحكمة الجنائية الدولية من أجل إصدار مذكرة توقيف ضد بني أهرون لمسؤوليته المباشرة وكونه قائد اللواء المسؤول. وتاليا "سنعمل أيضا على ملاحقة الجنود والضباط الآخرين في المحاكم الوطنية، خاصة أولئك الذين يحملون جنسيات مزدوجة في دولهم الأصلية، حيث لا يتمتع الجنود والضباط بحصانة قانونية مما يتيح إمكانية ملاحقتهم، ويعد هذا المسار الأساسي والإستراتيجي لعمل مؤسسة "هند رجب". وهناك مسار يتطلب جهدا سريعا ضد "الجنود الزوار" الذين يسافرون فترات قصيرة لبلدان أخرى. وضرب المتحدث مثلا بنجاح المؤسسة في إصدار قرارات توقيف ضد جنود إسرائيليين في كل من البرازيل وقبرص.وأضاف أبو جهجه أن عملنا هذا يمثل تشكيلا للوعي بالقانون الدولي ومقاربة مختلفة، فنحن أمام معركة نحتاج فيها إلى بيان أنه يحق للادعاء في المحاكم الوطنية تنفيذ ميثاق روما من دون الحاجة إلى قرارات من الجنائية الدولية، وهو ما نجحنا فيه مرات عدة، وأصبح الاحتلال الآن يشعر بالخوف ويهرّب جنوده ويحثهم على عدم نشر أي مقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وعن التوصيف القانوني لجريمة قتل "هند رجب" وأسرتها والمسعفين، قال دياب أبو جهجه إنها جريمة حرب في حدها الأدنى، "فأنت تتحدث عن استهداف آلية مدنية فيها أحياء بعد استهداف أولي".
إعلانوأضاف أن جيش الاحتلال يستطيع أن يدّعي بأنه أخطأ في استهدافه الأولي وظن أن السيارة تحوي مثلا عناصر للمقاومة، ولكنه لا يستطيع أن يدعي أن هند رجب لم تكن موجودة في السيارة وأنها كانت لا تزال حية لأن العالم كله كان يعرف ذلك ويعرف أن اللواء 401 في تلك اللحظة كان يقتل عمدا.
كما أشار إلى موضوع المسعفين، فعندما أرسل الهلال الأحمر الفلسطيني سيارة إسعاف لإنقاذ هند رجب كان ذلك بالتنسيق الضمني والمباشر مع الجيش الإسرائيلي وبإعلامه، ومع ذلك تم استهداف سيارة الإسعاف، مما يعني أن هذه جريمة دامغة لا مكان فيها للخطأ.
وختم رئيس مؤسسة "هند رجب" تصريحاته للجزيرة نت بأن العقل الذي يستهدف طفلة هو "عقل إبادي"، وهو ذاته المسؤول عن قتل الآلاف من أطفال غزة، وهو نفسه العقل الذي يهندس الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة، ولذلك لامست جريمة "هند رجب" وجدان العالم بأسره ودفعتنا إلى تأسيس هذه المؤسسة.
يذكر أن مؤسسة "هند رجب" منظمة حقوقية غير حكومية، مقرها بروكسل، ويتركز عملها على محاكمة وملاحقة الجنود الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، وتأسست تكريما للطفلة هند رجب التي استشهدت مع عائلتها بغزة عام 2024.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رئیس مؤسسة أبو جهجه هند رجب
إقرأ أيضاً:
أزمة نفسيّة متفاقمة داخل “الجيش” الإسرائيلي
منذ اندلاع حرب طوفان الأقصى، التي دخلت شهرها العاشر من دون أفقٍ للنهاية، يتكشّف يومًا بعد آخر، وبحسب التقارير الإسرائيليّة الرسميّة والإعلاميّة، عن بذور لظاهرة الأزمة النفسيّة المجتمعيّة داخل “إسرائيل”، ولا سيّما في صفوف جنود الجيش، الذين لم يعودوا فقط قرابين للكمائن أو العبوات الناسفة لحربٍ بات يصفها منتقدوها بالحرب العبثيّة الأبديّة، غير واضحة الأفق والمآل، بل باتوا أيضاً أسرى لاضطرابات نفسيّة خطيرة تفجّرت على وقع استمرار إعلانات الـ”سمح بالنشر” وعدّاد القتلى والجرحى في قطاع غزّة، وذلك إلى جانب المآزق الأخلاقيّة والانتهاكات الميدانيّة التي دفعت بكثيرين منهم إلى حافّة الانهيار، بل وما بعدها.
من الجبهة إلى العيادة
شهادات الأمّهات، كقصّة والدة الجندي التي وصفت بيتها بأنّه “حقل ألغام عاطفي”، تنقل معاناة لا تُرى، لكنها تلتهم أرواحًا شابّة تنوء تحت عبء الحرب المستمرّة.
وتحكي عن قصص المصابين بصدمات الحرب حيث لا يعود الجنود كما كانوا، بل يعودون من الخدمة ونفوسهم محطّمة ومرهقة. هذا الانفجار الداخلي يتجلّى في المعطيات الرسميّة: أكثر من 3769 جندي اعترف بهم الجيش كمصابين باضطراب ما بعد الصدمة منذ بدء الحرب، وأكثر من 10,000 آخرين يواجهون أزمة نفسيّة، في حين تشير التقديرات إلى أنّ تزايد الأعداد سيصل في الفترة الزمنيّة القريبة إلى حوالي الـ50 ألف شخص غالبيّتهم بسبب الحرب المستمرّة في غزّة، وأنّ نصف مصابي الجيش الإسرائيلي المتوقّعين حتى العام 2028 سيعانون إعاقات نفسيّة دائمة، سترفع رقم الجرحى المسجلين والمعاقين المعترف بهم من قبل شعبة التأهيل في وزارة الأمن الإسرائيليّة إلى ما لا يقلّ عن 100 ألف معاق، وهذه الأرقام كما تشير التقارير وإن كانت صادمة، ليست سوى قمّة جبل الجليد الآخذ بالتصاعد.
الأخطر من المعطيات هو ما تكشفه الظواهر النفسيّة ذاتها. اضطراب ما بعد الصدمة، الذي يظهر في استمرار العيش بدوامة الحدث الصادم والتي تتجلى أهم أعراضها، بالأرق الدائم، ونوبات غضب، وتجنب اجتماعي، وانفصال عن الواقع، وكوابيس واضطراب مصاحب في المزاج، هذه المعطيات لا تشير إلى مجرّد ضرر نفسي عابر، بل بداية لظاهرة انهيار عميقة في البنية المعنويّة داخل المجتمع الإسرائيلي. فعندما يكون المصاب جنديًّا مقاتلاً، يصبح الاضطراب تهديدًا مباشرًا لقدرة الجيش على القتال، ولصورة “الصلابة والصمود النفسي” الذي لطالما تباهت بها المؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة.
انهيار “الصلابة النفسية”
مصطلحات مثل “المرونة النفسيّة” و”الصلابة والصمود النفسي” لم تعد تنطبق على من يعانون من كوابيس الحرب والقتال وصرخات الجرحى وصور أصحابهم القتلى من الجنود. لقد عَبَر الكثر من جنود الجيش الإسرائيلي ما يُعرف في علم النفس بـ”عتبة الانفجار النفسي”، وهي اللحظة التي لا يعود فيها الجسد والعقل قادرَين على التحمّل. فيصبح الهروب من القتال، ورفض تنفيذ الأوامر، وارتفاع نسب الانتحار ظاهرة تتجاوز توصيف الحالات الفرديّة، بل تصبح مؤشّرات على اهتزاز بنية الصمود الداخلي للمنظومة العسكريّة.
رفض الخدمة لم يعد محصورًا في جماعات “يساريّة” أو معارضة لسياسات الحكومة ورئيسها، بل بات سلوكًا دفاعيًّا يلجأ إليه جنود عاديّون أنهكتهم الحرب. الجنود من لواء النخبة الناحل 933 الذين رفضوا تنفيذ أمر الدخول إلى القتال في قطاع غزّة، وأُرسلوا إلى السجن، والجندي الذي انتحر بعد أشهر من عمله في وحدة التعرّف على الجثث، وتزايد حالات الانتحار كلها تكشف عن حالة التصدع النفسي الذي يضرب داخل الجيش. عندما يتحوّل القتل إلى “روتين يومي”، تفقد المعايير الأخلاقيّة معناها، ويتحوّل الجندي إلى كائن هشّ يبحث عن مخرج – أحيانًا عبر التمرد، وأحيانًا عبر الموت.
الصمت الأعلى: أخوّة الضباط ونادي الذكورة المنهار
في هذا المشهد، يبرز “صمت القادة” بوصفه صمتًا منهجيًا لا يمكن فصله عن المنظومة. المتخصّص في الشؤون الأمنيّة والعسكريّة يوسي ملمان وصف صمت الجنرالات بـ”صمت الخراف”، مدفوعًا بمصالح متشابكة داخل نادٍ مغلق من الضباط. الصمت ليس فقط أخلاقيًّا، بل هو صمت على مأساة نفسيّة تتفشّى على حدّ قوله في المؤسّسة العسكريّة من أعلى الهرم حتى أدنى الجنود. الجنود يتحدّثون عن ضباط يمنعونهم من التذمّر أو حتى الحديث مع أهاليهم، ويهدّدونهم بالسجن إن أبدوا هشاشتهم. إنّه قمع مزدوج: قمع للعدو وقمع للنفس.
الانتحار: حين تفشل كلّ الآليّات الدفاعيّة
الانتحار هو الكارثة القصوى. منذ بداية الـ2025، أُعلن عن المئات من الجنود الذين وصلوا إلى أوضاع متطرّفة استدعت دخولهم إلى مؤسسات استشفائيّة نفسيّة قسرًا فيما سُمح بالنشر والكشف عن 17 حالة انتحار منذ بداية العام الحالي 2025 لا تشمل جنود جيش الاحتياط – وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الحروب الإسرائيليّة. ومن المتوقّع، بحسب علماء النفس، أن يرتفع هذا الرقم أكثر بعد انتهاء الحرب، حين تبدأ الأعراض المتأخّرة بالظهور. هؤلاء المنتحرون ليسوا فقط من المقاتلين، بل يشملون أيضاً جنودًا في وحدات الدعم، مثل وحدة التعرف على الجثث، ما يشير إلى أنّ “خط النار” لم يعد يفصل بين الجنود المعرّضين للخطر والآخرين.
الجميع متورّط في الجبهة، حتّى من لا يطلق النار.
التمويل بدل العلاج: رشوة نفسيّة لتعويض الفشل
في مواجهة هذا الانهيار، اختارت المؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة خيار “المال بدل العلاج”. مضاعفة رواتب الاحتياط بثلاثة أضاعف قرابة الـ(8000 $) كمعدّل وسطي. دفع رواتب تعادل رواتب موظّفي الهايتك للجنود المرهقين، لا يشكّل حلاً نفسيًّا، بل إدمانًا جديدًا على الإنكار والتهدئة الاصطناعيّة. تعويض الجنود ماليًّا لإبقائهم في جبهة مهترئة معنويًّا، يعني فقط ضخّ المزيد من الوقود في نار الانهيار الجماعي.
نحو انهيار نفسي جماعي؟
ما يواجهه الكيان الإسرائيلي اليوم ليس مجرّد أزمة أمنيّة أو استراتيجيّة، بل أزمة نفسيّة جماعيّة قد تهدّد كيانها من الداخل. تآكل الجبهة الداخليّة، وانفجار الاضطرابات النفسيّة في صفوف الجنود والمدنيّين، وتفشّي الانتحار، كلّها إشارات إلى أنّ الحرب، ومع طول أمدها عسكريًّا، فإنّها ستتسبّب بالمزيد من التراجع في حافزية القتال وانخفاض الروح المعنويّة لدى الجنود وبالتالي المزيد من التراجع في جاهزيّة الجيش للاستمرار في الحرب وتضرّر تحقيق أهدافها المعلنة.
“لا هدنة للنفس” ليست مجرّد استعارة عابرة من الطبيبة النفسيّة الإسرائيليّة يردن لفينسكي، بل وصف دقيق لحالة جماعيّة من الإنهاك النفسي، يتوارى خلفها جيش يفقد بالتدريج قدرته على التحمّل، وتنهار داخله ركائز “الجاهزيّة النفسيّة” و”الاستعداد القتالي”، في ظلّ حرب لم تترك للكثيرين منهم حتّى حلم العودة… إلا في التوابيت أو مع إعاقات وجراح جسديّة ونفسيّة دائمة.
كاتب واستاذ جامعي لبناني