الشركات الناشئة في سوريا.. فرص كبيرة رغم التحديات
تاريخ النشر: 8th, May 2025 GMT
دمشق – تظهر الشركات الناشئة في سوريا بوصفها أحد المحركات الجديدة للنمو الاقتصادي في واقع جديد يفرض الحاجة إلى حلول مبتكرة ومرنة تتناسب مع محدودية الموارد، وضرورة استحداث فرص عمل لا سيما للشباب والخريجين وغيرهم.
تعرف الشركات الناشئة بأنها مؤسسات صغيرة أو متوسطة، حديثة التأسيس، تقوم على أفكار مبتكرة وتسعى إلى تقديم حلول جديدة لمشكلات قائمة في السوق، أو توفير خدمات ومنتجات جديدة، وغالبًا ما ترتبط هذه الشركات بمجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي.
ويقود هذه الشركات غالبًا شباب، وتكون رافعة حيوية لإحياء الدورة الاقتصادية في المدن والمناطق المحرومة على حد سواء، حتى بالنظر إلى تجارب دول متعددة.
وفي السياق السوري، تزداد أهمية هذه الشركات في ظل محاولات الحكومة الجديدة والقطاع الخاص إيجاد حلول وطرق مبتكرة تسهم في إعادة بناء الاقتصاد.
مساهمة في النمويقول الخبير في ريادة الأعمال والشركات الناشئة أحمد سفيان بيرم للجزيرة نت إن الشركات الناشئة يمكن أن تسهم في نمو الاقتصاد السوري عبر العوامل التالية:
استحداث الوظائفتُحفز ريادة الأعمال الاقتصادات المحلية من خلال خلق فرص عمل وتمكين الأفراد من تحقيق دخل مستدام. وهذا يقلل من الاعتماد على المساعدات ويسرع جهود التعافي.
إعلانففي رواندا، لعبت الشركات الصغيرة والمتوسطة دورا محوريا في تقليل البطالة بعد الإبادة الجماعية عام 1994، وتساهم هذه الشركات الآن بأكثر من 41% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوظف أكثر من 80% من اليد العاملة.
وخلص تقييم أجراه المجلس النرويجي للاجئين في مارس/آذار 2025 إلى أن سوريا تحتاج إلى استثمارات تدعم المشاريع الصغيرة وتوفر فرص عمل في مشاريع تهتم بإصلاح البنية التحتية المدنية.
تحفيز الابتكار وحلول محلية للمشكلاتيرى سفيان أن سوريا تواجه تحديات معقدة في قطاعات مثل التعليم والطاقة والمياه والرعاية الصحية، مشيرا إلى أن الشركات الناشئة قادرة على تقديم حلول تقنية محلية وفعالة تتناسب مع الواقع السوري، مثل مشاريع الطاقة الشمسية أو التعليم عن بعد.
يرى سفيان أن البيئة الاستثمارية الصعبة في سوريا لا تمنع قيام المشاريع الريادية الناجحة التي تلفت اهتمام الداعمين الدوليين وصناديق التمويل التنموية، مما يفتح نافذة لدخول رؤوس أموال جديدة وذكية إلى سوريا.
بناء اقتصاد أكثر مرونة وشموليةيؤكد سفيان أنه من خلال تنويع مصادر الدخل، وتبني نماذج أعمال مستدامة، تساهم الشركات الناشئة في بناء اقتصاد يتكيف مع الأزمات، ويشمل شرائح واسعة من المجتمع.
من جانبه، يقول عبد الرحمن سليمان محلل الاستثمار في "ملتيبليس" (Multiples) والمرشد الاستثماري للشركات الناشئة، في مقال على منصة "لينكد إن" إن هذه الشركات تلعب دورًا حيويا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويمكنها المساهمة في توليد فرص العمل والدخل وتعزيز التماسك الاجتماعي من خلال تعزيز التعاون بين المجتمعات.
دعم العملية الإنتاجية الابتكاريةيقول الخبير في بناء المشاريع مجاهد عقيل في مقال بمنصة "لينكد إن" إن النموذج التقليدي للاقتصاد الذي يعتمد على استثمارات ضخمة وتأسيس بنى تحتية معقدة غير واقعي في بيئة محفوفة بالمخاطر مثل سوريا، وبات إقناع الشركات الكبرى أو المستثمرين الدوليين بضخ ملايين الدولارات في بلد لا يزال يتلمّس طريقه نحو الاستقرار أمرا في غاية الصعوبة.
إعلانويقترح العقيل أن تتبنى الدولة السورية نموذجا بديلا وهو "الاقتصاد التشاركي" الذي يعتمد على الاستفادة من الموارد المتوفرة لدى الناس لبناء مشروع متكامل.
وعلى سبيل المثال، وفق العقيل، إذا أراد شخص تأسيس شركة شحن تقليدية في سوريا فسيتعين عليه بناء مراكز استقبال عملاء في كل محافظة ومستودعات وشبكة توصيل يومية ونظام تتبع شحنات وأسطول شاحنات، وقد تتجاوز كلفة مثل هذا المشروع ملايين الدولارات، مع مخاطر تشغيله.
لكن في نموذج الاقتصاد التشاركي، يضيف العقيل، يمكن تأسيس المشروع الريادي التقني بتكلفة أقل عبر تطوير منصة تقنية ذكية (تطبيق على الهواتف المحمولة)، ويُسجّل الأفراد الذين يمتلكون سيارات في المنصة، ويستقبلون طلبات الشحن من العملاء عبر التطبيق، وتُقسم الأرباح بين السائق والمنصة وفق نموذج شفاف.
وعبر هذه العملية، كل من يملك سيارة بإمكانه أن يصبح جزءًا من شبكة شحن، وبهذه الطريقة تُبنى منظومة لوجستية مرنة قابلة للتوسع، وبتكلفة لا تُقارن مع الطريقة التقليدية.
ويرى العقيل أن ثمة فرصا كبيرة أمام الشركات الناشئة للاستفادة من الواقع الحالي للسوق السورية عبر استغلال ثلاثة عوامل كالتالي:
السوق المحلي غير المشبع والطلب الذي يتجاوز المعروض في كل القطاعات تقريبًا. الكلفة المنخفضة، فأي مشروع بسيط في أوروبا أو الخليج يكلف أضعاف ما قد يكلفه في سوريا من حيث الإيجارات والتوظيف والتشغيل. توفر الكوادر البشرية المؤهلة.وأشار العقيل إلى أن نجاح المشروعات الناشئة مرهون بأن يكون مناسبًا للواقع السوري الحالي.
وينصح باعتماد الشركات الناشئة على المشاريع التي تستهدف العملاء خارج سوريا مثل مشاريع التجارة الإلكترونية الموجهة للتصدير والاستفادة من قوة المنتج السوري والمنافس.
إعلانويرى العقيل أنه عندما تتحسن القدرة الشرائية للمواطنين يمكن العمل على مشاريع المنصات التجارية الإلكترونية الموجهة للداخل، والمنصات التي توفر الخدمات.
أطلق وزير الاتصالات وتقانة المعلومات السوري عبد السلام هيكل رؤية إستراتيجية بعنوان "خارطة رقمية لمستقبل سوريا"، تهدف إلى إعادة بناء وتحديث البنية التحتية الرقمية في البلاد، وتعزيز مكانتها في الاقتصاد الرقمي العالمي، وتمكين الابتكار وريادة الأعمال التقنية، ودعم الشركات الناشئة وجذب صناديق الاستثمار.
وحسب تقرير منشور على موقع "ستارت أب سوريا" (startup syria) لأحمد سفيان، فقد توصل بعد عمل استطلاع إلى وجود أكثر من 200 شركة ناشئة نشطة في سوريا حاليا، وأكثر من 300 مبادرة مجتمعية ساعدت على إبقاء أنشطة ريادة الأعمال.
وحسب التقرير، زادت نسبة السوريين الذين يعتقدون أهمية ريادة الأعمال من 26% في عام 2015 إلى 80.5% في عام 2025.
ويرى سفيان أن توسع عمل الشركات الناشئة في سوريا في الوضع الحالي يجب أن يُدعم عبر مساهمات المغتربين برأس المال والتوجيه والخبرة في ريادة الأعمال، وسد فجوات الموارد وتعزيز الابتكار.
ويشير إلى تجربة كوسوفو بعد الحرب، حيث استثمرت الجاليات في الشتات بأكثر من 500 مليون دولار في الشركات المحلية بين عامي 2000 و2010، مما حفز التعافي الاقتصادي للبلاد.
تحدياتويرى سفيان أن الشركات الناشئة في سوريا تواجه العديد من التحديات أهمها:
ندرة الاستثمار المالي، إذ يعتبر الوصول إلى التمويل محدودا، ويتم الاعتماد في غالبية المشاريع على المنح الصغيرة. الضغوط الاقتصادية المتزايدة، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن. بيئة تنظيمية غير مواتية، وعدم الوضوح في تسجيل الشركات. العقوبات والقيود على المدفوعات التي تعيق استيراد التكنولوجيا والوصول إلى الأسواق الدولية. بنية تحتية منهارة، ونقص إمدادات الكهرباء والإنترنت. ضعف الاستقرار، مما يرفع من المخاطر التشغيلية على الشركات الناشئة. إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ريادة ریادة الأعمال هذه الشرکات الشرکات ا سفیان أن
إقرأ أيضاً:
الهجرة الكبرى بماساي مارا الكينية.. لوحة برية مذهلة تقاوم التحديات
في قلب السهول العشبية جنوب غرب كينيا، وعلى امتداد يلامس حدود تنزانيا، تقع محمية ماساي مارا، إحدى أبرز وجهات الحياة البرية في أفريقيا، ومسرحا سنويا للهجرة الكبرى التي تشهد عبور أكثر من 1.5 مليون ظبي أفريقي ومئات الآلاف من الحُمُر الوحشية نحو سهول سيرينغيتي المجاورة.
خلال موسم الهجرة في يوليو/تموز، يتحول نهر مارا إلى نقطة عبور محفوفة بالمخاطر، حيث تتردد القطعان قبل القفز في المياه التي تتربص فيها التماسيح.
هذا المشهد الطبيعي الآسر لا يخلو من التحديات، إذ تثير سلوكيات بعض السياح قلقا متزايدا لدى حراس المحمية والناشطين البيئيين.
وفقا لحراس ماساي مارا، فإن تكدّس المركبات السياحية قرب مسارات الهجرة يعيق حركة الحيوانات ويثير ذعرها، مما يؤثر على سلوكها الطبيعي.
وقد أثار مقطع مصوّر من سيرينغيتي المجاورة جدلا واسعا، بعد أن ظهر فيه سياح يتركون مركباتهم لالتقاط صور ذاتية وسط غابات السافانا، في انتهاك صريح لقواعد السلامة البيئية.
يقول أحد الحراس المحليين "الطبيعة لا تُصوَّر من مسافة لصيقة.. بل تُحترم من بعيد"، في إشارة إلى ضرورة الحفاظ على مسافة آمنة بين الإنسان والحياة البرية.
في اليوم الثاني من الرحلة، بلغنا الحدود غير المرئية بين كينيا وتنزانيا، حيث تنتهي ماساي مارا وتبدأ سهول سيرينغيتي.
لا وجود لحواجز أو أسلاك، فقط فضاء مفتوح تتنقل فيه القطعان بحرية، غير عابئة بجغرافيا الإنسان، وصخرة وسط الطبيعة تشير إلى موقع الحدود بين البلدين.
هذا الامتداد الطبيعي يعكس وحدة النظام البيئي الذي يتجاوز التقسيمات السياسية.
خلال رحلات السفاري اليومية، رُصدت مشاهد آسرة لأسود تخرج من بين شجيرات الأكاسيا في ساعات الصباح الأولى، يتبعها أشبال صغيرة تخطو بتردد نحو عالم لا يرحم، إذ البقاء للأقوى.
إعلانفي لحظة نادرة، توقف الأسد ونظر نحو المركبة بصمت، وكأنما يراقب من يراقبه، قبل أن يواصل طريقه في هدوء مهيب.
كما شوهد الفهد الرشيق وهو يتسلل بخفة بين الأعشاب الطويلة، متربصا بفريسة محتملة، في مشهد يختزل دقة الغريزة وسرعة الحسم.
أما الفيلة الضخمة، فقد ظهرت في قطيع متماسك، تتقدمه أنثى مسنّة، بينما تتبعها الصغار في ترتيب دقيق يعكس تراتبية اجتماعية صارمة داخل القطيع.
الزرافات بدت أكثر هدوءا، تتنقل برشاقة بين الأشجار، في حين الجواميس والظباء تملأ السهول في حركة دائمة، وكأنها تعرف أن السكون يعني الخطر.
ورغم جمال هذه اللقاءات، فإنها تكشف عن هشاشة التوازن بين السياحة والحياة البرية. ففي أكثر من مناسبة، اقتربت المركبات السياحية بشكل مفرط من الحيوانات، ما أدى إلى اضطراب سلوكها، خاصة لدى المفترسات التي تعتمد على التخفي والصبر في الصيد.
بعض الزوار، بدافع الحماس أو الرغبة في التقاط صور مثالية، يتجاوزون التعليمات البيئية، وهذا يهدد سلامة الحيوانات ويشوّه التجربة الطبيعية.
على أطراف المحمية، زُرنا قرية صغيرة لشعب الماساي، حيث استقبلتنا النساء بالرقص والغناء، في مشهد احتفالي ينبض بالحياة، قبل الدخول إلى أحد البيوت الطينية ذات السقف المنخفض والجدران المصنوعة من خليط الطين وروث الأبقار.
تحدث السكان عن تمسكهم بالحياة التقليدية رغم التغيرات العالمية، وعن أساطيرهم التي جعلت الأسد رمزا للقوة والهيبة، لكنه ليس موضع رهبة.
فالماساي، الذين يعيشون في كينيا وتنزانيا، لا يهابون الأسود، بل هي من تخشاهم. يرتدون اللون الأحمر، ليس فقط كرمز للهوية، بل لأنه يُعتقد أن الأسود تنفر منه، ما يمنحهم حضورا مهيبا في البرية.
وفي حالات نادرة، يهاجمون الأسود التي تفترس جواميسهم، مستخدمين الرماح والسكاكين، في طقوس دفاعية تُجسد شجاعة جماعية متوارثة.
هذه المجتمعات لا تمارس الزراعة، إذ إن الفيلة تقتلع المحاصيل وتدمر الحقول، ما دفعهم إلى تبني نمط حياة رعوي تقليدي يقوم أساسا على تربية الأبقار، التي تمثل مصدر رزقهم ومقياس ثروتهم، إلى جانب الماعز والأغنام.
ويعتمد نظامهم الغذائي على الحليب الطازج أو الممزوج بالدم، واللحم الذي يُستهلك في المناسبات الخاصة، مع إدخال بعض الحبوب مثل الذرة والشاي المحلى التي بدأت تظهر ضمن النظام الغذائي في السنين الأخيرة.
يقدم شعب الماساي نموذجا فريدا للتعايش مع الطبيعة دون إخضاعها، حيث تُبنى العلاقة مع الأرض والحيوان على الاحترام والتوازن، لا على الاستغلال أو الهيمنة.
في عالم يتسارع نحو التمدن، يظل شعب الماساي شاهدا حيا على إمكانية العيش بتناغم مع البيئة، من دون أن يفقد الإنسان جوهره.
كانت الإقامة في فندق صديق للبيئة يعتمد على الطاقة النظيفة، وسط المحمية، تجربة فريدة.
إعلانفالموقع يتيح للزوار معايشة البرية ليلا ونهارا، حيث تمر الحيوانات قرب الغرف، وتُسمع أصوات المفترسات من بعيد.
لكن هذه التجربة تطرح تساؤلات حول مدى التزام السياحة البيئية بمبادئها، خاصة في ظل التوسع التجاري لبعض المنشآت.
بمساحتها التي تبلغ نحو 1510 كيلومترات مربعة وتنوعها البيئي المذهل، تظل ماساي مارا وجهة لا مثيل لها لعشاق الحياة البرية.
لكنها أيضا اختبار لمدى قدرة الإنسان على احترام الطبيعة أثناء الاستمتاع بها.
فكل مشهد ساحر تحفه قوانين الحياة البرية، وأي إخلال بها قد يهدد التوازن الذي جعل من هذه الأرض مسرحا لأحد أعظم مشاهد الطبيعة على وجه الأرض.