الجزيرة:
2025-08-11@15:54:13 GMT

فيتنام وغزة.. مقارنة بين مقاومتين

تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT

فيتنام وغزة.. مقارنة بين مقاومتين

شهد العالم في الفترة الممتدة من نوفمبر/ تشرين الثاني 1955 إلى 30 أبريل/ نيسان 1975، ما عرف بحرب "الهند الصينية" الثانية، وهي الحرب التي عرفت فيتناميًا، وبين الرأي العام العالمي، بحرب المقاومة الفيتنامية ضد أميركا. وقد شملت أيضًا المقاومتين الكمبودية واللاوسية.

صحيح أن أحداثًا كبرى، أو هامة، عالميًا قد حدثت في تلك الفترة نفسها، إلا أنها جميعًا لم تزحزح بقاء المقاومة الفيتنامية عن صدر الأخبار، ولا سيما بسبب صمودها في مواجهة، أشدّ العمليات الأميركية شراسة وقسوة.

وقد جمعت بين القتل الجماعي وقصف هانوي، عاصمة فيتنام الديمقراطية الشعبية المستقلة في الشمال. كما شملت تدمير قرى بأسرها، وإحراق غابات بالنابالم. ووصل عدد القتلى والجرحى، ثلاثة ملايين. وهنالك من يقدّر الرقم بأنه يشمل القتلى من دون الجرحى.

وكانت أميركا في هذه الفترة، قد حلت مكان الاستعمارين: البريطاني والفرنسي على مستوى عالمي، كما تكرسّت زعيمة للدول الغربية، ومعسكرها المناهض للدول الاشتراكية، في ذلك الوقت، ودول التحرّر الوطني التي مثلتها حركة دول عدم الانحياز.

ولكن أميركا دخلت في تراجع عام، بعد هزيمتها العسكرية في فيتنام في العام 1975. وكانت هزيمة مدويّة. وقد شاع منظر التعلّق بطائرات الهليكوبتر، هربًا من فوق أسطح السفارة الأميركية في سايغون، عاصمة جنوبي فيتنام.

إعلان

دام التراجع الأميركي في مصلحة توسّع النفوذ السوفياتي إلى بداية عهد ريغان في أميركا (1981-1989) وعهد مارغريت تاتشر في بريطانيا (1979-1990)، وهي المرحلة التي استوعبت فيها أميركا نتائج هزيمتها في فيتنام، كما هزيمتها بانتصار الثورة الإسلامية 1979 في إيران.

وبدأت  هجمة إستراتيجية على الاتحاد السوفياتي الذي كان بدوره في حالة تآكل داخلي، بما يشبه "أعجاز نخل خاوية" كما تبين لاحقًا. وقد انتهى إلى السقوط من الداخل في العام 1991، ومعه المعسكر الاشتراكي، لا سيما في شرقي أوروبا.

أما الدول الاشتراكية في آسيا، الصين وفيتنام وكوريا الشمالية، كما كوبا، فبدت أكثر تماسكًا في الظاهر. ولكن مع مظاهر تراجع هنا وهناك. ولكن من دون "ثورات خضراء" داخلية، كما حدث في دول شرقي أوروبا، أو في الاتحاد السوفياتي نفسه.

فقد شهدت مرحلة انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكره انقلابًا في ميزان القوى العالمي عسكريًا وأيديولوجيًا وسياسيًا، سمح لفوكوياما بأن يتحدث عن "نهاية التاريخ" بانتصار ديمقراطية الغرب.

ولم يكن حال الدول الاشتراكية في آسيا، أفضل ولو من ناحية بعض المظاهر، بما راح يحدث من تغيّرات داخل النظام نفسه. ولكنها لم تأخذ الشكل السوفياتي، أو شكل دول شرقي أوروبا. ويجب أن تُستثنى جمهورية كوريا الشمالية التي ذهبت إلى التشدّد أكثر، بتثبيت النظام الاشتراكي الذي أسسه كيم إيل سونغ؟

على أن العودة إلى فيتنام التي خرجت من حرب المقاومة 1975 منتصرة، وقد وحدّت "الفيتنامَين:" الشمالي والجنوبي، ولكن سرعان ما انحازت إلى الاتحاد السوفياتي، بسبب إعادة إنتاج التناقض التاريخي بين الصين وفيتنام. علمًا أن الصين كانت الأكثر تفانيًا في دعم ثورة فيتنام، ومقاومتها.

وكان هو تشي منه يعبّر عن ألم شديد من سياسات الاتحاد السوفياتي، بعد أن انتقلت أميركا، لقصف هانوي، عاصمة دولة فيتنام الديمقراطية الشمالية، وكانت جزءًا من المعسكر الاشتراكي.

إعلان

الأمر الذي كان يوجب على الاتحاد السوفياتي، التدخل حتى استنادًا إلى معادلة الحرب الباردة. ولكنه ابتلع هذا العدوان الذي كان من المفروض، أن يعتبره عدوانًا عليه، وعلى المعسكر الاشتراكي، وليس مجرد عدوان على دولة فيتنام، كأنها خارج المعسكر الاشتراكي، وكانت (فيتنام) في مقدمته منذ العام 1954، بعد انتصار المقاومة على الاستعمار الفرنسي في معركة ديان بيان فو.

وقد عرفت الحرب الأميركية على هانوي عام 1972، بحرب طائرات الـ 52 الجبارة في ذلك الوقت، من حيث محو أحياء بأسرها أو حرق غابات بالنابالم. واعتبرت من أشرس حروب التدمير والقتل الجماعي وكثافة النيران. الأمر الذي جعل صمود دولة فيتنام الشمالية وشعبها، وتصعيد القتال في الجنوب، النموذجَ الأرقى، لقتال شعب مستضعف، ضد أعتى دولة استعمارية إمبريالية في العالم.. وكان نموذجًا استثنائيًا على مستوى المقاومات الشعبية بعد الحرب العالمية الثانية حتى العام 1975.

هذا، ويمكن القول إن تأثير المقاومة في فيتنام على المقاومة الفلسطينية كان شديدًا من حيث التعلم منه، والاقتداء به، والتصميم على مواصلة المقاومة، بالرغم مما تواجهه من صعاب وتضحيات ومخاطر. وكان من المفترض أن يكون ملهمًا، لحركة فتح خصوصًا، بأن تترجم شعارها "ثورة ثورة حتى النصر". ولكنها بدلًا من ذلك، ومع بدايات الثمانينيات، أخذت تجنح إلى تبني مشروع التسوية، والاستعداد للتخلي عن المقاومة، كما حدث في اتفاق أوسلو الكارثي (1993). وللأسف، وفي الفترة نفسها، راحت فيتنام توثق علاقاتها بأميركا.

ولكن الذي أنقذ الموقف، هو انتقال راية المقاومة من فيتنام، إلى حركتي حماس والجهاد وحزب الله في لبنان، وبدعم إيراني، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ المقاومة، عالميًا. ولكن بمرجعية إسلامية تختلف من الناحية المرجعية والأيديولوجية، اختلافًا جوهريًا، عن المقاومة الفيتنامية، والمقاومة الفلسطينية (فتح – م.ت.ف).

إعلان

طبعًا القوانين الحاكمة في الحرب، لا تتغيّر، بتغيّر أفكار أو مصالح، أو طبائع المتحاربين، أما الذي يمكن أن يتغيّر، فكيفية تعاطي كل طرف مع هذه القوانين، وما يمكن أن يُعطى لكل عامل من شروط الانتصار، من درجة أهميّة. وذلك مع كيفية التعاطي، وموازين القوى.

ففي الحالة التي دخل العامل الإسلامي فيها، لم يتغير ميزان القوى العسكري العام، من حيث التفوّق في النيران، في مصلحة الكيان الصهيوني والدعم الأميركي. ولكن التغيّر الأبرز، حدث مع عملية طوفان الأقصى، وما تلاه من حرب بريّة، وحرب تدميريّة، وإبادة بشريّة.

فقد ارتفع مستوى قدرات قيادة المقاومة، وقوات المقاومة، ارتفاعًا نوعيًا، في ظل تحصّن استثنائي في الأنفاق، واستخدامها في المعارك التكتيكيّة (أو ما سمّي بالمواجهات الصفرية، أو الاشتباكات الصفرية) مما سمح لها أن تقارن مع حرب فيتنام، وحتى التميّز عليها من حيث القتال، ضمن مساحة جغرافيّة صغيرة جدًا، ومحاصرة بالكامل، وعلى مدى قارب السنة والنصف، بل جاوزه، في مقابل الجيش الصهيوني المدعوم عسكريًا وسياسيًا من أميركا. فضلًا عن تقدّم تكنولوجي هائل.

الأمر الذي تميّز عن مقاومة فيتنام، التي امتلكت مشاركة دولة فيتنام الشمالية، وإمدادًا لا يتوقف بالسلاح والغذاء، ومختلف الاحتياجات عبر قطار متواصل، على مدى الأربع والعشرين ساعة يوميًا، من قِبَل الصين، فضلًا عن الدعم السوفياتي، وعشرات الدول الاشتراكية.

الأمر الذي يسمح للكثيرين، أن يعزو ما تحقق من إنجازات عسكرية في قطاع غزة، إلى المعجزات، أو القدرات الأسطورية غير البشرية، أو ما فوق بشرية، أو ما فوق ما يدخل ضمن قوانين الحرب.

ولكن هؤلاء في نهاية المطاف يعجزون، عن تفسير ذلك، من الناحيتين العسكرية والمعنوية، والقيادية والإيمانية، والمعنوية على مستوى الأفراد. وهذا بدوره يخضع لقوانين الحرب، مهما بلغت أهمية دوره، ما دام الذي يجري يتم عبر حرب واقعية خاضعة للتفسير الواقعي والعلمي والعسكري والبشري، وخاضعة لقوانين الله في الهزيمة والانتصار في الحروب. وقد تساوى أمامها جميع المتحاربين.

إعلان

أما التدخل الإلهي في هذه الحرب، فهو لا يختلف عن التدخل الإلهي في كل الحروب، وذلك باعتبار الهزيمة "من عند أنفسكم"، واعتبار الانتصار "من عند الله". ولكن من عند الله هنا، لا يعني التدخل المباشر، والمعجزة أو الأسطورية، وإنما يدخل ضمن مراعاة سنن الله التي هي سنن الحرب، مثل الإعداد وحسن القيادة، والتحصّن والذكاء، وامتلاك الشجاعة والإيمان، كما مثل ما يصيب العدو من عوامل الخراب الذاتي، كالفسق والفجور والفزع والشيخوخة، وهذه كلها من أسباب النصر.

بكلمة، إن تميّز حرب المقاومة في قطاع غزة على حرب المقاومة في فيتنام، قابِل للتفسير العسكري والسياسي والمعنوي الموضوعي، وهو كذلك. ولأنه كذلك أمكنت المقارنة، وإلا لو كان، ما في حرب المقاومة في غزة، سلسلة متواصلة من المعجزات والكرامات، لما جازت، وأمكنت المقارنة بين المقاومتين.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الاتحاد السوفیاتی حرب المقاومة دولة فیتنام المقاومة فی الأمر الذی فی فیتنام من حیث

إقرأ أيضاً:

هيئة البث الإسرائيلية: سموتريتش عارض خطة احتلال غزة التي صدق عليها الكابينت

أفادت قناة "القاهرة الإخبارية" في نبأ عاجل عن "هيئة البث الإسرائيلية" أن سموتريتش عارض خطة احتلال غزة التي صدق عليها الكابينت بحجة أنها لن تؤدي إلى الحسم.

البث الإسرائيلية: سموتريتش هدد نتنياهو بتفكيك الحكومة والتوجه للانتخاباتتصاعد الغضب الشعبي في إسرائيل.. تظاهرات وإدانات ضد حكومة نتنياهو

في تصاعد لافت للاحتجاجات ضد حكومة بنيامين نتنياهو، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن متظاهرين أغلقوا شوارع رئيسية في وسط تل أبيب، ضمن موجة مستمرة من الغضب الشعبي حيال السياسات الحكومية، خاصة المتعلقة بالحرب على قطاع غزة، والتي دخلت يومها الـ 672.

وفي مشهد درامي، خرجت عائلات الأسرى الإسرائيليين لتعبر عن سخطها الشديد، ووصفت حكومة نتنياهو بأنها "حكومة موت"، وأكدت العائلات أنها ستلاحق نتنياهو "في كل مكان" إذا ما قررت حكومته مواصلة الحرب واحتلال أجزاء من قطاع غزة، محملة إياه المسؤولية الكاملة عن الإخفاقات التي وقعت.

وفي السياق نفسه، شهدت مدينة تل أبيب تظاهرة أمام السفارة الأمريكية، شارك فيها نشطاء من حركة "إخوة وأخوات في السلاح" إلى جانب مجموعات مدنية أخرى. 

وجاءت التظاهرة تحت شعار: "ترامب - كن بالغا مسؤولا وأوقف الحرب"، ورفع المتظاهرون مطالب واضحة بإعادة الرهائن وإنهاء الحرب التي دخلت عامها الثاني، وتسببت حتى الآن في سقوط آلاف القتلى والجرحى من الجانبين.

وعلى الصعيد السياسي، فجر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش مفاجأة من العيار الثقيل مساء السبت، حين أعلن في تسجيل مصور نشره عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا) عن فقدانه الثقة في رئيس الوزراء نتنياهو، متهما إياه بالفشل في تحقيق النصر في غزة رغم مرور 22 شهرا على اندلاع الحرب.

طباعة شارك البث الإسرائيلية سموتريتش احتلال غزة غزة الكابينت

مقالات مشابهة

  • باسم نعيم : نتنياهو يواصل “الأكاذيب” التي اعتاد عليها منذ بداية الحرب
  • خريس: للسيادة العادلة التي تصون إنجازات المقاومة
  • ماذا وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي “لا ترضي أحدا”؟
  • هيئة البث الإسرائيلية: سموتريتش عارض خطة احتلال غزة التي صدق عليها الكابينت
  • ما وراء خطة نتنياهو بشأن احتلال غزة التي لا ترضي أحدًا؟
  • تحليل لـCNN.. ما وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي لا ترضي أحدًا
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: إذ تستعيد هذه الخطوة نهج المؤتمرات التي سعت لتقسيم سوريا قبل الاستقلال فإن الحكومة السورية تؤكد أن الشعب السوري الذي أفشل تلك المخططات وأقام دولة الاستقلال سيُفشل اليوم هذه المشاريع مجدداً ماضياً بثقة نحو بناء ا
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: هذا المؤتمر خرق للاستحقاقات التي باشرت الحكومة السورية في تنفيذها بما في ذلك تشكيل هيئة العدالة الانتقالية وبدء أعمالها، ومسار الحوار الوطني الذي أطلقته الحكومة السورية في شباط الماضي والمستمر حتى إيصال البلاد إ
  • رغم الحظر: ذهب السودان يطير إلى الإمارات.. ما الذي يحدث ومن المستفيد من استمرار الحرب؟
  • انطلاقة مسرحية يمنية جريئة في قلب القاهرة: “جوعى.. ولكن” بصوت الضوء والظل