شاهد.. تفاقم أزمة المياه في الجنوب اللبناني
تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT
جنوب لبنان- صباح كل يوم يحمل حسن الترك عدّة غالونات (عبوات كبيرة) بلاستيكية من بيته المتضرر في بلدة الناقورة قضاء صور جنوب لبنان، ويتوجه إلى خزان كبير استُحدث أول البلدة لتجميع المياه، ليملأها بهدف الاستخدام المنزلي. فالمياه غائبة تماما عن الناقورة، كحال معظم القرى والبلدات اللبنانية الحدودية مع فلسطين المحتلة.
فبعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على لبنان، أقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي على قصف خزانات تجميع المياه في عشرات البلدات الجنوبية، ومع دخول عناصره إلى الجنوب عمدت جرافاته إلى نبش البنية التحتية الخاصة بالمياه والصرف الصحي، وكذلك جرف مضخات المياه العامة والخاصة، لتدمير مصادر المياه وجعل عودة الأهالي إلى بلداتهم أمرا مستحيلا.
يتحدث الترك للجزيرة نت عن معاناته اليومية، التي تشبه معاناة جميع من عادوا إلى بلداتهم الحدودية، إذ تعتبر أزمة المياه العقبة الأولى لهذه العودة، فالكهرباء يجري تأمينها عبر ألواح الطاقة الشمسية، أما المياه فيصعب تأمينها بعد غيابها عن المنازل وبعد تدمير خزانات المياه في القرى والبلدات.
ويقول الترك "المياه شريان الحياة، وبدون مياه الحياة مستحيلة، وأنا أنزل وأملأ هذه الغالونات يوميا لكي أتوضأ للصلاة ولأغسل حاجياتي، وعائلتي لم تستطع العودة معي إلى البلدة بل بقيت في صور، لأن البيت غير صالح للسكن ولا يوجد فيه كهرباء ولا مياه، ولو أن المياه موجودة لتشجع الناس على العودة إلى بيوتهم، ولو كانت مدمرة".
إعلانومن خلال جولة الجزيرة نت في الناقورة لاحظنا كيف أن شبكات المياه مقتلعة من تحت الأرض، وكيف أن المضخات مخرّبة بشكل كبير، أما الخزانات البلاستيكية والحديدية الخاصة بالمنازل فمتطايرة ومتناثرة في كافة الأرجاء.
فقدان المياه ليس عائقا أمام عودة السكان إلى بيوتهم فحسب، بل هو عائق أيضا أمام عودة المزارعين إلى بساتينهم، فقرى الجنوب تعتمد على الزراعة بشكل أساسي، حيث تشتهر بزراعات الحمضيات والأفوكادو والتبغ والعديد من الزراعات الاستوائية، إلا أن الاحتلال عمد على تجريف هذه البساتين واقتلاع مصادر المياه فيها، مما ألحق خسائر فادحة بالمزارعين.
ويقف وفيق سبليني على أنقاض بستانه المجرّف بالكامل، ويتفقد المضخات المدمّرة، ويتحدث للجزيرة نت عن خسائره الكبيرة، ويقول "قام جيش العدو الإسرائيلي بتجريف البستان بالكامل بالجرافة، ولم يترك منه إلا 4 أو 5 شجرات، وجرّف الخزانات والأرض والجدران وشبكات المياه، وسقطت مضخة في البئر وضاعت ولم نستطع إخراجها، وهذه المضخات لها أهمية كبيرة بالنسبة لنا لأننا نروي بها الأشجار".
ويلفت سبليني إلى أن بلدته تعتمد على الآبار في الناقورة بشكل أساسي، فهي لا تعتمد على المياه من خارج البلدة، وهذه الآبار مع مضخاتها جرى تدميرها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي حرم البلدة من مصادر مياهها، ويناشد سبليني الدولة اللبنانية والدول العربية والصديقة بضرورة إنشاء صندوق خاص لدعم أهالي الجنوب، ليعيدوا بناء بيوتهم ويعودوا إلى بساتينهم من جديد.
محمد سبليني هو الآخر يملك عدة بساتين في بلدته الناقورة، ويتحدث للجزيرة نت عن تجريف الاحتلال الإسرائيلي لمضخات المياه في بساتينه بالجرافات، ويؤكد استحالة العودة إلى البساتين والزراعة فيها، في ظل خروج الآبار عن الخدمة، فهي المصدر الوحيد للمياه في البلدة.
إعلانويقول سبليني "أخرجت المولدات وأصلحتها، ولكني لم أجد قطع تبديل للآبار، والآن ليس لدي القدرة على الاستمرار، فلم يعد لدي مواسم زراعية لكي أبيعها، ونحن بحاجة إلى التفاتة من الدولة والمعنيين لكي نعاود نشاطنا، وإلا سنضطر إلى هجرة بساتيننا".
عودة الناس إلى الناقورة مرتبطة بعودة البنى التحتية وعلى رأسها المياه، بحسب رئيس بلدية الناقورة عباس عواضة الذي أكد للجزيرة نت أن جيش الاحتلال الإسرائيلي جرف 3 محطات مياه أساسية في البلدة بشكل كامل، وذلك بعد وقف إطلاق النار، وكذلك عمد إلى تجريف البنية التحتية، ومن ضمنها خطوط مياه الشفة التي تنقل المياه من الآبار إلى أحياء البلدة.
حلول مؤقتة أجرتها البلدية لتأمين المياه للأهالي العائدين إلى قريتهم، فقد أصلحت البلدية بئرا للمياه، وتقوم الجرارات بتوزيع المياه منه على البلدة، كما أقامت البلدية خزانات عند مداخل الأحياء لتقريب المياه للأهالي.
ويناشد رئيس بلدية الناقورة الدولة ومؤسسة مياه لبنان الجنوبي، التدخل السريع لإعادة تشغيل الآبار وبناء شبكة المياه ولو بشكل جزئي، في الأماكن التي عاد إليها السكان، فالمياه تُعتبر شريان الحياة وعنصر صمود بوجه الاحتلال، حسب كلامه.
أضرار بالملايينقيمة الأضرار الناجمة عن استهداف البنية التحتية الخاصة بالمياه في الجنوب جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان تقدّر بـ100 مليون دولار، بحسب مدير عام مؤسسة مياه لبنان الجنوبي وسيم ضاهر، إذ أكد للجزيرة نت أنه بين 30 و35 بلدة جنوبية جرى تدمير بنيتها التحتية بشكل كبير جدا، من شبكات وخزانات ومضخات.
ويشدد ضاهر على أن إعادة المياه إلى البلدات الجنوبية، وخاصة تلك الواقعة في منطقة الشريط الحدودي، أمر في غاية الأهمية، لأن عودة الأهالي مرتبطة بعودة المياه، أكان للاستعمالات المنزلية أو الزراعية أو حتى أعمال البناء
إعلانويؤكد أن المؤسسة حاضرة بكوادرها ومهندسيها وموظفيها للبدء بورش الإصلاح والبناء، ولكن هناك معضلة وهي الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، والتي لم توفر الخزانات المستحدثة في بعض القرى الجنوبية حيث استهدفتها بالمسيّرات، مطالبا الدولة بضرورة معالجة المشكلة.
ويلفت ضاهر إلى أن المؤسسة بدأت بإصلاح مضخة الطبية جنوب لبنان، والتي كانت قد تضررت بفعل الاعتداءات الإسرائيلية، وأنها ستقوم كذلك بالبدء بمشروع إعادة بناء مضخة الوزاني التي دمرتها إسرائيل بشكل كامل، لتأمين المياه إلى القرى الجنوبية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الاحتلال الإسرائیلی للجزیرة نت المیاه فی
إقرأ أيضاً:
أزمة مياه خانقة تضرب حجة ومبادرات انقاذية تعجز عن تغطية الاحتياجات
تشهد مناطق واسعة من محافظة حجة شمال غرب اليمن أزمة مياه غير مسبوقة، وسط جفاف الآبار الجوفية التي كانت المصدر الرئيسي لمياه الشرب، في ظل اتهامات متزايدة لقيادات حوثية محلية بالتورط في العبث بإمدادات المياه واستخدامها لأغراض خاصة دون مراعاة لحاجة السكان.
وفي قلب هذه الأزمة، يعيش سكان مديريات كُشر – حجور – والشرفين وضعًا إنسانيًا بالغ الصعوبة. إذ تتكرر في هذه المديريات أزمة المياه سنويًا خلال أشهر الصيف، إلا أن هذا العام سجّل مستويات مقلقة من الجفاف، بعد أن جفّت معظم الآبار السطحية التي تُعد المصدر الوحيد للمياه. وتحدث السكان عن مشقة شديدة في تأمين احتياجاتهم اليومية، وسط غياب أي بدائل حقيقية.
ووفقًا لشهادات محلية، فقد وصلت المعاناة حدًّا غير مسبوق بعد أن أصبحت القرى والمناطق الريفية عاجزة عن تأمين الحد الأدنى من المياه النظيفة.
وفي ظل غياب تدخلات رسمية، بلغ العطش ذروته، ما دفع بعض فاعلي الخير لإطلاق مبادرات عاجلة تتمثل في توفير صهاريج مياه (وايتات) تُجلب من مناطق أخرى لا تزال فيها مصادر مائية نشطة. غير أن هذه المبادرات، على أهميتها، تظل محدودة الأثر، ولا تفي بالاحتياجات المتزايدة للسكان الذين يتوزعون في ذات كثافة سكانية كبيرة.
وأفادت مصادر محلية أن سبب الجفاف الحاد يرجع بالدرجة الأولى إلى ممارسات وصفوها بـ"الهمجية"، أقدم عليها عناصر حوثية، تمثلت في حفر آبار ارتوازية بطريقة عشوائية ودون دراسة جيولوجية سليمة، ما أدى إلى استنزاف الطبقات السطحية من المياه الجوفية التي يعتمد عليها الأهالي في الشرب والاستخدام المنزلي، وحرمان القرى المجاورة من مصادرها الطبيعية.
وتتهم المصادر مليشيا الحوثي بعدم الاكتراث للأزمة، حيث لم تقدم حتى اللحظة أي خطط طارئة أو حلول تخفف من وطأة المعاناة، بل عمدت – وفقًا لشهادات الأهالي – إلى التضييق على المبادرات المجتمعية، وفرض رسوم على دخول صهاريج المياه لبعض المناطق التي تحتاج إلى دعم عاجل.
وتتزامن أزمة المياه في مديريات حجة مع ظروف معيشية متدهورة، تعاني فيها المجتمعات من ارتفاع مستويات الفقر والبطالة، إلى جانب الضغوط الاقتصادية الإضافية نتيجة فرض الجبايات القسرية، لاسيما على نبتة القات التي يعتمد عليها الأهالي كمصدر أساسي للدخل اليومي. ويؤكد السكان أن أزمة المياه ليست سوى واحدة من أوجه مأساة متكاملة، بدأت بالجفاف وامتدت إلى الجوع وسوء الرعاية الصحية.